صفحة جزء
وقول المصنف ونحوه أراد به الأعذار المرخصة في ترك الجماعة ، ولا يضره ذكرها عقبها لأن هذا تصريح ببعض ما خرج بالضابط كقوله والمكاتب إلى آخره . وحاصله أنه ذكر الضابط [ ص: 286 ] مستوفى ذاكرا فيه المرض لأنه منصوص عليه في الخبر ، وما قيس به من بقية الأعذار مشيرا إلى القياس بقوله ونحوه ثم بين بعض ما خرج به اهتماما ، ومنه ما خرج بذلك النحو المبهم مما شمل المقيس كالمقيس عليه وهو قوله ( ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة ) مما يتأتى مجيئه هنا لا كالريح بالليل ، وما استشكله جمع بأن من ذلك الجوع ، ويبعد جواز ترك الجمعة به ، وبأنه كيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية . قال السبكي : لكن مستندهم قول ابن عباس رضي الله عنهما : الجمعة كالجماعة رد بما تقدم آنفا وهو منع قياس الجمعة على الجماعة ، بل صح بالنص أن المرض من أعذارها ، فألحقوا به ما في معناه مما هو كمشقته أو أشد وهو سائر أعذار الجماعة فما قالوه ظاهر ، وبأن كلام ابن عباس مقرر لما سلكوه لا أنه الدليل لما ذكروه ، ومن أعذارها هنا ما لو تعين الماء لطهر محل نجوه ولم يجد ماء إلا بحضرة من يحرم عليه نظره لعورته ولا يغض بصره عنها فلا يجب عليه كشفها ، لأن في تكليفه الكشف حينئذ من المشقة ما يزيد على مشقة كثير من أعذارها . نعم هو جائز لو أراد تحصيلها ، فإن خاف فوت وقت الظهر أو غيرها من الفرائض وجب عليه الكشف وعلى الحاضرين غض البصر ، [ ص: 287 ] إذ الجمعة لها بدل ، بخلاف الوقت ، أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ، وعلم مما تقرر أن اشتغاله بتجهيز ميت عذر أيضا ، وكذا إسهال لا يضبط معه نفسه ويخشى منه تلويث المسجد كما في التتمة ، والجنس كما قاله الغزالي عذر إن منعه الحاكم وله ذلك لمصلحة رآها وإلا فلا ، وإن أفتى البغوي بوجوب إطلاقه لفعلها ، وذكر الرافعي في الجماعة أنه عذر إن لم يقصر فيه فيكون هنا كذلك .


حاشية الشبراملسي

( قوله : لأن هذا ) أي المريض ونحوه . ( قوله والمكاتب ) اللام من الحكاية لا من المحكي إذ الآتي في كلامه ومكاتب .

[ ص: 286 ] قوله : وما قيس به من بقية الأعذار إلخ ) قال حج : وهل من العذر هنا حلف غيره عليه أن لا يصليها لخشيته عليه محذورا لو خرج إليها ، لكن المحلوف عليه لم يخشه . وذلك لأن في تحنيثه حينئذ مشقة عليه : أي المحلوف عليه بإلحاقه الضرر لمن لم يتعد بحلفه ، فإبراره كتأنيس مريض بل أولى ، وأيضا فالضابط السابق شمل هذا ، إذ مشقة تحنيثه أشد من مشقة نحو المشي في الوحل كما هو ظاهر ، أو ليس ذلك عذرا لأن مبادرته بالحلف هنا قد ينسب فيها إلى تهور : أي وقوع في الأمر بقلة مبالاة . قال في القاموس : تهور الرجل : وقع في الأمر بقلة مبالاة فلا يراعي كل محتمل ، ولعل الأول أقرب إلى عذر في ظنه الباعث له على الحلف لشهادة قرينة به انتهى . وعليه فلو صلاها حنث الحالف به ، لكن سيأتي عن الزيادي خلافه ( قوله : في ترك الجماعة ) وليس من ذلك ما جرت به عادة المشتغلين بالسبب من خروجهم للبيع ونحوه بعد الفجر حيث لم يترتب على عدم خروجهم ضرر كفساد متاعهم ، فليتنبه لذلك فإنه يقع في قرى مصرنا كثيرا ( قوله : لا كالريح ) قال بعضهم : يمكن تصوير مجيئه هنا أيضا وذلك في بعيد الدار إن لم تمكنه الجمعة إلا بالسعي من الفجر فإنه يسقط الوجوب عنه ، لأن وقت الصبح ملحق بالليل ، وهو تصوير حسن ( قوله : بأن من ذلك ) أي أعذار الجماعة ( قوله رد بما تقدم آنفا ) أي من الاستدلال بقوله لخبر : من كان يؤمن إلخ وهو مانع من كون الدليل قياس الجمعة على الجماعة ( قوله : من أعذارها ) أي الجمعة ( قوله : فما قالوه ظاهر ) أي من أنه لا جمعة على معذور بمرخص إلخ ( قوله ولم يجد ماء إلا بحضرة إلخ ) أي أما من وجده بحضرة من يحرم عليه وقدر على غيره كأن أمكنه الاستنجاء ببيته مثلا أو تحصيله بنحو إبريق يغترف به ولو بالشراء فلا يكون ذلك عذرا في حقه ( قوله : ولا يغض بصره ) أي بأن ظن منه ذلك ولو ظنا غير قوي ( قوله : نعم هو جائز ) استدراك على قوله ما لو [ ص: 287 ] تعين الماء لطهر إلخ ( قوله : وعلم مما تقرر ) أي من أنها إنما سقطت بالمرض ونحوه للمشقة .

( قوله : أن اشتغاله بتجهيز إلخ ) أي وإن لم يكن المجهز ممن له خصوصية بالميت كابنه وأخيه ، بل المتبرع بمساعدة أهله حيث احتيج إليه معذور . أما من يحضر عند المجهزين من غير معاونة بل للمجاملة فليس ذلك عذرا في حقهم ومثلهم بالطريق الأولى ما جرت به العادة من الجماعة الذين يذكرون الله أمام الجنازة ( قوله : عذر أيضا ) ومن العذر أيضا ما لو اشتغل برد زوجته الناشزة ، كذا نقله شيخنا العلامة الشوبري عن جواهر القمولي انتهى .

وهل مثل زوجته ما لو اشتغل برد زوجة غيره أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الإلحاق لأنه لا يترك الحق الواجب عليه لمصلحة لا تتعلق به وإن توقف ردها على حضوره وظاهره ولو كان له به خصوصية كزوجة ولده ، ولو قيل بإلحاق هذه بزوجته فيكون عذرا لم يكن بعيدا فليراجع ، وقوله يرد زوجته : أي حيث توقف ردها على فوات الجمعة بأن كان متهيئا للسفر أو كانت هي كذلك وإلا فلا يكون عذرا ( قوله : كما قاله الغزالي ) يمكن حمل كلامه على ما إذا لم ير مصلحة في الحبس ( قوله : وله ذلك ) أي للحاكم المنع ( قوله : أنه ) أي الحبس عذر إلخ ، وقوله إن لم يقصر فيه : أي في سببه : وقوله فيكون هنا كذلك معتمد .

حاشية المغربي

( قوله : لأن هذا ) يعني ما ذكره عقبه خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : ببعض ما خرج بالضابط ) [ ص: 286 ] أي قوله : كل مكلف إلخ ( قوله : وما قيس به ) معطوف على قوله المرض أي ذاكرا المرض وما قيس به ( قوله : ثم بين بعض ما خرج به ) أي بالضابط ( قوله : رد بما تقدم آنفا ) أي في قوله ذاكرا فيه المرض ; لأنه منصوص عليه في الخبر ، خلافا لما وقع في حاشية الشيخ .

وعبارة التحفة : ويجاب بما أشرت إليه آنفا إلخ ( قوله : بل صح بالنص إلخ ) بيان للمراد من قوله وهو منع قياس الجمعة على الجماعة ( قوله : وهو سائر أعذار الجماعة ) أي ومنها الجوع أي الذي مشقته كمشقة المرض كما علم من القياس ، وبهذا يندفع الاستشكال الأول ، وإنما لم يتصد له الشارح لعلم جوابه من كلامه كما قررناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية