صفحة جزء
( وميتة غير الآدمي والسمك والجراد ) ولو نحو ذباب كدود خل مع شعرها وصوفها ووبرها وريشها وعظمها وظلفها وظفرها وحافرها وسائر أجزائها لقوله تعالى { حرمت عليكم الميتة } وتحريم ما ليس بمحترم ولا مضر يدل على نجاسته ، والمراد بالميتة شرعا ما زالت حياته لا بذكاة شرعية فدخل فيها مذكى غير المأكول ، ومذكى المأكول تذكية غير شرعية كذبيحة المجوس والمحرم بضم الميم ، أما المذكاة شرعا فطاهرة ولو جنينا في بطنها وصيدا لم تدرك ذكاته وبعيرا ند لأن الشارع جعل ذلك ذكاتهما ، أما الآدمي ولو كافرا فطاهر لقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم } وقضية تكريمهم أن لا يحكم بنجاستهم بالموت ولخبر الحاكم { لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا } ولأنه لو كان نجسا [ ص: 239 ] لما أمر بغسله كسائر النجاسات .

لا يقال : ولو كان طاهرا لما أمر بغسله كسائر الأعيان الطاهرة .

لأنا نقول : غسل الطاهر معهود في الحدث وغيره بخلاف النجس ، على أن الغرض منه تكريمه وإزالة الأوساخ عنه ، وأما قوله تعالى { إنما المشركون نجس } المراد نجاسة الاعتقاد أو أنا نجتنبهم كالنجاسة لا نجاسة الأبدان ، ولهذا { ربط النبي صلى الله عليه وسلم الأسير في المسجد } ، وقد أباح الله طعام أهل الكتاب ، والخلاف كما قال الزركشي في غير ميتة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .

قال ابن العربي المالكي : وفي غير الشهيد قال الأذرعي ولم أره لغيره ، وأما ميتة السمك والجراد للإجماع على طهارتهما ولو كان السمك طافيا وهو ما يؤكل من حيوان البحر وإن لم يسم سمكا ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في البحر { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } وسواء أماتا باصطياد أم بقطع رأس ولو ممن لا يحل ذبحه من الكفار أم مات حتف أنفه ، لما روي عن عبد الله بن أبي أوفى { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد } .

وصح عن ابن عمر { أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال } .

والجراد اسم جنس واحدته جرادة تطلق على الذكر والأنثى .


حاشية الشبراملسي

( قوله : وظلفها ) اسم لحافر الغنم ونحوه ، والظفر للطير والحافر للفرس ونحوه ( قوله : ولا مضر ) قال ابن الرفعة : الاستدلال على نجاسة الميتة بالإجماع أحسن لأن في أكل الميتة ضررا سم على بهجة .

وفي قول الشارح : ولا مضر ، تصريح بنفي الضرر عن الميتة ، وصرح به أيضا حج حيث قال : وزعم إضرارها : أي الميتة ممنوع ( قوله : على نجاسته ) في نسخة النجاسة ( قوله : كذبيحة المجوس ) أي وما ذبح بالعظم ونحوه ( قوله : والمحرم ) أي إذا كان ما ذكاه صيدا وحشيا كما يعلم من كتاب الحج ، أما لو كان مذبوحه غير وحشي كعنز مثلا فلا يحرم .

( قوله : الآدمي إلخ ) ومثل الآدمي الملك والجن فإن ميتتهما طاهرة ، كذا بهامش شرح البهجة بخط [ ص: 239 ] الزيادي .

وفي فتاوى الشهاب الرملي ما يوافق ذلك فليراجع .

أقول : ويوجه بما وجه به طهارة المتولد بين الكلب والآدمي بقوله صلى الله عليه وسلم { إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا } حيث لم يقيد ذلك بالآدمي ، ولا يشكل بأنه يقتضي نجاسة الكافر لأن التقييد بالمؤمن في هذا ونظائره ليس لإخراج الكافر بل للثناء على الإيمان والترغيب فيه ( قوله : بخلاف النجس إلخ ) قضيته أن عظم الميتة إذا تنجس بمغلظة وأريد تطهيره منه ليرجع لأصله لا يمكن فيه ذلك لأن النجس لم يعهد غسله للتطهير .

وبهذه القضية صرح سم على حج فيما يأتي حيث قال قوله : وإن سبع وترب إلخ ، يؤخذ من ذلك ما وقع السؤال عنه وهو ما لو بال كلب على عظم ميتة غير المغلظة فغسل سبعا إحداها بتراب فهل يطهر من حيث النجاسة المغلظة ، حتى لو أصاب ثوبا رطبا مثلا بعد ذلك لم يحتج لتسبيع ؟ والجواب لا يظهر أخذا مما ذكر بل لا بد من تسبيع ذلك الثوب ا هـ .

لكن في فتاوى شيخ الإسلام ما نصه : فرع : سئل شيخ الإسلام عن الإناء العاج إذا ولغ فيه الكلب أو نحوه وغسل سبع مرات إحداها بتراب ، فهل يكتفى بذلك عن تطهيره أو لا ؟ فأجاب بأن الظاهر أن العاج يطهر بما ذكر عن النجاسة المغلظة ا هـ من باب الأواني وهو الأقرب .

( قوله : والخلاف إلخ ) لم يتقدم حكاية الخلاف في كلامه في ميتة الآدمي لكنه ثابت ، وعبارة المحلي : وكذا ميتة الآدمي في الأظهر ( قوله : وفي غير الشهيد ) ضعيف ( قوله : طافيا ) بأن ظهر بعد الموت على وجه الماء ( قوله : حتف أنفه ) أي بأن مات بلا جناية ( قوله : ابن أبي أوفى ) هو بتحريك الواو كما ضبطه المناوي في شرح الجامع الصغير لكن في القسطلاني " أبو أوفى " بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء مقصورا اسمه علقمة بن خالد ( قوله : وصح عن ابن عمر ) يفيد أنه موقوف عليه وليس مرفوعا ، وبه صرح حج حيث قال : لكن الصحيح كما في المجموع أن القائل أحلت لنا إلخ ابن عمر رضي الله عنهما لكنه في حكم المرفوع ، ورواية رفع ذلك ضعيف جدا ومن ثم قال أحمد : إنها منكرة ا هـ ( قوله : ولو تحلب ) أي سال ( قوله : والكبد والطحال ) أي وإن سحقا وصارا [ ص: 240 ] كالدم فيما يظهر

حاشية المغربي

( قوله : لم تدرك ذكاته ) أي المعهودة فلا ينافيه ما بعده ( قوله : لا تنجسوا موتاكم ، فإن المؤمن إلخ ) ذكر المؤمن جرى على الغالب كذا قالوا .

وقد يقال : ما المانع أن وجه الدلالة [ ص: 239 ] منه لطهارة الكافر أن الخصم لا يفرق بين المسلم ، والكافر في النجاسة بالموت ، فإذا ثبتت طهارة المسلم فالكافر مثله لعدم الفرق اتفاقا ( قوله : كما قال الزركشي ) أي تبعا لغيره كما هو مذكور في كلام غير الشارح وإلا فابن العربي قبل الزركشي بكثير ، والعبارة توهم خلاف ذلك ( قوله : لما روي عن عبد الله إلخ ) الظاهر أنه معطوف على قوله [ ص: 240 ] للإجماع وسقطت الواو من الكتبة

التالي السابق


الخدمات العلمية