صفحة جزء
( بسم الله الرحمن الرحيم ) الباء فيها قيل إنها زائدة فلا تحتاج إلى ما تتعلق به ، أو للاستعانة أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف اسم فاعل خبر مبتدإ محذوف ، أو فعل : أي أؤلف أو أبدأ ، أو حال من فاعل الفعل المحذوف : أي أبتدئ متبركا ومستعينا بالله ، أو مصدر مبتدأ خبره محذوف : أي ابتدائي بسم الله ثابت ، ولا يضر على هذا حذف المصدر وإبقاء معموله ; لأنه يتوسع في الجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما ، وتقديم المعمول ها هنا أوقع كما في قوله { بسم الله مجراها } وقوله { إياك نعبد } لأنه أهم وأدل على الاختصاص وأدخل في التعظيم وأوفق [ ص: 17 ] للوجود ، فإن اسمه تعالى مقدم ; لأنه قديم واجب الوجود لذاته ، وإنما كسرت الباء ومن حق الحروف المفردة أن تفتح لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر ، كما كسرت لام الأمر ولام الجر إذا دخلت على المظهر للفرق بينهما وبين لام التأكيد ; والاسم لغة ما أبان عن مسمى ; واصطلاحا ما دل على معنى في نفسه غير متعرض ببنيته لزمان ، ولا دال جزء من أجزائه على جزء معناه ، والتسمية جعل ذلك اللفظ دالا على ذلك المعنى .

وأقسام الاسم تسعة :

أولها الاسم الواقع على الشيء بحسب ذاته .

ثانيها الواقع على الشيء بحسب جزء من أجزائه ذاته .

ثالثها الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته .

رابعها الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية فقط .

خامسها الواقع على الشيء بحسب صفة سلبية .

سادسها الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة إضافية .

سابعها الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة سلبية .

ثامنها الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية مع صفة سلبية .

تاسعها الواقع [ ص: 18 ] على الشيء بحسب مجموع صفة حقيقية وإضافية وسلبية .

والاسم عند البصريين من الأسماء التي حذفت أعجازها لكثرة الاستعمال ، وبنيت أوائلها على السكون وأدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل ، ويشهد له تصريفه على أسماء وأسامي وسمى وسميت ، ومجيء سما كهدى لغة فيه بدليل قولهم ما سماك والقلب بعيد غير مطرد . وهو مشتق من السمو وهو العلو ، ومن السمة عند الكوفيين وهي العلامة ; لأنه علامة على مسماه ، [ ص: 19 ] وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى لكنه فاسد من حيث التصريف لما مر وأصله وسم حذفت الواو وعوض عنها همزة الوصل ليقل إعلاله ورد بأن همزة الوصل لم تعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم والاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى ; لأنه يتألف من أصوات مقطعة غير قارة ويختلف باختلاف الأمم والأعصار ويتعدد تارة ويتحد أخرى والمسمى لا يكون ، كذلك وإن أريد به ذات الشيء فهو المسمى ، لكنه لم يشتهر بهذا المعنى


حاشية الشبراملسي

( قوله : فلا تحتاج إلى ما تتعلق به ) ظاهر نفي الحاجة صحة التعلق ، وليس مرادا ; لأن الحرف الزائد وما أشبهه لا يتعلق بشيء أصلا ، وكأنه لم يبال بهذا الإيهام ; لأن ذكر ما لا يحتاج إليه يعد عبثا عند البلغاء وهو لا يجوز ارتكابه ( قوله : أو للاستعانة ) أي والأصح أنها أصلية فتتعلق بمحذوف ، ومعناها : إما الاستعانة وإما المصاحبة ، فقوله أو للاستعانة إلخ إشارة إلى ما علم أنه الأصح ( قوله : اسم فاعل ) أي ذلك المحذوف اسم فاعل إلخ ( قوله : خبر مبتدإ محذوف ) تقديره ابتدائي كائن ، وعلى هذا الوجه لا عمل للمصدر في الجار والمجرور ( قوله : أي أؤلف أو أبدأ ) والجار حينئذ ظرف لغو ( قوله : ولا يضر على هذا ) أي على الأخير : أما على غيره فلا عمل للمصدر فيه حتى يعتذر عنه ( قوله : وإبقاء معموله ) والفرق بين هذا وبين قوله اسم فاعل إلخ أنه ثم متعلق بنفس اسم الفاعل الواقع خبرا كما هو واضح من كلامه ، وذلك ; لأن اسم الفاعل المقدر حيث جعل خبرا هو مأخوذ من كان التامة ، وهنا متعلق بنفس المبتدإ والخبر مقدر بعده محذوف ( قوله : وتقديم المعمول ها هنا ) هو بسم الله إلخ ( قوله : كما في قوله بسم الله ) أي كالتقديم في قوله بسم الله إلخ ، وقوله ; لأنه [ ص: 17 ] أهم علة لقوله أوقع ، وقوله وأدل عطف عليه وكذا أدخل وأوفق ، وقوله وأوفق للوجود هو من وفق أمره : أي وجد موافقا ( قوله : لأنه قديم ) أي ذاته وهو علة لقوله مقدم ( قوله : لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر إلخ ) أما غيرها من الحروف ففيه ما ينفك عن الحرفية كالكاف وما ينفك عن الجر كالواو ، وإنما كان لزومها لهذين مقتضيا لكسرها .

قال الشيخ سعد الدين التفتازاني : أما الحرفية فلأنها تقتضي البناء على السكون الذي هو عدم الحركة ، والكسر يناسب العدم لقلته ، إذ لا يوجد في الفعل ولا في غير المنصرف من الأسماء ولا في الحروف إلا نادرا ، وأما الجر فلتناسب حركتها التي هي الكسرة عملها الذي لا تنفك عنه وهو الجر الذي هو الكسرة أصالة انتهى ، عبد الحق السنباطي في شرح البسملة .

( قوله : إذا دخلت ) أي لام الجر ( قوله : على المظهر ) كما في قولك المال لزيد ( قوله : بينهما ) أي لام الأمر ولام الجر ( قوله : ما أبان عن مسمى ) أي أظهر وكشف ( قوله : ما دل ) أي لفظ دل على معنى في نفسه : أي بنفسه ( قوله : غير متعرض ) خرج به الفعل ( قوله : على جزء معناه ) خرج المركبات الناقصة كالإضافية والمزجية ( قوله : جعل ذلك اللفظ ) خرج به جعل الفعل والحرف دالين على معناهما فليس واحد منهما تسمية ، وإن كان ذلك الجعل وضعا مطلقا ، واسم الإشارة في ذلك راجع لقوله ما دل إلخ ( قوله وأقسام الاسم ) أي من حيث هو سواء كان المسمى بذلك الباري أو غيره تسعة .

سئل سيدنا ومولانا الشيخ أبو بكر الشنواني رحمه الله تعالى عن قول سيدنا ومولانا الشيخ الإمام الشارح في قوله هنا وأقسام الاسم تسعة أولها الاسم الواقع على الشيء بحسب ذاته إلخ ، أوضحوا الجواب عن هذه الأقسام المذكورة فردا فردا على حسب الحال . فأجاب بما نصه : الحمد لله الموفق للصواب :

أولها نحو زيد ذات الشيء وحقيقته .

وثانيها نحو حيوان وناطق من قولك الإنسان حيوان أو ناطق .

وثالثها العالم والقادر .

ورابعها نحو أسماء الجهات نحو يمين وشمال فإنها لم تطلق على الأماكن المخصوصة إلا باعتبار ما تضاف إليه .

وخامسها نحو الأزلي ، وهو ما لا ابتداء له .

وسادسها نحو المكون للعالم والموجد له ، فإن المحققين من المتكلمين وهم الأشاعرة على أن التكوين من الإضافات والاعتبارات العقلية مثل كون الصانع قبل كل شيء وبعده . والحاصل في الأزل هو مبتدأ التخليق ونحوه وهي القدرة .

وسابعها نحو واجب الوجود وهو الذي يكون وجوده من ذاته : أي ليس المراد أنه كان معدوما وأوجدته ذاته ، بل المراد أنه موجود بوجود هو أعلم به ليس مسبوقا بالعدم ، وليس وجوده ناشئا من شيء ، وكأنه أشار إليه بقوله فلا يحتاج إلخ ، إلا إن جعل ما ذكر تفسيرا له يقتضي أن مفهوم واجب الوجود السلب وحده ، فالأولى أن يقال في تفسيره [ ص: 18 ] موجود ليس وجوده من غيره ، فلا يحتاج في وجوده ولا إيجاد مراده إلى شيء .

وتاسعها نحو لفظ الجلالة فإنه أطلق على الذات المستجمع لسائر صفات الكمال وهي حقيقية نحو العلم والقدرة ، وإضافية نحو الخلق ، وسلبية نحو ليس بعرض ولا جسم ، فإنه وإن كان علما لا يقصد به إلا الذات بالذات فقد يقصده به تبعا غير الذات كنحو الإله انتهى بحروفه .

ولم أر الثامن ولعله سقط من قلم الناسخ . أقول : ولعله كالأول فإنه عبارة عن كونه سابقا غيره وهو صفة إضافية ، وأنه لا يسبقه غيره وهو صفة سلبية ، وكالقيوم فإن معناه كونه قائما بنفسه : أي لا يحتاج إلى غيره وهو سلب ، ومقوما لغيره وهو إضافة .

ثم رأيت بخط بعض الفضلاء أنه نقله من خط الشارح ما نصه : فائدة أقسام الاسم تسعة :

أولها : الاسم الواقع على الشيء بحسب ذاته كسائر الأعلام .

ثانيها : الواقع على الشيء بحسب جزء من أجزاء ذاته كالجوهر للجدار والجسم له .

ثالثها : الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته كالأسود والأبيض والحار والبارد .

رابعها : الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية فقط كالمعلوم والمفهوم والمذكور والمالك والمملوك .

خامسها : الواقع على الشيء بحسب صفة سلبية كأعمى وفقير وسليم عن الآفات .

سادسها : الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة إضافية كعالم وقادر بناء على أن العلم والقدرة صفة حقيقية لها إضافة للمعلومات والمقدورات .

سابعها : الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة سلبية كقادر لا يعجز وعالم لا يجهل .

ثامنها : الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية مع صفة سلبية كلفظة أول فإنه عبارة عن كونه سابقا غيره وهو صفة إضافية ، وأنه لا يسبقه غيره وهو صفة سلبية ، وكالقيوم فإن معناه كونه قائما بنفسه : أي لا يحتاج إلى غيره وهو سلب ومقوما لغيره وهو إضافة .

تاسعها : الواقع على الشيء بحسب مجموع صفة حقيقية وإضافية وسلبية كالإله فإنه يدل على كونه موجودا أزليا واجب الوجود لذاته ، وعلى الصفات السلبية الدالة على التنزيه ، وعلى الصفات الإضافية الدالة على الإيجاد والتكوين انتهى كذا بخط رم ا هـ .

( قوله : وبنيت أوائلها إلخ ) أي وضعت ساكنة ، وليس المراد بالبناء مقابل الإعراب كما هو واضح ; لأن ذاك شرطه أن يكون في الآخر ( قوله ويشهد له ) أي لما قاله البصريون ( قوله : وأسامي ) الأولى عدم كتابته بالياء ، وكأنه رسمه بها إظهارا للعجز المحذوف إن جعل جمعا لاسم ، أما إذا جعل أسامي جمعا لأسماء وهو ما صرح به القرطبي فرسم الياء متعين .

( قوله : بدليل قولهم ) إنما استدل على الأخير دون غيره دفعا لما قد يقال إن مجيء سما على ذلك الوجه لا يدل لجواز مجيئه على بعض لغات الاسم وأن ألفه مبدلة من التنوين .

وحاصل التوجيه أنه لو كان كذلك لما ثبتت الألف فيه عند الإضافة ، بل كان يقال ما سمك بضم الميم بلا ألف ( قوله : والقلب بعيد ) أي الذي ذهب إليه الكوفيون ( قوله : ومن السمة عند الكوفيين ) وفي [ ص: 19 ] المنهج بدل هذه : وقيل من الوسم انتهى ، وهما مصدران لوسم . قال في المختار : وسمه من باب وعد وسمه أيضا انتهى ، يعني يقال : وسم يسم وسما وسمة كما يقال وعد يعد وعدا وعدة ، وعلى هذا فحقيقته وضع العلامة لأنفسها ; لأنها أثر المصدر لا نفسه .

وفي ابن حجر : وأصل الاسم السمو وهو الارتفاع ، حذف عجزه وعوض عنه همزة الوصل فوزنه افع ، وقيل افل من السيما ، وقيل اعل من الوسم انتهى .

وهو يدل على أن منهم من يقول إنه مما حذفت عينه لا فاؤه ولا لامه ففيه ثلاثة أقوال : محذوف اللام ، وقيل العين ، وقيل الفاء . هذا مراده لكن في عبارته قلاقة ، ومن ثم كتب سم ما نصه : قوله وقيل افل قد يدل ظاهر الصنيع أنه في حيز التفريع على قوله حذف عجزه إلخ مع ما قبله مع أن ذلك لا يصح ، إذ حذف العجز لا يتفرع عليه أن الوزن افل أو اعل : أي وإنما يتفرع عليه أنه افع فليجعل مستأنفا أو يعطف على قوله وأصل اسم سمو .

( قوله : وهذا وإن كان صحيحا ) الإشارة إلى قوله ومن السمة إلخ ( قوله : لما مر ) أي من تصريفه على أسماء إلخ ( قوله : والاسم إن أريد به اللفظ ) أي ما صدق عليه هذا اللفظ ، ومنه لفظ الاسم فيدخل فيه نحو العليم والقدير والحي وغيرها ( قوله : باختلاف الأمم ) أي لغاتهم ، والأمة كما في المصباح : أتباع النبي والجمع أمم مثل غرفة وغرف ( قوله : والمسمى لا يكون كذلك ) أي لا يختلف باختلاف الأمم والأعصار إلخ ، وقوله وأما قوله إلخ وارد على قوله لكنه لم يشتهر إلخ ( قوله : لكنه لم يشتهر ) عبارة ابن حجر أو الذات عينه : أي وإن أريد به الذات فهو عينه كما لو أطلق ; لأن من قواعدهم أن كل حكم ورد على اسم فهو على مدلوله انتهى .

وهي قد تنافي قول الشارح إنه لم يشتهر أنه بمعنى الذات . ووجه المنافاة أن استعماله بمعنى الذات كثير في الكلام ، اللهم إلا أن يقال إن الذي لم يشتهر مجيئه بمعنى الذات مجيء الاسم بمعنى الذات في غير استعماله مع عامل كأن يقال مثلا : لفظ كذا هو الذات المخصوصة ، والذي كثر استعماله بمعنى الذات استعماله مركبا مع العامل كقولك : الله الهادي ومحمد الشفيع ، وقد يصرح بذلك قول ابن حجر كما لو أطلق . هذا وقد كتب سم عليه ما نصه : قوله ; لأن من قواعدهم إلخ ، قد يقال لا دلالة في هذا الدليل على المطلوب ; لأن مدلول لفظ الاسم الأسماء كلفظ الله ولفظ الرحمن لا نفس الذات فتأمله ، اللهم إلا أن يراد أن الذات مدلول بالواسطة فإنها مدلول المدلول ، ولا يخفى ما فيه فليتأمل انتهى .

وهو مبني على أن المراد بالاسم لفظه ، وهو المركب من الهمزة والسين والميم ، وعلى ما قلناه من أن المراد به ما صدقه أخذا من قول ابن حجر كما لو أطلق لا يتوجه ما ذكره سم ( قوله : بهذا المعنى ) وهو كون الاسم بمعنى المسمى

حاشية المغربي

( قوله : للاستعانة ) معطوف على قيل لا على مدخوله ( قوله : أو حال من فاعل الفعل ) معطوف على قوله خبر مبتدأ كما هو ظاهر ، فكان ينبغي تقديمه على قوله أو فعل ; لأنه معطوف على اسم فاعل ، وكونه خبرا أو حالا احتمالان فيه ( قوله : متبركا ومستعينا ) [ ص: 17 ] حق العبارة مستعينا أو مصاحبا على وجه التبرك باسم الله ( قوله : لأنه قديم ) الضمير فيه لله تعالى ( قوله : ولا دل جزء من أجزائه إلخ ) يخرج المركب منه [ ص: 18 ] قوله : مبتدأ بها ) أي حال كونها : أي الأسماء مبتدأ بها بخلاف ما إذا وصلت ( قوله : على أسماء ) أي ، فإن أصله أسماو ، ووقعت الواو متطرفة إثر ألف زائدة فقلبت همزة وقوله ، وأسامي : أي ، فإن أصله أسامو قلبت الواو ياء لتناسب الكسرة ( قوله : وسمي ) بضم ففتح تصغير اسم : أي ، فإن أصله سميو اجتمعت الواو ، والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ، والتكسير والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها .

وقوله وسميت لبيان حذف مطلق العجز ، وإلا فهذا التصريف إنما يدل على أنه يائي .

وقوله : ومجيء سما مبتدأ خبره لغة ، وهو جواب عما أورده الكوفيون عليهم في مجيئه غير ساكن الأول ( قوله : والقلب بعيد إلخ ) مراده به الرد على [ ص: 19 ] الكوفيين في ردهم على البصريين ما مر عنهم بأن الواقع في التصاريف المذكورة فيه قلب مكاني نقلت الواو من الصدر وجعلت عجزا ( قوله : وأصله وسم ) أي عند الكوفيين

التالي السابق


الخدمات العلمية