صفحة جزء
( ولو ) ( باع عبدا ) أي رقيقا ( بشرط إعتاقه ) عن المشتري أو أطلق ( فالمشهور صحة البيع والشرط ) لخبر بريرة المشهور ولتشوف الشارع للعتق ، على أن فيه منفعة للمشتري في الدنيا بالولاء وفي الآخرة بالثواب وللبائع بالتسبب فيه والثاني لا يصحان كما لو شرط بيعه أو هبته ، وقيل يصح البيع دون الشرط كما في النكاح ، أما لو شرط إعتاقه عن البائع أو أجنبي فلا يصح ; لأنه ليس في معنى ما ورد به الخبر وخرج بإعتاق المبيع شرط إعتاق غيره فلا يصح البيع معه لانتفاء كونه من مصالحه وشرط إعتاق بعضه .

نعم لو عين المقدار المشروط فالأوجه كما قاله الشيخ الصحة ، ولو باع بعضه بشرط إعتاقه صح ذلك البعض كما اقتضاه كلام البهجة وأصلها ، ومحل صحة شرط العتق حيث كان المشروط عليه يتمكن من الوفاء ، فلو شرط إعتاق قريبه من أصل أو فرع لم يصح البيع [ ص: 457 ] لتعذر وفائه بالشرط لكونه يعتق عليه قبل إعتاقه ، وهذا هو المعتمد وإن نظر فيه في المجموع وأبدى للصحة احتمالا ويكون شرطه توكيدا للمعنى .

قال الأذرعي : والظاهر أن شراء من أقر بحريته أو شهد بها أو بيعه بشرط العتق كشراء القريب : ويحتمل الفرق بينهما والأوجه الأول ( والأصح أن للبائع ) ويظهر إلحاق وارثه به ( مطالبة المشتري بالإعتاق ) ; لأنه وإن كان حقا لله تعالى لكن له غرض في تحصيله لإثابته على شرطه وبه فارق الآحاد ، وأما قول الأذرعي : لم لا يقال للآحاد المطالبة به حسبة لا سيما عند موت البائع أو جنونه ، يرده ما سيأتي في المماثلة في القصاص مما يؤخذ منه ما اقتضاه كلامهم من امتناع المطالبة ، وأن النظر في مثله للحاكم ، ولا يلزمه عتقه فورا إلا عند الطلب ( أو ظن فواته ) فإن امتنع أجبره الحاكم عليه وإن لم يرفعه إليه البائع بل وإن أسقط هو أو القن حقه ، فإن أصر أعتقه عليه كما يطلق عن المولى والولاء مع ذلك للمشتري ، وله قبل عتقه وطؤها واستخدامه وكسبه وقيمته إن قتل ، ولا يلزمه صرفها لشراء مثله كما لا يلزمه عتق ولد الحامل لانقطاع التبعية لا نحو بيع ووقف وإجارة [ ص: 458 ] ولو جنى قبل إعتاقه لزمه فداؤه كأم الولد ، ولو أعتقه عن كفارته لم يجزه عنها وإن أذن له البائع فيه لاستحقاقه العتق بجهة الشرط فلا يصرف إلى غيرها كما لا يعتق المنذور عن الكفارة ، ولو مات المشتري قبل إعتاقه فالقياس أن وارثه يقوم مقامه وهو ظاهر في غير من استولدها .

أما هي فالأوجه عتقها بموته ، ولا ينافي ذلك قولهم إن الاستيلاد لا يجزي ; لأنه ليس بإعتاق ، إذ معناه أنه لا يسقط عنه طلب العتق لا أنها لا تعتق بموته ; لأن الشارع متشوف إلى العتق ما أمكن والحق في ذلك لله تعالى لا للبائع ، فعتقها بموته أولى من أن تأمر الوارث بإعتاقها ، ومقابل الأصح ليس له مطالبته إذ لا ولاء له في حق الله تعالى .


حاشية الشبراملسي

( قوله ولو باع عبدا ) هل مثل البيع السلم ؟ فيه نظر ، وينبغي عدم الصحة أخذا من تعليلهم بالعتق الناجز وتأخر القبض في السلم منزل منزلة تعليق العتق ( قوله : أي رقيقا ) إنما فسر بذلك ليشمل الأمة ، وعبارة حج : أي قنا . وفسر بذلك بناء على أن القن هو الرقيق ، وعبارة المصباح : القن الرقيق يطلق بلفظ واحد على الواحد وغيره ، وربما جمع على أقنان وأقنة . قال الكسائي : القن من يملك هو وأبواه ، وأما من يغلب عليه ويستعبد فهو عبد مملكه . ومن كانت أمه أمة وأبوه عربيا فهو هجين ( قوله : بشرط إعتاقه ) ومثله القرض والهبة فيصح كل منهما بشرط العتق عن المقترض والمتهب كذا قيل ، وقد يقال : الأقرب فيهما عدم الصحة ; لأن العتق هنا لا يحصل إلا بعد قبض المقرض والموهوب . لا يقال : قد يكون المقرض والموهوب في يد المقترض والمتهب قبل العقد فيحصل القبض فيهما عقبه ; لأنا نقول : القبض فيهما يتوقف على إذن من المالك في القبض عن الهبة والقرض ، وعلى مضي زمن يمكن فيه القبض بعد العقد فلا يتم القبض فيهما بعد العقد أصلا ، وقد يؤيد هذا أنه إذا شرط إعتاق البعض لم يضر مع أن اعتاق غير المبيع إنما حصل بالسراية من إعتاق الجزء المبيع ، ووجه التأييد ما قاله حج من أنه صح ; لأنه مع ذلك يسمى عتقا للكل حالا منجزا وهو المقصود .

( قوله : عن المشتري ) لا فرق في صحة العقد مع ما ذكر ولزوم العتق للمشتري بين كون المبتدي بالشرط هو البائع ووافقه المشتري أو عكسه على المعتمد ا هـ سم على حج من جملة كلام طويل فليراجع ( قوله : لانتفاء كونه من مصالحه ) ومنه ما لو باع أحد شريكين حصته من شريكه بشرط أن يعتق الشريك الكل فلا يصح لاشتماله على شرط عتق غير المبيع ( قوله : وشرط إعتاق بعضه ) أي بعض المبيع ( قوله : نعم لو عين المقدار إلخ ) فإن أبهمه فله خلافا لحج حيث قال : لا فرق في البعض بين المعين وغيره حتى لو باعه بشرط إعتاق جزما صح البيع وحصل به المقصود من عتق الكل ; لأنه إذا أعتق جزءا وإن قل سرى إلى باقيه لكون الجميع في ملكه ا هـ . ويمكن رد ما قاله بأن المبهم لا تتأتى المطابقة والدعوى به من البائع لانتفاء كون المدعى به معلوما فامتنع البيع بشرط إعتاقه للإبهام ، قيل على أنه قد لا تتأتى السراية عند الإعتاق لاحتمال أن يبيع أكثره وهو معسر ، فإذا أعتق الباقي لا يسري ، لكن هذا جار في البعض معينا كان أو مبهما ، وقد يقال بعدم صحة بيع شيء منه فيما لو شرط عليه إعتاق شيء منه معينا كان أو مبهما ; لأنه حيث قيل بصحة الشرط نزل شرط إعتاق البعض منزلة شرط إعتاق الكل ، وهو إذا شرط إعتاق الكل لا يجوز بيع شيء منه قبل العتق .

( قوله : صح ذلك البعض ) أي حيث كان باقيه حرا أو كان للمشتري ولم يتعلق به حق يمنع صحة العتق كرهن أو لغيره وهو موسر وإلا فلا لعدم حصول المقصود من العتق لكله حالا ا هـ حج . وظاهر كلام البهجة المذكور أنه لا فرق ا هـ سم على حج . ويؤيده أن الشارح متشوف إلى العتق فلا فرق بين كون المشروط عتقه يؤدي إلى تخليص الرقبة من الرق وبين كونه قاصرا على ما اشتراه ، وقياس ما قدمه الشارح فيما لو اشترى كله بشرط إعتاق بعض معين [ ص: 457 ] من الصحة أنه لو اشترى نصفه بشرط إعتاق ربعه صح ( قوله ويكون ) من تتمة كلام المجموع ( قوله أو بيعه ) أي أو شهد ببيعه إلخ ( قوله : بشرط العتق ) أي إذا شهد بشرائه بشرط العتق فلا يصح شراؤه له ولو بالشرط المذكور مؤلف ( قوله كشراء القريب ) أي فلا يصح في الثلاث ( قوله : والأوجه الأول ) قال حج : ومحل البطلان في الكل حيث قصد شرط إنشاء العتق وإلا صح ، وعلى هذا التفصيل يحمل قول من قال بالصحة ومن قال بالمنع ا هـ بالمعنى . قال سم عليه : والمنقول البطلان مطلقا ا هـ . وهو مقتضى إطلاق كلام الشارح ( قوله والأصح أن للبائع ) أي بعد لزوم العقد ; لأن المشتري قبله متمكن من الفسخ ( قوله : في تحصيله لإثابته ) قد يخرج مسألة ابتداء المشتري إلا أن يقال : موافقة البائع كشرطه فليتأمل ا هـ سم على حج .

( قوله : يرده ) ما سيأتي خلافا لابن حجر ( قوله : ولا يلزمه عتقه فورا ) والقياس اللزوم فيما لو شرط البائع على المشتري إعتاقه فورا عملا بالشرط ( قوله : وله قبل عتقه وطؤها ) أي وإن حبلت ويجبر على إعتاقها كما يأتي ( قوله : وكسبه ) قد يشكل بما لو أوصى بإعتاق رقيق فتأخر عتقه عن الموت حتى حصل منه إكساب فإنها له لا للوارث ا هـ سم على حج . وقد يفرق بأن الوصية بالعتق بعد الموت ألزم من البيع بشرط العتق ، إذ لا يمكن بعد الموت رفعها بالاختيار والبيع بشرط العتق يمكن رفعه بالاختيار بالتقايل وفسخه بالخيار والعيب ونحوهما فليتأمل ( قوله : ولا يلزمه صرفها ) أي ; لأن مصلحة الحرية له وقد فاتت ، بخلاف مصلحة الأضحية المنذورة فإنها للفقراء فلذا وجب شراء مثلها بقيمتها إذا تلفت ا هـ سم على حج ( قوله : ولد الحامل ) قال سم على حج : عبارة الروض : وإن شرط عتق حامل فولدت ثم أعتقها ففي عتق الولد وجهان ا هـ . قال في شرحه : والأصح منهما في المجموع المنع لانقطاع التبعية بالولادة ا هـ .

واعلم أن في باب التدبير أن المعلق عتقها يتبعها ولدها في العتق إن كان حملا عند التعليق أو الصفة ، وأن في الروض في باب الرهن ما نصه : والحمل المقارن للعقد لا للقبض مرهون فتباع بحملها وكذا إن انفصل ا هـ . وهذا يشكل على ما هنا فليتأمل الفرق ، وقد يقال : إن نظير دخوله في الرهن وبيعه معها مطلقا دخوله هنا في المبيع وثبوت أحكام المبيع له ، وأما العتق فخارج عن أحكام المبيع فلا حاجة لفرق وفيه نظر ( قوله : لا نحو بيع ) أي ولو بشرط العتق أو لمن يعتق عليه [ ص: 458 ] كما هو قضية إطلاقهم وهو ظاهر ، وكذا من نفسه وإن كان عبد عتاقة فيما يظهر ; لأن أخذ العوض خلاف قضية شرط العتق ا هـ سم على حج . وذكر أيضا أن مثل بيعه من نفسه ما لو وهبه لمن يعتق عليه أو بشرط إعتاقه ( قوله لم يجزه ) وهل يعتق عن جهة شرط أو يلغو ما أتى به فيستمر على الرق ويطالب بعتقه ثانيا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ; لأنه إذا بطل خصوص كونه عن الكفارة بقي مطلق العتق وقد يشعر به قوله عنها .

وبقي ما لو باعه ابتداء بشرط الإعتاق عن كفارة المشتري هل يصح البيع أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ; لأنه ليس في معنى ما ورد في الخبر [ فرع ] لو اشترى رقيقا بشرط إعتاق يده مثلا فهل يصح ويعتق أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، ونقل سم عن مر على حج عدم الصحة ، ولعل وجهه أن العضو المعين قد يسقط قبل إعتاقه فلا يمكن إعتاقه بعد سقوطه ومع هذا فالأقرب الصحة ، ويكون شرط ذلك شرطا لإعتاق الجملة إما من باب التعبير بالجزء عن الكل وإما من باب السراية ، والأصل عدم سقوط العضو وبتقدير سقوطه فيحتمل أن يقال يجب إعتاق الجملة ; لأنه التزمه بالتزام إعتاق اليد ( قوله : يقوم مقامه ) أي فيجبر على إعتاقه إن امتنع منه ( قوله : فالأوجه عتقها ) أي عن الشرط ومثلها أولادها الحاصلون بعد الإيلاد فيعتقون بموته .

حاشية المغربي

[ ص: 456 - 457 ] قوله : أو بيعه ) هو بالجر وفي بعض الهوامش عن الشارح ما نصه : أي شهد بشرائه بشرط العتق فلا يصح بعد ذلك شراؤه له ولو بالشرط المذكور ا هـ ( قوله : بشرط العتق ) قضيته أنه لو اشتراه في مسألة ما لو أقر ببيعه بشرط العتق أو شهد بذلك بدون شرط العتق أنه يصح ، وظاهر أنه غير مراد كما يعلم مما يأتي قريبا في كلامه ، ثم إن ما ذكر هنا قد يشكل على ما صرحوا به من أن شراء من أقر بحريته افتداء وليس بيعا حقيقيا ، ولا يخفى أن الافتداء ليس من العقود التي تتأثر بالشروط الفاسدة فلينظر معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية