مباحث في علوم القرآن

مناع القطان - مناع خليل القطان

صفحة جزء
الاختلاف في الاحتجاج به

اختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم ، والأصح في ذلك أنها حجة بشروط ، منها :

أ- ألا يكون المذكور خرج مخرج الغالب - فلا مفهوم للحجور في قوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم ; لأن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج .

ب- ومنها ألا يكون المذكور لبيان الواقع - فلا مفهوم لقوله : ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ; لأن الواقع أن أي إله لا برهان عليه ، وقوله : " لا برهان له به " صفة لازمة جيء بها للتوكيد والتهكم بمدعي إله مع الله لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان - ومثله قوله تعالى : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ، فلا مفهوم له يدل على إباحة إكراه السيد لأمته على البغاء إن لم ترد التحصن ، وإنما قال : إن أردن تحصنا ; لأن [ ص: 247 ] الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن . وعن جابر بن عبد الله قال : " كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له : اذهبي فابغينا شيئا ، وكانت كارهة ، فأنزل الله : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ، وعن جابر أيضا : " أن جارية لعبد الله بن أبي ، يقال لها " مسيكة " وأخرى يقال لها " أميمة " . فكان يريدهما على الزنا . فشكتا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله : ولا تكرهوا فتياتكم . . . الآية .

والأمر في الاحتجاج بمفهوم الموافقة أيسر ، فقد اتفق العلماء على صحة الاحتجاج به سوى الظاهرية . أما الاحتجاج بمفهوم المخالفة فقد أثبته مالك والشافعي وأحمد ، ونفاه أبو حنيفة وأصحابه .

واحتج المثبتون بحجج نقلية وعقلية .

فمن الحجج النقلية : ما روي أنه لما نزل قوله تعالى : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد خيرني ربي ، فوالله لأزيدنه على السبعين " . . ففهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ما زاد على السبعين بخلاف السبعين .

ومنها : ما ذهب إليه ابن عباس -رضي الله عنهما- من منع توريث الأخت مع البنت استدلالا بقوله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، حيث إنه فهم من توريث الأخت مع عدم الولد امتناع توريثها مع البنت ; لأنها ولد ، وهو من فصحاء العرب ، وترجمان القرآن .

ومنها : ما روي : " أن يعلى بن أمية " قال لعمر : ما بالنا نقصر وقد أمنا : وقد قال الله تعالى : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ، [ ص: 248 ] ووجه الاحتجاج به أنه فهم من تخصيص القصر عند الخوف عدم القصر عند الأمن ، ولم ينكر عليه عمر ، بل قال : " لقد عجبت مما عجبت منه ، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك ، فقال لي : " هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته “ ، ويعلى بن أمية وعمر من فصحاء العرب ، وقد فهما ذلك ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أقرهما عليه .

ومن الحجج العقلية : أنه لو كان حكم الفاسق وغير الفاسق سواء في قوله : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا في وجوب التثبت في الخبر لما كان لتخصيص الفاسق بالذكر فائدة . وقس على ذلك سائر الأمثلة .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية