صفحة جزء
( فإن ) ( لم ينفر ) بكسر الفاء وضمها أي يذهب ( حتى غربت ) أي الشمس ( وجب مبيتها ورمي الغد ) ولو غربت وهو في شغل الارتحال فله النفر ; لأن في تكليفه حل الرحل والمتاع مشقة عليه ، كذا جزم به ابن المقري تبعا لأصل الروضة ، ونقله في المجموع عن الرافعي ، وهو كما قال الأذرعي وغيره : غلط سببه سقوط شيء من نسخ العزيز ، والمصحح فيه وفي الشرح الصغير ومناسك المصنف امتناع النفر عليه ، بخلاف ما لو ارتحل وغربت الشمس قبل انفصاله من منى فإن له النفر . قال الأذرعي : يخرج من هذا مسألة حسنة تعم بها البلوى ، وهي أن أمراء الحجيج في هذه الأعصار يبيتون بمعظم الحجيج بمنى الليلة [ ص: 311 ] الثالثة من التشريق ثم ينفرون غالبا بكرة الثالث ويدعون الرمي بعد الزوال ، فلا يمكن التخلف عنهم خوفا على النفس والمال والانقطاع ، ولو نفر قبل الغروب ثم عاد إلى منى لحاجة كزيارة فغربت أو غربت فعاد كما فهم بالأولى فله النفر وسقط عنه المبيت والرمي ، بل لو بات هذا متبرعا سقط عنه الرمي لحصول الرخصة له بالرمي ، ولو عاد للمبيت والرمي فوجهان : أحدهما يلزمه ; لأنا جعلنا عوده لذلك بمنزلة من لم يخرج من منى ، والثاني لا يلزمه ; لأنا نجعله كالمستديم للفراق ونجعل وجوده كعدمه فلا يجب عليه الرمي ولا المبيت .

ويجب دم بترك مبيت منى لتركه المبيت الواجب كنظيره في ترك مبيت مزدلفة ، وفي ترك مبيت ليلة من منى مد ، وليلتين مدان من الطعام ، وفي ترك الثلاث مع ليلة مزدلفة دمان لاختلاف المبيتين مكانا ، ويفارق ما يأتي في ترك الرميين بأن تركهما يستلزم ترك مكانين وزمانين ، وترك الرميين لا يستلزم إلا ترك زمانين ، فلو نفر مع تركه مبيت ليلتين من أيام منى في الثاني أو في الأول فدم ، ويسقط المبيت بمزدلفة ومنى والدم عن الرعاء إن خرجوا منهما قبل الغروب ; لأنه صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت بمنى ، وقيس بمنى مزدلفة فإن لم يخرجوا قبل الغروب بأن كانوا بهما بعده لزمهم مبيت تلك الليلة والرمي من الغد ، وصورة ذلك في مبيت مزدلفة أن يأتيها قبل الغروب ثم يخرج منها حينئذ على خلاف العادة وعن أهل السقاية مطلقا من غير تقييد خروجهم بقبل الغروب ولو كانت محدثة ، إذ غير العباس ممن هو من أهل السقاية في معناه وإن لم يكن عباسيا ، وإنما لم يقيد خروجهم بذلك ; لأن عملهم بالليل بخلاف الرعاء ، ولأهل الرعاء والسقاية تأخير الرمي يوما فقط يؤدونه في تاليه قبل رميه لا رمي يومين متواليين بالنسبة لوقت الاختيار وإلا فقد مر بقاء وقت الجواز إلى آخر أيام التشريق ، ويعذر في ترك المبيت وعدم لزوم الدم أيضا خائف على نفس أو مال أو فوت مطلوب كآبق أو ضياع مريض بترك تعهده أو موت نحو قريبه في غيبته فيما يظهر ; لأنه ذو عذر فأشبه الرعاء وأهل السقاية ، وله أن ينفر بعد الغروب ، واستنبط البلقيني من هذه المسألة أنه لو مات من شرط مبيته في مدرسة مثلا خارجها لخوف عن نفس أو زوجة أو مال أو نحوها لم يسقط [ ص: 312 ] من جامكيته شيء كما لا يجبر ترك المبيت للعذر بالدم قال : وهو من النفائس الحسنى ولم أسبق إليه .

ويندب للإمام أو نائبه أن يخطب بالناس بعد صلاة ظهر يوم النحر بمنى خطبة يعلمهم فيها حكم الطواف والرمي والنحر والمبيت ومن يعذر فيه ، ثم يخطب بهم بعد صلاة الظهر بمنى خطبة ثانية ثاني أيام التشريق للاتباع ويعلمهم فيها جواز النفر فيه وما بعده من طواف الوداع وغيره ويودعهم ويأمرهم بختم الحج بطاعة الله ، وهاتان الخطبتان لم نر من يفعلهما في زماننا


حاشية الشبراملسي

( قوله : بكسر الفاء وضمها ) عبارة المختار نفرت الدابة تنفر بالكسر نفارا وتنفر بالضم نفورا ونفر الحاج من منى من باب ضرب .

ا هـ .

وبه تعلم ما في كلام الشارح كحج إلا أن يقال ما ذكراه طريقة أخرى فليراجع ( قوله : امتناع النفر ) معتمد حج ، وقوة كلام الشارح تقتضي ترجيحه ; لأنه قال فيما جزم به ابن المقري أنه غلط ووسط بين المبتدأ والخبر كلام الأذرعي ، وقوله عليه : أي إذا غربت وهو في شغل الارتحال إلخ ( قوله : يخرج من هذا ) أي من سقوط العود للمشقة [ ص: 311 ] قوله : خوفا على النفس إلخ ) أي فيسقط عنهم الرمي لاضطرارهم للارتحال ( قوله : سقط عنه الرمي ) أي وإن بقي للزوال ( قوله : والثاني لا يلزمه ) هو المعتمد ( قوله : ويجب دم بترك مبيت منى ) أي بأن لم يبت أصلا ( قوله : في الثاني ) أي في اليوم الثاني ( قوله : أو في الأول فدم ) لعله لاشتماله على ترك الرمي فلا ينافي ما مر من أن في ترك الليلتين مدين ( قوله : ولو كانت محدثة ) أي ولو كانت السقاية محدثة له ( قوله وإنما لم يقيد خروجهم بذلك ) أي بقبل الغروب ( قوله : خائف على نفس أو مال ) ظاهره وإن قل .

ويحتمل أن المراد مال له وقع فلا يؤثر الخوف على أقل متمول [ ص: 312 ] قوله : ويندب للإمام ) أي وذلك ; لأن معظم الحجاج لم يطف

حاشية المغربي

( قوله : قال الأذرعي : يخرج من هذا مسألة إلخ ) مرجع الإشارة في كلام الأذرعي هو الآتي في كلام الشارح بعد في قوله ولو نفر قبل الغروب ثم عاد إلى منى لحاجة إلخ ، فكان الصواب ذكره قبل هذا لينتظم الكلام .

وعبارة الأذرعي : ولو نفر قبل الغروب ثم عاد إليها قبله أو بعده فله النفر في الأصح ، فلو تبرع بالمبيت لم يلزمه رمي الغد ، نص عليه الشافعي رضي الله عنه فيخرج منه مسألة حسنة إلخ .

وحاصل مراده أن هذا الذي نص عليه الشافعي حيلة في دفع الإثم والفدية فيما كان يفعل في زمنه من نفر أمير الحجيج ضحوة الثالث [ ص: 311 ] بأن ينفروا في اليوم الثاني ثم يعودون إلى منى ، فإذا باتوا الليلة الثالثة فهم متبرعون بها فلا يلزمهم رمي الثالث ، وقد أفصح هو بهذا المراد فيما بعد حيث قال : وطريق من أراد المبيت بمنى الليلة الثالثة ولا يمكنه النفر الأول أن يفارق منى بعد رمي اليوم الثاني قبل الغروب ثم يعود إليها ويبيت بها ، فإذا أصبح بها فلا رمي عليه فينفر متى شاء ويحرم بالعمرة متى شاء ا هـ .

وقد يقال : لم لا يكون الخوف المذكور عذرا مسقطا للإثم والفدية أخذا مما سيأتي في قول الشارح : ويعذر في ترك المبيت وعدم لزوم الدم أيضا خائف على نفس أو مال إلخ ، فإذا سقط المبيت المتبوع بالرمي من أصله بهذه الأعذار فسقوط بعض تابع أولى فليحرر ، وبما تقرر يعلم ما في حاشية الشيخ ( قوله : واستنبط البلقيني إلخ ) تعقبه الشهاب حج في التحفة ثم قال : وسيأتي آخر الجعالة ما يعلم منه الراجح في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية