صفحة جزء
باب المواقيت للنسك زمانا ومكانا جمع ميقات وهو لغة : الحد والمراد به هنا زمان العبادة ومكانها ، وقد بدأ بالأول فقال ( وقت ) إحرام [ ص: 256 ] ( الحج ) لمكي أو غيره ( شوال وذو القعدة ) بفتح القاف أفصح من كسرها سمي بذلك لقعودهم عن القتال فيه ( وعشر ليال ) بالأيام بينها وهي تسعة فقد قال الشافعي في مختصر المزني : أشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة ، فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج .

واعترضه ابن داود بأنه إن أراد الأيام فليقل وتسعة أو الليالي فهي عشر .

وأجاب الأصحاب بأن المراد الأيام والليالي جميعا وغلب التأنيث في العدد قاله الرافعي قال ابن العراقي : وليس فيه جواب عن السؤال وهو إخراج الليلة العاشرة ، والأحسن الجواب بإرادة الأيام ، ولا يحتاج لذكر التاء ; لأن ذاك مع ذكر المعدود فمع حذفه يجوز الأمران . ذكره في المهمات ، والسؤال معه باق في إخراج الليلة العاشرة ا هـ .

وأفاد الوالد رحمه الله تعالى أن ما ذكره الرافعي جواب السؤال ، وما ذكره في المهمات جواب عنه ثان ، وأما الليلة العاشرة فقد أفادها قوله فمن لم يدركه إلى آخره ( من ذي الحجة ) بكسر الحاء أفصح من فتحها سمي بذلك لوقوع الحج فيه ، وقد فسر ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى { الحج أشهر معلومات } بذلك : أي وقت الإحرام به أشهر معلومات إذ فعله لا يحتاج لأشهر ، وأطلقها على شهرين وبعض شهر تغليبا أو إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد ، وظاهر كلامه صحة إحرامه بالحج مع ضيق زمن الوقوف عن إدراكه [ ص: 257 ] كأن أحرم به في ليلة النحر ولم يبق من زمن الوقوف بعرفة ما يصح معه إدراكه ، وبه صرح الروياني قال : وهذا بخلاف نظيره في الجمعة لبقاء الحج حجا بفوات الوقوف بخلاف الجمعة ا هـ .

ومرادهم أن هذا وقته مع إمكانه في بقية الوقت حتى لو أحرم من مصر يوم عرفة لم ينعقد الحج بلا شك . قاله في الخادم قال : وفي انعقاده عمرة تردد والأرجح نعم .


حاشية الشبراملسي

( باب المواقيت ) ( قوله : وهو لغة : الحد ) ولم يقل واصطلاحا لعدم اختصاص المعنى الاصطلاحي بما ذكر ، ومع ذلك فكان عليه أن يبين معناه اصطلاحا ( قوله : والمراد به ) أي شرعا ، وعبارة حج : وشرعا هنا زمن العبادة ومكانها ( قوله : ومكانها )

[ ص: 256 ] قال حج : فإطلاقه عليه حقيقي إلا عند من يخص التوقيت بالحد للوقت فتوسع ( قوله : وهو يوم عرفة ) أي آخرها ، ويحتمل أن الضمير راجع للحج على معنى أن معظمه عرفة كما قيل به في قوله صلى الله عليه وسلم { الحج عرفة } ( قوله : واعترضه ابن داود ) أي اعترض ما في مختصر المزني من قوله وتسع من ذي الحجة ( قوله : والأحسن الجواب ) الفرق بين هذا الجواب وما تقدمه أن المراد على الأول بالتسع الأيام مع الليالي ، وعلى هذا الأيام وحدها والليالي مسكوت عنها فلا يكون في كلامه إخراج لليلة العاشرة لعدم ذكر الليالي وحكمها يعلم من دليل آخر ، ومنه يعلم حقيقة قول الشارح والسؤال معه باق إلخ ( قوله : أفصح من فتحها ) قال حج : ما بين منتهى غروب آخر رمضان وفجر النحر بالنسبة للبلد الذي هو فيه فيصح إحرامه به فيه وإن انتقل بعده إلى بلد أخرى تخالف مطلع تلك ووجدهم صياما على الأوجه ، لأن وجوب موافقته لهم في الصوم لا يقتضي بطلان حجه الذي انعقد لشدة تثبت الحج ولزومه ، بل قال في الخادم نقلا عن غيره : لا تلزمه الكفارة لو جامع في الثانية وإن لزمه الإمساك .

قال : وقياسه أنه لا تجب فطرة على من تلزمه فطرته بغروب الشمس ، وعلى هذا يصح الإحرام فيه إعطاء له حكم شوال . ا هـ .

وما ذكره في الكفارة قريب لأنها تسقط بالشبهة ، وفي الفطرة يتعين فرضه فيما إذا حدث المؤدى عنه في البلد الأول قبل غروب اليوم الثاني ، وإلا فالوجه لزومها لأن العبرة فيها بمحل المؤدى عنه ، وأما الإحرام فالذي يتجه عدم صحته لأنه بعد أن انتقل إليها صار مثلهم في الصوم ، فكذا الحج لأنه لا فارق بينهما ولا ترد الكفارة لما

[ ص: 257 ] علمت ا هـ بحروفه ( قوله : ما يصح معه ) أي ما يتأتى معه ( قوله : بخلاف نظيره في الجمعة ) أي فإنها لا تنعقد إذا ضاق وقتها ( قوله ومرادهم أن هذا ) قد يتوقف في أن هذا مرادهم بعد فرض الكلام فيمن أحرم في ليلة النحر ولم يبق من الوقت ما يمكن معه الوقوف فليتأمل ، اللهم إلا أن يقال : كلام الروياني مفروض فيمن لم يصح منه الوقوف لمانع قام بخصوصه ، كما لو أحرم بمكة أو ما يقرب منها ليلة النحر ولم يمكنه الوقوف لما قام به من المانع مع إمكان الوقوف في حد ذاته لمن أحرم ثمة في ذلك الوقت ، ويحتمل أن مراد الخادم التنبيه على أن كلام الروياني مخالف لكلامهم إذ هو مفروض فيمن أمكنه لا مطلقا

حاشية المغربي

[ ص: 255 ] باب المواقيت ) ( قوله : وهو ) أي الحج المضاف إليه أشهر [ ص: 256 ] قوله : قال ابن العراقي ) أي في مقام اختصار كلام المهمات فلا ينافيه قوله بعد ذلك ، والسؤال معه باق لأنه تعقب منه لكلام صاحب المهمات فاندفع ما قد يتوهم من التنافي في طرفي كلامه .

( قوله : أن ما ذكره الرافعي جواب عن السؤال إلخ ) اعلم أن حاصل جوابي الأصحاب وصاحب المهمات واحد ، وهو اختيار الشق الأول من شقي الترديد في كلام ابن داود ، غاية الأمر أن الأصحاب يقولون حذف التاء تغليبا لليالي المرادة مع الأيام ، فالمراد بالليالي في كلامهم ليالي تلك الأيام التسعة كما يعلم من كلام والد الشارح وإنما لم يتعرضوا لليلة العاشرة لأن المستشكل لم يسأل عنها ، خلاف ما يوهمه قول ابن العراقي ، والسؤال باق معه إلخ ، وصاحب المهمات يقول : حذف التاء لحذف المعدود ، وبما تقرر في هذه القولة والتي قبلها يعلم ما وقع في [ ص: 257 ] حاشية الشيخ هنا ( قوله : ومرادهم أن هذا وقته إلخ ) انظر ما مراد الشارح بسياق هذا عقب كلام الرافعي هل مراده تعقبه به أو مجرد إثبات المنافاة بينهما أو الإشارة إلى أنهما متغايران ، وحينئذ فما وجه المغايرة وما في حاشية الشيخ لا يشفي فليحرر ، وسيأتي في الباب الآتي ما يدل على اختياره لكلام الروياني .

التالي السابق


الخدمات العلمية