مباحث في علوم القرآن

مناع القطان - مناع خليل القطان

صفحة جزء
[ ص: 112 ] الاستفادة من نزول القرآن منجما في التربية والتعليم

تعتمد العملية التعليمية على أمرين أساسيين : مراعاة المستوى الذهني للطلاب . وتنمية قدراتهم العقلية والنفسية والجسمية بما يوجهها وجهة سديدة إلى الخير والرشاد .

ونحن نلحظ في حكمة نزول القرآن منجما ما يفيدنا في مراعاة هذين الأمرين على النحو الذي ذكرناه آنفا ، فإن نزول القرآن الكريم تدرج في تربية الأمة الإسلامية تدرجا فطريا لإصلاح النفس البشرية ، واستقامة سلوكها ، وبناء شخصيتها ، وتكامل كيانها ، حتى استوت على سوقها ، وآتت أكلها الطيب بإذن ربها لخير الإنسانية كافة .

وكان تنجيم القرآن خير عون لها على حفظه وفهمه ومدارسته وتدبر معانيه ، والعمل بما فيه .

وبين نزول القرآن في مطلع الوحي بالقراءة والتعليم بأداة الكتابة : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ، ونزول آيات الربا والمواريث في نظام المال ، أو نزول آيات القتال في المفاصلة التامة بين الإسلام والشرك - بين ذاك وهذا مراحل تربوية كثيرة لها أساليبها التي تلائم مستوى المجتمع الإسلامي في تدرجه من الضعف إلى القوة ، ومن القوة إلى شدة البأس .

والمنهج الدراسي الذي لا يراعى فيه المستوى الذهني للطلاب في كل مرحلة من مراحل التعليم وبناء جزئيات العلوم على كلياتها والانتقال من الإجمال إلى التفصيل ، أو لا يراعي تنمية جوانب الشخصية العقلية والنفسية والجسمية منهج فاشل لا تجني منه الأمة ثمرة علمية سوى الجمود والتخلف .

والمدرس الذي لا يعطي طلابه القدر المناسب من المادة العلمية فيثقل كاهلهم ويحملهم ما لا يطيقون حفظا أو فهما أو يحدثهم بما لا يدركون ، أو لا يراعي [ ص: 113 ] حالهم في علاج ما يعرض لهم من شذوذ خلقي أو يفشو من عادات سيئة ، فيقسو ويتعسف ، ويأخذ الأمر دون أناة وروية ، وتدرج وحكمة - المدرس الذي يفعل ذلك مدرس فاشل كذلك . يحول العملية التعليمية إلى متاهات موحشة ، ويجعل غرف الدراسة قاعات منفرة .

وقس على هذا الكتاب المدرسي ، فالكتاب الذي لا تنتظم موضوعاته وفصوله ، ولا تتدرج معلوماته من السهل إلى الصعب ، ولا تترتب جزئياته ترتيبا محكما منسقا ، ولا يكون أسلوبه واضحا في أداء المعنى المقصود ، كتاب ينفر الطالب من قراءته ، ويحرمه من الاستفادة منه .

والهدي الإلهي في حكمة نزول القرآن منجما هو الأسوة الحسنة في صياغة مناهج التعليم ، والأخذ بأمثل الطرق في الأساليب التربوية بقاعة الدرس ، وتأليف الكتاب المدرسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية