صفحة جزء
[ ص: 137 ] ولا يكره استقبالها باستنجاء أو جماع أو إخراج ريح أو فصد أو حجامة ( ويبعد ) عن الناس في الصحراء أو نحوها ولو في البول إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشم له ريح .

ويسن أن يغيب شخصه حيث أمكن للاتباع ( ويستتر ) عن أعين الناس لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { من أتى الغائط فليستتر ، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به ، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج عليه } ويحصل الستر بمرتفع قدر ثلثي ذراع وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي ولو براحلته ونحو ذيله ، ولا بد هنا أخذا مما تقدم في الستر عن القبلة أن يكون الساتر عريضا ومرتفعا في حق القائم إلى محاذاة سرته ، بخلاف الساتر للمصلي كما هو ظاهر .

نعم إن كان في محل مسقف أو يمكن تسقيفه كفاه الستر بنحو جدار وإن تباعد عنه [ ص: 138 ] أكثر من ثلاثة أذرع ولا يكفي مثل ذلك في القبلة ، وبعضهم توهم اتحاد الموضعين فاحذره ، ومحل عد ذلك من الآداب إذا لم يكن بحضرة من يرى عورته ممن لا يحل له نظرها ، أما بحضرته فيكون واجبا ، إذ كشفها بحضرته حرام كما صرح به في شرح مسلم واعتمده المتأخرون وهو ظاهر .

ووجوب غض البصر لا يمنع الحرمة عليه خلافا لمن توهمه ، ولو أخذه البول وهو محبوس بين جماعة جاز له التكشف وعليهم الغض ، فإن احتاج للاستنجاء وقد ضاق الوقت ولم يجد إلا ماء بحضرة الناس جاز له كشفها أيضا كما بحثه بعضهم فيهما ، وظاهر التعبير بالجواز في الثانية أنه لا يجب فيها والأوجه الوجوب ، وفارق ما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى في نظيرها من الجمعة حيث خاف فوتها إلا بالكشف المذكور حيث جعله جائزا لا واجبا .

قال : لأن كشفها يسوء صاحبها بأن للجمعة بدلا ولا كذلك الوقت


حاشية الشبراملسي

( قوله أو حجامة ) أي أو قيء أو حيض ، أو نفاس ، لأن ذلك ليس في معنى البول والغائط ( قوله : ويبعد ) بفتح أوله من بعد لا بضمه من أبعد لأن ذلك إنما هو من أبعد غيره .

وعبارة المختار : البعد ضد القرب ، وقد بعد بالضم بعدا فهو بعيد : أي متباعد وأبعد غيره وباعده وبعده تبعيدا ا هـ .

لكن في المصباح أن أبعد يستعمل لازما ومتعديا وعليه فيجوز قراءته بضم الياء وكسر العين ( قوله : إلى حيث إلخ ) وقوله ولا يشم إلخ : أي فهما سنتان م ر ا هـ سم على منهج ( قوله : فليستتر به ) عبارة المشكاة والمصابيح فليستدبره .

قال في شرح المشكاة : أي فليجمعه ثم يستدبره أو يستقبله ، وأوثر الاستدبار لأن القبل يسهل ستره بالذيل غالبا ، فالحاجة بالدبر أمس ا هـ .

وقال في شرح المصابيح : أي يجعله خلفه لئلا يراه أحد . [ فرع ] هل يكفي في هذا الباب الستر بالزجاج الذي لا يحجب الرؤية ؟ قال م ر بحثا عن البديهة : ينبغي الاكتفاء به في الستر عن القبلة لا عن العيون سم على منهج ، ثم قال في قولة أخرى : وهل يكفي الستر بالماء كما لو بال وأسافل بدنه منغمسة في ماء مستبحر لا يبعد ؟ نعم وفاقا لمر ، نعم ينبغي تقييده بالكدر بخلاف الصافي كالزجاج الصافي فليتأمل ، وتقدم عنه بحثه الاكتفاء بالزجاج في ستر القبلة لا في الستر عن العيون ( قوله : يلعب بمقاعد بني آدم ) أي بإدامة النظر إليها مع كثرة وسوسة الغير وحمله على النظر إليها أيضا ووسوسة المتبرز وحمله على الفساد بها شرح المشكاة لحج ( قوله : ثلثي ذراع ) ظاهره ولو صغر قاضي الحاجة ، ونقل سم على منهج عن الشارح أنه تردد فيه ثم وافق على ما يقتضي ترجيح الاكتفاء بما دونهما عند حصول الستر به .

أقول : وقد يتوقف فيه بأنه لا يسمى سترة شرعية وقد تقدم له نقله عن م ر ( قوله إلى محاذاة سرته ) المتبادر من هذه العبارة أن المراد أن ابتداء الساتر من الأرض وانتهاؤه محاذاة السرة ، وقد يقال : يكفي هنا ستر ما بين السرة والركبة لأن الغرض المنع من النظر للعورة وهو يحصل بذلك .

ثم رأيت في حج ما نصه : ومحله في الجالس ، إلى أن قال : فأفهم أنه لا بد فيه بالنسبة إلى القائم من ارتفاعه زيادة على ما مر حتى يستر من سرته إلى ركبته ا هـ .

وكتب عليه سم ما نصه .

قوله إلى ركبته ، لا يقال : قضية ما سبق بالهامش عن شيخنا الرملي أن يقال إلى الأرض .

لأنا نقول : الفرق ممكن ظاهر فليتأمل ا هـ .

قلت : والفرق أن المقصود ثم تعظيم القبلة فوجب لذلك الستر عن العورة وحريمها ، والمقصود هنا منع النظر المحرم ، وذلك ليس إلا لما بين السرة والركبة ( قوله : أو يمكن تسقيفه ) أي عادة ، وليس داخله من ينظر إليه ممن يحرم [ ص: 138 ] نظره وإلا حرم كما سيأتي ا هـ سم على منهج ( قوله : ولو أخذه البول ) أي بأن احتاج إليه وشق عليه تركه ، وينبغي أن لا يشترط وصوله إلى حد يخشى معه من عدم البول محذور تيمم ، ثم تعبيره بالجواز مقتض لإباحته مطلقا ، وينبغي وجوبه إذا تحقق الضرر بتركه ( قوله : جاز له كشفها ) أفهم حرمة الاستنجاء بحضرة الناس مع اتساع الوقت ، وينبغي أن محل الحرمة حيث لم يغلب على ظنه إمكان الاستنجاء في محل لا ينظر إليه أحد ممن يحرم نظره ، وإلا جاز له الكشف في أول الوقت كما قيل بمثله في فاقد الطهورين والمتيمم في محل فيه يغلب وجود الماء ( قوله : في الثانية ) هي قوله فإن احتاج للاستنجاء وقد ضاق الوقت ( قوله : حيث جعله جائزا لا واجبا ) ظاهره وإن لم يخل بمروءته وهو ظاهر لأنه في حد ذاته مستقبح فلا نظر إلى عدم مبالاته بذلك ، لكن قال ابن عبد الحق : حيث لم يخل ذلك بمروءته فالمتجه الوجوب ( قوله : ولا كذلك الوقت ) وينبغي أن كشفها والحالة ما ذكر مستحب لأن غايته أن هذا عذر مجوز للترك ، والأصل في الأعذار أنها مسقطة للإثم فقط ، وتحمل المشقة معها أولى .

وأيضا فقد قالوا : لو علم من قوم عدم رد السلام سن له أن يسلم عليهم وإن أثموا فما هنا كذلك

حاشية المغربي

( قول المصنف ، ويستتر ) أي يستر عورته ، فهو غير تغييب شخصه المار في كلام الشارح ( قوله : عن أعين الناس ) أي الذين لا يحرم نظرهم إليه كزوجاته وإمائه بقرينة [ ص: 138 ] ما يأتي ، أو عن أعين الناس بفرض وجودهم ( قوله : من يرى عورته ) أي بالفعل ممن يحرم نظره إليها

التالي السابق


الخدمات العلمية