صفحة جزء
ثم شرع في أحكام الحيض فقال ( ويحرم به ) أي بالحيض ( ما يحرم بالجنابة ) من صلاة وغيرها لكونه أغلظ منها بدليل أنه يحرم به أمور زيادة على ما يحرم بها كما أشار إليه بقوله ( وعبور المسجد إن خافت [ ص: 328 ] تلويثه صيانة له عن تلويثه بالنجاسة ، فإن أمنت تلويثه جاز لها العبور مع الكراهة ) كما في المجموع ومحلها عند انتفاء حاجة عبورها ولا يختص ما ذكره بها ، فمن به حدث دائم كمستحاضة وسلس بول ومن به جراحة نضاخة بالدم أو كان منتعلا بنعل به نجاسة رطبة وخشي تلويث المسجد بشيء من ذلك [ ص: 329 ] فله حكمها ، وخرج بالمسجد غيره كمصلى العيد والمدرسة والرباط فلا يكره ولا يحرم عبوره على من ذكر ( والصوم ) للإجماع على تحريمه وعدم انعقاده ولخبر الصحيحين { أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ؟ } وهل عدم صحته منها تعبد لا يعقل معناه كما ادعاه الإمام أو معقول المعنى ؟ الأوجه الثاني ، لأن خروج الدم مضعف والصوم مضعف أيضا ، فلو أمرت بالصوم لاجتمع عليها مضعفان والشارع ناظر إلى حفظ الأبدان ، وهل تثاب على الترك كما يثاب المريض على النوافل التي كان يفعلها في صحته وشغله مرضه عنها ؟ قال المصنف : لا لأن المريض ينوي أنه يفعل لو كان سالما مع بقاء أهليته وهي غير أهل فلا يمكن أن تنوي أنها تفعل لأنه حرام عليها ( ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة ) لخبر عائشة { كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة } وترك الصلاة يستلزم عدم قضائها لأن الشارع أمر بالترك ومتروكه [ ص: 330 ] لا يجب فعله فلا يجب قضاؤه ولأنها تكثر فتشق بخلافه ، ولأن أمرها لم يبن على أن تؤخر ولو بعذر ثم تقضى ، بخلاف الصوم فإنه عهد تأخيره بعذر السفر والمرض ثم يقضى ، وقد انعقد الإجماع على ذلك .

والأوجه كما أفاده الشيخ كراهة قضائها بل قال بعض المتأخرين : إنه المشهور المعروف ولا يؤثر فيه نهي عائشة الآتي ، والتعليل المذكور منتقض بقضاء المجنون والمغمى عليه ، خلافا لما نقله الإسنوي عن ابن الصلاح والمصنف عن البيضاوي أنه يحرم لأن عائشة نهت السائل عن ذلك ، ولأن القضاء محله فيما أمر بفعله ، بخلاف المجنون والمغمى عليه فيسن لهما القضاء ، وعلى الكراهة هل تنعقد صلاتها أو لا ؟

الأوجه نعم إذ لا يلزم من عدم طلب العبادة عدم انعقادها ولا يقدح في ذلك أن وجوب قضاء الصوم عليها بأمر جديد ، ولأنه يلزم على القول بعدم الانعقاد استواء القول بالحرمة والكراهة لأنه حيث قيل بعدمه كانت عبادة فاسدة وتعاطيها حرام ، فنصبهم الخلاف بينهما دال على تغاير حكمهما ومما يحرم عليها الطهارة عن الحدث بقصد التعبد مع علمها بالحرمة لتلاعبها ، فإن كان المقصود منها النظافة كأغسال الحج لم يمتنع كما سيأتي ثم ( و ) يحرم به أيضا مباشرتها في ( ما بين سرتها وركبتها ) ولو من غير [ ص: 331 ] شهوة لآية { فاعتزلوا النساء في المحيض } وهو الحيض عند الجمهور ، ولخبر أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم سأل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال : ما فوق الإزار } وخص بمفهومه عموم خبر مسلم { اصنعوا كل شيء إلا النكاح } ولأن الاستمتاع بما تحت الإزار يدعو إلى الجماع فحرم ، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، على أنه يمكن أن يراد به المضاجعة والقبلة ونحوهما جمعا بينه وبين الأول ، وهو أولى من رد الحديث الأول إليه ، ويعضده فعله صلى الله عليه وسلم .

وعلم مما تقرر حرمة وطئها في فرجها ولو بحائل بطريق الأولى ، وجواز النظر ولو بشهوة لها إذ ليس هو أعظم من تقبيلها في وجهها بشهوة ، وإن كان تعبير الرافعي في الشرحين والمحرر وتبعه في الروضة بالاستمتاع يقتضي تحريمه .

قال الإسنوي : إن بين التعبير بالاستمتاع والمباشرة عموما وخصوصا من وجه : أي لكون المباشرة لا تكون إلا باللمس سواء أكان بشهوة أم لا ، والاستمتاع يكون باللمس والنظر ، ولا يكون إلا بشهوة .

أما الاستمتاع بما عدا ما بين السرة والركبة ولو بوطء فجائز وإن لم يكن ثم حائل ، وكذا بما بينهما بحائل بغير وطء في الفرج ، ومحل ذلك فيمن لا يغلب على ظنه أنه إن باشرها وطئ لما عرفه من عادته من قوة شبقه وقلة تقواه ، وهو أولى بالتحريم ممن حركت القبلة شهوته وهو صائم ، وأما نفس السرة والركبة فهل هما كما فوق السرة وتحت الركبة .

قال في المجموع والتنقيح : لم أر لأصحابنا كلاما في الاستمتاع بالسرة [ ص: 332 ] والركبة ، والمختار الجزم بجوازه ا هـ وعبارة الأم والسرة فوق الإزار .

قال الإسنوي : وسكتوا عن مباشرة المرأة للزوج ، والقياس أن مسها للذكر ونحوه من الاستمتاعات المتعلقة بما بين السرة والركبة حكمه حكم تمتعاته بها في ذلك المحل .

واعترض عليه بأنه غلط عجيب فإنه ليس في الرجل دم حتى يكون ما بين سرته وركبته كما بين سرتها وركبتها ، فمسها لذكره غايته أنه استمتاع بكفها وهو جائز قطعا ، وبأنها إذا لمست ذكره بيدها فقد استمتع هو بها بما فوق السرة والركبة وهو جائز ، وبأنه كان الصواب في نظم القياس أن يقول : كل ما منعناه منه نمنعها أن تلمسه به فيجوز له أن يلمس بجميع بدنه سائر بدنها إلا ما بين سرتها وركبتها ، ويحرم عليه تمكينها من لمسه بما بينهما ، وله منعها من استمتاعها به مطلقا ، ويحرم عليها حينئذ وقد يقال : إن كانت هي المستمتعة اتضح ما قاله الإسنوي لأنه كما حرم عليه استمتاعه بما بين سرتها وركبتها خوف الوطء المحرم يحرم استمتاعها بما بين سرته وركبته لذلك ، وخشية التلويث بالدم ليس علة ولا جزء علة لوجود الحرمة مع تيقن عدمه ، وإن كان هو المستمتع اتجه الحل لأنه مستمتع بما عدا ما بينهما .

هذا والأوجه عدم الحرمة في جانبها خلافا للإسنوي ، ووطؤها في فرجها عالما عامدا مختارا كبيرة يكفر مستحله .

ويستحب للواطئ مع العلم وهو عامد مختار في أول الدم تصدق ، ويجزئ ولو على نحو فقير واحد بمثقال إسلامي من الذهب الخالص أو ما يكون بقدره ، وفي آخر الدم بنصفه سواء أكان زوجا أم غيره ، وقد أبدى ابن الجوزي في الفرق بينهما معنى لطيفا فقال : إنما كان هذا لأنه كان في أوله قريب عهد بالجماع فلا يعذر ، وفي آخره قد بعد عهده فخفف ، ومحل ما تقرر في غير المتحيرة أما هي [ ص: 333 ] فلا كفارة بوطئها وإن حرم ، ولو أخبرته بالحيض فكذبها لم يحرم أو صدقها حرم ، وإن لم يكذبها ولم يصدقها فالأوجه كما قاله الشيخ حله للشك ، بخلاف من علق به طلاقها وأخبرته به فإنها تطلق وإن كذبها لأنه مقصر في تعليقه بما لا يعرف إلا منها ، ويقاس النفاس على الحيض فيما ذكر والوطء بعد انقطاع الدم إلى الطهر كالوطء في آخر الدم كما في المجموع ، ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من عجين أو غيره ( وقيل لا يحرم غير الوطء ) واختاره في التحقيق وغيره ، وسيأتي في باب الطلاق حرمته في حيض ممسوسة لتضررها بطول المدة ، فإن زمان الحيض لا يحسب من العدة ، فإن كانت حاملا لم يحرم طلاقها لأن عدتها إنما تنقضي بوضع الحمل ( فإذا انقطع ) دم الحيض في زمن إمكانه ومثله النفاس ( لم يحل قبل الغسل ) أي أو التيمم ( غير الصوم ) لأن الحيض قد زال وصارت كالجنب وصومه صحيح بالإجماع ( والطلاق ) هو من زيادته لزوال المعنى المقتضي لتحريمه من تطويل العدة بسبب الحيض ، ومما يحل لها أيضا صحة طهارتها وصلاتها عند فقد الطهورين بل يجب ، وما سوى ذلك من تمتع ومس مصحف وحمله ونحوها باق حتى تغتسل أو تتيمم ، أما غير التمتع فلبقاء حدثها ، وأما التمتع ، فلقوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإنه قد قرئ بالتخفيف والتشديد والقراءتان في السبع ، فأما قراءة التشديد فصريحة فيما قلناه .

وأما التخفيف ، فإن كان المراد به أيضا الاغتسال كما رواه ابن عباس وجماعة لقرينة قوله { فإذا تطهرن } فواضح ، وإن كان المراد به انقطاع الحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وهو قوله { فإذا تطهرن } فلا بد منهما معا .


حاشية الشبراملسي

( قوله : بدليل أنه يحرم به ) هو علة لكونه أغلظ وحاصله أنه لما حرم به عبور المسجد ونحوه مما لا يحرم على الجنب كان أغلظ من الجنابة فاستدل على أنه يحرم به ما يحرم بالجنابة ( قوله : كما أشار إليه ) أي المزيد ( قوله : عبور المسجد ) ولو بالمنزل ومراده بالمسجد المسجد يقينا ويكفي في ذلك الاستفاضة [ ص: 328 ] قوله : تلويثه ) قال شيخ الإسلام بمثلثة قبل الهاء .

قلت : ويمكن دفع توهم قراءته بالنون الموهم أنه إذا لوثه من غير ظهور لون فيه كحمرة لم يحرم ( قوله : ومحلها ) أي الكراهة ( قوله : حاجة عبورها إلخ ) وهل من الحاجة المرور من المسجد بنجاسة لبعد بيته من طريق خارج المسجد وقربه من المسجد أو ليس ذلك من الحاجة لأن فيه قطع هواء المسجد بالنجاسة وهو حرام ؟ فيه نظر .

والأقرب الأول ويؤيده تصريحهم بأنه يجوز إدخال النعل المتنجس المسجد حيث أمن وصول نجاسته منه للمسجد ، وكذا دخوله بثوب متنجس نجاسة حكمية وإن زاد على ستر العورة ، ويحتمل الثاني .

ويفرق بأن النعل ونحوه ضروري بخلاف ما ذكر ولعله الأقرب فليراجع .

[ فائدة ] قال حج : بحث حل دخول مستبرئ يده على ذكره لمنع ما يخرج منه سواء السلس وغيره ا هـ وأقره سم .

أقول : وينبغي أن لا كراهة في دخوله أيضا ، ومراد حج بالدخول ما يشمل المكث ، ومثل المستبرئ بالأولى المستنجي بالأحجار ، ووقع في كلام بعض المتأخرين خلافه وقوله : يده إلخ : أي سواء كانت مع نحو خرقة على ذكره أم لا ( قوله : نضاخة ) بالخاء المعجمة وفي المختار عين نضاخة كثيرة المياه .

وقال أبو عبيدة في قوله تعالى نضاختان أي فوارتان ا هـ بحروفه .

ومثل ذلك بالأولى ما يقع لإخواننا المجاورين من حصول التشويش لهم وإقامتهم في المسجد مع غلبة نجاسته فتحرم عليهم الإقامة فيه ويجب إخراجهم منه فتنبه له ( قوله : وخشي إلخ ) أي فإن أمن التلويث لم يكره عبوره بخلافها حج : أي بخلاف الحائض .

[ فرع ] سئل م ر في درسه عن غسل النجاسة في المسجد وانفصال الغسالة فيه حيث حكم بطهارتها كأن تكون النجاسة حكمية فقال : ينبغي التحريم للاستقذار وإن جوزنا الوضوء في المسجد مع سقوط مائه المستعمل ، لأن المستعمل في النجاسة يستقذر ، بخلاف المستعمل في الحدث الساقط من الوضوء ، وقوله وإن جوزنا الوضوء في المسجد : أي حيث لم يكن بأعضائه ما يقذر الماء .

[ فرع ] يجوز إلقاء الطاهرات كقشور البطيخ في المسجد إلا إن قذره بها أو قصد الازدراء به والامتهان فيحرم ، ويحرم إلقاء المستعمل فيه ، ويجوز الوضوء فيه وإن سقط الماء المستعمل فيه .

والفرق بينهما أن في الأول امتهانا من غير حاجة م ر .

[ فرع ] قال م ر : يحرم البصاق في المسجد ، ويجوز إلقاء ماء المضمضة في المسجد وإن كان مختلطا بالبصاق لاستهلاكه فيه ا هـ .

وخرج باستهلاكه فيه ما إذا كان البصاق متميزا في ماء المضمضة ظاهرا بحيث يحس ويدرك منفردا فليتأمل .

[ فرع ] الذي يظهر حرمة البصاق على حصر المسجد أو على شيء ناتئ فيه كخشبة وحجر ، لأنه في هواء المسجد وهواء المسجد مسجد ، ومن ذلك البصاق على بلاطه وإن لم يكن موجودا حال وقفه مسجدا لأنه في هواء المسجد ، ومن ذلك البصاق على خزائن الجامع الأزهر لأنها في هواء المسجد .

نعم إن بصق بين خزانتين بحيث صار مدفونا غير بارز في الهواء فلا يبعد الجواز لأنه في معنى الدفن ، وكذا لو بصق تحت الحصر بشرط أن لا يتأثر به بتعفينها أو غيره وإلا فالوجه التحريم .

وأما بصقه في المسجد في ثوب عنده فينبغي جوازه لأنه محل حاجة وليس باقيا [ ص: 329 ] في المسجد فهو بمنزلة بصقه في نحو كمه ، ثم رأيت م ر كشيخنا حج يخالف في جميع ما قلته لأنه ليس جزءا من المسجد ا هـ سم على منهج ، وقوله : يخالف في جميع ما قلته : أي فيقول بالجواز في جميع ذلك سواء في ذلك البصق على الخزائن أو بينها أو على الحصر أو غير ذلك .

ويشكل عليه أنه وإن لم يكن من المسجد لكنه ملك لغير الباصق أو وقف .

ويجاب عنه بما سبق في كلامه عند قوله : وخرج بالمسجد غيره بأنه لا يحرم من حيث المسجدية وإن حرم من جهة أخرى .

وقوله : لأنه ليس جزءا من المسجد : أي لاختصاص المسجد بالأرض وما فيها مما أنشأه الواقف مسجدا والحصر والخزائن إنما حدثت بعد الإنشاء فلا يشملها الوقف ، وهي بعد ذلك إما باقية على ملك المشتري أو موقوفة لمصالح المسجد وليست مسجدا . قلت : والأقرب ما قاله سم ( قوله : فله حكمها ) أي في حرمة الدخول إن خاف التلويث .

أما مع أمنه فليس له حكمها إذ لا يكره له الدخول مطلقا ا هـ حج بالمعنى ( قوله : ولا يحرم عبوره على من ذكر ) أي عند مجرد خوف التلويث ، فإن تحقق التلويث أو غلب على ظنه حرم ، بل يجري ذلك في دخوله ملك غيره مطلقا ا هـ حج بالمعنى .

وقال سم على منهج : وظاهره عدم الحرمة مع خشية التلويث وهو مشكل ، ويتجه وفاقا لمر أن المراد لا يحرم من حيث كونه مدرسة أو رباطا ، ولكن يحرم من جهة أخرى إذا كان مملوكا ولم يأذن المالك ولا ظن رضاه أو موقوفا مطلقا .

نعم إن كان موقوفا وكان أرضه ترابية وكان الدم يسيرا فلا يبعد وفاقا لم ر الجواز ا هـ ( قوله : أليس ) استفهام تقريري ، وهو جواب سؤال من قالت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم { النساء ناقصات عقل ودين } ما معناه : أما نقصان العقل فمشاهد .

وأما نقصان الدين فما وجهه ( قوله : الأوجه الثاني ) هو قوله : أو معقول المعنى ( قوله : ينوي أنه يفعل إلخ ) ما المانع أن يقال وهي تنوي فعل ذلك لو لم تحض ( قوله : وترك الصلاة إلخ ) كان مراده أن مجرد عدم الأمر بالقضاء لا يستلزم عدم وجوبه لما هو معلوم أن الواجب إذا لم يفعل في وقته وجب قضاؤه .

وحاصل ما وجه به أنه لما ورد الأمر بترك الصلاة : أي في غير هذا الحديث [ ص: 330 ] دل على أن الصلاة في زمن الحيض غير واجبة ، وذلك يقتضي عدم وجوب القضاء إلا بدليل ولم يثبت ( قوله : ولأن أمرها ) أي الصلاة ( قوله : والتعليل ) أي في قوله لأن الشارع أمر بالترك إلخ ( قوله : منتقض ) يتأمل فإن المجنون والمغمى عليه لا يجب عليهما القضاء كما أن الحائض لا يجب عليها القضاء .

نعم يفارقان الحائض على ما اعتمده الشارح من أنه يكره قضاء الحائض ، ويندب قضاء المجنون والمغمى عليه ، لكن هذا لا دخل له في التعليل المذكور لأن الحائض يحرم عليها الفعل للنهي ، ولا كذلك المجنون ، إذ غاية أمره أنه غير مكلف بالفعل ما دام مجنونا ، فلا بعد في استحباب القضاء منه لزوال مانع الفعل ( قوله : عن البيضاوي ) هو أبو بكر وهو متقدم على الشيخين وليس هو المفسر المشهور الآن كذا بهامش صحيح ( قوله : الأوجه نعم ) خلافا لحج : أي وتنعقد نفلا فتجمعها مع فرض آخر بتيمم واحد كما وقع في كلام شيخنا الشوبري .

والفرق بين الحائض والكافر على ما اعتمده الشارح فيما يأتي من عدم انعقاد الصلاة إذا قضاها أن الكافر كان مخاطبا بتلك الصلاة في حال كفره بأن يسلم ويأتي بها ، فلما أسلم سقط عنه القضاء للإخبار بغفران ما سلف له ، فإذا قضاها كان مراغما للشرع فلم تصح منه ، ولا كذلك الحائض فإنها أسقطت عنها في زمن الحيض عزيمة والقضاء بأمر جديد ولم يثبت فلم يكن في قضائها ما يشبه المراغمة لعدم ورود شيء فيه عن الشارع ، وبأن الكافر لم يسبق له حالة قبل إسلامه يكون فيها أهلا ، بخلاف الحائض فإنها أهل للصلاة في الجملة ولكنها نهيت عنها زمن الحيض ، والقياس أنها لا تثاب على صلاتها هذه لأنها منهية عنها لذاتها والمنهي عنه لا ثواب فيه ( قوله : إذ لا يلزم من عدم طلب العبادة عدم انعقادها ) قد يتوقف في هذا التعليل بأنه ليس الحاصل هنا مجرد عدم الطلب بل النهي عن الفعل ، والنهي عن العبادة لذاتها يقتضي الفساد ، ومجرد عدم الطلب لا يقتضيه وإن كان الأصل في العبادة أنها إذا لم تطلب لا تنعقد ( قوله : لم يمتنع إلخ ) أي بل تسن ( قوله : ويحرم ) أي على الزوج والسيد ( قوله : ما بين سرتها إلخ ) لو ماتت في زمن الحيض فالوجه حرمة مباشرة ما بين سرتها وركبتها [ ص: 331 ] كما في الحياة ، بل أولى لأنه يحرم بعد الموت مس ما بين سرتها وركبتها إذا لم تكن حائضا بخلافه في الحياة كما سيأتي في الجنائز ، فحال الموت أضيق فكانت الحرمة فيه فيما ذكر أولى ا هـ سم على حج .

أقول : وظاهر إطلاق المصنف حرمة مس الشعر النابت في ذلك المحل وإن طال ، وهو قريب لأنهم لم ينيطوا الحكم هنا بالشهوة وعدمها فليراجع ، وظاهره أيضا حرمة مس ذلك بظفره أو سنه أو شعره ولا مانع منه أيضا لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، لكن في بعض الهوامش نقلا عن شيخنا العلامة الشوبري أنه لو مس بسنه أو شعره أو ظفره لم يحرم وفيه وقفة .

[ فرع ] لو خاف الزنا إن لم يطأ الحائض : أي بأن تعين وطؤها لدفعه جاز لأنه يرتكب أخف المفسدتين لدفع أشدهما ، بل ينبغي وجوبه ، وقياس ذلك حل استمناء بيده تعين لدفع الزنا ا هـ سم أيضا على حج .

وقوله : لدفع أشدهما ينبغي أن مثل ذلك ما لو تعارض عليه وطؤها والاستمناء بيده فيقدم الوطء لأنه من جنس ما يباح له فعله بل هو بخصوصه مباح لولا الحيض ، ولا كذلك استمناؤه بيده .

وقوله : بل ينبغي وجوبه : أي ولا يستحب له تصدق حينئذ لعدم حرمته .

وقوله : وقياس ذلك حل استمناء بيده إلخ أو يد زوجته مقدما على وطئها حائضا فيجب عليه ذلك إن تعين لدفع الزنا .

أما بدون تعين دفع الزنا فجائز مطلقا .

وبقي ما لو دار الحال بين وطء زوجته في دبرها بأن تعين طريقا كأن انسد قبلها وبين الزنا هل يقدم الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن له الاستمتاع بها في الجملة ولأنه لا حد عليه بذلك .

وبقي أيضا ما لو تعارض وطؤها في الدبر والاستمناء بيد نفسه في دفع الزنا ، فيه نظر ، والأقرب تقديم الوطء في الدبر أيضا لما تقدم من أنه محل تمتعه في الجملة .

وينبغي كفر من اعتقد حل ذلك لأنه مجمع على تحريمه ومعلوم من الدين بالضرورة ( قوله : الحديث الأول ) هو قوله { ما فوق الإزار } ، وقوله : إليه : أي إلى قوله " اصنعوا " في خبر مسلم ، وقوله ويعضده : أي قوله على أنه يمكن أن يراد به إلخ [ ص: 332 ] قوله : الجزم بجوازه ) معتمد ( قوله : في فرجها ) أي في زمن الدم سم على حج عن عب ( قوله : كبيرة ) ظاهره ولو فيما زاد من حيضها على عشرة أيام .

وعبارة سم على حج : فرع : أكثر الحيض عند أبي حنيفة عشر فهل الوطء كبيرة فيما زاد على العشر أو لا نظرا لخلافه ؟ فيه نظر ، وينبغي أن يجري فيه ما نقوله في شرب النبيذ حيث يجيزه أبو حنيفة فراجعه ، وفيه على منهج أن وطأها بعد انقطاع الدم كبيرة حيث لم يجوزه أبو حنيفة ا هـ .

أقول : ويؤخذ منه أن وطأها بعد مجاوزة العشر ليس كبيرة لتجويز أبي حنيفة له إلا أن يفرق بين زمن جريان الدم وانقطاعه بأن ما بعد الانقطاع طهر حكما ولا مجاوزة فيه للدم أصلا بخلاف زمن جريانه ، وقوله : حيث لم يجوزه أبو حنيفة يفيد حرمته إذا انقطع قبل العشر لكن كان انقطاعه في زمن لا يقول أبو حنيفة بجواز الوطء فيه .

[ فرع ] قال م ر : المعتمد أنه لا يحرم على الحائض حضور المحتضر ا هـ سم على منهج ، ويوجه بأن المحتضر من شأنه الاحتياج لمن يعاونه ويزيل عنه الوحشة فجاز لها ذلك لهذا الغرض ، وجاز أن الله تعالى يعوض المحتضر بدل حضور الملائكة ما هو خير منه ( قوله : ويستحب للواطئ ) ومثله تارك الجمعة عمدا فيستحب له التصدق بذلك كذا بهامش بخط بعض الفضلاء ، ثم رأيته في مم على حج فليراجع ولينظر إن كان ذلك مخصوصا بالجمعة فما وجهه ، وإن كان عاما في الجمعة وغيرها من سائر الكبائر قياسا على الوطء في الحيض اتجه ( قوله : مع العلم ) أي بالتحريم ، ويؤخذ منه أن الصبي لا يطلب من وليه التصدق عنه ، وكذا لا يطلب منه التصدق بعد كماله سم على حج بالمعنى ( قوله : في أول الدم ) أفاد المحب الطبري أنه إذا وطئها في وسط الدم تصدق بثلثي دينار ولم يذكره الأكثرون ا هـ مناظر الابتهاج للقدسي . قلت : بل ذكر سم على حج ما يقتضي خلافه حيث قال : المراد بالأول زمن إقباله وقوته والمراد بآخره زمن ضعفه ، وهذا منه يقتضي عدم الواسطة وأنه ما دام الدم قويا يستحب التصدق بالدينار وإن مضى غالب مدة الحيض ( قوله : تصدق ) وقضيته تكرر طلب التصدق بما ذكر بتكرر الوطء وهو ظاهر لأن ذلك كفارة لحرمة الوطء وهي متعددة بتعدده : ويحتمل أن يقال بعدم التكرر قياسا على ما قالوه في حد الزنا من [ ص: 333 ] عدم تكرره إذا زنى مرات قبل الحد .

وظاهره أيضا أنه يتصدق وإن وطئ لخوف الزنا وتقدم ما فيه وهو عدم الحرمة فلا يطلب منه التصدق .

وفي حج تنبيه : ذكروا أن الجماع في الحيض يورث علة مؤلمة جدا للمجامع وجذام الولد ا هـ ( قوله : أو صدقها إلخ ) لو وافقها على الحيض فادعت بقاءه وعدم انقطاعه فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه م ر ا هـ سم على شرح المنهج رحمه الله تعالى ، وظاهره وإن خالفت عادتها ( قوله : فيما ذكر ) أي من استحباب التصدق بدينار أو بنصف دينار وكون الوطء في زمنه كبيرة ، وقوله : كالوطء في آخر الدم : أي من استحباب التصدق بنصف دينار ( قوله حرمته ) أي الطلاق وهو توطئة لقوله بعد فإذا انقطع لم يحل قبل الغسل غير الصوم إلخ ا هـ ابن عبد الحق ( قوله : ممسوسة ) أي موطوءة ( قوله : فإن كانت حاملا لم يحرم ) لا يقال : قد تطول العدة مع بقية زمن الحمل أكثر منها مع بقية الحيض .

لأنا نقول : حملها لم يتحقق وقت الطلاق لاحتمال أن ما ظنته حملا ليس بحمل ، بخلاف الحيض للحكم بأنه حيض بمجرد طروه ( قوله : في زمن ) انظر ما خرج به ولعله للاحتراز عما انقطع قبل فراغ عادتها وظنت عوده فلا يجوز لها الصوم ( قوله : صحة طهارتها ) الأولى إسقاط صحة فإنها لا توصف بحل ولا حرمة ( قوله : فلا بد منهما ) أي من انقطاع الدم والطهارة .

حاشية المغربي

( قوله : بدليل أنه يحرم به أمور زيادة إلخ ) أي بالنظر للمجموع ، وإلا فحرمة عبور المسجد عند خوف التلويث لا يقتضي أنه أغلظ ; لأنه لأمر عارض بدليل أنه لا يختص بها .

[ ص: 328 - 329 ] قوله : فلا يكره ولا يحرم عبوره على من ذكر ) يشكل عليه تصريحهم بتحريم إسراج المذكورات بالنجس إلا أن يقال ذاك عند تحقق النجاسة ، وما هنا في مجرد الخوف .

وقد قال الشهاب ابن حجر : إن محل عدم الحرمة في الحائض إذا عبرت الرباط ونحوه من حيث الحيض ، وأما من حيث التلويث فيحرم انتهى . وظاهر أنه إنما يتأتى في الحائض لكونها لها جهتان كما تقرر أما غيرها ممن ألحق بها ممن به حدث دائم ونحوه فلا يتأتى فيه إذ ليس فيه إلا جهة التلويث والشارح كغيره مصرح فيه بعدم الحرمة ، ثم رأيت الشهاب ابن قاسم نقل عن شيخه الشهاب ابن حجر ما قدمته من الحمل بقولي إلا أن يقال إلخ ( قوله : التي كان يفعلها إلخ ) ظاهره وإن كان غافلا عن نية أنه لو كان صحيحا فعله ، وكلام المصنف الآتي يفيد أنه لا بد من هذه النية ، وعليه إذا لم تكن له عادة لكن كان في نيته ما ذكر هل يكون [ ص: 330 ] كذلك ( قوله : والتعليل المذكور ) يعني الآتي في قوله : ولأن القضاء محله إلخ ، فإن العبارة لشرح الروضوالشارح تصرف فيها بما ترى ، ووقع خلاف هذا في حاشية الشيخ ( قوله : بخلاف المجنون إلخ ) مقابل قوله ، والأوجه كما أفاده الشيخ كراهة قضائها ( قوله : إذ لا يلزم إلخ ) لك أن تقول يلزم إذا كان النهي راجعا لذات العبادة ولازمها على أن ما هنا طلب ترك لا عدم طلب وشتان ما بينهما ( قوله : ولأنه يلزم على القول إلخ ) قد يقال : لا محذور في الاستواء المذكور بدليل ما يأتي في التنفل في الأوقات المكروهة ( قوله : مباشرتها ) يجوز أن يكون المصدر مضافا لمفعوله : [ ص: 331 ] أي أن يباشرها فيما بين سرتها وركبتها ولفاعله : أي أن تباشره لكن على الثاني تكون في بمعنى الباء ( قوله : ولو بوطء ) المراد به المباشرة بالذكر . [ ص: 332 - 333 ] قوله : في زمن إمكانه ) أي بأن كان بعد مضي يوم وليلة ( قوله : ; لأن الحيض قد زال وصارت كالجنب ) هذا التعليل يدخل حل نحو الجماع ( قوله : ومما يحل لها أيضا ) أي : بالانقطاع مع قطع النظر عن قول المصنف قبيل الغسل وإلا صار المعنى لم يحل قبل الغسل غير الصوم والصلاة ، والغسل إذ المراد بالطهارة في كلامه الغسل : أي [ ص: 334 ] أو بدله كما لا يخفى

التالي السابق


الخدمات العلمية