صفحة جزء
( فلو ) ( ركب دابة ) لغيره من غير إذنه وإن كان مالكها حاضرا وسيرها بخلاف ما لو وضع عليها متاعا من غير إذنه بحضوره فسيرها المالك فإنه يضمن المتاع ولا يضمن مالكه الدابة إذ لا استيلاء منه عليها ( أو جلس ) أو تحامل [ ص: 147 ] برجله كما قاله البغوي ( على فراش ) لم تدل قرينة الحال على إباحة الجلوس مطلقا أو لناس مخصوصين كفرش مساطب التجار لمن له عندهم حاجة فغاصب وإن لم ينقله إذ غاية الاستيلاء حاصلة بذلك ، وهي الانتفاع به متعديا وسواء أقصد الاستيلاء أم لا كما في الروضة وإن نظر فيه السبكي ، وصوب الزركشي قول الكافي من لم يقصده لا يكون غاصبا ولا ضامنا ، وأفهم كلام المصنف اعتبار النقل في كل منقول سوى الأمرين المذكورين ، وهو كذلك وإن ذهب جمع إلى أنه لو رفع منقولا ككتاب من بين يدي مالك لينظره ويرده حالا من غير قصد استيلاء عليه لم يضمنه . اللهم إلا أن يحمل كلامهم على ما إذا دلت قرينة على رضا مالكه بأخذه للنظر فيه ، ولا دليل لهم فيما يأتي في الدخول للتفرج ، لأن الأخذ والرفع استيلاء حقيقي فلم يحتج معه إلى قصد ، ولا كذلك مجرد الدخول ومحل اشتراط نقل المنقول في الاستيلاء عليه في منقول ليس بيده ، فإن كان بيده كوديعة [ ص: 148 ] أو غيرها فنفس إنكاره غصب لا يتوقف على نقل كما قاله الأصحاب . وأفهم اشتراط النقل أنه لو أخذ بيد قن ولم يسيره لم يضمنه ، وقول البغوي إنه لو بعث عبد غيره في حاجة له بغير إذن سيده لم يضمنه ما لم يكن أعجميا أو غير مميز ضعيف فقد رجح خلافه في الأنوار . ونقل عن تعليق البغوي آخر العارية ضمانه ، وصرح كثير بأنه لو أخذ بيد قن غيره وخوفه بسبب تهمة ولم ينقله من مكانه إلى آخر أو نقله لا بقصد الاستيلاء عليه : أي بناء على خلاف ما مر عن الروضة لم يضمنه ، وكذا إن انتقل هو من محله باختياره أو ضرب ظالم قن غيره فأبق لأن الضرب ليس باستيلاء .

نعم إن لم يهتد إلى دار سيده ضمنه ، ولو زلق داخل حمام مثلا فوقع على متاع لغيره فكسره ضمنه ، ولا يضمن صاحبه الزالق إلا إن وضعه بالممر بحيث لا يراه الداخل ، ولو دفع قنه إلى من يعلمه حرفة كان أمانة وإن استعمله في مصالح تلك الحرفة بخلاف استعماله في غير ذلك ، وأفهم أيضا عدم الفرق بين حضور المالك وغيبته ، لكن نقلا عن المتولي أن محل ضمان الجميع حيث كان غائبا ، فإن حضر اشترط أن يزعجه أو يمنعه التصرف فيه وإلا بأن جلس أو ركب معه لم يضمن سوى النصف ، ولو كان المالك ضعيفا أخذا مما يأتي في نظيره من العقار ، وقول الأذرعي : إنما يكون قياس ذلك إن استولى على نصف البساط بجلوسه ، فإن استولى على ثلاثة أرباعه بجلوسه وقماشه والمالك على ربعه ضمن ثلاثة أرباعه مردود بأن قياس ذلك أن الضمان نصفان مطلقا لكون يدهما [ ص: 149 ] معا على الفراش . ألا ترى أنهم لم يفرقوا في كونه غاصبا في الصورة الآتية بين كونه مستوليا على نصفها أو لا ، ولو رفع شيئا برجله بالأرض لينظر جنسه ثم تركه فضاع لم يضمنه ، قاله المتولي . وقول بعضهم إن نظيره رفع سجادة برجله ليصل مكانها محمول على رفع لم ينفصل به المرفوع عن الأرض على رجله وإلا ضمنه كما لا يخفى ، إذ الأخذ بالرجل كاليد في حصول الاستيلاء ; ولو أخذ شيئا لغيره من غاصب أو سبع حسبة ليرده على مالكه تلف في يده قبل إمكان رده لم يضمن إن كان المأخوذ منه غير أهل للضمان كحربي وقن المالك وإلا ضمن وإن كان معرضا للتلف خلافاللسبكي . وإطلاق الماوردي وابن كج الضمان محمول على هذا التفصيل ، ولا ينافيه عدم ضمان المحرم صيدا ليداويه ، إذ هو حق له تعالى فسومح فيه ; ولو غصب حيوانا فتبعه ولده الذي من شأنه أن يتبعه أو هادي الغنم فتبعه الغنم لم يضمن التابع في الأصح لانتفاء استيلائه عليه ; وكذا لو غصب أم النحل فتبعها النحل لا يضمنه إلا إن استولى عليه خلافا لابن الرفعة


حاشية الشبراملسي

( قوله : من غير إذنه بحضوره ) أي أو ساقها أو أشار إليها بحشيش مثلا في يده فتبعته ( قوله أو تحامل برجله ) ومنه ما يقع كثيرا من المشي على ما يفرش في صحن الجامع الأزهر من الفراوي والثياب ونحوهما [ ص: 147 ] وينبغي أن محل الضمان ما لم تعم الفراوي ونحوها المسجد بأن كان صغيرا أو كثرت وإلا فلا ضمان ولا حرمة لتعدي الواضع بذلك ( قوله : على فراش ) قال سم على حج : لو جلس عليه ثم انتقل عنه ثم جلس آخر عليه فكل منهما غاصب ، ولا يزول الغصب عن الأول بانتقاله عنه لأن الغاصب إنما يبرأ بالرد للمالك أو لمن يقوم مقامه ، فلو تلف فينبغي أن يقال إن تلف في يد الثاني فقرار الضمان عليه أو بعد انتقاله أيضا عنه فعلى كل القرار ، لكن هل للكل أو للنصف ؟ فيه نظر ، ويظهر الأول ; ولو نقل الدابة ومالكها راكب عليها بأن أخذ برأسها وسيرها مع ذلك فيحتمل أن يكون غاصبا لأنه يعد مستوليا عليه مع استقلال مالكها بالركوب ، بدليل أنهما لو تنازعا أو أتلفت حكم بها للراكب واختص به الضمان ا هـ . أقول : ولعل المراد بقوله فعلى كل القرار أن من غرم منهما لا يرجع على صاحبه لأن المالك يأخذ من كل منهما بدل المغصوب . لا يقال : بل معناه أن من غرم منهما يرجع على صاحبه بالنصف .

لأنا نقول : هذا عين الاحتمال الثاني ، ولأن معناه أن المالك يطالب كلا بالنصف لما مر أن كلا طريق في الضمان هذا . وبقي في المقام احتمال آخر . وهو أن قرار الضمان على الثاني وحده لأن يده أزالت يد الأول الحسية ولم يوجد بعد ما يزيلها فهي مستصحبة وإن انتقل عنه هذا . وقد يقال : الأقرب الثاني لدخولها في ضمان كل منهما وتساويهما في كونها تلفت لا في يد واحد منهما . وقال سم في قولة أخرى : الظاهر أن الفراش مثال ، وعليه فيؤخذ من ذلك مع ما ذكره عن البغوي أن من تحامل برجله على خشبة كان غاصبا لها وقد يفرق ا هـ ، وقول سم في القولة الأولى فيحتمل أن لا يكون غاصبا إلخ ، ويصرح بعدم الضمان ما تقدم في الشارح عن أبي حامد بعد قول المصنف في العارية : والأصح أنه لا يضمن ما ينمحق إلخ من أنه لو سخر رجلا ودابته فتلفت الدابة في يد صاحبها لم يضمنها المسخر لأنها في يد صاحبها ، وقوله أيضا في القولة الأخرى : وقد يفرق : أي بأن الفراش لما كان معدا للانتفاع بالجلوس عليه كان الجلوس ونحوه انتفاعا من الوجه الذي قصد منه فعد ذلك استيلاء ، بخلاف الخشبة ونحوها فألحقت بباقي المقولات ويدل للفرق عموم قول الشارح ، وأفهم كلام المصنف اعتبار النقل إلخ ، وقوله أيضا لو جلس عليه ثم انتقل إلخ ينبغي أن يأتي مثل ذلك فيما لو تعاقب اثنان على دابة ثم تلفت ( قوله : وسواء أقصد إلخ ) معتمد ( قوله : في كل منقول ) وهو كذلك حيث لم يكن نابعا كما يأتي ( قوله : سوى الأمرين المذكورين ) أي وسوى ما يأتي في قوله وشمل كلامه ما في الدار من الأمتعة ، والأمران المذكوران هما قول المصنف فلو ركب دابة ، وقوله أو جلس على فراش ( قوله : ومحل اشتراط نقل المنقول إلخ ) عبارة العباب ونقل المنقول كالبيع . وقضيتها أن مجرد رفع المنقول الثقيل وإن وضعه مكانه لا يكون غصبا ، بخلاف الخفيف الذي يتناول باليد ا هـ سم على حج . وقضيته أيضا أن النقل إلى موضع يختص به المالك لا يكون غصبا ، لكن مر في باب المبيع قبل قبضه أن عدم صحة القبض بذلك إنما هو في عدم جواز التصرف لا في [ ص: 148 ] عدم الضمان ، وقياسه هنا أن يكون ضامنا في المسألتين لحصول الاستيلاء ، وعبارة الشارح ثم بالنسبة للثانية وقوله لم يكف محله بالنسبة إلى التصرف . أما بالنسبة إلى حصول الضمان فإنه يكون كافيا لاستيلائه عليه ا هـ . ويؤخذ مما يأتي في رفع السجادة أنه لو رفع طرف المنقول بيده عن الأرض ولم ينفصل لا يكون غاصبا له ولا ضامنا ، وفي العباب : فرع : لو دخل على حداد يطرق الحديد فطارت شرارة أحرقت ثوبه لم يضمنه الحداد وإن دخل بإذنه ا هـ .

أقول : وكذا لا ضمان عليه لو طارت شرارة من الدكان أحرقت شيئا حيث أوقد الكور على العادة ، وهذا بخلاف ما لو جلس بالشارع نفسه أو أوقد لا على العادة وتولد منه ذلك فإنه يضمن لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة . وفي العباب أيضا : فرع : من ضل نعله في مسجد ووجد غيرها لم يجز له لبسها وإن كانت لمن أخذ نعله ا هـ . وله في هذه الحالة بيعها وأخذ قدر قيمة نعله من ثمنها إن علم أنها لمن أخذ نعله ، وإلا فهي لقطة . وفي العباب : فرع : من أخذ إنسانا ظنه عبدا حسبة فقال أنا حر وهو عبد فتركه فأبق ضمن ا هـ ( قوله : أو غيرها ) أي من سائر الأمانات ( قوله : فنفس إنكاره غصب ) ينبغي أن محل ذلك ما لم تدل قرينة على أن إنكاره لغرض المالك كأن خاف عليه من ظالم ينتزعه منه ( قوله : لو أخذ بيد قن ولم يسيره إلخ ) وقياسه أنه لو أخذ بزمام دابة أو برأسها ولم يسيرها لم يكن غاصبا ( قوله : نعم إن لم يهتد إلى دار سيده ضمنه ) انظر ما وجه الضمان حيث لم يكن غاصبا ، وقد يقال لما ترتب عدم رجوعه على فعله كان ضامنا كما لو فتح قفصا عن طائر لما يأتي فيه من التوجيه ( قوله : بحيث لا يراه الداخل ) أي ووجد له محلا سوى الممر فيهدر المتاع دون الزالق به ا هـ حج . وقوله ووجد صوابه وإن وجد له إلخ لعذر الزالق بكون المتاع بمحل لم يره الداخل ، وقوله وأفهم : أي كلام المصنف ( قوله : وإلا بأن جلس إلخ ) قسيم ما فهم من قول المصنف فلو ركب دابة إلخ من أن الكلام فيمن ركب أو جلس لا مع صاحب الدابة والفراش

( قوله : ولو كان ) غاية ، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في غير المالك بين أن يكون قويا أو ضعيفا جدا بحيث لا تنسب له يد أصلا مع المالك ، وقياس ما يأتي من أن الضعيف بحيث لا تنسب له يد مع المالك إذا دخل دار غيره والمالك [ ص: 149 ] فيها من أنه لا يكون غاصبا لشيء منها أنه هنا كذلك ، إلا أن يفرق بأن اليد على المنقول حسية وعلى الدار حكمية ( قوله : في الصورة الآتية ) وهي ما لو دخل دار غيره وهو فيها ( قوله ولو رفع شيئا برجله ) أي ولم ينفصل أخذا مما يأتي بعده ( قوله : ولو أخذ شيئا لغيره من غاصب ) بقي ما يقع كثيرا أن بعض الدواب يفر من صاحبه ثم إن شخصا يحوزه على نية عوده لمالكه فيتلف حينئذ هل يضمنه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني للعلم برضا صاحبه بذلك ، إذ المالك لا يرضى بضياع ماله ويصدق في أنه نوى رده على مالكه لأن النية لا تعرف إلا منه ، والأصل عدم الضمان . ويؤيد هذا ما نقله حج عن القاضي بأن من ظفر بآبق لصديقه : أي أو خلصه من نحو غاصب فأخذه ليرده فهرب قبل تمكنه من رده ورفعه لحاكم لم يضمنه ، لكنه نقل بعد عن الماوردي وابن كج الضمان ، وعن الشيخين التصريح به ( قوله وإن كان معرضا ) قضيته أنه لو وجد متاعا مثلا مع سارق أو منتهب وعلم أنه إذا لم يأخذ منه ضاع على صاحبه لعدم معرفته الآخذ فأخذه منه ليرده على صاحبه ولو بصورة شراء أنه يضمنه حتى لو تلف في يده بلا تقصير غرم بدله لصاحبه ، ولا رجوع له بما غرمه على مالكه لعدم إذنه له في ذلك ، وقد يتوقف فيه حيث غلب على الظن عدم معرفة مالكه لو بقي بيد السارق فإن ما ذكر طريق لحفظ مال المالك وهو لا يرضى بضياعه ( قوله : ليداويه ) أي أخذه ليداويه ( قوله : أو هادي الغنم ) وهو المسمى الآن بالناعوت ( قوله : وكذا لو غصب أم النحل ) ومثل ذلك ما لو غصب ولد بهيمة فتبعته أمه وإن كانت لا تتخلف عنه عادة ( قوله إلا إن استولى عليه ) قيد في المسائل الثلاث . قال حج : ولو سيقت أو انساقت بقرة إلى راع لم تدخل في ضمانه إلا إن ساقها مع البقر ( قوله : خلافا لابن الرفعة ) أي في أم النحل .

حاشية المغربي

( قوله : وسيرها ) أي المالك فهو مدخول الغاية ( قوله : بخلاف ما لو وضع عليها متاعا إلخ ) لعل صورته أنه وضعه ليقضي حاجة مثلا ثم يأخذه ، إذ يبعد أن مالك الدابة لو كان قاصدا نحو دار صاحب المتاع فوضع المتاع على الدابة ودلت الحال على إذنه له في إيصاله إلى محله أنه يضمن فليراجع .

[ ص: 147 - 148 ] قوله : وأفهم أيضا ) يعني : المتن ( قوله : أن محل ضمان الجميع ) أي جميع المغصوب ( قوله : بأن جلس أو ركب معه ) [ ص: 149 ] بقي ما إذا جلس وحده أو ركب بحضور المالك فليراجع ( قوله : محمول على رفع لم ينفصل إلخ ) عبارة التحفة : ويتعين حملهما : أي كلام المتولي والبعض على رفع إلخ ، لكنه عبر بدل قول الشارح وقول بعضهم بقوله قاله شارح ونظيره إلخ ( قوله : كحربي ) أي أو سبع

التالي السابق


الخدمات العلمية