صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شيد [ ص: 4 ] بمنهاج دينه أركان الشريعة الغراء [ ص: 5 ] وسدد بأحكامه فروع الحنيفية السمحاء من عمل به فقد اتبع سبيل المؤمنين ، ومن خرج عنه خرج عن مسالك المعتبرين ، أحمده سبحانه على ما علم ، وأشكره على ما هدى وقوم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، المالك الملك الحق المبين ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، ونورا لسائر الخلائق إلى يوم الدين ، أرسله حين درست أعلام الهدى وظهرت أعلام الردى ، وانطمس منهج الحق وعفا ، وأشرف مصباح الصدق على الأنطفا ، فأعلى من الدين [ ص: 6 ] معالمه ، وسن حكم الشرع دلائله ، فانشرح به صدور أهل الإيمان ، وانزاحت به شبهات أهل الطغيان .

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحلفاء اليقين ، مصابيح الأمم ومفاتيح الكرم ، وكنوز العلم ورموز الحكم ، صلاة وسلاما دائمين متلازمين بدوام النعم والكرم .

( وبعد ) فإن العلوم وإن كانت تتعاظم شرفا وتطلع في سماء كوكبها شرفا ، وينفق العالم من خزائنها وكلما زاد ازداد رشدا [ ص: 7 ] وعدم سرفا ، فلا مرية في أن الفقه واسطة عقدها ورابطة حللها وعقدها وخالصة الرائج من نقدها ، به يعرف الحلال والحرام ، ويدين الخاص والعام ، وتبين مصابيح الهدى من ظلام الضلال وضلال الظلام ، قطب الشريعة وأساسها ، وقلب الحقيقة الذي إذا صلح صلحت ورأسها ، وأهلة سراة الأرض الذين لولاهم لفسدت بسيادة جهالها وضلت أناسها :

لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

إيه ولولاهم لاتخذ الناس رؤساء جهالا ، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ، وخبطوا خبط عشواء حيثما قاموا وحلوا وشكت الأرض منهم وقع أقدام قوم استزلهم الشيطان فزلوا ، فلله در الفقهاء هم نجوم السماء [ ص: 8 ] تشير إليهم بالأكف الأصابع وشم الأنوف ، يخضع إليهم كل شامخ الأنف رافع ، حلقوا على سور الإسلام كسوار المعصم قائلين لأهله والحق سامع :

أخذنا بآفاق السماء عليكم     لنا قمراها والنجوم الطوالع

زين الله الأرض بمواطئ أقدامهم فالشفاه تقبل خلالها ، وبإحاطة أحكامهم وإحكامهم تذكر حرامها وحلالها ، وترشف من زلالها ما حلا لها ، ولقد ساروا في مسالك الفقه غورا ونجدا ، وداروا عليه هائمين به وجدا ، فمنهم من سار على منهج منهاج الطريق الواضح أحسن سير ، وجرى في أحواله على منواله غير متعرض إلى غير ، ومنهم من جعل دأبه رد الخصوم وخصم المخالفين فلا يفوته الطائف في الأرض ولو أنه الطائر في السماء يحوم ، وإقامة الحجج والبراهين منها معالم للهدى ومصابيح للدجى [ ص: 9 ] والأخريات رجوم ، وسيد طائفة العلماء من القرن السادس وإلى هذا الحين وصاحب الفضل على أهل المشارق والمغارب ذو الفضل المبين ، الضارب مع الأقدمين بسهم والناس تضرب في حديد بارد ، فهو المعول عليه عند كل صادر ووارد ، تقدم على أهل زمنه تقدم النص على القياس ، وسبق وهي تناديه ما في وقوفك ساعة من باس ، وتصدر ولو عورض لقال لسان الحال { مروا أبا بكر فليصل بالناس } من أنفق من خزائن علمه ولم يخش من ذي العرش إقلالا هكذا هكذا وإلا فلالا ، قال : فلم يترك مقالا لقائل ، وتسامى فلم يسمع أين الثريا من يد المتناول وتعالى فكأنما هو للنيرين متطاول ، وتصاعد درج السيادة حتى فاق الآفاق وتباعد عن درجات معارضيه فساق أتباعه أمما وساق ، ومضى وخلف ذكرا باقيا [ ص: 10 ] ما سطر علمه في الأوراق ، شيخ الإسلام بلا نزاع وبركة الأنام بلا دفاع القطب الرباني والعالم الصمداني محيي الدين النووي ، تغمده الله برحمته ، ونفعنا والمسلمين ببركته بجاه محمد وآله وعترته ، قد ملأ علمه الآفاق وأذعن له أهل الخلاف والوفاق ، وأجل مصنف له في المختصرات وتسكب على تحصيله العبرات ، كتاب المنهاج من لم تسمح بمثله القرائح ، ولم تطمح إلى النسج على منواله المطامح ، بهر به الألباب وأتى فيه بالعجب العجاب ، وأبرز مخبآت المسائل بيض الوجوه كريمة الأحساب ، أبدع فيه التأليف وزينه بحسن الترصيع والترصيف ، وأودعه المعاني الغزيرة بالألفاظ الوجيزة ، وقرب المقاصد البعيدة بالأقوال السديدة ، فهو يساجل المطولات على صغر حجمه ، ويباهل المختصرات بغزارة علمه ، ويطلع كالقمر سناء ويشرق كالشمس بهجة وضياء ، ولقد أجاد فيه القائل حيث قال :

قد صنف العلماء واختصروا فلم     يأتوا بما اختصروه كالمنهاج
جمع الصحيح مع الفصيح وفاق بال     ترجيح عند تلاطم الأمواج
[ ص: 11 ] لم لا وفيه مع النووي الرافعي     حبران بل بحران كالعجاج
من قاسه بسواه مات وذاك من     خسف ومن غبن وسوء مزاج

وقال الآخر :

لقيت خيرا يا نوي     ووقيت من ألم النوى
فلقد نشا بك عالم     لله أخلص ما نوى
وعلا علاه وفضله     فضل الحبوب على النوى

جزاه الله تعالى عن صنيعه جزاء موفورا ، وجعل عمله متقبلا وسعيه مشكورا ، ولم تزل الأئمة الأعلام قديما وحديثا كل منهم مذعن لفضله ومشتغل بإقرائه وشرحه ، وعاد على كل منهم بركة علامة نوى فبلغ قصده ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فبعض شروحه على الغاية في التطويل ، وبعضها اقتصر فيه غالبا على الدليل والتعليل .

هذا وقد أردفه محقق زمانه وعالم أوانه وحيد دهره وفريد عصره في سائر العلوم ، المنثور منها والمنظوم ، شيخ مشايخ الإسلام عمدة الأئمة الأعلام جلال الدين المحلي ، تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته ، بشرح كشف به المعمى وجلا المغمى ، وفتح به مقفل أبوابه ويسر لطالبيه سلوك شعابه ، وضمنه ما يملأ الأسماع والنواظر ويحقق مقال القائل كم ترك الأول للآخر إلا أن القدر لم يساعده على إيضاحه ومنعه من ذلك خشية فجأة المقضي [ ص: 12 ] من محتوم حمامه ، فتركه عسر الفهم كالألغاز لما احتوى عليه من غاية الإيجاز ، ولقد طالما سألني السادة الأفاضل والوارثون علم الأوائل في وضع شرح على المنهاج يوضح مكنونه ويبرز مصونه ، فأجبتهم إلى ذلك في شهر القعدة الحرام سنة ثلاث وستين وتسعمائة بعد تكرر رؤيا دلت على حصول المرام ، وأردفتهم بشرح يميط لثام مخدراته ويزيح ختام كنوزه ومستودعاته ، أنقح فيه الغث من السمين ، وأميز فيه المعمول به من غيره بتوضيح مبين ، أورد الأحكام فيه تتبختر اتضاحا ، وأترك الشبه تتضاءل افتضاحا ، أطلب حيث يقتضي المقام ، وأوجز إذا اتضح الكلام ، خال عن الإسهاب الممل ، وعن الاختصار المخل ، وأذكر فيه بعض القواعد وأضم إليه ما ظهر من الفوائد ، في ضمن تراكيب رائقة وأساليب فائقة ، ليتم بذلك الأرب ويقبل المشتغلون ينسلون إليه من كل حدب ، مقتصرا فيه على المعمول به في المذهب ، غير معتن بتحرير الأقوال الضعيفة روما للاختصار في الأغلب .

فحيث أقول فيه قالا أو رجحا فمرادي به إماما المذهب الرافعي والمصنف تغمدهما الله بعفوه ومنه ، وأمطر على قبرهما شآبيب رحمته وفضله ، وحيث أطلقت لفظ الشارح فمرادي به محقق الوجود الجلال المحلي عفا عنه الغفور الودود ، وربما أتعرض لحل بعض مواضعه المشكلة تيسيرا على الطلاب مستعينا في ذلك وغيره بعون الملك الوهاب ، وحيث أطلقت لفظ الشيخ فمرادي به شيخ مشايخ الإسلام زكريا تغمده الله تعالى برحمته .

وما وجدته أيها الواقف على هذا الكتاب والمتمسك منه بما يوافق الصواب في كلامي من إطلاق أو تقييد أو ترجيح معزوا لوالدي وشيخي شيخ مشايخ الإسلام عمدة الأئمة العلماء الأعلام ، شيخ الفتوى والتدريس ومحل الفروع والتأسيس ، شيخ زمانه بالاتفاق بين أهل الخلاف والوفاق ، تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه بحبوحة جنته ، فهو المعول عليه عنده ; لأن رأيه عليه استقر ، وما عزي إليه مما يخالفه فبسبب ما هو شأن البشر ، وعمدتي في العزو لفتاويه ما قرأته منها عليه ، ثم مر عليها بنفسه ، وفي العزو لمعتمداته ما وجدته على أجل المؤلفات عنده مصححا بخطه لم يحل بينه وبين ذلك إلا السبب الناقل له لرمسه ، ووالله لم أقصد بذلك نقص أحد عن رتبته ، ولا التبحبح بنشر العلم وفضيلته ، وإنما القصد منه نصح المسلمين بإظهار الصواب خشية من آية نزلت في محكم الكتاب .

وأسأل الله من فضله أن يمن علي بإتمام هذا الشرح البديع المثال المنيع المنال ، الفائق بحسن نظامه على عقود اللآلئ ، الجامع [ ص: 13 ] لفوائد ومحاسن قل أن تجتمع في مثله من كتاب في العصر الخوال ، أسست فيه ما يعين على فهم المنقول ، وبينت فيه مصاعد يرتقى فيها قاصد النقول ، فهو لباب العقول وعباب المنقول وصواب كل قول مقبول ، مخضت فيه عدة كتب من الفن مشتهرة ومؤلفات معتبرة ، من شروح الكتاب وشروح الإرشاد وشرحي البهجة والروض وشرح المنهج والتصحيح وغيرها للمتأخرين وإخواننا السادة الأفاضل المعاصرين على اختلاف تنوعها ، فأخذت زبدها ودررها ، ومررت على رياض جملة منها على كثرة عددها ، واقتطفت ثمرها وزهرها ، وغصت بحارها فاستخرجت جواهرها ودررها ، فلهذا تحصل فيه من العلوم والفوائد ما تبت عنده الأعناق بتا ، وتجمع فيه ما تفرق في مؤلفات شتى ، على أني لا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب ، ولا ادعى أنه جمع سلامة كيف والبشر محل النقص بلا ريب وستفترق الناس فيه ثلاث فرق :

فرقة تعرف شمس محاسنه وتنكرها ، وتجتلي عرائسه وتلتقط فوائده وكأنها لا تبصرها ، ثم تتشعب قبيلتين خيرهما لا تنطق برؤيته ولا تذكرها ، والأخرى تبيت منه في نعم وتصبح تكفرها

وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا     لمن بات في نعمائه يتقلب

لعب بها شيطان الحسد وشد وثاقها الذي لا يوثق به بحبل من مسد وتصرف فيها والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في الجسد ، تصرف فيهم فنوى كل منهم السوء ولكل امرئ ما نوى وتحكم فغوى بحكمه من غوى وجرى بهم في ميدان الحسد حتى صرف عن الهدى .

وآخر من فئة ثانية يسمع كلامه ولا يفهمه ، ويسبح في بحره ولا يعلمه ، ويصبح ظمآنا وفي البحر فمه ، ومثل هذا لا يفتقد حضوره إذا غاب ، ولا يؤهل لأن يعاب إذا عاب :

وكم من عائب قولا صحيحا     وآفته من الفهم السقيم

وآخر من فئة ثالثة يغترف من بحره ويعترف ببره وبره ، ويقتطف من زهره ما هو أزهر من الأفق وزهره ، ويلزم [ ص: 14 ] الثناء عليه لزوم الخطب للمنابر والأقلام للمحابر والأفكار للخواطر ، وهذه الفرقة عزيزة الوجود ، ولئن وجدت فلعلها بعد سكن المؤلف اللحود :

وإذا أراد الله نشر فضيلة     طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت     ما كان يعرف طيب عرف العود

فالحسدة قوم غلب عليهم الجهل وطمهم وأعماهم حب الرياسة وأصمهم ، قد نكبوا عن علم الشريعة ونسوه ، وأكبوا على علم الفلاسفة وتدارسوه يريد الإنسان منهم أن يتقدم ويأبى الله إلا أن يزيده تأخيرا ويبغي العزة ولا علم عنده ، فلا يجد له وليا ولا نصيرا ، ومع ذلك فلا ترى إلا أنوفا مشمرة وقلوبا عن الحق مستكبرة ، وأقوالا تصدر عنهم مفتراة مزورة ، كلما هديتهم إلى الحق كان أصم وأعمى لهم ، كأن الله لم يوكل بهم حافظين يضبطون أقوالهم وأفعالهم ، فالعالم بينهم مرجوم تتلاعب به الجهال والصبيان ، والكامل عندهم مذموم داخل في كفة النقصان .

وايم الله إن هذا لهو الزمان الذي يلزم فيه السكوت والمصير جلسا من أجلاس البيوت ورد العلم إلى العمل ، لولا ما ورد في صحيح الأخبار { من علم علما فكتمه ألجمه الله بلجام من نار } ولله در القائل حيث قال :

ادأب على جمع الفضائل جاهدا     وأدم لها تعب القريحة والجسد
واقصد بها وجه الإله ونفع من     بلغته ممن تراه قد اجتهد
واترك كلام الحاسدين وبغيهم     هملا فبعد الموت ينقطع الحسد

[ ص: 15 ] وأسأل الله تعالى إتمام هذا التوضيح على أسلوب بديع وسبيل بالنسبة إلى كثير من أبناء الزمان منيع ، مع أن الفكر عنه بغيره مقطوع ، ولم يمكن تيسر صرف النظر له إلا ساعة في الأسبوع ، هذا وأنا معترف بالعجز والقصور ، سائل فضل من وقف عليه أن يصلح ما يبدو له من فطور ، وأن يصفح عما فيه من زلل ، وأن ينعم بإصلاح ما يشاهده من خلل ، مسبلا علي ذيل كرمه ، متأملا كلمه قبل إجراء قلمه ، مستحضرا أن الإنسان محل النسيان ، وأن الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف ، وأن الحسنات يذهبن السيئات ، فلله در القائل حيث قال :

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها     كفى المرء نبلا أن تعد معايبه



وسميته : نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج راجيا أن المقتصر عليه يستغني به عن مطالعة ما سواه من أمثاله ، وأن يدرك به ما يرجوه من آماله ، ولا يمنع الواقف عليه داء الحسد أخذ ما فيه بالقبول ، ولا استصغار مؤلفه وقصر نظره في النقول ، فقد قال القائل :

لا زلت من شكري في حلة     لابسها ذو سلب فاخر
يقول من تطرق أسماعه     كم ترك الأول للآخر

فليس لكبر السن يفضل الفائل ، ولا لحدثانه يهتضم المصيب ، وإن كان لذلك الكلام أول قائل فلله در القائل حيث قال :

وإني وإن كنت الأخير زمانه     لآت بما لم تستطعه الأوائل

[ ص: 16 ] ولقد أجاد القائل في قوله :

إني لأرحم حاسدي لفرط ما     ضمت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم     في جنة وقلوبهم في نار
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي     فكأنما برقعتها بنهار

وهذه الإطالة من باب الإرشاد والدلالة ، أعاذنا الله من حسد يسد باب الإنصاف ، وأجارنا من الجور والاعتساف ولما كانت الأعمال بالنيات وقريبا كل ما هو آت ، نويت به الثواب يوم النشور وطمعا في دعوة عبد صالح إذا صرت منجدلا في القبور ، لا الثناء على ذلك في دار الغرور .

واعلم أن التأسي بكتاب الله سنة متحتمة والعمل بالخبر الآتي طريقة ملتزمة ، وهذا التأليف أثر من آثارها وفيض من أنوارها ، فلذلك جرى المصنف كغيره على ذلك المنهج القويم والطريق المستقيم فقال :


حاشية الشبراملسي

[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

هذه حواش مفيدة جليلة وفوائد جمة جميلة ، وتحقيقات وتحريرات ، وأبحاث وتدقيقات ، أفادها علامة الأنام شيخ الإسلام أبو الضياء والنور ، نور أئمة الدين شيخ الشافعية في زمانه ، وإمام الفقهاء والقراء والمحدثين في عصره وأوانه ، من إليه المنتهى في العلوم العقلية والنقلية ، واستخراج نتائج الأفكار الصحيحة بقريحته المتلألئة المضيئة ، أستاذ الأستاذين ، نور أئمة الدين ، الأستاذ أبو الضياء والنور [ علي الشبراملسي ] أدام الله النفع به وبعلومه الباهرة ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

أملاها على شرح منهاج الإمام النووي للعلامة شيخ الإسلام ، محمد شمس الأئمة والدين ابن شيخ الإسلام أحمد شهاب الدين الرملي تغمدنا الله وإياهم برحمته ورضوانه آمين ، ثم أشار بتجريدها من هوامش نسخة مستمليه العمدة الشيخ أحمد الدمنهوري ، بعد أن كتبها من لفظه ، وقرأها عليه المرة بعد الأخرى عند مطالعة دروسه وتقاسيمه بالجامع الأزهر ، نفع الله بها بمنه وكرمه آمين .

( قوله : الحمد لله الذي شيد ) أي رفع ، وفيه استعارة تصريحية تبعية ، وذلك لأنه شبه إظهار ما بني عليه [ ص: 4 ] الإسلام برفع البناء وتقويته بالشيد رفعا تاما ، واستعار له اسمه وهو التشييد . وفي المختار : الشيد بالكسر كل شيء طليت به الحائط من جص وبلاط ، وشاده جصصه من باب باع ، والمشيد بالتخفيف المعمول بالشيد ، والمشيد بالتشديد المطول ا هـ .

ومنه يعلم صحة كونه استعارة من حيث إنه شبه إظهاره بتشييد البناء الذي هو تطويله ، هذا ويجوز أن يكون مجازا مرسلا من باب إطلاق الملزوم وهو التشييد وإرادة لازمة وهو التقوية ( قوله : بمنهاج دينه ) أي بالطريق الموصلة إلى دينه وهو ما شرعه الله من الأحكام ، والمراد بالطريق الموصلة إليه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث الأحكام وغير ذلك من الأدلة والأئمة الذين قاموا بإظهار ذلك وتحريره ونقله ، وحينئذ فالمراد بالشريعة مضافة للأركان هو ما شرعه الله من الأحكام ، فهو عين الدين المفسر بما مر ، فكأنه قال الذي أظهر بالطريق الموصلة إلى ما شرعه الله من الأحكام أركان ذلك الشرع ، وإنما أقام الظاهر الذي مرجعه الدين مقام المضمر وهو لفظ الشريعة ليصفه بالغراء .

وحينئذ فالمراد بالأركان : الأجزاء التي اشتملت الأحكام المشروعة عليها كوجوب الصلاة أو الصلاة نفسها ، ويكون إطلاق الحكم عليها مجازا من باب إطلاق اسم المتعلق بالكسر على اسم المتعلق بالفتح ( قوله : الشريعة الغراء ) هي في الأصل تأنيث الأغر وهو اسم للفرس الذي في جبهته بياض [ ص: 5 ] فوق الدرهم لكنها تطلق على المشهور والخيار وهو المراد هنا ( قوله : وسدد بأحكامه ) أي الله أو الدين ، وعلى الثاني فالإضافة بيانية بناء على أن الدين ما شرعه الله من الأحكام ، وهو ما رجحه الشارح فيما يأتي في شرح قول المصنف في الدين إلخ ( قوله : فروع الحنيفية ) أي الملة الحنيفية والحنيف المائل عن الباطل إلى الحق ( قوله : السمحاء ) أي السهلة ( قوله : فقد اتبع سبيل المؤمنين ) أي طريقهم الموصلة إلى الحق وهو دين الإسلام ( قوله : ومن خرج عنه ) وفي نسخة وقف : أي حبس نفسه عنه بأن لم يعمل به ( قوله : على ما علم ) ما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف ، والمعنى على تعليمه أو على الذي علمه ( قوله : على ما هدى ) ما مصدرية أيضا ( قوله : وقوم ) أي أصلح ، وهذان الفعلان منزلان منزلة اللازم كما في فلان يعطي ، والمعنى على هدايته وتقويمه .

( قوله : المالك ) من الملك بالكسر وهو التعلق بالأعيان المملوكة ، والملك من الملك بالضم وهو التصرف بالأمر والنهي ، فكأنه قيل : المالك لجميع الموجودات المتصرف فيها بالأمر والنهي ( قوله : ونورا لسائر الخلائق ) عطف مغاير للرحمة مفهوما ، فإن النور في الأصل كيفية تدركها الباصرة أولا ، وبواسطتها تدرك سائر المبصرات ، وهو في حقه صلى الله عليه وسلم بمعنى منور ، فهو مساو للرحمة من حيث الماصدق أو هو من جزئياتها ( قوله : حين درست ) أي عفت ، يقال درس الرسم عفا وبابه دخل ، ودرسه الريح وبابه نصر يتعدى ويلزم ا هـ مختار .

فعلى اللزوم هو مبني للفاعل وعلى التعدي للمفعول ( قوله : أعلام الهدى ) أي آثاره ، وفي المختار العلم بفتحتين العلامة ، وهو أيضا الجبل وعلم الثوب والراية ( قوله وظهرت أعلام الردى ) بالقصر ، يقال ردي بالكسر كصدي : أي هلك انتهى مختار . وفي القاموس : ردى كرمى ( قوله : وانطمس منهج الحق ) أي خفي ( قوله : وعفا ) أي ذهب ( قوله وأشرف ) أي قارب ( قوله : فأعلى من الدين ) أي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو عطف على أرسل عطف مسبب على سبب [ ص: 6 ] قوله : معالمه ) أي علاماته وفي المختار المعلم الأثر يستدل به على الطريق انتهى ( قوله : فانشرح به ) أي بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو عطف مسبب على سبب ( قوله : وانزاحت به ) أي اندفعت وهو مطاوع زاح ، تقول زحته فانزاح بمعنى نحيته .

قال في المصباح : زاح الشيء عن موضعه يزوح زوحا من باب قال ، ويزيح زيحا من باب سار تنحى ، وقد يستعمل متعديا بنفسه فيقال زحته ، والأكثر أن يتعدى بالهمزة فيقال أزحته إزاحة ا هـ .

( قوله : خلفاء الدين ) أي الذين صاروا خلفاء على الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم أو الذين استخلفهم النبي صلى الله عليه وسلم أو الله ،

وفي المصباح : خلفت فلانا على أهله وماله خلافة صرت خليفته ، وخلفته جئت بعده ، والخلفة بالكسر اسم منه كالقعدة لهيئة القعود ، واستخلفته جعلته خليفة ، فخليفة يكون بمعنى فاعل وبمعنى مفعول ( قوله : وحلفاء اليقين ) يحتمل أن الإضافة فيه لأدنى ملابسة ، وذلك أنهم لما عاهدوه ووفوه بعهودهم كانوا كالمقسمين بأيمان ووفوا بها فجعلهم حلفاء وأضافهم إلى اليقين ، ويحتمل أنه شبههم في انقيادهم للرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفتهم له بالمتحالفين على أمر متيقن لا يتخلفون عنه ، فتكون استعارة تصريحية تبعية .

( قوله : وكنوز العلم ) وفي نسخة : وكنوز أهل الحكم ، وعلى كل فالمراد بالكنز هنا المحل الذي يحفظ فيه العلم وفي الأصل المال المكنوز ، فهو مجاز من باب تسمية المحل باسم الحال فيه ، ولو عبر بالمعادن لكان أولى لأنها جمع معدن وهو المكان ( قوله : ورموز الحكم ) أي هم رموز للحكم لاستفادتها وأخذها منهم ، وسماهم رموزا ; لأنهم يشيرون إليها ببيان بعض الأحكام ; لأنهم لم يتصدوا لتدوينها ، بل كانوا يجيبون عما سئلوا عنه بحسب الوقائع ، والرمز : الإشارة والإيماء بالشفتين والحاجب ( قوله : تتعاظم شرفا ) أي في المقدار : أي لا يعظم عندها شيء ، لكن الفقه أشرفها كما يأتي في قوله فلا مرية إلخ ( قوله : شرفا ) قال في المختار : الشرف بفتح الشين والراء : العلو والمكان العالي ، ثم قال : وشرفة القصر واحدة الشرف كغرفة وغرف ا هـ .

وعليه فينبغي أن يضبط قوله تتعاظم شرفا بالفتح ، وقوله كواكبها شرفا بضم الشين وفتح الراء ; والمعنى : أنها وإن تعاظمت في علو المقدار وطلعت أماكن الكواكب المرتفعة فلا مرية إلخ ( قوله : وكلما زاد ) أي في الاتفاق ( قوله : ازداد رشدا ) بضم الراء وسكون الشين وفتحهما ، وعبارة المختار [ ص: 7 ] رشد يرشد مثل قعد يقعد ورشدا بضم الراء ، وفيه لغة أخرى من باب طرب ا هـ ( قوله : وعدم سرفا ) قال في المصباح : أسرف إسرافا جاوز القصد ، والسرف بفتحتين اسم منه ، وسرف سرفا من باب تعب جهل أو غفل فهو سرف ، وطلبتهم فسرفتهم بمعنى أخطأت أو جهلت ( قوله : فلا مرية ) الفاء زائدة في خبر إن ، وجملة وإن كانت معترضة بين الاسم والخبر ، والمرية الشك .

قال في المختار : المرية الشك ، وقد يضم ، وقرئ بهما قوله تعالى { فلا تك في مرية منه } .

( قوله : واسطة عقدها ) أي أشرفها والعقد بالكسر القلادة ( قوله : به يعرف ) أي بالفقه يعرف ( قوله : ويدين به الخاص والعام ) أي يتعبد به إلخ ، ويقال دانه يدينه دينا بالكسر : أذله واستعبده فدان ا هـ مختار ( قوله : وتبين مصابيح إلخ ) أي تظهر به إن قرئ بالتاء ، فإن قرئ بالياء كما في بعض النسخ فلا تقدير ; لأن فاعله يعود على الفقه ، والمعنى : أنه يظهر مصابيح الهدى ويميزها ( قوله : وأساسها ) كالتفسيري ; لأن قطب الشيء هو أصله الذي يرجع إليه ، ومنه قطب الرحا وقطب القوم سيدهم الذي يدور عليه أمرهم ويرجع إليه ( قوله ورأسها ) أي الذي هو منها كالرأس حقيقة ( قوله سراة الأرض ) أي ساداتهم جمع سري وهو بفتح السين .

قال في المختار : وهو جمع عزيز إذ لم يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره ا هـ بحروفه .

وفي المصباح : والسري الرئيس والجمع سراة ، وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد له نظير ; لأنه لا يجمع فعيل على فعلة ، وجمع السراة سروات ا هـ ( قوله : لا سراة لهم ) صفة كاشفة لفوضى .

وفي المختار : قوم فوضى بوزن سكرى لا رئيس لهم ا هـ ( قوله : إيه ) اسم فعل أي زدني ( قوله : خبط عشواء ) قال في المختار : العشواء الناقة التي لا تبصر ما أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء . وركب فلان العشواء : إذا خبط أمره على غير بصيرة .

وفي المصباح : عشي عشا من باب تعب ضعف بصره فهو أعشى والمرأة عشواء ا هـ ( قوله : وشكت الأرض منهم ) هو استعارة بالكناية ، فإنه شبه الأرض بالعقلاء الذين يتظلمون وأثبت لها الشكاية تخييلا ( قوله : وقع أقدام قوم ) بدل من المجرور بمن بدل اشتمال فهو بالجر أو من الجار والمجرور فيكون منصوبا ، وقوله قوم من إقامة الظاهر مقام المضمر ، وكأنه ليصفهم بقوله استزلهم الشيطان إلخ ( قوله : الشيطان ) قال بعضهم : الشيطان كل جني كافر سمي شيطانا ; لأنه شطن : أي بعد عن رحمة الله . وقيل ; لأنه شاط بأعماله : أي احترق بسببها .

قال الجاحظ : الجني إذا كفر وظلم وتعدى وأفسد فهو شيطان ، فإن قوي على حمل المشاق والشيء الثقيل وعلى استراقة السمع فهو مارد ، فإن زاد على ذلك فهو عفريت ، كذا قاله بعض شراح البردة عند قول المصنف : وخالف النفس والشيطان واعصهما . ( قوله : فلله در الفقهاء ) صيغة مدح . قال في شرح التوضيح : إنه كناية عن فعل الممدوح الصادر ، وإنما أضاف الفعل إلى الله تعالى قصدا لإظهار التعجب منه ; لأنه [ ص: 8 ] تعالى منشئ العجاب ، فمعنى قولهم لله دره ، فارسا : ما أعجب فعله ، ويحتمل أن يكون التعجب من لبنه الذي ارتضعه من ثدي أمه : أي ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة ا هـ . ( قوله : تشير إليهم بالأكف الأصابع ) فالأصابع فاعل أشارت ، وبالأكف ظرف مستقر حال منها : أي أشارت الأصابع حالة كونها مع الأكف ، يريد أن الإشارة وقعت بمجموع الأصابع والأكف ا هـ دماميني . وقال بعضهم : إن فيه قلبا والأصل أشارت الأكف بالأصابع ( قوله شم الأنوف ) هو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، واللام في الأنوف عوض عن المضاف إليه : أي أنوفهم شم جمع أشم . قال في المصباح الشمم ارتفاع الأنف ، وهو مصدر : من باب تعب ، فالرجل أشم والمرأة شماء مثل أحمر وحمراء ا هـ .

وقال في القاموس : والأشم السيد والمنكب المرتفع ( قوله : شامخ ) قال في القاموس : شمخ الجمل علا وطال ، والرجل بأنفه تكبر ( قوله : حلقوا ) أحاطوا به وداروا حوله كدوران السوار على المعصم . وفي النهاية : فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق : أي بتشديد اللام بأصبعيه الإبهام والتي تليها ، وعقد عشرا : أي بأن جعل رأس السبابة في وسط الإبهام ا هـ منه ( قوله غورا ونجدا ) المعنى : يبحثون عن الأحكام خفاياها وجلاياها كأنهم ساروا في تحصيل ذلك في الطرقات المنخفضة والمرتفعة ، والغور في الأصل : قعر كل شيء ، والنجد ما ارتفع من الأرض ا هـ مختار ( قوله : من سار على منهج إلخ ) يتأمل معنى هذا التركيب ، فإن كلا من المنهج والمنهاج معناه الطريق الواضح ، ولعله أراد بالطريق الذي عبر عنه بالمنهج ما يتوصل به لاستنباط الحكم من الدليل ، وبالطريق الذي عبر عنه بالمنهاج الأدلة أنفسها كالكتاب والسنة ، وبالطريق الواضح دين الإسلام ، كما أطلق عليه الصراط في قوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم } .

( قوله : ومنهم من جعل دأبه ) أي شأنه وعادته كالمصنف ( قوله : رد الخصوم ) أي من أراد الطعن فيما ذهبوا إليه من الأحكام الشرعية ، وقوله فلا يفوته الطائف : أي لا يفوته من أبدى شبهة وإن بعد وانتهى في البعد إلى أن أشبه الطائر في السماء ( قوله : وخصم المخالفين ) أي غلبهم .

قال في المصباح : خاصمته مخاصمة وخصاما وخصمته أخصمه من باب قتل : إذا غلبته في الخصومة ، وقال في غلب غلبه غلبا من باب ضرب والاسم الغلب بفتحتين والغلبة أيضا ( قوله : منها معالم للهدى ) أي من البراهين : يعني أن أدلتهم منها ما قصد به إثبات ما ذهبوا إليه من الحق [ ص: 9 ] الواضح ، ومنها ما قصد به إبطال شبه المبطلين ، فأشبهت الشهب التي ترجم بها الشياطين المسترقون للسمع ( قوله : والأخريات رجوم ) أي كالحجارة يرمى بها وهي ما تقدم من قولنا ، ومنها ما قصد به إبطال إلخ ( قوله : وسيد ) مبتدأ خبره قوله الآتي القطب الرباني إلخ

حاشية الشبراملسي

( قوله : من القرن السادس ) الصواب القرن السابع لا السادس ، فقد صرح ابن السبكي وغيره بأنه مات في سنة ست وسبعين وستمائة عن نحو ست وأربعين سنة ا هـ .

ويمكن الجواب بأن المراد من آخر القرن السادس ; لأنه لما كانت ولادته في القرن السابع وكثيرا ما تمتد حياة من كان موجودا في القرن السادس إلى زمن ولادة المصنف ، ويستفيد مما قاله بعد ولادته فتكون له السيادة على من استفاد منه من أهل القرن السادس ، بل وعلى كثير ممن كان موجودا من كثير من الأئمة ، وتميز عليهم المصنف بفضيلته ، كأنه حصلت له السيادة على أهله جميعا ، فتكون سيادته من أوله وهو عقب القرن السادس وما اتصل به مما قبله ( قوله عند كل صادر ووارد ) قال في المصباح : صدر القول صدورا من باب قعد وأصدرته بالألف وأصله الانصراف ، يقال صدر القوم وأصدرناهم : إذا صرفتهم ، وصدرت من الموضع صدرا من باب قتل : رجعت ا هـ .

وفيه ورد البعير وغيره الماء يرده ورودا : بلغه ووافاه من غير دخول ، وقد يكون دخولا ، والاسم الورد بالكسر ، وأوردته الماء والورد خلاف الصدر ، والإيراد خلاف الإصدار انتهى ( قوله وهي تناديه ) أي أهل زمنه ، وأنث لكون الأهل بمعنى الجماعة ( قوله : ولو عورض ) أي أراد أحد أن يعارضه ( قوله : لقال لسان الحال ) أي في حقه ( قوله : قال ) أي تكلم ذلك الإمام فلم يترك إلخ ( قوله : وتسامى ) أي ارتفع ، وقوله فلم يسمع : أي فكأنه يشير إلى أنه لشدة علوه صعد السماء فلم يسمع لكمال بعده قول القائل في حقه : أين الثريا إلخ ( قوله : وتعالى ) عطف تفسير على تسامى ( قوله : متطاول ) أي مناظر لهما في العلو والنور ( قوله : حتى فاق الآفاق ) أي أهل جميع النواحي ، فهو كقوله تعالى واسأل القرية ( قوله : فساق أتباعه أمما ) أي أولهم وآخرهم ، فهو تمييز لأتباعه وهو بفتح الهمزة ، وقوله وساق : أي خلف ، وهذا مأخوذ من قولهم ساقة الجيش لمؤخرهم كما في مختار الصحاح [ ص: 10 ] قوله : ما سطر علمه في الأوراق ) أي مدة تسطير ما ألفه في الأوراق ( قوله : القطب الرباني ) أي المتأله والعارف بالله تعالى ا هـ مختار . والمتأله المتعبد كما في المصباح . وقال الشيخ في الكتاب المذكور أيضا : الرباني المنسوب إلى الرب : أي المالك . وقال ابن حجر في شرح الأربعين : الرباني هو من أفيضت عليه المعارف الإلهية فعرف ربه وربى الناس بعلمه انتهى . فما ذكره مبين للمراد بالنسبة إلى الرب ( قوله : والعالم الصمداني ) أي المنسوب إلى الصمد : أي المقصود في الحوائج ، قاله شيخ الإسلام في شرح الرسالة القشيرية ا هـ .

ولعل المراد هنا من النسبة أنه يعتمد في أموره كلها على الله بحيث لا يلتجئ إلى غيره تعالى في أمر ما ا هـ ( قوله : محيي الدين ) لقبه واسمه يحيى ( قوله : وعترته ) بالمثناة الفوقية ، والعترة كما في المختار نسل الرجل ورهطه الأدنون ا هـ ( قوله : وأذعن له ) أي انقاد ( قوله : على تحصيله ) أي حفظه ( قوله : العبرات ) أي الدموع ( قوله : كتاب المنهاج من لم إلخ ) أي كتاب من لم إلخ نزله منزلة العاقل فعبر عنه بمن لكثرة الانتفاع به كما ينتفع بأصحاب الرأي فيكون استعارة مصرحة ( قوله : ولم تطمح ) أي تلتفت ، وعبارة المختار : طمح بصره إلى الشيء : ارتفع ، وبابه خضع ، وطماحا أيضا بالكسر ا هـ ( قوله : بهر به ) أي غلب به ا هـ مختار .

وفي المصباح : بهره بهرا من باب نفع : غلبه وفضله ، ومنه قيل للقمر الباهر لظهوره على جميع الكواكب ( قوله : بالعجب العجاب ) أي بالشيء الغريب بالنسبة لأمثاله مما هو على حجمه ، فالعجاب وصف قصد به المبالغة قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى { إن هذا لشيء عجاب } : أي بليغ في العجب ، فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة ا هـ ( قوله : والترصيف ) قال الدماميني في الترصيف ما حاصله : لم يسمع الفعل في هذه المادة إلا مجردا ، يقال رصفت الحجارة بالتخفيف رصفا : إذا وضعت بعضها على بعض . وقال في المختار : بابه نصر ، وقال فيه أيضا : الترصيع التركيب ا هـ ( قوله فهو يساجل ) أي يعطي كعطائها : أي يفيد كإفادتها ، وأصله يغالب في الإعطاء فيغلب غيره وهو بالجيم مختار ( قوله : ويباهل المختصرات ) أي يغالب ( قوله : ويطلع ) بابه دخل مختار ( قوله كالقمر سناء ) بالمد : أي شرفا [ ص: 11 ] ورفعة مختار ، فهو تمييز أو منصوب على نزع الخافض ( قوله مات ) أي هلك حسرة ( قوله : من خسف ) وفي نسخة حنق ، ومعنى ما في الأصل أنه مات من التغير الذي حصل له المشبه لذهاب ضوء القمر ، ومعنى الثاني الغيظ ، يقال حنق حنقا من باب تعب اغتاظ ( قوله : وعلا علاه ) وفي نسخة عداه فضله : أي علا فضله على أعدائه ( قوله : بركة علامة نوى ) كان الظاهر أن يقول بركته ، لكنه أقام الظاهر مقام الضمير لما اشتمل عليه ( قوله جلال الدين ) كان مولده سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، ومات من أول يوم من سنة أربع وستين وثمانمائة وعمره نحو ثلاث وسبعين سنة ، وأخذ الفقه عن الشيخ عبد الرحيم العراقي ، وهو عن الشيخ علاء الدين العطار ، وهو عن الإمام النووي ( قوله : المعمى ) في بعض النسخ بعده : وزاح به ، بدل قوله : وجلا به المغمى ( قوله : سلوك شعابه ) أي طرقه الضيقة كذا قيل . قال في المصباح : الشعب بالكسر الطريق ، وقيل الطريق في الجبل والجمع شعاب ا هـ .

وعليه فإنما يظهر التقييد بالضيقة على الثاني ; لأن من شأن الطريق بين الجبلين ذلك ، وأما على الأول فالمتبادر التفسير بالطرق لا بقيد ( قوله : فجأة المقضي ) عبارة المصباح فجئت الرجل أفجأه مهموز من باب تعب ، وفي لغة بفتحتين جئته بغتة ، والاسم الفجاءة بالضم والمد ، وفي لغة وزان تمرة ، وفجئه الأمر من بابي تعب ونفع [ ص: 12 ] أيضا ، وفاجأه مفاجأة : أي عاجله ا هـ ( قوله : من محتوم حمامه ) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى : خشية فجأة موته المحقق ( قوله : سنة ثلاث وستين وتسعمائة ) وقال ابن حجر : إن شروعه في شرحه كان في ثاني عشر محرم الحرام سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ( قوله : وأردفتهم بشرح يميط ) أي يزيل ( قوله : الغث من السمين ) أي أبين الجيد من الرديء ، والغث بفتح الغين المعجمة وبالمثلثة : المهزول ( قوله تتضاءل ) أي تضعف ( قوله : خال عن الإسهاب ) أي التطويل ( قوله : بحبوحة جنته ) أي وسطها ( قوله ما هو شأن البشر ) أي من السهو ( قوله : وبين ذلك ) أي المصحح عليه وهو شرح الروض ( قوله : ولا التبحبح ) أي الفرح وهو بالحاء المهملة ، يقال بحبحه فبحبح أفرحه ففرح ا هـ مختار ( قوله : نزلت في محكم الكتاب ) أي في شأن كتم العلم وهي قوله تعالى { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات } الآية ( قوله : المنيع المنال ) أي المنيع العطاء .

والمعنى : أن مسائله لعزتها كأنها ممنوعة [ ص: 13 ] على غيره من الكتب ( قوله : أسست فيه ) أي ذكرت

وفي المصباح أسسته تأسيسا جعلت له أساسا : أي أصلا ( قوله : وعباب المنقول ) أي بحره ( قوله : مخضت فيه إلخ ) أي انتخبتها وأخذت خالصها من مخضت اللبن إذا أخذت زبده من باب قطع ونصر وضرب ا هـ مختار ( قوله : وشرحي البهجة والروض ) أي لشيخ الإسلام رحمه الله ( قوله : الأفاضل المعاصرين ) أي كابن حجر والخطيب ( قوله : ما تبت عنده إلخ ) أي تقطع قبل وصولها إليه أي من أراد أن يناظره هلك قبل وصوله إليه ، وكنى بذلك عن عجزه عن معارضته .

( قوله : لا تنطق برؤيته ) وفي نسخة بريبة : أي بتهمة له فيما نقله ( قوله : لمن بات في نعمائه يتقلب ) فاعل يتقلب مستتر يعود على من بات حاسدا والمعنى : من بات يتقلب في نعم شخص أولاها إليه وهو يحسد ذلك المنعم فهو أظلم أهل الظلم ( قوله : بحبل ) متعلق بقوله وشد إلخ ( قوله : فنوى كل منهم السوء ) أي بأن نوى في نفسه انتقاصه فذكر له مساوي ليست مطابقة للواقع حسدا وإرادة أن الناس يتركونه ( قوله في ميدان الحسد إلخ ) الميدان بفتح الميم وكسرها كما في القاموس ( قوله : حتى صرف عن الهدى ) [ ص: 14 ] أي من غوى ( قوله : أتاح لها لسان حسود ) أي هيأ .

قال في القاموس : تاح له الشيء يتوح تهيأ كتاح يتيح وأتاحه الله فأتيح ا هـ ( قوله عرف العود ) هو بالفتح . قال في المختار : والعرف الريح طيبة أو منتنة ا هـ ( قوله فالحسدة قوم غلب عليهم إلخ ) من هنا إلى آخر الأبيات الثلاثة الآتية مأخوذ من آخر الإتقان للسيوطي برمته وحروفه ( قوله : قد نكبوا عن علم الشريعة ) أي تحولوا وبابه نصر ( قوله : إلا أنوفا مشمرة ) أي مرفوعة . قال في المصباح : شمر ثوبه رفعه : أي فالفاعل رافع والمفعول مرفوع ( قوله : أقوالهم وأفعالهم ) وفي نسخة وأعمالهم ( قوله : فالعالم بينهم مرجوم ) كذا في النسخ ، والذي في الإتقان المأخوذ منه هذه العبارة موجوم بالواو . قال في المطالع : وجم يجم وجوما وهو ظهور الحزن وتقطيب الوجه مع ترك الكلام انتهى .

( قوله : داخل في كفة النقصان ) بكسر الكاف وفتحها ا هـ مختار ( قوله : وايم الله ) أي يمين الله .

وفي المصباح : ايمن اسم استعمل في القسم والتزم رفعه كما التزم رفع لعمر الله ، ثم قال : وقد يختصر منه فيقال وايم الله بحذف الهمزة والنون ( قوله : من أجلاس البيوت ) كناية عن ملازمة البيوت وهو بالجيم ، وفي نسخة بالمهملة ، وعبارة المختار في فصل الحاء من باب السين المهملة حلس البيت كساء يبسط تحت حر الثياب ، وفي الحديث { كن حلس بيتك } أي لا تبرح منه انتهى ، وبه يعلم أن نسخة الحاء المهملة أولى لمطابقتها لما في الحديث . وفي المختار أيضا في فصل الجيم من باب السين المهملة : ورجل جلسة بوزن همزة : أي كثير الجلوس ، والجلسة بالكسر الحال التي يكون الجالس عليها وجالسه فهو جلسه وجليسه كما تقول خدنه وخدينه ، وهو صحيح هنا أيضا لكن الأول أظهر ( قوله : ورد العلم إلى العمل ) أي قصره على العمل به لنفسه ( قوله تعب القريحة ) أي الطبع . قال في القاموس : القريحة أول ماء [ ص: 15 ] يستنبط من البئر كالقرح وأول كل شيء ومنك طبعك ( قوله : أن يصلح ما يبدو له من فطور ) أي خلل من فطره إذا شقه : أي خلله ، وهذا من المؤلفين كناية عن طلب محاولة الأجوبة عما يرد عليهم من الاعتراضات ، وليس ذلك إذنا في تغيير كتبهم على الحقيقة ، ولو انفتح ذلك الباب لبطل الوثوق بأخذ شيء من كلامهم ، وذلك ; لأن كل من طالع وظهر له شيء غير إلى ما ظهر له ويجيء من بعده يفعل مثله ، وهكذا فلا يوثق بنسبة شيء إلى المؤلفين لاحتمال أن ما وجده مثبتا في كلامهم يكون من إصلاح بعض من وقف على كتبهم ، ولا ينافي ما قررناه قوله قبل إجراء قلمه المشعر بأنه يصلح ما فيه حقيقة لجواز أن يريد به الأمر بالتأمل قبل إظهار الاعتراض عليه والمبالغة فيه . هذا وليس كل اعتراض سائغا من المعترض ، وإنما يسوغ له اعتراض بخمسة شروط كما قاله الأبشيطي ، وعبارته : لا ينبغي لمعترض اعتراض إلا باستكمال خمسة شروط ، وإلا فهو آثم مع رد اعتراضه عليه : كون المعترض أعلى أو مساويا للمعترض عليه ، وكونه يعلم أن ما أخذه من كلام شخص معروف ، وكونه مستحضرا لذلك الكلام ، وكونه قاصدا للصواب فقط ، وكون ما اعترضه لم يوجد له وجه في التأويل إلى الصواب انتهى .

أقول : وقد يتوقف في الشرط الأول ، فإنه قد يجري الله على لسان من هو دون غيره بمراحل ما لا يجريه على لسان الأفضل ( قوله : من شيم الأشراف ) أي خصالهم ( قوله : كفى المرء نبلا ) أي شرفا وفضلا وهو بضم النون كما في المختار ( قوله : من تطرق ) في نسخة من تقرع ، وكل منهما يحتمل أنه بالياء التحتية وبالتاء الفوقية ، فالضمير على الأول راجع للشكر ، وعلى الثاني للحلة ( قوله : يفضل الفائل ) هو بالفاء معناه المخطئ في رأيه . قال في القاموس في فصل الفاء من باب اللام : قال رأيه يفيل فيولة وفيلة أخطأ وضعف كتفيل ، وفيل رأيه قبحه وخطأه ، ورجل فيل الرأي بالكسر والفتح وككيس ، وفاله وفائله وفال من غير إضافة ضعيفة والجمع أفيال ، وفي رأيه فيالة وفيولة ومفايلة ، والفيال بالكسر والفتح لعبة وتقدم في فأل ، فإذا أخطأ قيل قال رأيك انتهى . وما ذكره من أنه بالفاء هو المناسب لقوله بعد يهتضم المصيب ( قوله : ولا لحدثانه ) أي صغره ( قوله : وإني وإن كنت الأخير زمانه ) مرفوع على أنه [ ص: 16 ] فاعل الأخير بمعنى الذي تأخر زمانه وتجوز فيه الإضافة ( قوله : من الأوغار ) أي حرارات الصدور ( قوله : طريقة ملتزمة ) أي بين القوم ( قوله : من آثارها ) أي الطريقة

حاشية المغربي

[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين وإمام المتقين ، القائل ، وهو الصادق الأمين { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين } وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين .

[ أما بعد ] فيقول العبد الضعيف " أحمد بن عبد الرزاق بن محمد بن أحمد المغربي ثم الرشيدي " : هذه بنات أفكار وخرائد أبكار تتعلق بنهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، لسيدنا ومولانا شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الناس في هذا الحين شمس الملة والدين محمد بن مولانا شيخ الإسلام بلا نزاع ، وخاتمة المحققين بلا دفاع أبي العباس أحمد بن حمزة الرملي ، تغمدهما الله برحمته ، وأسكنهما فسيح جنته ، مما أجراه قلم التقدير على يد العبد الفقير ، غالبها ملتقط من درس شيخي وأستاذي وقدوتي وملاذي البدر الساري والكوكب النهاري محقق الزمان ومدقق الوقت والأوان مولانا وسيدنا شيخ الإسلام الشيخ عبد الرحمن بن ولي الدين البرلسي ، أمتع الله الوجود بعلومه ، وأقر [ ص: 4 ] أعين أهل العلم بوافر فهومه عند قراءته للكتاب المرقوم على وجه العموم ، مع مذاكرة إخوان الصفاء وخلان الوفاء ممن عادت عليه بركة ذلك المجلس السعيد بثغر رشيد ، جعله الله وسائر بلاد المسلمين دار إسلام إلى يوم القيامة وحماه ممن قصده بسوء ورامه ، دونتها لتستفاد ويعم نفعها إن شاء الله تعالى بين العباد ، أقتصر فيها على ما يتعلق بألفاظ الكتاب وما فيه من الأحكام ، وأوجز الكلام حسب الطاقة إلا حيث اقتضى المقام ، لا أتعرض فيها لما تكلم عليه شيخنا بركة الوجود ومحط رحال الوفود ، المجمع على أنه في هذا الوقت الجوهر الفرد والإمام الأوحد ، قاموس العلوم وقابوس الفهوم ، البصير بقلبه مولانا شيخ الإسلام نور الدين علي الشبراملسي ، أمتع الله الوجود بحياته ، وعاد علي وعلى المسلمين من بركاته ولحظاته فيما أملاه على هذا الكتاب لأن ذلك مفروغ منه ، والغرض تجديد الفائدة للطلاب إلا حيث سنح للخاطر ما تظهر نكتته للناظر . وأنا أقول بذلا للنصيحة التي هي الدين وإرشاد المسترشدين ، لا تبجحا وافتخارا ; لأني دون ذلك رتبة ومقدارا : إن هذه الفوائد والصلات والعوائد مما يتعين مراجعته على كل من أراد الرجوع إلى هذا الكتاب الذي هو عمدة الناس في هذا الحين من المستفيدين والحكام والمفتين ، فإنها متكفلة حسب الطاقة بتتبع مواد الكتاب مع التنبيه على ما عدل فيه عن صوب الصواب كما ستراه إن شاء الله تعالى في مواطنه من الدر المستخرج من معادنه .

واعلم أني حيث أنسب إلى التحفة فمرادي تحفة المحتاج الذي هو شرح خاتمة المحققين الشهاب " ابن حجر الهيتمي " سقى الله ثراه ، والله المأمول والمسئول في التفضل بالإثابة والقبول .

( قوله : رحمه الله ونفعنا به : بمنهاج دينه ) أي طريقه بمعنى دلائله بقرينة مقابلته بالأحكام في الفقرة الثانية بناء على أنها جمع حكم ، فالمعنى شيد دينه بدلائله إذ الشريعة هي الدين ماصدقا ، وهو احتراس إذ المشيد لأركان الشيء بغير طريقه لا يأمن الخطأ ، وفيه استعارة بالكناية ، شبه الشريعة بالبناء ، وأثبت له الأركان تخييلا والتشييد ترشيحا ، ومثله يقال في نظائره الآتية ، وهذا أولى من جعل شيخنا له من الاستعارة المصرحة التبعية كما لا يخفى بل هو المتعين [ ص: 5 ] قوله : بأحكامه ) بفتح الهمزة جمع حكم فالضمير فيه للدين أو لله أو بكسرها مصدر أحكم : أي أتقن ، فالضمير فيه لأحد ذينك ، أو للتشييد المفهوم من شيد ، وهذا هو الأنسب كما لا يخفى ، وعلى الفتح فالمراد بالفروع موضوعات المسائل التي ترد عليها الأحكام ، وعلى الكسر فالمراد بها نفس الأحكام ( قوله : من عمل به ) أي بالدين أو بالمنهاج ، والأول أنسب بما فسرت به آية { ويتبع غير سبيل المؤمنين } من أن المراد بسبيلهم ما هم عليه من الأعمال والاعتقادات ( قوله : ونورا ) أي رحمة بقرينة نسبته إلى سائر الخلائق الشامل للدواب والجمادات وغيرهما ، المستحيل في حقها معنى الهداية ( قوله : حين درست أعلام الهدى ) أي الدين بمعنى الأحكام ، وقوله وانطمس منهج الحق : أي طريقه بمعنى دلائله بقرينة ما يأتي بعده ، وقوله فأعلى من الدين معالمه راجع إلى قوله وانطمس منهج الحق إلخ على طريق اللف والنشر المرتب ، وقوله فانشرح به : أي بالدين ، وقوله وانزاحت به : أي بإعلاء دلائل حكم الشرع إذ الشبه إنما تنزاح بالدلائل ، ففيه أيضا لف ونشر مرتب ، وإنما قال : وأشرف مصباح الصدق على الانطفاء ، ولم يقل وانطفأ كسوابقه ; لأنهم كانوا في الجاهلية يحرصون على الصدق وعدم الكذب ، فالصدق كان موجودا بخلاف ما قبله ( قوله : فأعلى من الدين ) المراد منه ما مرجعه العقائد ، فلا يرد أنه يقتضي أنه قرر شريعة من قبله ، وهو [ ص: 6 ] خلاف المذهب ( قوله : فإن العلوم وإن كانت إلخ ) وقع مثل هذا التركيب في خطبة الكنز للحنفية ولفظه : وهو وإن خلا عن العويصات والمشكلات فقد تحلى بمسائل الفتاوى والواقعات .

قال شارحه مسكين ، أي لمن يخلو وإن خلا عن العويصات فقد تحلى ، فعلى هذا تكون الفاء للجزاء وتكون الواو للعطف ، وإن على أصله للشرط إلا أنها في استعمالها الشائع في مثل هذه المواضع لمجرد التأكيد ; والمعنى : وإن تحقق وتقرر أنه خلا عن العويصات وإن خرجت عن إفادة معنى الشرط فتجعل للوصل وتجعل الواو للحال مع التكلف في ذي الحال ، وأيضا الفاء لا تدخل في خبر المبتدإ إلا في الموصول بالفعل والظرف والنكرة الموصوفة بهما انتهى .

ومثله يقال فيما هنا فيقدر خبر مناسب ، ولك أن تلتزم الوجه الثاني الذي أشار إليه بناء على مذهب الأخفش المجيز لاقتران الفاء بالخبر مطلقا ، ومذهب سيبويه المجيز لمجيء الحال من المبتدإ ( قوله : وتطلع في سماء كوكبها شرفا ) أي في منزلة الشرف المعروفة [ ص: 7 ] عند أهل الهيئة ، ولا يضر كون الشرف هنا مأخوذا من الشرف الأول ; لأنه صار في اصطلاحهم اسما لأمر مخصوص وهذا أولى مما سلكه شيخنا في حاشيته .

( قوله : وقع ) معمول لشكت كما هو الظاهر خلافا لجعل شيخنا له بدلا [ ص: 8 ] من مجرور من بدل اشتمال ( قوله : حرامها وحلالها ) أي الأحكام أو الأرض وقوله ويرشف بالبناء للمفعول وقوله ما حلا لها أي منها : أي الأحكام أو الأرض ، ويجوز أن تكون الضمائر راجعة إلى الشفاه فيقرأ تذكر وترشف بالمثناة الفوقية ، وهو الأنسب ( قوله : وخصم المخالفين ) بمعنى قطعهم وإفحامهم ، لا بمعنى مخاصمتهم التي هي مغالبتهم وفخرهم ; لأنه يأباها اللفظ والمعنى وإن قال به شيخنا ( قوله : منها معالم للهدى إلخ ) شبه الحجج والبراهين بالنجوم [ ص: 9 ] وقسمها إلى ثلاثة أقسام ثابتة لها في القرآن بها العنوان ، وهذا أولى مما في حاشية شيخنا ( قوله : وسيد ) مبتدأ خبره محيي الدين أو قد ملأ ( قوله : من القرن السادس ) صوابه السابع ( قوله : عند كل صادر ووارد ) أي كل من يصدر ، ويرد من الناس ، أو كل ما يصدر ، ويرد من الوقائع ( قوله : وهي ) أي المعالي ، والمراتب المعلومة من المقام على حد { حتى توارت بالحجاب } ، ويجوز رجوعه إلى أهل المشارق ، والمغارب وهذا أولى مما سلكه شيخنا .

( قوله : وتسامى فلم يسمع أين الثريا إلخ ) ببناء يسمع للمفعول ، والمعنى : تسامى في نيل الفضائل فحصل أعلاها المشبه بالثريا في البعد ، فبطل هذا المثل الذي هو أين الثريا إلخ الذي قصد منه الاستبعاد فلم يسمع بعد ذلك ، إذ بعد وقوع النيل بالفعل لا استبعاد فتأمله ، وهذا أولى مما سلكه شيخنا ( قوله : متطاول ) الأولى مطاول [ ص: 10 ] قوله : ما سطر علمه ) ما فيه مصدرية ( قوله : وتسكب ) الواو للحال ، ويجوز أن تكون عاطفة لجواز عطف الفعل على الاسم الشبيه بالفعل ، فهو معطوف على مصنف ، وينحل المعنى إلى قولنا ، وأجل ما صنفه في المختصرات ، وأجل ما تسكب ، ويجوز عطفه على ما في المختصرات ( قوله : على تحصيله ) أي في شأن تحصيله فوتا أو حصولا فعلى بمعنى في ( قوله : تطمح ) أي ترفع كما في المختار ، وهو أصوب مما في حاشية شيخنا ( قوله : المطامح ) أي محلات الطمح ، وهو الإبصار ( قوله : بيض ) بالجر وصف المخبآت أو بالنصب حال منه ، وهو أبلغ لإفادته أنه الذي بيضها بالترفيه ونحوه ، وأظهر كرامة أنسابها [ ص: 11 ] قوله : من سحق ) بسين ثم حاء ; وفي نسخة حنق ، والأظهر أن تكون الإشارة في قوله وذاك للقياس المفهوم من قاسه ; لأن السحق لا يؤدي إلى الموت عادة ، وفي نسخة من خسف بتقديم الخاء على السين ، وفيها ركة في المعنى ( قوله : وقال الآخر : لقيت خيرا يا نوى إلخ ) الأنسب سياق هذا فيما مر في مدحة المصنف ; لأن ما هنا في مدحة الكتاب .

( قوله : علامة نوى ) المقام هنا للإظهار كما صنع الشارح ; لأن ما قبله في مدحة الكتاب خلافا لمن جعل المقام للإضمار ( قوله : وبعضها اقتصر ) بالبناء للمفعول ( قوله : كشف منه المعمى إلخ ) أي بأن حل منه العبارات ولو بالإشارة إلى ذلك بعبارة وجيزة ليوافق قوله الآتي فتركه عسر التفهم إلخ ( قوله : كشف منه ) في نسخة به بدل منه في هذه المسألة والتي بعدها وهي أنسب بقوله وفتح إلخ ، إلا أن النسخة الأولى أبلغ لما فيها من الاستعارة بالكناية الأبلغ من الحقيقة ( قوله : ما يملأ الأسماع والنواظر ) لا يمتلئان إلا منها لإعراضهما عما عداها ( قوله : على إيضاحه ) أي الشرح كما لا يخفى ( قوله : ومنعه من ذلك خشية إلخ ) فيه منع ظاهر ، فإن تركه على هذا النمط مقصود له : أي مقصود [ ص: 12 ] ولو كان قصده الإيضاح لصنفه في مدة أقل من المدة التي وقع له تصنيفه فيها ، فمن المشهور أنه صنفه في أربع وعشرين عاما ( قوله : على المنهاج ) إنما أبرز لئلا يتوهم رجوع الضمير إلى شرح الجلال ( قوله : كنوزه ومستودعاته ) أي ما كنز وما استودع ، أو محل الكنز والاستيداع ، وهو الأنسب بذكر الختم ( قوله : قالا أو رجحا ) أي ونحوهما مما فيه ضمير تثنية ( قوله : خشية من آية ) يعني { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى } الآية التي حملت أبا هريرة على كثرة التحديث كما في صحيح البخاري .

( قوله : وأسأل الله من فضله أن يمن علي بإتمام إلخ ) التعبير [ ص: 13 ] بالإتمام يقتضي أنه أنشأ الخطبة في خلال الشرح وكان قد أسس فيه ما يأتي ، فقوله فيما يأتي أسست إلى آخره على حقيقته بالنسبة للبعض ( قوله : وصواب كل قول مقبول ) الإضافة فيه بيانية ، وإلا اقتضى أن المقبول منه صواب وغيره وليس كذلك ( قوله : فأخذت زبدها ودررها ) بكسر الدال جمع در بالفتح ( قوله : من شروح الكتاب إلخ ) لا يصح أن تكون من فيه بيانية ; لأنه يقتضي أنه لخص فيه جميع شروح المنهاج ، والإرشاد ، ولا يخفى أنه ليس كذلك ، فتعين أن تكون للتبعيض أو الابتداء ، لكن لا يصح حينئذ قوله : وشرحي البهجة إلخ فتأمل ( قوله : خيرهما لا تنطق إلخ ) أي مع أنها منكرة لمحاسنه إذ هو المقسم ، فمعنى الإنكار حينئذ عدم الاعتراف أعم من الرمي بالقبيح وعدمه ، ولينظر الفرق حينئذ بين إحدى القبيلتين ، والأخرى ، فإن الكفر اللغوي الذي هو مراد فيها معناه الإنكار فليحرر .

( قوله : في ميدان الحسد ) الأولى ميدان الضلال ( قوله : أزهر من الأفق وزهوره ) أي إضاءته ، وفي نسخ وزهره [ ص: 14 ] في هذا وفيما قبله ، وهو متوقف على مجيء مصدر زهره على زهر ، وذلك ; لأن قياس مصدر فعل القاصر إنما هو الفعول ( قوله : وإذا أراد الله نشر فضيلة إلخ ) كان الأنسب ذكره عند ذكر القبيلة الثانية من الفرقة الأولى ( قوله : وأفعالهم ) في نسخة ، وأعمالهم ، وهي الأنسب ( قوله : حلسا ) في الصحاح : ، وأحلاس البيوت ما يبسط تحت حر [ ص: 15 ] الثياب ( قوله : الفائل ) هو بالفاء أي المخطئ في رأيه [ ص: 16 ] قوله : وطمعا ) لا بد له من تقدير عامل أي وطمعت طمعا ( قوله : التأسي بكتاب الله سنة ) إن أريد في كل الأمور فقوله متحتمة على إطلاقه وإن أريد في البداءة بالبسملة ، وهو اللائق بالمقام فقوله متحتمة بمعنى متأكدة وعبر به مبالغة ولا يحتاج إلى مثل ذلك في قوله ملتزمة ; لأن معناه التزمها الناس .

( قوله : من آثارها ) الضمير فيه وفيما بعده للسنة والطريقة اللتين هما التأسي ، والعمل ومعلوم أن التأسي ، والعمل بما ذكرهما البداءة بالبسملة فينحل الكلام إلى قولنا هذا التأليف أثر من آثار البداءة بالبسملة ، وهو وإن صح بأن يقال إنه إنما تيسر للمصنف لبداءته إياه بالبسملة ، فهو أثر من آثار ما ذكر بهذا الاعتبار إلا أنه لا يلاقيه قوله : بعد فلذلك جرى المصنف إلخ ، ويجوز أن يراد بقوله أثر من آثارها أنه من الأمور التي هي ذات بال تبدأ بالبسملة ، فالمراد أنه من ماصدق الحديث وإن كان خلاف المتبادر

التالي


الخدمات العلمية