صفحة جزء
( قلت : هذه مسائل منثورة ) أي متفرقة متعلقة بالباب زدتها على المحرر وهي أكبر زيادة وقعت في الكتاب ، والفطن يرد كل مسألة منها لما يناسبها مما تقدم ، وإنما جمعها في موضع واحد ; لأنه لو فرقها لاحتاج أن يقول في أول كل منها قلت وفي آخرها والله أعلم .

فيؤدي إلى التطويل المنافي لغرضه من الاختصار ( يبادر ) بفتح الدال ندبا [ ص: 18 ] ( بقضاء دين الميت ) .

قالوا : ويستحب أن يكون ذلك قبل الاشتغال بغسله وغيره من أموره مسارعة إلى فك نفسه لخبر { نفس المؤمن أي روحه معلقة أي محبوسة عن مقامها الكريم بدينه حتى يقضى عنه } رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان والحاكم ، فإن لم يتيسر حالا سأل وليه غرماء أن يحللوه ويحتالوا به نص عليه الشافعي والأصحاب .

واستشكل في المجموع البراءة بذلك ثم قال : ويحتمل أنهم رأوا ذلك مبريا للميت للحاجة والمصلحة ، وظاهر أن المبادرة تجب عند طلب المستحق حقه مع التمكن من التركة ، أو كان قد عصى بتأخيره لمطل أو غيره كضمان الغصب والسرقة وغيرهما ( و ) تنفيذ ( وصيته ) مسارعة لوصول الثواب إليه والبر للموصى له ، وذلك مندوب بل واجب عند طلب الموصى له المعين ، وكذا عند المكنة في الوصية للفقراء ونحوهم من ذوي الحاجات ، أو كان قد أوصى بتعجيلها ( ويكره تمني الموت لضر نزل به ) في بدنه أو ضيق في دنياه أو نحوهما لخبر { لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه ، فإن كان لا بد فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني ما كانت [ ص: 19 ] الوفاة خيرا لي } ( لا لفتنة دين ) فلا كراهة فيه لمفهوم الخبر المار بل قال الأذرعي : إن المصنف أفتى باستحبابه له في فتاويه غير المشهورة ، ونقله بعضهم عن الشافعي وهو المعتمد ، ويمكن حمل كلام المصنف هنا وفي الأذكار والمجموع عليه ، أما تمنيه لغرض أخروي فمحبوب كتمني الشهادة في سبيل الله .

قال ابن عباس : لم يتمن نبي الموت غير يوسف صلى الله عليه وسلم ، وقال غيره : إنما تمنى الوفاة على الإسلام لا الموت


حاشية الشبراملسي

( قوله : محبوسة عن مقامها الكريم ) قال حج : وإن قال جمع محله فيمن لم يخلف وفاء أو فيمن عصى بالاستدانة ا هـ .

فأفاد أنه لا فرق في حبس روحه بين من لم يخلف وفاء وغيره وبين من عصى باستدانة وغيره ( قوله : حتى يقضى عنه ) ومن ذلك ما أخذ بالعقود الفاسدة كالمعاطاة حيث لم يوف العاقد بدل المقبوض كأن اشترى شراء فاسدا وقبض المبيع ، وتلف في يده ولم يوف بدله .

أما ما قبض بالمعاملة الفاسدة وقبض كل من العاقدين ما وقع العقد عليه ففي الدنيا يجب على كل أن يرد ما قبضه إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا ، ولا مطالبة لأحد منهما في الآخرة لحصول القبض بالتراضي .

نعم على كل منهما إثم الإقدام على العقد الفاسد ( قوله : واستشكل في المجموع البراءة بذلك ) راجع لقوله سأل وليه ( قوله للحاجة والمصلحة إلخ ) أي فينتقل الحق إلى ذمة الملتزم ولو أجنبيا وتبرأ ذمة الميت بذلك ، ويجب على الملتزم وفاؤه من ماله وإن تلفت التركة .

قال بعضهم : ومع ذلك لا ينقطع تعلق الدين بالتركة فتصير مرهونة به مع تعلق الدين بذمة الغير حتى لو تعذر الوفاء من جهته أخذ من التركة ا هـ حج بالمعنى ( قوله من التركة ) ينبغي تعلقه بكل من قوله تجب عند طلب وقوله مع التمكن ( قوله : وكذا عند المكنة ) أي التمكن ( قوله : في الوصية ) ينبغي تعلقه بكل من قوله يجب عند طلب وقوله مع التمكن ( قوله : أو نحوهما ) أي كتهديد ظالم ( قوله : فليقل اللهم أحيني إلخ ) أي مع الكراهة ( قوله : ما كانت الحياة ) أي مدة كون إلخ ( قوله وتوفني إلخ ) عبارة المحلي إذا كانت إلخ ، ولعله إنما عبر في الأول بما وفى الثاني بإذا ; لأن الحياة لامتدادها وطول زمنها تقدر بمدة ، بخلاف الوفاة فإنها عبارة عن خروج الروح وليس فيه زمن يقدر .

قال حج : تنبيه : تنافي مفهوما كلامه في مجرد تمنيه : أي الخالي عن كل منهما ، والذي يتجه أنه لا كراهة ; لأن علتها أنه مع الضرر يشعر بالتبرم بالقضاء ، بخلافه مع عدمه بل هو حينئذ دليل على الرضا ; لأن من شأن النفوس النفرة عن الموت فتمنيه لا لضر دليل على محبة الآخرة ، بل حديث { من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه } [ ص: 19 ] يدل على ندب تمنيه محبة للقاء الله كهو ببلد شريف بل أولى ا هـ ( قوله : لا لفتنة دين ) أي خوفها حج : أي أو خوف زيادتها ( قوله : وهو المعتمد ) أي الاستحباب ( قوله : ويمكن حمل كلام المصنف هنا ) أي بأن يقال أراد بعدم الكراهة الاستحباب ( قوله : كتمني الشهادة ) أي أو ببلد شريف كمكة والمدينة أو بيت المقدس ، وينبغي أن يلحق بها محال الصالحين ا هـ حج .

أقول : ولا يتأتى أن ذلك من تمني الموت إلا إذا تمناه حالا أو في وقت معين ، أما بدون ذلك فيمكن حمله على أن المعنى إذا توفيتني فتوفني شهيدا إلخ كما قيل به في الجواب عن قول يوسف توفني مسلما الآتي ( قوله : غير الهرم ) وهو كبر السن ( قوله لعدم القطع بإفادته ) أفهم أنه لو قطع بإفادته كعصب محل الفصد وجب وهو قريب ، ثم رأيت حج صرح به حيث قال بدل قول الشارح المضطر وربط محل الفصد

حاشية المغربي

( قوله : قبل الاشتغال بغسله وغيره ) أشار بلفظ الاشتغال إلى أنه لا منافاة بين ما ذكروه هنا وما ذكروه في الفرائض من تقديم مؤن التجهيز على أداء الدين ، إذ ما هنا في مجرد تقديم فعل ما ذكر على الاشتغال بالغسل ونحوه ، والصورة أن المال يسع جميع ذلك ، فالحاصل أنه يفرز ما بقي بالتجهيز ثم يفعل ما ذكر ثم يشتغل بالغسل ونحوه فليتأمل ( قوله : عند طلب المستحق ) أي مع التمكن ( قوله أو كان قد أوصى بتعجيلها ) معطوف على قوله عند طلب المستحق : أي وكذا إن لم يطلب وكان قد أوصى بتعجيلها

التالي السابق


الخدمات العلمية