صفحة جزء
( و ) يحرم ( الجزع بضرب الصدر ونحوه ) كشق جيب ونشر شعر وتسويد وجه [ ص: 17 ] وإلقاء الرماد على الرأس ورفع الصوت بإفراط في البكا ، وكذا تغيير الزي ولبس غير ما جرت العادة به كما نقله ابن دقيق العيد في غاية البيان .

قال الإمام والضابط في ذلك أن كل فعل يتضمن إظهار جزع ينافي الانقياد والاستسلام لله تعالى فهو محرم ، ولهذا صرح هو بحرمة الإفراط في رفع الصوت بالبكاء ، ونقله في الأذكار عن الأصحاب .

والأصل في ذلك خبر الشيخين { ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية } وخص الخد بذلك لكونه الغالب فيه ، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك ، ولا يعذب الميت بشيء من ذلك إن لم يوص به لقوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } بخلاف ما إذا أوصى به كقول طرفة بن العبد :

إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا بنت معبد

وعليه حمل الجمهور خبر الصحيحين { إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه } وفي رواية { بما نيح عليه } وفي أخرى ( ما نيح عليه ) وهو يبين أن مدة التعذيب مدة البكاء ، فتكون الباء في الروايتين قبلها بمعنى مع أو للسببية .

واستشكل الرافعي ذلك بأن ذنبه الأمر بذلك فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه .

وأجيب بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب ، وشاهده خبر { من سن سنة سيئة } وحاصله التزام ما قاله ، ويقال كلامه إنما هو على عذابه المتكرر بتكرر الفعل وهو لا يوجد إلا مع الامتثال ، بخلاف ما إذا فقد الامتثال فليس عليه سوى إثم الأمر فقط ، ومنهم من حمل الخبر على تعذيبه بما يبكون به عليه من جرائمه كالقتل وشن الغارات فإنهم كانوا ينوحون على الميت بها ويعدونها فخرا .

وقال القاضي : يجوز أن يكون الله قدر العفو عنه إن لم يبكوا عليه ، فإذا بكوا وندبوا عذب بذنبه لفوات الشرط .

وقال الشيخ أبو حامد : الأصح أنه محمول على الكافر وغيره من أصحاب الذنوب .

ويكره رثاء الميت بذكر مآثره وفضائله للنهي عن المراثي .

والأولى الاستغفار له ، ويظهر حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم ، أو على فعله من الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه .

قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه :

ماذا على من شم تربة أحمد     أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها     صبت على الأيام عدن لياليا




حاشية الشبراملسي

( قوله : كشق جيب ونشر شعر ) [ ص: 17 ] أي وكضرب يد على أخرى على وجه يدل على إظهار الجزع ( قوله : وإلقاء الرماد على الرأس ) ومثله الطين بالأولى سواء منه ما يجعل على الرأس واليدين وغيرهما ( قوله : ولبس غير ما جرت العادة به ) أي للمصاب ( قوله : ودعا بدعوى الجاهلية ) أي ذكر في تأسفه ما تذكره الجاهلية في تأسفها على ما فات ( قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ) أي لا تحمل مذنبة ذنب غيرها ( قوله : كقول طرفة ) بفتح الراء ، واسمه عمرو كما في القاموس ، وقوله ابن العبد : أي وكان من شعراء الجاهلية ( قوله : والأولى الاستغفار له ) أي الدعاء له بالمغفرة كأن يقول أستغفر الله له ، أو اللهم اغفر له ( قوله : زدتها على المحرر ) كأنه جعل ذلك حكاية عن كلام المصنف بمناسبة .

قلت : أي وزيادتها عليه [ ص: 18 ] لا تنافي أنها مصرح بها في كلام الرافعي في غير المحرر أو مأخوذة منه

حاشية المغربي

[ ص: 17 ] قوله بمعنى مع أو للسببية ) كونها للسببية لا يلاقي ما قرره كما لا يخفى ( قوله : ويقال كلامه ) كذا في نسخ الشارح ولعله [ ص: 18 ] محرف عن لفظ كلامهم

التالي السابق


الخدمات العلمية