صفحة جزء
( ولا يدفن اثنان في قبر ) أي لحد وشق واحد ابتداء بل يفرد كل ميت بقبر حالة الاختيار للاتباع ، ذكره في المجموع وقال إنه صحيح ، فلو دفنهما ابتداء فيه من غير ضرورة حرم كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وإن اتحد النوع كرجلين أو امرأتين أو اختلف ، وكان بينهما محرمية ولو أما مع ولدها ، وإن كان صغيرا أو بينهما زوجية أو مملوكية كما جرى عليه المصنف في مجموعه تبعا للسرخسي ; لأنه بدعة وخلاف ما درج عليه السلف ، ولأنه يؤدي إلى الجمع بين البر التقي والفاجر الشقي ، وفيه إضرار بالصالح بالجار السوء .

وفي الأم : ويفرد كل ميت بقبر ، إلى أن قال : فإن كانت الحال ضرورة مثل أن تكثر الموتى ويقل من يتولى ذلك فإنه يجوز أن يجعل الاثنين والثلاثة في القبر .

وعبارة الأنوار : ولا يجوز الجمع بين الرجال والنساء [ ص: 11 ] إلا لضرورة متأكدة ا هـ .

ودليله ظاهر كما في الحياة ( إلا لضرورة ) ككثرة الموتى وعسر إفراد كل واحد بقبر فيجمع بين الاثنين فأكثر بحسب الضرورة ، وكذا في ثوب للاتباع في قتلى أحد رواه البخاري ( فيقدم ) حينئذ ( أفضلهما ) وهو الأحق بالإمامة إلى جدار القبر من جهة القبلة لما صح { أنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل في قتلى أحد عن أكثرهم قرآنا فيقدمه إلى اللحد } لكن لا يقدم فرع على أصله من جنسه وإن علا حتى يقدم الجد ولو من قبل الأم وكذا الجدة ، قاله الإسنوي ، فيقدم أب على ابنه وإن سفل ، وكان أفضل منه لحرمة الأبوة وأم على بنت كذلك ، أما الابن فيقدم على أمه لفضيلة الذكورة ، ويقدم البالغ على الصبي وهو على الخنثى وهو على المرأة ، ويجعل بين الميتين حاجز من تراب ندبا حيث جمع بينهما كما جزم به ابن المقري في تمشيته ولو كان الجنس متحدا ، أما نبش القبر [ ص: 12 ] بعد دفن الميت لدفن آخر فيه : أي في لحده فممتنع ما لم يبل الأول ويصر ترابا ، وعلم من قولهم نبش القبر لدفن ثان وتعليلهم ذلك بهتك حرمته عدم حرمة نبش قبر له لحدان مثلا لدفن شخص في اللحد الثاني إن لم تظهر له رائحة إذ لا هتك للأول فيه ، وهو ظاهر وإن لم يتعرضوا له فيما أعلم


حاشية الشبراملسي

( قوله : ولا يدفن اثنان في قبر ) وينبغي أن يلحق بهما واحد وبعض بدن آخر ، وظاهر إطلاقه ولو كانا نبيين أو صغيرين .

[ فرع ] لو وضعت الأموات بعضهم فوق بعض في لحد أو فسقية كما توضع الأمتعة بعضها على بعض فهل يسوغ النبش حينئذ ليوضعوا على وجه جائز إن وسع المكان ، وإلا نقلوا لمحل آخر ؟ الوجه الجواز بل الوجوب وفاقا لم ر ا هـ سم على منهج ( قوله : وإن اتحد النوع إلخ ) قال سم على منهج بعد مثل ما ذكر : نعم يستثنى من هذا ما لو أوصى الميت بذلك فينبغي الجواز ; لأن الحق له كما لو أوصى بترك الثوبين في الكفن ا هـ .

وينبغي أن محل ذلك إذا أوصى كل من الميتين بذلك كأن أوصى الميت الأول بأن يدفن عنده من مات من أهله ، وأوصى الثاني بأن يدفن على أبيه مثلا ، أما لو أوصى الثاني بأن يدفن على أبيه مثلا ، ولم تسبق وصية من الأول فلا يجوز دفنه على الأول ; لأن فيه هتك حرمة الأول ولم يرض بها ، وكذا لو أوصى الأول دون الثاني ; لأن دفنه وحده حقه ولم يسقطه ، ثم ما ذكره مشكل حيث قلنا بحرمة جمع اثنين في قبر ; لأنه أوصى بمحرم ، ولا يجوز تنفيذ الوصية به كما مر فيما لو أوصى بساتر العورة من أنه لا تنفذ وصيته به إلا أن يقال حين الوصية لا تحريم ، كما لو أوصى بأن يكفن من ماله في ثوب [ ص: 11 ] واحد فإنه جائز مع كون الثلاثة واجبة ; لأن وجوبها حق له وقد أسقطه فكذا يقال هنا ( قوله : إلا لضرورة ) وليس من الضرورة ما جرت به العادة في مصرنا من الاحتياج لدراهم تصرف للمتكلم على التربة في مقابلة التمكين من الدفن ; لأنه صار من مؤن التجهيز ، على أنه قد يمكن الاستغناء عنه بالدفن في غير ذلك الموضع ( قوله : وعسر إفراد كل واحد بقبر ) أي فمتى سهل إفراد كل واحد لا يجوز الجمع بين اثنين ولا يختص الحكم بما اعتيد الدفن فيه بل حيث أمكن ولو في غيره ، ولو كان بعيدا وجب حيث كان يعد مقبرة للبلد ، وتسهل زيارته وغايته تتعدد للتراب وأي مانع منه ( قوله : وكذا في ثوب ) أي ويجعل بينهما حاجز ندبا أخذا مما يأتي ( قوله : وهو الأحق بالإمامة ) قال في شرح البهجة كشرح الروض ، والظاهر أن ما مر في الصلاة على الميت من أنهم إذا تساووا في الفضيلة يقرع بينهم ، وأنهم إذا ترتبوا لا ينحى الأسبق ، وإن كان مفضولا إلا ما استثنى ما يأتي هنا ، وأن ما ذكر هنا من استثناء الأب والأم يأتي هناك أيضا ، وقد يفرق بأن المدة هنا مؤبدة بخلافها ثمة ، وبأن القصد من الصلاة الدعاء والأفضل أولى به وفيهما نظر ا هـ .

وقد سئل م ر عن هذا الكلام وأنه يدل على أنه إذا سبق وضع أحدهما في اللحد لا ينحى إلا فيما استثنى فينحى ويؤخر فأبى أن المراد ذلك ، وقال : لا يجوز تأخير من وضع أولا في اللحد لغيره وإن كان أنثى وذلك الغير ذكرا ، أو كان ولدا وذلك الغير أباه ; لأنه بسبقه استحق ذلك المكان فلا يؤخر عنه ، قال : وإنما المراد السبق بالوضع عند القبر فلا يؤخر عنه السابق ، ويقدم غيره بالوضع على شفير القبر ثم أخذه ووضعه في اللحد أولا إلا فيما استثنى فليتأمل وليحرر ، وانظر لو دفن ذميان في لحد هل يقدم إلى جدار القبر أخفهما كفرا وعصيانا ا هـ سم على منهج .

أقول : القياس نعم ( قوله : وأم على بنت ) بقي الخنثى هل يقدم على أمه احتياطا لاحتمال الذكورة أو تقدم الأم ; لأن الأصل عدم الذكورة فيه نظر ا هـ سم بالمعنى

والأقرب الثاني ; لأن الأصالة محققة واحتمال الذكورة مشكوك فيه ( قوله : حيث جمع بينهما ) أي وإن كان الجمع محرما بأن لم تدع ضرورة إليه ( قوله : كما جزم به ) أي بقوله ندبا ( قوله : أما نبش القبر إلخ ) قال سم على منهج بعد ما ذكر : وكما يحرم نبش القبر للدفن يحرم فتح الفسقية للدفن فيها إن كان هناك هتك لحرمة من بها كأن تظهر رائحته كأن كان قريب عهد بالدفن ، وكذا إن لم يكن هنا هتك إلا لحاجة كأن لم يتيسر له مكان بشرط أن لا يكون هناك هتك بنحو ظهور رائحة كما هو الفرض ا هـ ما قرره م ر

وانظر هل حرمة الدفن لاثنين بلا ضرورة على ما مر حتى في حق الكفار حتى يحرم علينا دفن ذميين في لحد بلا ضرورة فليراجع .

لا يقال : العلة في حرمة الجمع أنه قد يتأذى أحدهما بعذاب الآخر ، والكفار كلهم معذبون : لأنا نقول : لو سلمنا أن العلة ذلك فعذاب الكفار يتفاوت فليتأمل ا هـ .

وقوة كلامه تعطي أن الأقرب عنده الحرمة وقوله كأن [ ص: 12 ] تظهر رائحته لو شك في ظهور الرائحة وعدمها هل يحرم أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يقال : إن قرب زمن الدفن حرم وإلا فلا ( قوله : فممتنع ) أي ولو احتجنا لذلك على ما هو ظاهر إطلاقه ، وفي الزيادي : ومحله عند عدم الضرورة أما عندها فيجوز كما في الابتداء رملي ا هـ .

قال حج : ولو وجد عظمه قبل كمال الحفر طمه وجوبا ما لم يحتج إليه أو بعده نحاه ودفن الآخر ، فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا عليه فظاهر قولهم نحاه حرمة الدفن هنا حيث لا حاجة وليس ببعيد ; لأن الإيذاء هنا أشد ا هـ ، وظاهره الحرمة وإن وضع بينهما حائل كما لو فرش على العظام رمل ، ثم وضع عليه الميت فليراجع

حاشية المغربي

( قوله : وإن اتحد النوع إلى آخر السوادة ) عبارة فتاوى والده بالحرف إلا قليلا ( قوله : إلى أن قال إلخ ) لا حاجة إليه هنا لأن محله بعد قول المصنف إلا لضرورة ، وعذره أنه نقل عبارة فتاوى والده برمتها وهي لا تتعلق بخصوص ما في الكتاب ( قوله : وعبارة الأنوار إلخ ) غرضه من نقلها الدلالة على الجواز في حالة الضرورة مع تقييدها بالتأكد ، وإلا فصدرها يفهم خلاف المدعى من التعميم السابق في الحرمة ، وكان محلها أيضا بعد قول المصنف إلا لضرورة وعذره ما مر [ ص: 11 ] قوله : أما نبش القبر إلخ ) محترز قوله فيما مر ابتداء

التالي السابق


الخدمات العلمية