صفحة جزء
والمراد بجواز العارية جوازها أصالة وإلا فقد يعرض لها اللزوم من الجانبين أو أحدهما كما أشار إليه بقوله ( إلا إذا ) ( أعار لدفن ) ميت محترم ودفن ( فلا يرجع حتى يندرس أثر المدفون ) بحيث لا يبقى منه شيء فيرجع حينئذ بأن يكون قد أذن له في تكرير الدفن وإلا فالعارية انتهت وذلك لأنه دفن بحق وفي النبش هتك حرمة ، ولا يرد عليه عجب الذنب فإنه وإن لم يندرس إلا أن الكلام في الأجزاء التي تحس وهو لا يحس ، وحكم الورثة حكم مورثهم في عدم الرجوع ، ولا أجرة لذلك محافظة على حرمة الميت ولقضاء العرف بعدم الأجرة والميت لا مال له ، وعلم من تعبيره بالاندراس لزومها في دفن النبي والشهيد لعدم بلائهما ، فلا يرد أن هذا كله إن رجع بعد تمام الدفن ، فلو رجع بعد وضع الميت في القبر ولم يوار لم يؤثر كما اقتضاه كلام الشرح الصغير ، وهو المعتمد وإن نقل في الروضة عن المتولي من غير مخالفة جوازه وللمعير سقي شجرة المقبرة [ ص: 134 ] إن أمن ظهور شيء من الميت وضرره ، ولو أظهره السيل من قبره وجب إعادته فيه فورا ما لم يمكن حمله إلى موضع مباح يمكن دفنه فيه من غير تأخير فلا يجوز كما بحثه ابن الرفعة ، وعلى المعير لولي الميت كما في الروضة مؤنة حفر ما رجع فيه قبل الدفن لأنه المورط له ، وفارق ما لو بادر إلى الأرض بعد تكريب المستعير لها فإنه لا يلزمه أجرة التكريب بأن الدفن لا يمكن بدون الحفر والزرع يمكن بدون التكريب ، ويؤخذ منه أنه لو أعاره لغراس أو بناء من لازمه التكريب ورجع بعده غرم له أجرة الحفر وهو كذلك ، وأنه لو انفسخت بنحو جنون المعير لم تلزمه مؤنة حفر القبر كما يؤخذ من التعليل ، ولا يلزم الوارث طم ما حفره للإذن له فيه . وفي الروضة عن البيان : لو أعاره أرضا لحفر بئر فيها صح ، فإذا نبع الماء جاز للمستعير أخذه لأنه مباح بالإباحة وللمتولي تفصيل حاصله أن للمعير إذا رجع منعه من الاستقاء وله طمها مع غرم ما التزمه من المؤنة وتملكها بالبدل إن كان له فيها عين كآجر وخشب ، وإلا فإن قلنا القصارة ونحوها كالأعيان ، وهو الأصح فكذلك وإلا فلا ، والتقرير بأجرة إن احتاج الاستقاء إلى نحو استطراق في ملكه وأخذها في مقابلته ، فإن أخذها في مقابلة الماء فلا بد [ ص: 135 ] من شروط المبيع أو ترك الطم لم يجز لأن وضع الإجارة جلب النفع لا دفع الضرر ، فإن كانت بئر حش أو يجتمع فيها ماء المزاريب ، وأراد الطم أو التملك فكما مر ، أو التقرير بعوض فكما لو صالح على إجراء الماء على سطح بمال وإلا إذا أعار كفنا وكفن فيه وإن لم يدفن فإن الأصح بقاؤه على ملكه ولا يرجع فيه حتى يندرس أيضا ، وإلا إذا قال أعيروا داري بعد موتي لزيد سنة مثلا وخرجت من الثلث فيمتنع على الوارث الرجوع ، أو نذر أن يعيره مدة معلومة أو أن لا يرجع ، وإلا إذا رجع معير سفينة بها أمتعة موضوعة وهي في اللجة ويستحق الأجرة من حينئذ كما بحثه ابن الرفعة كما لو رجع قبل انتهاء الزرع .


حاشية الشبراملسي

( قوله : لدفن ميت محترم ) وهو كل من وجب دفنه فيدخل فيه الزاني المحصن وتارك الصلاة والذمي وقاطع الطريق ، وخرج بالمعير المستأجر فليس له أن يدفن موتاه فيها إلا إن عمم له المؤجر في الانتفاع ونص له على الدفن بخصوصه فله ذلك ، وعليه فهل للمستأجر أن يعيرها لغيره للدفن فيها لجواز ذلك له فينزل منزلته أم لا فيه نظر ، والأقرب الأول للعلة المذكورة ( قوله : ودفن ) بقي ما لو وضع في القبر بالفعل ثم أخرج منه لغرض ما كتوسعة القبر أو إصلاح كفنه مثلا فهل له الرجوع أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يأتي فيه ما قيل فيما لو أظهره سيل أو سبع الآتي ( قوله : فلا يرجع حتى يندرس ) ويعلم ذلك بمضي مدة يغلب على الظن اندراسهم فيها ( قوله : بأن يكون قد أذن له ) تصوير لصورة الرجوع ( قوله : إلا أن الكلام ) الأولى لأن إلخ ( قوله : في الأجزاء التي تحس ) قضيته أن كل ما لا يحس من الأجزاء كعجب الذنب ا هـ سم على حج ( قوله : لزومها ) أي العارية ( قوله : لعدم بلائهما ) يؤخذ منه أن مثلهما غيرهما ممن ثبت فيهم عدم الاندراس ، ولعله لم يذكره لعدم علمنا بالشروط المقتضية لعدم بلائهم ( قوله : فلو رجع بعد وضع الميت ) أي أو إدلائه ا هـ سم على حج وعبارته بل يتجه امتناع الرجوع بمجرد إدلائه وإن لم يصل إلى أرض القبر لأن في عوده من هواء القبر بعد إدلائه إزراء به فليتأمل ، وقول سم بمجرد إدلائه : أي أو إدلاء بعضه فيما يظهر

( قوله : لم يؤثر ) أي الرجوع ( قوله : وللمعير سقي شجرة المقبرة ) [ ص: 134 ] أي وإن حدثت بعد الدفن لجواز تصرفه في ظاهر الأرض بما لا يضر الميت ( قوله : ولو أظهره السيل ) أي أو السبع ( قوله : وجب إعادته فيه فورا ) أي على كل من علم به فهو فرض كفاية ، ، واعتمد م ر أنه إن كانت التركة لم تقسم سم فمؤنة الرد فيها وإن قسمت سم فعلى بيت المال وإلا فعلى المسلمين كما قالوه فيما لو سرق كفنه ا هـ سم على حج ( قوله : من غير تأخير ) أي عن مدة إرجاعه للأول بأن كان مساويا أو أقرب ( قوله : فلا تجوز ) أي إعادته ، والأولى فلا تجب لأنه حيث كان المباح مساويا للأول أو أبعد منه بل أو أقرب فلا معنى لوجوب إعادته للأول لأن عوده إليه لا إزراء فيه بالنسبة لغيره ويمكن تخصيص عدم الجواز بما إذا كان محله أبعد من المباح أو كان عوده إلى الأول يحتاج إلى إصلاح القبر ( قوله : لولي الميت ) أي وارثه ( قوله : مؤنة حفر ما رجع فيه ) ظاهره سواء حفره بنفسه أو استأجر من يحفر له وهو ظاهر أو حفره له متبرع بقصد المستعير

( قوله : لأنه المورط له ) أي إعارته إياه الأرض فمنعه من الدفن تقصير ( قوله : ما لو بادر إلخ ) أي بادر المعير إلى الرجوع في الأرض ، وقوله بعد تكريب : أي حرث ، وقوله يؤخذ منه : أي من قوله بأن الدفن إلخ ( قوله : أو بناء ) أي أو زرع ( قوله : غرم له أجرة الحفر وهو كذلك ) . قال سم على منهج بعدما ذكر : قال م ر : وصورة مسألة القبر أن يكون الحافر الوارث ، فلو كان الحافر الميت بأن استعار الأرض ليحفر له فيها قبرا فحفره ثم مات فرجع المعير لم يغرم أجرة الحفر ، وأظنه علله بأنه لا حق له فيما حفره في حال حياته فليراجع ا هـ ( قوله : كما يؤخذ من التعليل ) لعله بملاحظة ما قدمناه من أن رجوعه بعد الإذن تقصير وإضرار وهما منتفيان هنا ( قوله : للإذن له ) أي للوارث ( قوله : وللمتولي إلخ ) معتمد ( قوله : وله ) أي المعير طمها مع غرم ما التزمه : أي المعير بتوريط المستعير في الحفر والمراد بالمؤنة ما يقابل الحفر عادة لا ما صرفه المستعير على الحفر ( قوله إن كان له ) أي المستعير ( قوله : فكذلك ) أي له تملكها بالبدل ، ولعل المراد بتملكها غرم ما زاد في قيمتها بسبب الحفر

( قوله : وأخذها ) أي الأجرة وقوله في مقابلته : أي الاستطراق ، [ ص: 135 ] وقوله فلا بد من شروط البيع وذلك بأنه يبيعه الأرض وما فيها من الماء ( قوله : أو ترك الطم لم يجز ) قضيته أنه إذا خلا عن الاستطراق في ملكه لا يجوز أخذ الأجرة وإن كانت الأرض التي حفر فيها البئر تقابل في نفسها بأجرة ، وينبغي جواز أخذ الأجرة لمثل تلك الأرض مجردة عن الحفر ( قوله : فكما مر ) من جواز الطم إن غرم له المؤنة . ومن التخيير بين التملك بالقيمة إلى آخر ما مر ( قوله : فكما لو صالح على إجراء الماء إلخ ) أي فيجوز ( قوله : وإلا إذا أعار كفنا إلخ ) ولو أعار كفنا فينبغي امتناع الرجوع بوضع الميت عليه وإن لم يلف عليه لأن في أخذه إزراء بالميت بعد الوضع ، ويتجه عدم الفرق في الامتناع بين الثوب الواحد والثلاث بل والخمس بخلاف ما زاد م ر : وقوله وإن لم يلف عليه : أي بخلاف هويه عليه من غير وضع فلا يمتنع الرجوع ( قوله : وإلا إذا رجع معير سفينة بها إلخ ) قال سم على حج أي فيلزمه الصبر إلى أقرب مأمن : أي ولو مبدأ السير حتى يجوز له الرجوع إليه إن كان أقرب ، وقوله ويستحق الأجرة إلخ ظاهر العبارات المذكورة في هذا المقام أنه حيث قيل بوجوب الأجرة استوقف وجوبها على عقد ، بل حيث رجع وجب له أجرة مثل كل مدة مضت ، ولا يبعد أنه حيث وجبت الأجرة صارت العين أمانة لأنها وإن كانت في الأصل عارية صار لها حكم المستأجرة .

[ فائدة ] كل مسألة امتنع على المعير الرجوع فيها تجب له الأجرة إلا في ثلاث مسائل : إذا أعار أرضا للدفن فيها فلا رجوع له قبل اندراس الميت ولا أجرة له ، ومثلها إعارة الثوب للتكفين فيه لعدم جريان العادة بالمقابل ، وإذا أعار الثوب لصلاة الفرض فليس له الرجوع بعد الإحرام ولا أجرة له أيضا ، ومثلها إذا أعار سيفا للقتال ، فإذا التقى الصفان امتنع الرجوع ولا أجرة لقلة زمنه عادة كما يفيد ذلك كلام سم على منهج ونقل اعتماد م ر فيه ( قوله : ويستحق الأجرة من حينئذ ) أي الرجوع في السفينة فقط

حاشية المغربي

( قوله : لم يؤثر ) هو عين ما قبله فكان اللائق خلاف هذا التعبير . وحاصل المغايرة بين هذا وبين ما قبله الخلاف في هذا والوفاق في ذاك ، فكأنه قال : [ ص: 134 ] فلو رجع بعد وضع الميت ففيه خلاف المعتمد منه عدم التأثير أيضا . ( قوله : من لازمه التكريب ) الأولى الحفر والتكريب الحرث ( قوله : وللمتولي تفصيل حاصله إلخ ) عبارة شرح الروض : وقال المتولي : إن قصد أن يستقي منها فلا خلاف أنه إذا رجع المعير فله منعه من الاستقاء ، وإن أراد طمها ويغرم ما التزمه من المؤنة جاز ، وإن [ ص: 135 ] أراد تملكها بالبدل ; فإن كان له فيها عين كآجر وخشب جاز كما في البناء والغراس إلخ ( قوله : أو ترك ) بالجر ( قوله : أمتعة موضوعة ) كذا في النسخ ، وعبارة التحفة : أمتعة معصومة ، ولعل ما في الشرح محرف عنه من النساخ

التالي السابق


الخدمات العلمية