صفحة جزء
( و ) يعذر ( في ) اليسير عرفا من ( التنحنح ونحوه ) مما مر كسعال وعطاس ، وإن ظهر به حرفان ، ولو من كل نحو نفخة ( للغلبة ) لعدم تقصيره ، وهي راجعة للجميع ( وتعذر القراءة الواجبة ) ومثلها غيرها من الأركان القولية الواجبة للضرورة ، وهذا راجع للتنحنح ، فإن كثر في التنحنح ونحوه للغلبة وظهر به حرفان فأكثر وكثر عرفا بطلت صلاته كما قالاه في الضحك والسعال والباقي في معناهما لقطع ذلك نظم الصلاة ، وهذا محمول على حالة لم يصر ذلك في حقه مرضا مزمنا ، فإن صار كذلك بحيث لم يخل زمن من [ ص: 40 ] الوقت يسع الصلاة بلا نحو سعال مبطل لم تبطل كسلس الحدث ، ولا إعادة عليه حينئذ ، ولو شفي بعد ذلك ، ويحمل عليه كلام الإسنوي .

نعم التنحنح للقراءة الواجبة لا يبطلها ، وإن كثر ، ولو ظهر من إمامه حرفان بتنحنح لم يلزمه مفارقته حملا له على العذر ; لأن الظاهر تحرزه عن المبطل . نعم قال السبكي : قد تدل قرينة حاله على عدم عذره فتجب مفارقته . قال الزركشي : ولو لحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى وجبت مفارقته كما لو ترك واجبا . ا هـ . ويمكن حمله على ما إذا كثر ما قرأه عرفا فيصير كلاما أجنبيا مبطلا ، وإن كان ساهيا . والأوجه : أي حيث لم تبطل أنه لا يفارقه حتى يركع بل بحث بعضهم عدم اللزوم بعد ركوعه أيضا لجواز سهوه كما لو قام لخامسة أو سجد قبل ركوعه [ ص: 41 ] ولو نزلت نخامة من دماغه إلى ظاهر الفم ، وهو في الصلاة فابتلعها بطلت ، فلو تشعبت في حلقه ولم يمكنه إخراجها إلا بالتنحنح وظهور حرفين ومتى تركها نزلت إلى باطنه ، وجب عليه أن يتنحنح ويخرجها ، وإن ظهر حرفان قاله في رسالة النور .

والأوجه شمول ذلك للصائم أيضا نفلا كان أو فرضا ( لا ) تعذر ( الجهر ) فلا يعذر في التنحنح ولو يسيرا من أجله ( في الأصح ) إذ هو سنة فلا ضرورة لارتكاب التنحنح له ، وفي معنى الجهر سائر السنن كقراءة سورة وقنوت وتكبير انتقال ، ولو من مبلغ محتاج لإسماع المأمومين خلافا للإسنوي ، ومقابل الأصح أنه عذر إقامة لشعار الجهر ، ولو جهل بطلانها بالتنحنح مع علمه بتحريم الكلام عذر لخفائه على العوام .


حاشية الشبراملسي

( قوله : ونحوه ) قضية إطلاقه أنه يتنحنح فورا ولا يجب عليه انتظار زواله بنفسه ، وإن غلب على ظنه أنه إن صبر قليلا زال عنه ذلك العارض بنفسه ، وقياس ما ذكره في السعال من وجوب الانتظار حيث رجى زواله أنه هنا كذلك الأولى ، ولا تنقطع به الموالاة ( قوله : الواجبة ) الأولى إسقاطهما للاستغناء عنها بقوله من الأركان ( قوله : من الأركان القولية ) قضيته أنه لا يعذر بغير الركن ، وإن نذره ، لكن قضية قوله بعد إذ هو سنة فلا ضرورة إلخ خلافه ، اللهم إلا أن يقال : المراد بالواجب هنا ما تتوقف عليه صحة صلاته ، والسورة ولو نذرها لا تتوقف الصحة عليها حتى لو تركها عامدا مع علمه بها لم تبطل بذلك ( قوله : فإن كثر في التنحنح ) الأولى حذف في ( قوله : وهو ) أي البطلان ( قوله : مزمنا ) بصيغة اسم المفعول صفة للمرض : أي يدوم زمانا طويلا . وفي المصباح : زمن الشخص [ ص: 40 ] زمنا وزمانة فهو زمن من باب تعب ، وهو مرض يدوم زمانا طويلا والقوم زمنى ، مثل مرضى أزمنه الله فهو مزمن . ( قوله : يسع الصلاة ) هذا ظاهر إن علم الانقطاع في وقت يسع الصلاة ; لأنه لا مشقة عليه في انتظاره ، وإلا فمراقبة ما يزول المانع فيه غاية من الحرج والمشقة ( قوله : لم تبطل ) فإن خلا من الوقت زمنا يسعها بطلت بعروض السعال الكثير فيها ، والقياس أنه إن خلا من السعال أول الوقت ، وغلب على ظنه حصوله في بقيته بحيث لا يخلو منه ما يسع الصلاة وجبت المبادرة للفعل ، وأنه إن غلب على ظنه السلامة منه في وقت يسع الصلاة قبل خروج وقتها وجب انتظاره ، وينبغي أن مثل السعال في التفصيل المذكور من حصل له سبب كسعال أو نحوه يحصل منه حركات متوالية كارتعاش يد أو رأس ، ولو صلى خلف إمام فوجده يحرك رأسه مثلا في صلاة فينبغي أن يقال إن لم توجد قرينة تدل على أن ذلك ليس لمرض مزمن صحت صلاة المأموم حملا ، على أن ذلك لمرض مزمن ، وإلا بطلت .

ووقع السؤال في الدرس عما لو كان السعال مزمنا ولكن علم من عادته أن الحمام يسكن عنه السعال مدة تسع الصلاة هل يكلف ذلك أم لا ؟ وأجبت عنه بأن الظاهر الأول أخذا مما قالوه من وجوب تسخين الماء حيث قدر عليه إذا توقف الوضوء به على تسخينه حيث وجد أجرة الحمام فاضلة عما يعتبر في الفطرة ، وإن ترتب على ذلك فوات الجماعة وأول الوقت ( قوله : ولو ظهر من إمامه ) أي ولو مخالفا ; لأنه إما ناس ، وهو منه لا يضر أو عامد فكذلك ; لأن فعل المخالف الذي لا يبطل في اعتقاده ينزل منزلة السهو ( قوله : يغير المعنى ) كضم تاء أنعمت أو كسرها ( قوله : أي حيث لم تبطل ) أي بأن كان قليلا ( قوله : بعد ركوعه ) هذا هو المعتمد : أي وينتظره المأموم في القيام فإذا قام من السجود ، وقرأ على الصواب وافقه وأتى بركعة بعد سلام الإمام إن لم يتنبه ، وإن لم يقرأ على الصواب استمر المأموم في القيام ويفعل ذلك في كل ركعة ولو إلى آخر الصلاة ، وسيأتي هنا ما يوافق هذا البحث في صلاة الجماعة فهو المعتمد ، ولا ينافيه قوله : قبل والأوجه إلخ ، لجواز أنه قصد به الرد على من قال يفارقه حالا ثم ترقى بما أورده من البحث إلى أنه لا يفارقه مطلقا .

هذا ويمكن أن يفرق بين من كان مذهبه عدم البطلان باللحن المذكور فتجب مفارقته عند الركوع ; لأنه لا يرى العود لما فوته ، وبين من مذهبه البطلان إذا لم يعد فإنه إذا تذكر وجب عليه العود . ( قوله : أو سجد قبل ركوعه ) ويفرق بين هذا وبين ما قيل في المخالف من أنه إذا أخل بركن [ ص: 41 ] في اعتقاد المقتدي دون الإمام تجب مفارقته عند انتقاله إلى ما بعده بأن المخالف الغالب أو المحقق منه أنه لا يرجع لما انتقل عنه ; لأنه فعل ذلك عن اعتقاد ، والموافق متى تذكر رجع فجاز انتظاره ، وإن طال جدا لاحتمال عوده بتقدير تذكره احتمالا قريبا ( قوله : وجب عليه التنحنح ) أي ولا تبطل صلاته ( قوله : وإن ظهر حرفان ) أي أو أكثر بل قياس ما تقدم من اغتفار التنحنح الكثير لتعذر القراءة عدم الضرر هنا مطلقا ( قوله : قاله في رسالة النور ) هي اسم كتاب للشافعي ( قوله : والأوجه شمول ذلك ) أي وجوب التنحنح والإخراج ( قوله : نفلا كان أو فرضا ) أي حيث لم يرد ببلعها قطع النفل من صلاة أو صوم فلا يعذر في التنحنح .

أي ولو كان نذر القراءة جهرا ; لأنها صفة تابعة ، ويؤيده قول المنهج وتعذر ركن قولي ( قوله : لإسماع المأمومين ) أي أو إمام جمعة . م ر ا هـ سم على منهج نعم إن توقف على جهره سماع المأمومين به عذر ، ثم رأيته قال على حج ما نصه : وعليه ينبغي استثناء الجمعة إذا توقفت متابعة الأربعين على الجهر المذكور ، وكان ذلك في الركعة الأولى لتوقف صحة صلاته على متابعتهم المتابعة الواجبة لاشتراط الجماعة في الركعة الأولى لصحتها ، لكن لو كان لو استمروا في الركوع إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الجمعة زال المانع واستغنى عن التنحنح فهل يجب ذلك ؟ فيه نظر ، وكذا ينبغي استثناء غير الجمعة إذا توقف حصول فرض الكفاية لهذه الجماعة على ذلك ا هـ . وقوله ينبغي استثناء الجمعة ، وينبغي أن يلحق بها إمام المعادة والمجموعة جمع تقديم بالمطر والمنذور فعلها جماعة ، ويكفي في الثلاث إسماع واحد ، فمتى أمكنه إسماعه وزاد في التنحنح لأجل إسماع غيره بطلت صلاته ; لأنه زيادة غير محتاج إليها . وقوله : فيه نظر الأقرب عدم وجوب الانتظار ، بخلاف المبلغ ; لأن صحة صلاته لا تتوقف على مشاركته لغير الإمام فلا يعذر في إسماعهم .

حاشية المغربي

( قوله : في اليسير عرفا ) أي في الغلبة بخلاف تعذر القراءة كما يأتي ( قوله : وكثر عرفا ) أي ما ظهر من الحروف ( قوله : بحيث لم يخل زمن إلخ ) أي بأن لم يعلم خلوه عن ذلك في الوقت كما يعلم من التشبيه الآتي [ ص: 40 ] قوله : كسلس ) قضيته أنه يلزمه انتظار الوقت الذي يخلو فيه من ذلك وأنه لو أوقع الصلاة في غيره لم تصح ( قوله : ويحمل عليه كلام الإسنوي ) أي القائل بعدم البطلان في الغلبة مطلقا ، والضمير في عليه للحمل المتقدم في قوله وهذا محمول إلخ ( قوله : قال الزركشي : ولو لحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى وجب مفارقته كما لو ترك واجبا ) تتمته كما في شرح الروض : لكن هل يفارقه في الحال أو حتى يركع لجواز أنه لحن ساهيا وقد يتذكر فيعيد الفاتحة ، الأقرب الأول ; لأنه لا يتابعه في فعل السهو انتهى . ومنه يعلم أن الحمل الذي حمله عليه الشارح لا يلاقيه ( قوله : والأوجه أنه لا يفارقه حتى يركع ) أي خلافا لما استقر به الزركشي كما مر : أي والصورة أن ما أتى به لم يكثر عرفا بحيث يصير كلاما [ ص: 41 ] أجنبيا عرفا يبطل سهوه كما هو ظاهر .

( قوله : والأوجه شمول ذلك للصائم إلخ ) قد يقال ما الحاجة إلى هذا ، وكان اللائق أن يقول : والأوجه شموله للمفطر ; لأنه هو الذي يمكن التوقف فيه ، وأما إذا أثبتنا الوجوب في حق المفطر فلا يتوقف فيه حق الصائم ; لأنه يتوقف عليه صحة صلاته وصومه ، وعبارة الإمداد والزركشي جوازه : أي وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لإخراج نخامة تبطل صومه ، والأقرب جوازه لغير الصائم أيضا لإخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به انتهت . والوجوب في كلام الشارح بالنسبة للنفل [ ص: 42 ] معناه الوجوب لأجل الصحة كما هو ظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية