صفحة جزء
باب صلاة الجمعة

من حيث تميزها عن غيرها باشتراط أمور لصحتها ، وأخر للزومها وكيفية لأدائها وتوابع لذلك كما سيأتي ، وهي بإسكان الميم وتثليثها ، والضم أفصح . سميت بذلك لاجتماع الناس لها ، أو لأن الله عز وجل جمع خلق أبينا [ ص: 283 ] آدم فيها ، أو لأنه اجتمع بحواء فيها في الأرض ، وكان يسمى في الجاهلية يوم العروبة : أي البين المعظم .

قال الشاعر :

نفسي الفداء لأقوام هم خلطوا يوم العروبة أورادا بأوراد

وهي أفضل الصلوات ويومها أفضل أيام الأسبوع وخير يوم طلعت فيه الشمس ، يعتق الله فيه ستمائة ألف عتيق من النار ، من مات فيه كتب له أجر شهيد ووقي فتنة القبر ، وهي بشروطها فرض عين لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } هو الصلاة ، وقيل الخطبة ، فأمر بالسعي وظاهره الوجوب ، وإذا وجب السعي وجب ما يسعى إليه ، ولأنه نهى عن البيع وهو مباح ولا ينهى عن فعل مباح إلا لفعل واجب ، وقوله صلى الله عليه وسلم { رواح الجمعة واجب على كل محتلم } وقوله صلى الله عليه وسلم { من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه } وفرضت بمكة ولم تقم بها لفقد العدد أو لأن شعارها الإظهار ، وكان صلى الله عليه وسلم [ ص: 284 ] بها مستخفيا . وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة ، بقرية على ميل من المدينة . والجديد أن الجمعة ليست ظهرا مقصورا وإن كان وقتها وقته تتدارك به بل صلاة مستقلة لأنه لا يغني عنها ، ولقول عمر رضي الله عنه : { الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم } ، وقد خاب من افترى . رواه أحمد وغيره ، وقال في المجموع : إنه حسن ، والقديم أنها ظهر مقصورة ومعلوم أنها ركعتان .


حاشية الشبراملسي

باب صلاة الجمعة أي وهي من خصائص هذه الأمة ( قوله من حيث تميزها ) أي لا من حيث أركانها وشروطها كما يأتي في قوله وهي كغيرها من الخمس في إلخ ( قوله : والضم أفصح ) أي للميم ، وهو لغة الحجاز ، وفتحها لغة بني تميم ، وإسكانها لغة عقيل ، وقرأ بها الأعمش والجمع جمع وجمعات مثل غرف وغرفات في وجوهها ، وجمع الناس بالتشديد شهدوا الجمعة كما يقال عيدوا إذا شهدوا العيد .

وأما الجمعة بسكون الميم فاسم لأيام الأسبوع وأولها السبت ا هـ مصباح . وعليه فالسكون مشترك بين يوم الجمعة وأيام الأسبوع ( قوله جمع خلق ) أي كمل خلق إلخ [ ص: 283 ] قوله : أو لأنه اجتمع بحواء ) أي بعد أربعين يوما ( قوله : وكان يسمى في الجاهلية إلخ ) قال في شرح البهجة الكبير بعد ما ذكر : وكانوا يسمون الأحد أول والاثنين أهون والثلاثاء جبارا والأربعاء دبارا والخميس مؤنسا والسبت شيارا . قال الشاعر :

أؤمل أن أعيش وإن يومي بأول أو بأهون أو جبار     أو التالي دبار فإن أفته
فمؤنس أو عروبة أو شيار

وقال في القاموس : الأهون لرجل واسم يوم الاثنين وفيه أيضا أهون كأحمد يوم الاثنين وفيه أوهد كذلك ، وجبار كغراب يوم الثلاثاء ويكسر ، وفيه أيضا دبار كغراب وكتاب يوم الأربعاء وفي كتاب العين ليلته ، وفيه أيضا شيار ككتاب يوم السبت جمعه بالكسر ، وفيه وعروبة وباللام يوم الجمعة انتهى .

( قوله : أورادا بأوراد ) أي اشتغلوا بها وردا بعد ورد ( قوله : من مات فيه ) أو في ليلته ( قوله وفي فتنة القبر ) أي المترتبة على السؤال وأما هو فلا بد منه لكل أحد ما عدا الأنبياء فلا يسألون قطعا ، وكذا الصبيان على الأصح بدليل أنهم قالوا : الصبي لا يسن تلقينه ولو مميزا ، وما وقع في كلام بعضهم من أن الميت يوم الجمعة لا يسئل فالمراد منه لا يفتن بأن يلهم الصواب ( قوله : وهو ) أي ذكر الله ( قوله : من ترك ثلاث جمع تهاونا ) أي بأن لا يكون لعذر ولا يمنع من ذلك اعترافه بوجوبها وأن تركها معصية ، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في ذلك بين المتوالية وغيرها ، ولعله غير مراد وإنما المراد المتوالية ( قوله : طبع الله على قلبه ) أي ألقى على قلبه شيئا كالخاتم يمنع من قبول المواعظ والحق ( قوله : وفرضت بمكة ) ونقل عن الحافظ ابن حجر أنها فرضت بالمدينة . أقول : ويمكن حمله على أنها فرضت عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه بالمدينة بمعنى أنه استقر وجوبها عليهم لزوال العذر الذي كان قائما بهم . والحاصل أنه طلب فعلها بمكة ، لكن لما لم يتفق لهم فعلها للعذر لم يوجد شرط الوجوب ووجد بالمدينة فكأنهم لم يخاطبوا بها إلا فيها .

وعبارة الدميري : وأول جمعة صليت بالمدينة جمعة أقامها أسعد بن زرارة في بني بياضة بنقيع الخضمات ، { وكان النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ مصعب بن عمير أميرا على المدينة وأمره أن يقيم الجمعة فنزل على أسعد ، وكان صلى الله عليه وسلم جعله من النقباء الاثني عشر فأخبره بأمر الجمعة وأمره أن يتولى الصلاة بنفسه } . وفي البخاري عن ابن عباس { إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جمعة بجواثى } قرية من قرى البحرين انتهى .

[ ص: 284 ] وفي القسطلاني على البخاري في باب الجمعة في القرى والمدن ما نصه : جمعت بضم الجيم وتشديد الميم المكسورة في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي في المدينة في مسجد عبد القيس بجواثى بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة مفتوحة مقصورة انتهى ( قوله : وأول من أقامها بالمدينة ) أي بجهة المدينة انتهى سم على حجر : أي أو أطلق المدينة على ما يشمل ما قرب منها ( قوله : بقرية على ميل ) واسمها نقيع الخضمات كما يأتي في كلام الشارح ( قوله : تتدارك ) أي الجمعة ( قوله : ركعتان تمام ) أي صلاة كاملة ( قوله ومعلوم ) أي من الدين بالضرورة .

حاشية المغربي

[ ص: 281 - 282 ] باب صلاة الجمعة [ ص: 283 ] قوله : لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة } ) هذه الآية تدل على مطلق الوجوب لا على أنه عيني [ ص: 284 ] قوله : تتدارك به ) كان المناسب عطفه على ما قبله بالواو ومعنى تداركها به فعلها ظهرا إذا فاتت

التالي السابق


الخدمات العلمية