صفحة جزء
( وشرط ) أي وشروط ( وجوبه ) أي ما ذكر من حج أو عمرة ( الإسلام والتكليف والحرية والاستطاعة ) إجماعا ، وقال تعالى { من [ ص: 242 ] استطاع إليه سبيلا } فلا يجب على كافر أصلي وجوب مطالبة بهما في الدنيا حتى لو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر فإنه لا أثر لها ، بخلاف المرتد فإن النسك يستقر في ذمته باستطاعته في الردة ، ولا على غير مكلف كبقية العبادات ، ولا على من فيه رق ; لأن منافعه مستحقة فهو غير مستطيع ولا على غير المستطيع لمفهوم الآية ( وهي ) أي الاستطاعة ( نوعان : أحدهما استطاعة مباشرة ) لحج أو عمرة بنفسه ( ولها شروط ) سبعة يؤخذ غالبها من كلامه ، وقد عد أربعة منها فقال ( أحدها وجود الزاد ) الذي يكفيه ولو من أهل الحرم ( وأوعيته ) ولو سفرة إذا احتاج لذلك ( ومؤنة ) أي كلفة ( ذهابه ) لمكة ( وإيابه ) أي رجوعه منها إلى محله وإن لم يكن له فيه أهل وعشيرة ( وقيل إن لم يكن له ببلده ) بهاء الضمير ( أهل ) أي من تلزمه مؤنته كزوجة وقريب ( وعشيرة ) أي أقارب ، ولو من جهة الأم : أي إن لم يكن له واحد منهما ( لم يشترط ) في حقه ( نفقة الإياب ) المذكورة من الزاد وغيره إذ المحال كلها في حقه سواء ، والأصح الأول لما في الغربة من الوحشة ، والوجهان جاريان أيضا في الراحلة للرجوع ، والمؤنة تشمل الزاد وأوعيته فذكرها بعدهما من عطف العام على بعض أفراده ، ومحل الخلاف عند عدم مسكن له ببلده ووجد في الحجاز حرفة تقوم بمؤنته وإلا اشترطت مؤنة الإياب جزما ، ولم يتعرضوا للمعارف والأصدقاء لتيسر استبدالهم قاله الرافعي ( فلو ) لم يجد ما ذكر ولكن ( كان يكسب ) في سفره ( ما يفي بزاده ) أي بمؤنته ( وسفره طويل ) مرحلتان فأكثر ( لم يكلف الحج ) وإن كان يكسب في يوم كفاية أيام لاحتمال انقطاع كسبه لعارض مرض ونحوه ، وعلى تقدير عدم انقطاعه فالجمع بين تعب السفر والكسب فيه مشقة عظيمة ( وإن قصر ) السفر كان بمكة أو على دون مرحلتين ( وهو يكسب في يوم كفاية أيام ) أي أيام الحج ( كلف ) الحج بأن يخرج له حينئذ [ ص: 243 ] لاستغنائه بكسبه ، بخلاف ما إذا كان يكسب كفاية يوم بيوم لانقطاعه عن الكسب أيام الحج . وبحث الأذرعي أخذا من التعليل السابق أنه لا بد أن يتيسر له الكسب في أول يوم من خروجه ، والإسنوي أنه لو كان يقدر في الحضر على أن يكسب في يوم ما يكفيه له وللحج لزمه إن قصر السفر ; لأنهم إذا ألزموه به في السفر ففي الحضر أولى وكذا إن طال لانتفاء المحذور ، ويرد بأن كسبه في الحضر تحصيل لسبب الوجوب وهو غير واجب كما يأتي فلا يكلف الكسب في الحضر مطلقا ، ويفرق بينه وبين من يقدر على الكسب في السفر بأن ذلك يعد مستطيعا في السفر قبل الشروع فيه ولو قبل تحصيل الكسب ، وهذا لا يعد مستطيعا له إلا بعد حصول الكسب ; لأن الفرض أنه لا يقدر على الكسب في السفر فلا يجب عليه تحصيله لما مر ، وأيضا ; فلأنه إذا لم يجب عليه الكسب لإيفاء حق الآدمي فلأن لا يجب لإيفاء حق الله تعالى أولى .

وقد نقل الخوارزمي الإجماع على عدم وجوب اكتساب الزاد والراحلة : وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر الطويل والقصير ، وهو كذلك إلا فيما إذا قصر السفر وكان يكسب في يوم كفاية أيام كما مر ، وأيام الحج ستة إذ هي من زوال سابع الحجة إلى زوال ثالث عشره ، وقول المجموع إنها سبعة مع تحديده بذلك فيه اعتبار الطرفين ، واستنبط الإسنوي من التعليل بانقطاعه عن الكسب أيام الحج أنها من خروج الناس غالبا وهو من أول الثامن إلى آخر الثالث عشر وهذا في حق من لم ينفر النفر الأول ، وما ادعاه في الإسعاد من كون تقديرها بثلاثة أيام كما قاله ابن النقيب أقرب ; لأن تحصيل أعمال الحج تمتعا وإفرادا ممكن في ثلاثة أيام ، والمراد بالأعمال الأركان ورمي جمرة العقبة ; لأن له مدخلا في التحلل من الحج ، والقارن يمكنه تحصيل أعمالهما في يوم عرفة ويوم النحر فيه نظر ، والأقرب ما قاله الإسنوي ; لأن الغالب أن المكتسب في هذه الأيام الستة لا يجد من يستعمله ، ولأن إلزام الكسب له يوم الثامن يفوت عليه سننا كثيرة ، وفي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إن لم ينفر يفوت عليه أيضا الرمي في الوقت الفاضل وتحصيل سننه الكثيرة التي يفوت فيها نحو ثلث النهار فكان اعتبار الستة أولى ، ويظهر في العمرة الاكتفاء بما يسع أفعالها غالبا وهو نحو ثلثي يوم .


حاشية الشبراملسي

( قوله : فلا يجب ) أي ما ذكر من الحج والعمرة ( قوله : ولا على من فيه رق ) أورد عليه أنه يدخل فيه المبعض ، وقد يكون بينه وبين سيده مهايأة ونوبة المبعض فيها تسع الحج فلا يتم قوله لأن منافعه مستحقة إلخ ، لأن السيد لا يستحق منافعه في نوبة الحرية كذا بهامش عن شيخنا الحلبي .

أقول : وقد يجاب بأن المهايأة لا تلزم بل لأحد المتهايئين الرجوع ولو بعد استيفاء الآخر ويغرم له حصة ما استوفاه من المنفعة ، وعليه فمجرد المهايأة لا تفوت استحقاق المنفعة بل يجوز رجوع السيد بعد استيفاء حصته ويمنع المبعض من استقلاله بالكسب في حصته ( قوله : ولها شروط سبعة ) ظاهره بل صريحه كسائر كلامهم أنه لا عبرة بقدرة ولي على الوصول إلى مكة وعرفة في لحظة كرامة ، وإنما العبرة بالأمر الظاهر العادي ، فلا يخاطب ذلك الولي بالوجوب إلا إن قدر كالعادة ، ثم رأيت ما يصرح بذلك وهو ما سأذكره أواخر الرهن أنه لا بد في قبضه من الإمكان العادي . نص عليه .

قال القاضي أبو الطيب : وهذا يدل على أنه لا يحكم بما يمكن من كرامات الأولياء . ا هـ حج .

وعبارة سم على منهج : قوله ولا فرض على غير المستطيع لو كان هذا من أرباب الخطوة فاختار شيخنا الطبلاوي وجوب الحج عليه ا هـ .

والأقرب ما قاله حج ( قوله : على بعض أفراده ) قال حج رحمه الله : وحكمة ذكر الخاص وروده في الخبر الذي صححه جمع وضعفه آخرون { أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن السبيل في الآية فقال : الزاد والراحلة } .

[ فرع استطرادي ] وقع السؤال عما يقع كثيرا في مخاطبات الناس بعضهم لبعض من قولهم لمن لم يحج يا حاج فلان تعظيما له هل هو حرام أو لا ؟ والجواب عنه أن الظاهر الحرمة لأنه كذب ، إن معنى يا حاج : يامن أتى بالنسك على الوجه المخصوص .

نعم إن أراد بيا حاج المعنى اللغوي وقصد به معنى صحيحا ، كأن أراد بيا حاج يا قاصد التوجه إلى كذا كالجماعة أو غيرها فلا حرمة ( قوله وهو يكسب في يوم كفاية أيام ) أي كسبا لائقا به لأن في تعاطيه غير

[ ص: 243 ] اللائق به عارا وذلا شديدا أخذا مما قالوه في النفقات من أنه لو كان يكتسب بغير لائق به كان لزوجته الفسخ بذلك ( قوله : في أول يوم من خروجه ) هو المعتمد ( قوله في الحضر مطلقا ) أي قصر السفر أو طال

التالي السابق


الخدمات العلمية