صفحة جزء
[ ص: 3 ] فصل في دفن الميت وما يتعلق به ( أقل القبر ) المحصل للواجب ( حفرة تمنع ) بعد ردمها ( الرائحة ) أن تظهر منه فتؤذي الحي ( و ) تمنع ( السبع ) عن نبشها لأكل الميت ، إذ حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه وانتشار ريحه المستلزم للتأذي بها واستقذار جيفته فلا بد من حفرة تمنع ذينك .

قال الرافعي : والغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين بيان فائدة الدفن ، وإلا فبيان وجوب رعايتهما فلا يكفي أحدهما ا هـ .

وظاهر أنهما غير متلازمين كالفساقي التي لا تكتم الرائحة مع منعها الوحش فلا يكفي الدفن فيها ، وقد قال السبكي في الاكتفاء بالفساقي نظر لأنها ليست معدة لكتم الرائحة ، ولأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعا .

قال : وقد أطلقوا تحريم إدخال ميت على ميت لما فيه من هتك الأول وظهور رائحته فيجب إنكار ذلك ا هـ . ومعلوم أن ضابط الدفن الشرعي ما مر ، فإن منع ذلك كفى ، وإلا فلا سواء أكان فسقية [ ص: 4 ] أم غيرها ، وعلم من قوله حفرة عدم الاكتفاء بوضعه على وجه الأرض والبناء عليه بما يمنع ذينك .

نعم لو تعذر الحفر لم يشترط كما لو مات بسفينة ، والساحل بعيد أو به مانع فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ، ثم يجعل بين لوحين لئلا ينتفخ ، ثم يلقى لينبذه البحر إلى الساحل وإن كان أهله كفارا لاحتمال أن يجده مسلم فيدفنه ، ويجوز أن يثقل لينزل إلى القرار وإن كان أهل البر مسلمين .

أما إذا أمكن دفنه لكونهم قرب البر ولا مانع فيلزمهم التأخير ليدفنوه فيه ( ويندب أن يوسع ) بأن يزاد في عرضه وطوله ( ويعمق ) بالعين المهملة وقيل بالمعجمة وهو الزيادة في النزول لخبر { أنه صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد : احفروا وأوسعوا وأعمقوا } وفي المجموع : يستحب أن يوسع القبر من قبل رجليه ورأسه : أي فقط ، وكذا رواه أبو داود ، والمعنى يساعده ليصونه مما يلي ظهره من الانقلاب ( قامة وبسطة ) أي قدرهما من رجل معتد لهما بأن يقوم باسطا يديه مرفوعتين ; لأن عمر رضي الله عنه أوصى بذلك ، ولأنه أبلغ في المقصود وهما أربعة أذرع ونصف كما صوبه المصنف ، وحمله الأذرعي على ذراع اليد ، وقول الرافعي إنها ثلاثة ونصف على الذراع المعروف


حاشية الشبراملسي

[ ص: 3 ] قوله : وما يتعلق به ) أي الميت كالتعزية ( قوله : والغرض من ذكرهما ) أي الرائحة والسبع ، ( قوله : ولأنها ليست على هيئة الدفن ) يؤخذ منه أنها لا تكفي ، وإن فرض منعها الرائحة ، وكان صورة وضعها أنها محفورة في الأرض قبل بنائها ، وأولى منها بعدم الاكتفاء ما لو كانت مبنية على وجه الأرض ( قوله : المعهود شرعا ) بل هي على صورة البيوت المبنية تحت الأرض فهي لا تتقاعد عن المغارات التي في الجبال وهي لا تكفي في الدفن .

وقوله وقد قال السبكي إلخ ، عبارة حج : وقد قطع ابن الصلاح والسبكي وغيرهما بحرمة الدفن فيها .

( قوله : ومعلوم أن ضابط الدفن الشرعي ) يفيد أنه لا بد من منع الرائحة والسبع ، وإن كان الميت في محل لا تصل إليه السباع أصلا ولا يدخله من يتأذى بالرائحة ، بل وإن لم تكن له رائحة أصلا كأن جف ، وقد تقدم ذلك عن سم على منهج ( قوله : وسواء كان فسقية ) [ ص: 4 ] أي حيث قيل بجواز الدفن فيها ( قوله : بما يمنع ذينك ) وفي حكمه حفرة لا تمنع ما مر إذا وضع فيها ثم بني عليه ما يمنع ذلك ، فلا يكفي .

( قوله : كما لو مات بسفينة ) أي أو كانت الأرض خوارة أو ينبع منها ما يفسد الميت وأكفانه كالفساقي المعروفة ببولاق ولا يكلفون الدفن بغيرها ( قوله : ثم يجعل بين لوحين ) أي ندبا ( قوله : ثم يلقى لينبذه ) من باب ضرب ا هـ مختصر صحاح ( قوله : وإن كان أهله ) أي الساحل ( قوله : فيلزمهم التأخير ليدفنوه ) قد يؤخذ منه أنه لا يجوز إرساله في البحر بلا جعل بين لوحين وبلا تثقيل ، وأظهر في الدلالة على عدم جواز إرساله بلا تثقيل ولا شد بين ألواح قول شيخنا الزيادي : فإن ألقي فيه بدون جعله بين لوحين وثقل لم يأثموا انتهى .

فإن مفهومه أنهم يأثمون لو ألقوه بلا تثقيل ، وفي شرح البهجة ما يوافق كلام شيخنا الزيادي ( قوله : ويندب أن يوسع إلخ ) وينبغي أن يكون ذلك مقدار ما يسع من ينزل القبر ومن يدفنه لا أزيد من ذلك ; لأن فيه تحجيرا على الناس ( قوله : ويعمق ) قال سم على منهج : فإن قلت : ما حكمة التوسيع والتعميق ؟ قلت : يجوز أن يقال التوسيع مع أن فيه إكراما للميت ، فإن في إنزال الشخص في المكان الواسع إكراما له ، وفي إنزاله في المكان الضيق نوع إهانة له أرفق بالميت وبمن ينزله القبر ; لأنه إذا اتسع أمكن أن يقف فيه المنزل إذا تعدد للحاجة ، وأمن من انصدام الميت بجدرانه حال إنزاله ونحو ذلك ، والغرض كتم الرائحة والسبع ، والتعميق أبلغ في حصول ذلك .

فإن قلت : هلا طلب زيادة على قامة وبسطة ؟ قلت : القامة والبسطة أرفق بالميت والمنزل ; لأنه يتمكن مع ذلك من تناوله بسهولة ممن على شفير القبر ، بخلافه مع الزيادة فليتأمل ا هـ

( قوله : احفروا ) بكسر الهمزة من باب ضرب ( قوله والمعنى يساعده ليصونه ) أي ولا يوسع خلفه ليصونه مما يلي إلخ ، وما ذكره في المجموع محمول على الشق واللحد ليلاقي قول المصنف : ويندب أن يوسع ويعمق وفرضه حج فيهما ، أو يقال ما في المجموع ضعيف ( قوله : بأن يقوم باسطا يديه ) أي غير قابض لأصابعهما ( قوله : وقول الرافعي إنها ثلاثة ونصف ) أي الأذرع ( قوله : على الذراع المعروف ) أي الذي اعتيد الذرع به ، وهو المسمى عندهم بذراع النجار : أي وهي تقرب من الأربعة ونصف بذراع الآدمي فلا تخالف بينهما

حاشية المغربي

[ ص: 3 ] ( فصل ) في دفن الميت وما يتعلق به ( قوله : وما يتعلق به ) أي بالدفن خلافا لما وقع في حاشية الشيخ من ترجيع الضمير إلى الميت ، ويرد عليه أن المتعلق بالميت أعم من الدفن كالصلاة والكفن وغيرها ، وليس شيء من ذلك مذكورا في الفصل ( قوله المحصل ) بالرفع أو بالجر ( قوله : ومعلوم أن ضابط الدفن الشرعي ما مر ) من جملة ما مر كونه حفرة ، فلا تكفي الفساقي التي على وجه الأرض كما يصرح به قوله بعد وعلم من قوله حفرة إلخ ، ولعل هذا محمل كلام السبكي .

التالي السابق


الخدمات العلمية