صفحة جزء
فصل في شروط القصر وتوابعها وهي ثمانية : أحدها سفر طويل و ( طويل السفر ثمانية وأربعون ميلا ) ذهابا فقط تحديدا لا تقريبا ، ويكفي الظن عملا بقولهم لو شك في المسافة اجتهد ، وفارقت المسافة بين الإمام والمأموم بأن القصر وقع على خلاف الأصل فأشبه الاحتياط والقلتين بأنه لم يرد بيان للمنصوص عليه فيهما من الصحابة بخلاف ما هنا ( هاشمية ) ; لأن ابني عمر وعباس رضي الله عنهم كانا يقصران ويفطران في أربعة برد ولا يعرف مخالف لهما ، ومثله لا يكون إلا عن توقيف ، والبريد : أربع فراسخ ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، والميل : أربعة آلاف خطوة ، والخطوة : ثلاثة أقدام ، فهو اثنا عشر ألف قدم ، وبالذراع ستة آلاف ذراع ، والذراع : أربع وعشرون أصبعا معترضات ، والأصبع : ست شعيرات معتدلات معترضات ، والشعيرة : ست شعرات من شعر البرذون ، فمسافة القصر بالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفا ، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية وثمانون ألفا ، وبالأصابع ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفا ، وبالشعيرات أحد وأربعون ألف ألف وأربعمائة ألف واثنان وسبعون ألفا ، وبالشعرات مائتا [ ص: 258 ] ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفا .

والهاشمية نسبة لبني هاشم لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لها لا إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرج بالهاشمية الأموية ، وهي المنسوبة لبني أمية ، فالمسافة عندهم أربعون ميلا ، إذ كل خمسة منها قدر ستة هاشمية ، وما ذكره من كونها ثمانية وأربعين ميلا هو المشهور ، والمنصوص وما نص عليه أيضا من كونها ستة وأربعين ، ومن كونها أربعين غير مناف لذلك لإرادته بالأول الجميع وبالثاني غير الأول وبالآخر وبالثالث الأموية .

قلت : كما قال الرافعي في الشرح ومراد الشارح حيث قال ذلك إفادة الواقف عليه أنه ليس مما انفرد به النووي ، وأن الرافعي موافق له عليه أيضا ( وهو ) أي السفر الطويل ( مرحلتان ) وهما سير يومين من غير ليلة على الاعتدال أو ليلتين بلا يوم كذلك أو يوم وليلة مع النزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة ( بسير الأثقال ) أي الحيوانات المثقلة بالأحمال ودبيب الأقدام على الحكم المار ( والبحر كالبر ) في اشتراط المسافة المذكورة ( فلو قطع الأميال فيه في ساعة مثلا ) لشدة [ ص: 259 ] جري السفينة بالهواء ونحوه ( قصر ) فيها لوجود المسافة الصالحة له ، ولا يضر قطعها في زمن يسير ( والله أعلم ) كما لو قطعها في البر في بعض يوم على مركوب جواد ، ولعل وجه هذا التفريع بيان أن اعتبار قطع هذه المسافة في البحر في زمن يسير غير مؤثر في لحوقه بالبر في اعتبارها مطلقا ، فاندفع ما قد يقال قطع المسافة غير معتبر حتى يحتاج لذكر ذلك بل العبرة بقصد موضع عليها بدليل قصره بمجرد ذلك قبل قطع شيء منها .


حاشية الشبراملسي

فصل في شروط القصر وتوابعها .

( قوله : سفر طويل ) أي ولم ينبه عليه المتن لتقدم التصريح به في قوله السفر الطويل المباح إلخ ( قوله : ويكفي الظن عملا ) أي الناشئ عن قرينة قوية كما أشعر به قوله عملا بقولهم لو شك إلخ .

( قوله : وفارقت المسافة بين الإمام والمأموم ) أي حيث قالوا فيها تقريبا .

( قوله : بيان للمنصوص عليه فيهما ) أي القلتين ، وكذا لم يرد بيان المسافة بين الإمام والمأموم وإن أوهمت عبارته خلافه . نعم ورد التقدير بالقلتين عن الشارع ولم يرد في مقدار القلة شيء عنه ولا عن الصحابة ، بخلاف المسافة فإنه لم يرد فيها شيء عن الشارع صريحا ، وإن ورد ما يقتضيه لكون ابن عمر وابن عباس كانا يقصران ويفطران في أربعة برد إلى آخر ما يأتي ، ولعل هذا هو السر في التفرقة في كلامه بين المسافة والقلتين وبإفراد الأولى بفرق ، إلا أنه يعارضه ما يأتي عن ابن خزيمة .

( قوله : هاشمية ) هو بالرفع والنصب .

( قوله : في أربعة برد ) علقه البخاري بصيغة الجزم ، وأسنده البيهقي بسند صحيح ، ومثله إنما يفعل عن توقيف ا هـ شرح الروض . وقال الشيخ عميرة : زاد غيره أن القاضي أبا الطيب نقل أن ابن خزيمة رواه في صحيحه مرفوعا ا هـ ا هـ سم على منهج .

( قوله : والبريد أربع فراسخ ) الأولى أربعة ; لأن الفرسخ مذكر .

( قوله : أربعة آلاف خطوة ) بضم الخاء اسم لما بين القدمين .

ونقل عن مرآة الزمان لابن الجوزي ما نصه : والخطوة ثلاثة أقدام : أي بقدم البعير ا هـ . أقول : وفيه نظر ; لأن البعير لا قدم له ، فإن كان خفه يسمى قدما فلم أره لغيره ، والمتبادر من صريح كلامهم هنا أن المراد قدم الآدمي حيث قدروه بالأصابع ثم الشعيرات ثم الشعرات ثم رأيت عن مرآة الزمان ما نصه : فائدة عرض الدنيا ثلثمائة وستون درجة ، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا ، والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع [ ص: 258 ] وهو أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير ، وهي ثلاثة أقدام ; إلى أن قال : وهذا الذراع قدره المأمون بمحضر من المهندسين ، وهو بين الطويل والقصير دون ذراع النجار والذراع الهاشمي ا هـ . وليس فيها تقدير القدم بكونه قدم البعير .

( قوله : لبني هاشم ) وهم العباسيون ا هـ حج .

( قوله : لا إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ) أي كما وقع للرافعي ا هـ حج .

( قوله : الأموية ) هو بضم الهمزة . قال السيوطي في الأنساب : الأموي بالفتح إلى أمة بن بجالة ابن زمان بن ثعلبة ، والأموي بالضم إلى بني أمية انتهى . قال في جامع الأصول بعد ذكر الفتح والضم : والفتح قليل انتهى . ولعل مراده أن المنسوبين إلى أمة قليل والكثير هم المنسوبون إلى بني أمية ، لا أن في هذه النسبة لغتين مطلقا فما هنا بالضم لا غير .

( قوله : وبالثاني ) أي كونها ستة وأربعين ، وقوله غير الأول : أي الميل الأول إلخ .

( قوله : قال ذلك ) أي قال كما قال إلخ ، وقوله بالثالث هو كونها ثمانية وأربعين .

( قوله : مع النزول المعتاد ) ووصف اليومين والليلتين بالاعتدال ، وأطلق في اليوم والليلة ; لأنه أراد يوما وليلة متصلتين انتهى سم على منهج . وهما قدر اليومين أو الليلتين المعتدلتين وقدر ذلك ثلثمائة وستون درجة انتهى حج .

( قوله : أي الحيوانات ) ظاهره سواء الجمال والبغال والحمير ، ولكن ببعض الهوامش أن المراد بالأثقال الجمال ويلحق بها البغال انتهى .

( قوله : ودبيب الأقدام ) عطف على قول المصنف بسير الأثقال ، وقوله على الحكم المار الظاهر أن مراده به ما تقدم في قوله مع النزول المعتاد ، لكنه حينئذ لا حاجة إلى ذكره ; لأنه قيد به أصل المسألة . وفي كلام حج ما يؤخذ منه أنه يعتبر في السير كونه على العادة : يعني في صفته بحيث لا يكون بالتأني ولا الإسراع وهو غير وقت النزول للاستراحة فهما قيدان مختلفان .

( قوله : فلو قطع الأميال فيه في ساعة إلخ ) فإن قلت : إذا قطع المسافة في لحظة صار مقيما ، فكيف يتصور ترخصه فيها ، قلنا : لا يلزم من وصول المقصد انتهاء الرخصة لكونه نوى فيه إقامة لا تقطع السفر ، أو أن المراد باللحظة القطعة من الزمن التي تسع الترخص ا هـ شيخنا الزيادي . أقول : والجواب الأول أظهر ; لأن الثاني يقتضي أن القصر بعد قطع المسافة ، ومعلوم أنه بعد قطعها لا يتأتى ترخص ، ومع ذلك فهو صحيح ; لأنه بتقدير أنه يحرم في ابتداء سير السفينة ويتم صلاته ثم يصل إلى مقصده في زمن قليل ، فلو اعتبرنا قطع المسافة بالفعل في يومين لزم أنه بهذه الإقامة يتبين [ ص: 259 ] قصر سفره فتبطل صلاته ، لكنا لا نقول بذلك لحكمنا بأن السفر طويل ولا نظر لقطعه في الزمن اليسير ( قوله : لشدة جري السفينة بالهواء ونحوه ) ومن النحو ما لو كان وليا

حاشية المغربي

[ ص: 257 ] فصل في شروط القصر [ ص: 258 ] قوله : وأن الرافعي موافق له عليه ) أي فيكون مما اتفق عليه الشيخان ، فيقدم على ما انفرد به أحدهما عند التعارض ( قوله : على ذلك ) أي على الاعتدال ( قوله : ودبيب الأقدام ) معطوف على قول المصنف بسير [ ص: 259 ] قوله : فاندفع ما قد يقال إلخ ) في اندفاعه بما ذكر نظر ظاهر ، إذ حاصله الاعتراض على المصنف بأن عبارته في هذا التفريع توهم أنه لا يقصر في البحر إلا إذا قطع المسافة بالفعل وليس كذلك فلا حاجة لما ذكره ، وهو لا يندفع بما ذكر وإنما يندفع به ما قد يقال : لا وجه لإلحاق البحر بالبر ; لأن العادة قطع المسافة فيه في ساعة ، فينبغي في تقديره بمسافة أوسع من مسافة البر ، ففرع عليه المصنف ما ذكره للإشارة إلى أنه لا أثر لذلك فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية