صفحة جزء
وهي كغيرها من الخمس في الأركان والشروط والآداب ( إنما ) ( تتعين ) أي تجب عينا ( على كل ) مسلم كما علم من كلامه في كتاب الصلاة ( مكلف ) أي بالغ عاقل وألحق به متعد بمزيل عقله فيلزمه قضاؤها ظهرا ( حر ذكر مقيم ) بمحلها أو بمحل يسمع فيه نداؤها ( بلا مرض ونحوه ) كجوع وعطش وعري وخوف ، وشمل ذلك أجير العين حيث أمن فساد العمل في غيبته كما هو الظاهر لخبر { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة ، إلا امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض } رواه الدارقطني وغيره ، كذا نقله الشارح هنا [ ص: 285 ] وهو صحيح ، فقد قال ابن مالك وقال أبو الحسن بن عصفور : فإن كان الكلام الذي قبل إلا موجبا جاز في الاسم الواقع بعد إلا وجهان أفصحهما النصب على الاستثناء ، الآخر أن تجعله مع إلا تابعا للاسم الذي قبله فتقول : قام القوم إلا زيدا بنصبه ورفعه ، وعليه يحمل قراءة من قرأ فشربوا منه إلا قليل منهم بالرفع وفي صحيح البخاري { فلما تفرقوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة } والله أعلم . وقال ابن جني في شرح اللمع : ويجوز أن تجعل إلا صفة ويكون الاسم الذي بعد إلا معربا بإعراب ما قبلها ، تقول : قام القوم إلا زيد ورأيت القوم إلا زيدا ومررت بالقوم إلا زيد فيعرب ما بعد إلا إعراب ما قبلها لأن الصفة تتبع الموصوف ، وكان القياس أن يكون الإعراب على إلا لكن إلا حرف لا يمكن إعرابه فنقل إعرابه إلى ما بعده . ألا ترى أن غير لما كانت اسما ظهر الإعراب فيها إذا كانت صفة تقول : قام القوم غير زيد ، ورأيت القوم غير زيد ، ومررت بالقوم غير زيد انتهى .

على أنه نقل عن الصدر الأول أنهم كانوا يكتبون المنصوب بهيئة المرفوع ، لأن ما بعد إلا منصوب بها أو أنه خبر مبتدإ محذوف ، فلا جمعة على صبي ومجنون كما علم مما مر في الصلاة ، والمغمى عليه كالمجنون ، ولا على من فيه رق وإن قل كما يأتي ، وامرأة ومسافر سفرا مباحا ولو قصيرا لاشتغاله ، ولا على مريض ، والخنثى كالمرأة لاحتمال أنوثته ، ويجب أمر الصبي بها كغيرها من بقية الصلوات كما مر . ويستحب لمالك القن أن يأذن له في حضورها ، ولعجوز في ثياب بذلتها مع أمن الفتنة أيضا حضورها كما علم مما مر أول الجماعة . ويستحب أيضا لمريض أطاقه . وضابطه أن يلحقه بحضورها مشقة كمشقة مشيه في المطر ونحوه وإن نازع الأذرعي فيه .


حاشية الشبراملسي

( قوله : وألحق به متعد ) يفيد تعينها عليه وأن القضاء فرع ذلك ، وفي شرح المنهج ما يخالفه حيث قال : ولا على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران كسائر الصلوات ، وإن لزم الثلاثة الأخيرة عند التعدي قضاؤها ظهرا كغيرها انتهى . إلا أن يقال : أراد الشارح الإلحاق في انعقاد السبب لا في التكليف ( قوله : كجوع وعطش ) أي شديدين بحيث يحصل بهما مشقة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم .

( قوله : وشمل ذلك أجير العين ) ومعلوم أن الإجارة متى أطلقت انصرفت للصحيحة ، وأما ما جرت به العادة من إحضار الخبز لمن يخبزه ويعطي ما جرت به العادة من الأجرة فليس اشتغاله بالخبز عذرا بل يجب حضور الجمعة وإن أدى إلى تلفه ما لم يكرهه صاحب الخبز على عدم الحضور فلا يعصي ، وينبغي أنه لو تعدى ووضع يده عليه وكان لو تركه وذهب إلى الجمعة تلف كان ذلك عذرا ، وإن أثم بأصل اشتغاله به على وجه يؤدي إلى تلفه لو ذهب إلى الجمعة ، ومثله في ذلك بقية العملة كالنجار والبناء ونحوهما ، وظاهر إطلاقه كابن حجر أنه حيث لم يفسد عمله يجب عليه الحضور وإن زاد منه على زمن صلاته بمحل عمله ولو طال . وعبارة الإيعاب والمعتمد أن الإجارة ليست عذرا في الجمعة ، فقد ذكر الشيخان في بابها أنه يستثنى من زمنها زمن الصلاة والطهارة والصلاة الراتبة والمكتوبة ولو جمعة ، وبحث الأذرعي أنه لا يلزم المستأجر تمكينه من الذهاب إلى المسجد للجماعة في غير الجمعة ، قال : ولا شك فيه عند بعده أو كون إمامه يطيل الصلاة انتهى بحروفه .

وعليه فيفرق بين الجمعة والجماعة بأن الجماعة صفة تابعة وتتكرر فاشترط لاغتفارها أن لا يطول زمنها رعاية لحق المستأجر ، واكتفي بتفريغ الذمة بالصلاة فرادى ، بخلاف الجمعة فلم تسقط وإن طال زمنها ، لأن سقوطها يفوت الصلاة بلا بدل . ( قوله : رواه الدارقطني ) لعل اقتصاره عليه الصلاة والسلام [ ص: 285 ] على الأربعة لكونهم كانوا موجودين إذ ذاك ويقاس عليهم غيرهم ممن يأتي . ( قوله : وهو صحيح ) أي الدفع ( قوله : وعليه يحمل قراءة من قرأ ) أي شاذا ( قوله : أو أنه خبر مبتدإ محذوف ) هذا إنما يظهر على رواية : أربعة امرأة إلخ وأما بدونها فلا يظهر إلا بتقدير المستثنى محذوفا كأن يقال : لا يتركها أحد إلا أربعة . ( قوله : فلا جمعة ) أي واجبة . ( قوله : ولعجوز في ثياب بذلتها ) أي ويستحب لعجوز إلخ حيث أذن زوجها أو كانت خلية ، ومفهومه أنه يكره الحضور للشابة ولو في ثياب بذلتها . ( قوله ويستحب أيضا لمريض أطاقه ) أي الحضور .

حاشية المغربي

( قوله : كذا نقله الشارح ) إن كان مرجع الإشارة خصوص كونه مرفوعا ، وهو الذي يناسب مرجع الضمير في قوله بعد [ ص: 285 ] وهو صحيح ، فكأنه قال : كذا نقله الشارح مضبوطا بالرفع ، فيقال ما وجه إسناد نقل هذا للشارح مع أنه الرواية ، وما وجه التعبير في هذا بلفظ النقل وكان المناسب لفظ الضبط أو نحوه ، وإن كان مرجع الإشارة جميع ما تقدمها فكأنه قال : كذا نقله عن الدارقطني وغيره الشارح ففيه أنه لا يناسب مرجع الضمير الآتي بعده ( قوله : وقال أبو الحسن ) مقول قول ابن مالك ( قوله : ويجوز أن تجعل إلا صفة ) فيه أن الضمير لا يوصف ( قوله : إذا كانت صفة ) فيه أن غير في هذه المواضع ليست صفة ، إذ لا توصف المعرفة بالنكرة ، وهي لتوغلها في الإبهام لا تتعرف بالإضافة للمعرفة إلا إذا وقعت بين ضدين كما صرح به النحويون ، بل هي في حالة النصب تعرب حالا وفي غيرها تعرب بدلا ( قوله : أو أنه خبر مبتدإ محذوف ) لعله يجعل إلا بمعنى لكن ، والتقدير : لكن المستثنى امرأة إلخ أو نحو ذلك ( قوله : وضابطه ) يعني المريض الذي لا تجب عليه الجمعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية