صفحة جزء
ولما كان القصر أهم هذه الأمور بدأ المصنف به فقال ( إنما ) ( تقصر رباعية ) لا صبح ومغرب بالإجماع وأما خبر مسلم { فرضت الصلاة في الخوف ركعة } فمحمول على أنه يصليها فيه مع الإمام وينفرد بالأخرى ، إذ الصبح لو قصرت لم تكن شفعا وخرجت عن موضوعها ، والمغرب لا يمكن قصرها إلى ركعتين ; لأنها لا تكون إلا وترا ولا إلى ركعة لخروجها بذلك عن باقي الصلوات .

ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة من الخمس فلا تقصر منذورة ولا نافلة لعدم وروده ( مؤداة ) وفائتة السفر الآتية ملحقة بها فلا ينافي الحضر ، أو أنه إضافي لا سيما وقد نص عليها بعد ذلك فلا تقصر فائتة الحضر في السفر كما سيأتي ( في السفر الطويل ) اتفاقا في الأمن وعلى الأظهر في الخوف [ ص: 248 ] ( المباح ) أي الجائز سواء كان واجبا أم مندوبا مباحا أم مكروها ، ومنه أن يسافر وحده منفردا لا سيما في الليل لخبر أحمد وغيره { كره صلى الله عليه وسلم الوحدة في السفر ولعن راكب الفلاة وحده } أي إن ظن لحوق ضرر به وقال { الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب } فيكره أيضا اثنان فقط لكن الكراهة فيهما أخف ، وصح خبر { لو يعلم الناس ما أعلم في الوحدة ما سار راكب بليل وحده } نعم من كان أنسه بالله تعالى بحيث صار أنسه مع الوحدة كأنس غيره مع الرفقة لم يكره في حقه ما ذكر فيما يظهر ، كما لو دعت حاجة إلى الانفراد والبعد عن الرفقة إلى حد لا يلحقه غوثهم فلا يكون بمنزلة الوحدة كما لا يخفى ، فلا قصر في سفر المعصية كما سيأتي ، ولو خرج لجهة معينة تبعا لشخص لا يعلم سبب سفره أو لتنفيذ كتاب لا يعلم ما فيه " فالمتجه كما قاله الإسنوي إلحاقه بالمباح .


حاشية الشبراملسي

( قوله : ولما كان القصر أهم ) أي من حيث إن فيه ترك بعض الصلاة ولكونه متفقا عليه بيننا وبين الحنفية ( قوله : لا صبح ومغرب بالإجماع ) نعم حكي عن بعض أصحابنا جواز قصر الصبح في الخوف إلى ركعة ا هـ حج . وكأنه لشذوذه لم يعتد به في مخالفة الإجماع ، وفي حجر أيضا : وعمم ابن عبد السلام ومن تبعه القصر إلى ركعة في الخوف في الصبح وغيرها لعموم الحديث المذكور .

( قوله : ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة ) الظاهر أنه يجوز قصر المعادة ، ولا ينافيه قولهم شرط القصر المكتوبة ; لأن المراد المكتوبة ولو أصالة ، ولهذا يجوز للصبي القصر مع أنها غير مكتوبة في حقه ، وذلك لأنه قيل إن الفرض إحداهما ، ومن ثم وجبت نية الفرضية فليست نفلا محضا مبتدأ حتى يمتنع القصر ، وله إعادتها تامة : أي إن صلاها مقصورة ، ولو صلاها تامة ينبغي أن يمتنع إعادتها مقصورة م ر ا هـ سم على منهج : أي وذلك ; لأن الإتمام هو الأصل ، والإعادة فعل الشيء ثانيا بصفته الأولى ، وكان مقتضاه أنه إذا قصر الأولى لا يعيدها إلا مقصورة ، لكن لما كان الإتمام هو الأصل جاز إعادتها تامة ، وينبغي أن محل ذلك إذا لم يعدها لخلل في الأولى [ ص: 248 ] أو خروجا من الخلاف وإلا جاز له قصر الثانية وإتمامها حيث كان يقول به المخالف ، وسيأتي للشارح أن الأوجه إعادتها مقصورة بعد قول المصنف : ولو اقتدى بمتم لحظة لزمه الإتمام .

( قوله : ومنه ) أي من المكروه ، وقوله أن يسافر وحده ولو قصر السفر ، وقوله منفردا في حج إسقاط منفردا وهو أولى للعلم بالانفراد عن قوله وحده ، ويمكن أن يقال الجمع بينهما تأكيد .

( قوله : وقال { الراكب شيطان } ) أي كالشيطان في أنه يبعد عن الناس لئلا يطلع على أفعاله القبيحة ، ومثله يقال فيما بعده .

( قوله : لكن الكراهة فيهما أخف ) أي من الواحد .

( قوله : ما سار راكب بليل ) خص الراكب والليل ; لأنهما مظنة الخوف أكثر ، وإلا فمثل الراكب الماشي ومثل الليل النهار .

( قوله : تبعا لشخص لا يعلم سبب سفره ) دخل فيه ما لو لم يظن من حال متبوعه شيئا ، وقوله سبب سفره مفهومه أنه لو علم أن متبوعه مسافر لمعصية لا يجوز له السفر معه ولا الترخص بتقدير سفره لعصيانه به ، وقد يتوقف فيه إذا كان التابع لا يشاركه في المعصية التي سافر لأجلها ، ثم رأيت ما سيأتي في الفصل الآتي في قول الشارح بعد قول المصنف ولا يعلم موضعه وإن امتنع على المتبوع القصر فيما يظهر إلخ .

( قوله : فالمتجه كما قاله الإسنوي إلخ ) وينبغي أن مثل ذلك ما لو أكره على إيصاله وعلم أن فيه معصية ; لأنه لا يلزم من إيصاله وقوع المعصية

حاشية المغربي

( قوله : أو أنه إضافي ) أي لا فائتة الحضر ( قوله : وعلى الأظهر في الخوف ) لعل مقابل الأظهر [ ص: 248 ] لا يشترط الطول في الخوف فليراجع ( قوله : أي إن ظن لحوق ضرر به ) هذا إنما يحتاج إليه بالنسبة للحديث الثاني ، ; لأن اللعن فيه يؤذن بالحرمة فهو قاصر عليه ( قوله : تبعا لشخص لا يعلم سبب سفره ) أفهم أنه إذا علمه وأنه معصية لا يقصر ، وأشار الشيخ في الحاشية إلى أن هذا المفهوم غير مراد أخذا من قول الشارح في الفصل الآتي عقب قول المصنف لا يعلم موضعه ، وإن امتنع على المتبوع القصر فيما يظهر من كلامهم ، وقد يمنع هذا الأخذ بعمومه ; لأن ما يأتي مفروض في الأسير فهو مقهور فلم يوجد منه سبب في معصية أصلا فلا يؤخذ منه حكم عموم التابع وإن لم يكن مقهورا فليراجع .

التالي السابق


الخدمات العلمية