صفحة جزء
( ويحرم ) ( نقل الميت ) قبل دفنه من بلد موته ( إلى بلد آخر ) وإن أمن تغيره لما فيه من تأخير دفنه المأمور بتعجيله وتعريضه لهتك حرمته ، [ ص: 38 ] وتعبيره بالبلد مثال فالصحراء كذلك ، وحينئذ فينتظم كما قاله الإسنوي منها أربع مسائل ، ولا شك في جوازه في البلدين المتصلين أو المتقاربين لا سيما والعادة جارية بالدفن خارج البلد ، ولعل العبرة في كل بلد بمسافة مقبرتها .

أما بعد دفنه فسيأتي ( وقيل يكره ) لعدم ما يدل على تحريمه ( إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه ) إمامنا رضي الله عنه ، وإن نوزع في ثبوته عنه ، إذ من حفظ حجة على من لم يحفظ لفضلها وحينئذ فالاستثناء عائد للكراهة ، ويلزم منه عدم الحرمة أو إليهما معا ، وهو أولى كما قاله الإسنوي عملا بقاعدة الاستثناء عقب الجمل ، ومراده بالقرب مسافة لا يتغير الميت فيها قبل وصوله ، والمراد بمكة جميع الحرم لا نفس البلد .

قال الزركشي وغيره أخذا من كلام المحب الطبري وغيره : ولا ينبغي التخصيص بالثلاثة لو كان بقرب مقابر أهل الصلاح والخير فالحكم كذلك ; لأن الشخص يقصد الجار الحسن .

قال : وينبغي استثناء الشهيد وقد مر ما يدل عليه ، ولو أوصى بنقله من محل موته إلى محل من الأماكن الثلاثة نفذت وصيته حيث قرب ، وأمن التغير كما قاله الأذرعي .

ومحل جواز نقله بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه لتوجه فرض ذلك على محل موته فلا تسقط عنهم بجواز نقله ، قاله ابن شهبة وهو ظاهر .

ولو مات سني في محل بدعة ولم يمكن إخفاء قبره نقل ، وكذا لو مات أمير الجيش ونحوه بدار الحرب وعلم به الكفار وخفنا عليه من دفنه ، ثم من إخراجه والتمثيل به .

وقضية ذلك أنه لو كان نحو السيل يعم مقبرة البلد ويفسدها [ ص: 39 ] جاز لهم النقل إلى ما ليس كذلك ، وبحث بعضهم ، جوازه لأحد الثلاثة بعد دفنه إذا أوصى به ، ووافقه غيره فقال : هو قبل التغير واجب ، وعلى كل فلا حجة فيما رواه ابن حبان : أن يوسف صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى سائر أنبياء الله وسلم نقل بعد سنين كثيرة من مصر إلى جوار جده الخليل عليه السلام ، وإن صح ما جاء : أي الناقل له موسى عليه السلام ; لأنه ليس من شرعنا ، ومجرد حكايته صلى الله عليه وسلم لا يجعله من شرعه ، هذا والأوجه عدم نقله بعد دفنه مطلقا كما قاله في العباب ، ولا أثر لوصيته ولو تعارض القرب من الأماكن المذكورة ودفنه بين أهله فالأولى أولى كما بحثه الشيخ رحمه الله


حاشية الشبراملسي

( قوله : من بلد موته ) يؤخذ منه أن دفن أهل أنبابة موتاهم في القرافة ليس من النقل المحرم ; لأن القرافة صارت مقبرة لأهل أنبابة ، فالنقل إليها ليس نقلا عن مقبرة محل موته وهو أنبابة م ر ا هـ سم على منهج : أي [ ص: 38 ] ولا فرق في ذلك بين من اعتاد الدفن فيها أو في أنبابة فيما يظهر ، ومثله يقال فيما إذا كان في البلد الواحد مقابر متعددة كباب النصر والقرافة والأزبكية بالنسبة لأهل مصر فله الدفن في أيها شاء ; لأنها مقبرة بلده ، بل له ذلك وإن كان ساكنا بقرب أحدها جدا للعلة المذكورة ( قوله : أربع مسائل ) وهي نقله من بلد لبلد أو لصحراء أو من صحراء لصحراء أو بلد ( قوله : بمسافة مقبرتها ) يعني فلو أراد النقل إلى بلد آخر اعتبر في التحريم الزيادة على مثل تلك المسافة ( قوله : قبل وصوله ) أي لا يتغير فيها غالبا ولو زادت عن يوم ، ومن التغير انتفاخه أو نحوه ( قوله : والمراد بمكة جميع الحرم ) قال حج : وكذا الباقي ا هـ .

والأولى إذا وصل إلى الحرم أن يدفن في مقبرته لا في غيرها لما عللوا به أولوية الدفن في المقبرة بالنسبة لغير هذه الأماكن ، على أن قولهم الدفن في المقبرة أفضل شامل لهذه البلاد الثلاث ( قوله : فالحكم كذلك ) نقل سم على منهج عن الشارح أنه مال لخلافه أخذا بإطلاقهم ( قوله : وينبغي استثناء الشهيد ) أي من النقل فيحرم ( قوله من الأماكن الثلاثة ) أي أما غيرها فيحرم تنفيذها ( قوله : نفذت وصيته ) أي ولو دفن بغيرها نقل وجوبا عملا بوصيته على ما يأتي والمعتمد منه عدم النقل مطلقا ( قوله وأمن التغير ) عطف تفسير ( قوله : على محل موته ) أي أهل محل إلخ ( قوله : ولم يمكن إخفاء قبره نقل ) أي جاز ذلك ( قوله : يعم مقبرة البلد ويفسدها ) أي ولو في بعض فصول السنة كأن كان الماء يفسدها زمن النيل دون غيره فيجوز نقله في جميع السنة .

وينبغي أن محل جواز النقل ما لم يتغير وإلا دفن بمكانه ، ويحتاط في إحكام قبره بالبناء ونحوه كجعله في صندوق [ ص: 39 ] قوله : جاز لهم النقل ) أي ولو في بلد آخر يسلم منه الميت من الفساد

حاشية المغربي

[ ص: 38 ] ولعل العبرة في كل بلد بمسافة مقبرتها ) أي فلا يحرم نقله إلى بلد آخر إلا إذا كان أبعد مسافة من مقبرة بلده فتأمل ( قوله : وحينئذ فالاستثناء عائد للكراهة ) انظر ما وجه هذا الاستنتاج ( قوله : ويلزم منه عدم الحرمة ) فيه نظر ظاهر ، إذ لا يلزمه من انتفاء الكراهة التي هي أخف انتفاء الحرمة التي هي أثقل ، إذ الكراهة تنتفي بأدنى سبب للتسامح فيها بخلاف الحرمة كما لا يخفى ( قوله قال وينبغي استثناء الشهيد ) أي فلا ينقل وإن كان بقرب أحد الأماكن الثلاثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة ( قوله : في محل بدعة ) أي [ ص: 39 ] وخشي عليه منهم كما قاله الشهاب حج ، ويمكن أن يكون قول الشارح الآتي وخفنا إلخ راجعا إلى هذا أيضا ( قوله : هو قبل التغير واجب ) ظاهره أنه بعد التغير باق على الجواز ، والظاهر أنه غير مراد لهذا القائل فليراجع

التالي السابق


الخدمات العلمية