صفحة جزء
[ ص: 213 ] كتاب الاعتكاف هو لغة : اللبث والحبس والملازمة على الشيء ولو شرا ، يقال اعتكف وعكف يعكف بضم الكاف وكسرها عكفا وعكوفا وعكفته أعكفه بكسر الكاف عكفا لا غير ، يستعمل لازما ومتعديا كرجع ورجعته ونقص ونقصته . وشرعا : لبث في مسجد بقصد القربة من مسلم مميز عاقل طاهر عن الجنابة والحيض والنفاس صاح كاف نفسه عن شهوة الفرج مع الذكر والعلم بالتحريم ، وأصله قبل الإجماع قوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وأخبار صحيحة منها { أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ، ثم الأوسط ، ثم الأخير ولازمه حتى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكف أزواجه من بعده وأنه اعتكف عشرا من شوال } وفي رواية

[ ص: 214 ] { في العشر الأول منه } وهو من الشرائع القديمة لقوله تعالى { وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين } وسنة مؤكدة لا تختص بزمن كما قال ( هو مستحب كل وقت ) في رمضان وغيره بالإجماع ولإطلاق الأدلة ويجب بالنذر .


حاشية الشبراملسي

[ ص: 213 ] كتاب الاعتكاف

( قوله : والملازمة على الشيء ) راجع للثلاثة ( قوله : يقال ) أي في اللغة ( قوله : في مسجد ) أي خالص ( قوله : من مسلم مميز عاقل إلخ ) ذكره بعد التمييز مجرد إيضاح لأنه يلزم من أحدهما الآخر ولذلك لم يجمع المصنف بينهما فيما يأتي ، اللهم إلا أن يقال : إن المجنون إذا كان له نوع تمييز لا يصح اعتكافه لانتفاء العقل فليراجع ( قوله : وللعلم بالتحريم ) أي وعدم الإكراه وكونه واضحا كما يأتي للشارح ( قوله : ثم الأوسط إلخ ) قال الدماميني في مصابيح الجامع الصحيح ما نصه : العشر الأوسط جاء هنا على لفظ العشر من غير نظر إلى مفرداته ولفظه مذكر فيصح وصفه بالأوسط ، وإلا فلو أريد وصفه باعتبار آحاده لقيل الوسطى والوسط بضم الواو وفتح السين ككبرى وكبر وقد روي به في بعض الطرق ، وروي أيضا الوسط بضمتين جمع واسط كبازل وبزل كذا في الزركشي . قلت : وأوسط هذا مذكر وواحد العشر مؤنث فكان قياسه أواسط جمع واسطة كأواخر جمع آخرة ا هـ : وقال الإمام النووي في شرح مسلم : اعتكف العشر الأوسط ، كذا هو في جميع النسخ ، والمشهور في الاستعمال تأنيث العشر كما قال في أكثر الأحاديث العشر الأواخر : وتذكيره أيضا لغة صحيحة باعتبار الأيام ، أو باعتبار الوقت والزمان ، ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

وعبارة المصباح : واليوم الأوسط والليلة الوسطى ، وبجمع الأوسط على الأواسط مثل الأفضل والأفاضل تجمع الوسطى على الوسط مثل الفضلى والفضل ، وإذا أريد الليالي قيل العشر الوسط ، وإذا أريد الأيام قيل العشر الأواسط ، وقولهم العشر الأوسط عامي ، ولا عبرة بما فشا على ألسنة العوام مخالفا لما نقله أئمة اللغة ، فقد قال أبو سليمان الخطابي وجماعة : إن ألفاظ الحديث تناقلته أيدي العجم حتى فشا فيه اللحن وتلعبت به الألسن اللكن حتى حرفوا بعضه من مواضعه ، وما هذه سبيله فلا يحتج بألفاظه المختلفة لأن النقلة لم ينقلوا الحديث بضبط الحفاظ حتى يحتج بها بل بمعانيها فإنهم أجازوا نقل الحديث بالمعنى ، ولهذا تختلف ألفاظ الحديث الواحد اختلافا كثيرا : ولأن العشر جمع والأوسط مفرد ولا يخبر عن الجمع بمفرد ، على أنه يحتمل غلط الكاتب بسقوط الألف من الأواسط والهاء من العشرة : وقوله اعتكف العشر الأول إلخ : أي في بعض السنين ثم الأوسط في بعض آخر إلخ ،

[ ص: 214 ] وهل اعتكافه العشر الأول كان في سنة أو سنين وهل الأوسط كذلك أو لا فليراجع ( قوله { أن طهرا بيتي } ) أي نزهاه عما لا يليق به ( قوله : وهو مستحب كل وقت ) أي حتى أوقات الكراهة وإن تحراها ( قوله : ويجب بالنذر ) ذكره توطئة لمسائل النذر الآتية وإلا فمعلوم من كونه مستحبا أنه يصح نذره

التالي السابق


الخدمات العلمية