صفحة جزء
ثم شرع في الاستحاضة وأحكامها فقال ( والاستحاضة ) هي ما وقع في غير زمن الحيض ولو من آيسة على المشهور ، وقول الشارح وهي أن يجاوز أكثر الحيض ويستمر جار على اصطلاح فيها مقابل المشهور [ ص: 334 ] ويخرج عليه ما تراه نحو الآيسة ( حدث دائم ) ليس ذلك بتفسير للاستحاضة وإلا للزم كون سلس البول استحاضة وليس كذلك وإنما هو بيان لحكمها الإجمالي : أي حكم الدم الخارج بالصفة المذكورة حكم الحدث الدائم ( كسلس ) تشبيه لا تمثيل ، وإنما الاستحاضة دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس سواء اتصل بهما أم لا ، كالدم الذي تراه المرأة قبل تسع سنين .

والسلس بفتح اللام : أي سلس البول والمذي والغائط والريح ، وللاستحاضة أربعة وأربعون حكما مذكورة في المطولات ( فلا تمنع الصوم ) فرضا كان أو نفلا كما هو ظاهر كلامهم ، وصرحوا به في المتحيرة كما سيأتي خلافا للزركشي في النفل ( والصلاة ) كسائر الأحداث الدائمة بخلاف الحيض ، ولأمره عليه الصلاة والسلام حمنة بهما وهذا بيان لحكمها التفصيلي ( فتغسل المستحاضة فرجها ) إن أرادته وإلا استعملت الأحجار بناء على جوازها في النادر وهو الأصح ، فتعبير المصنف بالغسل جرى على الغالب ، والغسل أو ما قام مقامه يكون قبل طهارتها وضوءا كانت أو تيمما ( وتعصبه ) بفتح التاء وإسكان العين وكسر الصاد المهملة المخففة على المشهور بأن تشد خرقة كالتكة بوسطها وتتلجم بأخرى مشقوقة الطرفين تجعل إحداهما قدامها والأخرى وراءها وتشدهما بتلك الخرقة ، فإن دعت حاجتها في دفع الدم أو تقليله إلى حشوه بنحو قطن وهي مفطرة ولم تتأذ به [ ص: 335 ] وجب عليها الحشو قبل الشد والتلجم ويكتفى به إن لم تحتج إليهما ، فإن كانت صائمة أو تأذت باجتماع الدم لم يجب عليها الحشو بل يجب على الصائمة تركه نهارا ، وإنما راعوا هنا مصلحة الصوم دون مصلحة الصلاة عكس فعلهم فيمن ابتلع بعض خيط قبل الفجر وطلع عليه الفجر وطرفه خارج لأن الاستحاضة علة مزمنة والظاهر دوامها .

فلو راعوا مصلحة الصلاة هنا لتعذر قضاء الصوم للحشو ولأن المحذور هنا لا ينتفي بالكلية فإن الحشو يتنجس وهي حاملته بخلافه ثم ، ولأنها لم يوجد منها تقصير فخفف عنها أمرها وصحت منها العبادتان قطعا كما تصح صلاتها مع النجاسة والحدث الدائم للضرورة ولأن المستحاضة يتكرر عليها القضاء فيشق ، بخلاف مسألة الخيط فإنه لا يقع إلا نادرا ( و ) بعد ذلك ( تتوضأ ) أو تتيمم وتبادر به وجوبا عقب الاحتياط ويكون ذلك ( وقت الصلاة ) ولو نافلة لا قبله كالمتيمم وتجمع بطهارتها بين فرض ونوافل ، ولا يجب عليها الاقتصار في وضوئها على مرة واحدة بل [ ص: 336 ] لها التثليث فيه خلافا للزركشي حيث منع ذلك ، واستشهد بمسألة استمساك البول بالقعود قال : فإذا سامحوا في فرض القيام لحفظ الطهارة ، ففي التثليث المندوب أولى ، فقد فرق بأن ما هناك يرفع الخبث أصلا وما هنا يقلله ، ولو توضأت قبل الزوال مثلا لفائتة فزالت الشمس فهل لها أن تصلي به الظهر ؟ قال الأذرعي : يشبه أن يكون على الخلاف في نظيرها من التيمم ولم يحضرني فيه نقل ( و ) بعد ما ذكر ( تبادر بها ) أي بالصلاة وجوبا تقليلا للحدث بخلاف المتيمم السليم .

( فلو أخرت لمصلحة الصلاة كستر ) لعورة وأذان وإقامة ( وانتظار جماعة ) وذهاب لمسجد وتحصيل سترة واجتهاد في قبلة ( لم يضر ) وإن خرج الوقت لكونها غير مقصرة بذلك قال في المجموع : وحيث وجبت المبادرة قال الإمام : ذهب ذاهبون من أئمتنا إلى المبالغة واغتفر آخرون الفصل اليسير وضبطه بقدر ما بين صلاتي الجمع ا هـ .

والأوجه الثاني ، واستشكل التمثيل بأذان المرأة لعدم مشروعيته لها .

وأجيب بحمله على الإجابة وبأن تأخيرها للأذان لا يستلزم أذانها .

قال الأذرعي : ينبغي حمل الأذان في كلامهم على الرجل السلس دون المستحاضة وقال الغزي : مرادهم الرجل إذا كان سلس البول أو الريح أو المذي . ولو اعتادت الانقطاع بقدر ما يسع وضوءا والصلاة فانقطع لزمها المبادرة وامتنع عليها التأخير لانتظار جماعة ونحو ذلك ( وإلا ) بأن أخرت لا لمصلحة الصلاة كأكل وشرب ونحوهما ( فيضر ) التأخير ( على الصحيح ) ويبطل طهرها [ ص: 337 ] وتجب إعادته وإعادة الاحتياط لتكرر الحدث والنجس مع استغنائها عن احتمال ذلك بقدرتها على المبادرة ، والثاني لا يضر كالمتيمم ، ولو خرج دمها من غير تقصير منها لم يضر فإن كان بتقصير في الشد ونحوه بطل طهرها وكذا صلاتها إن كانت في صلاة ويبطل طهرها أيضا بشفائها وإن اتصل بآخره .


حاشية الشبراملسي

( قوله : ولو من آيسة ) أي ولم يبلغ يوما وليلة وإلا كان حيضا كما تقدم ( قوله : على اصطلاح ) أي وليس ذلك الاصطلاح خاصا بالفقهاء .

قال في المختار : واستحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة ا هـ .

فقوله : بعد أيامها ظاهر فيما جرى عليه [ ص: 334 ] الشارح ( قوله : لا تمثيل ) ويجوز أن يكون تمثيلا للحدث الدائم الذي اشتمل عليه التشبيه ( قوله : والريح ) أي وغيرها كالودي والدم ، إلا أن سلس الريح لا يجب عليه الاستنجاء منه بل يكره ذلك كغيره ( قوله : خلافا للزركشي في النفل ) ظاهره أنه يقول بحرمة صوم المستحاضة ولو غير المتحيرة وهو كذلك .

وعبارة حج : وبه يعلم رد قول الزركشي ينبغي منعها من صوم النفل لأنها إن حشت أفطرت وإلا ضيعت فرض الصلاة من غير اضطرار لذلك ، ووجه رده أن التوسعة لها في طرق الفضائل بدليل ما يأتي من جواز التأخير لمصلحة الصلاة وصلاة النفل ولو بعد الوقت كما في الروضة وإن خالفه في أكثر كتبه اقتضت إن تسامح بذلك ( قوله : وهذا ) أي ما تقدم من قوله والاستحاضة إلخ بيان لحكمها الإجمالي ، وهذا وهو قوله : فتغسل إلخ بيان لحكمها التفصيلي ( قوله : وإلا استعملت الأحجار ) ع قد صرحوا بإجزاء الحجر فيها ، فكان المراد هنا عند انتشاره فوق العادة سم على منهج ، فقول الشارح هنا وإلا استعملت الأحجار مقيد بما إذا لم ينتشر دمها فوق العادة ، وهو ظاهر لأن إجزاء الحجر في جميع صوره مشروط بأن لا يجاوز الخارج الصفحة والحشفة ولعله المراد بقول ع فوق العادة ( قوله : على المشهور ) ومقابله ضم التاء وتشديد الصاد .

قال في الصحاح : عصب رأسه بالعصابة تعصيبا ( قوله : كالتكة ) قال في القاموس التكة [ ص: 335 ] بالكسر رباط السراويل والجمع تكك ( قوله : ويكتفي به ) أي الشد ( قوله : إن لم تحتج إليهما ) أي الشد والحشو .

[ فرع ] هل يشترط في صحة طهارة المستحاضة ونحوها إزالة النجاسة التي على البدن كما يشترط ذلك لصحة التيمم لا يبعد الاشتراط أخذا من تعليل ذلك بأن التيمم للإباحة ولا إباحة مع النجاسة فليحرر ، ثم رأيت السيد السمهودي في شروط الوضوء نقل عن الإسنوي أن ذلك هو القياس وأقره فانظره ا هـ سم على منهج ( قوله : أو تأذت ) أي تأذيا لا يحتمل عادة وإن لم يبح التيمم ( قوله : بل يجب على الصائمة تركه ) أي الحشو ، فلو حشت ناسية للصوم فالظاهر عدم جواز نزعه لأنه لا يبطل صومها باستمرار الحشو ، واندفع معه خروج الدم المبطل لصلاتها .

وفي بعض الهوامش ما نصه : لو حشت ناسية الصوم أو حشت ليلا وأصبحت صائمة ناسية لغا الحشو ووجب عليها قلعه قياسا على الخيط في الصوم ا هـ .

أقول : وفيه نظر لا يخفى ، على أن قوله قياسا إلخ يقتضي وجوب قلع الخيط وهو ممنوع ، ثم رأيت قول الشارح بعد فإن الحشو يتنجس وهي حاملته وهو قد يقتضي وجوب النزع فليتأمل وما يأتي عن سم على منهج ( قوله : وإنما راعوا هنا مصلحة الصوم دون مصلحة الصلاة إلخ ) المراد أنهم راعوا مصلحة الصوم حيث أمروها بترك الحشو لئلا يفسد به صومها ، ولم يراعوا مصلحة الصلاة حيث ترتب على عدم الحشو خروج الدم المقتضي لإفسادها ، بخلاف مسألة الخيط فإنهم لم يغتفروا إخراجه في الصوم بل أوجبوه رعاية لمصلحة الصلاة وأبطلوا صومه .

قال بعض مشايخنا : قولهم وإنما راعوا إلخ فيه نظر ، فإنهم لم يبطلوا الصلاة بخروج الدم كما أبطلوها ثم ببقاء الخيط ، بل في الحقيقة راعوا كلا منهما حيث اغتفروا ما ينافيه وحكموا بصحة كل منهما مع وجود المنافي ( قوله : وطرفه خارج ) أي حيث حكموا ببطلان الصلاة إن لم ينزعه .

[ فرع ] لو حشت ليلا وأصبحت صائمة والحشو باق في فرجها فهل يجب نزعه لمصلحة الصلاة ؟ تردد فيه بعض المتأخرين .

وأقول : إن كان نزعه لا يبطل الصوم فالوجه وجوب النزع لئلا تصير حاملة لنجاسة في الصلاة بلا حاجة ، وإن كان يبطله فهو كمسألة الخيط إذا أصبح صائما وطرفه بجوفه وطرفه الآخر خارج من فمه ، فليحرر هل نزع الحشو من الفرج يبطل الصوم أو لا سم على منهج ؟ قلت : الوجه أنه إن توقف على إدخال شيء باطن الفرج لإخراجه بطل وإلا فلا ، وهو مخالف لما يقتضيه قول الشارح فإن الحشو يتنجس وهي حاملته [ ص: 336 ] قوله : حيث منع ذلك ) أي التثليث ( قوله : من التيمم ) والراجح منه أن المتيمم يصلي فكذا هنا وقد يفرق بينهما بأن المتيمم لم يطرأ بعد تيممه ما يزيل طهارته بخلاف المستحاضة وهو الأقرب ( قوله : وانتظار جماعة ) ظاهر إطلاقه كغيره أنه لا يضر انتظار الجماعة وإن طال جدا واستغرق أكثر الوقت وهو محتمل ، ويحتمل أن محل ذلك حيث كان الانتظار مطلوبا فليتأمل سم على منهج : أي بخلاف ما إذا لم يكن الانتظار مطلوبا ككون الإمام فاسقا أو مخالفا أو غير ذلك مما يكره فيه الاقتداء ، وليس ما ذكر من قوله ويحتمل أن محل إلخ مقابلا لقوله قبل وهو محتمل بل هو متعلق بأصل الانتظار ( قوله : وإن خرج الوقت ) أي كله حيث عذرت في التأخير لنحو غيم فبالغت في الاجتهاد في القبلة أو طلب السترة وإلا بأن علمت ضيق الوقت فلا يجوز لها التأخير ، والقياس حينئذ امتناع صلاتها بذلك الطهور لأنه يصدق عليها أنها أخرت لا لمصلحة الصلاة وإن اقتضى إطلاقهم الجواز ( قوله : بقدر ما بين صلاتي الجمع ) وهو القدر الذي لا يسع صلاة ركعتين بأخف ممكن ( قوله : والأوجه الثاني ) والكلام كما هو الفرض حيث لا عذر في التأخير ، أما معه فيغتفر فوق ذلك كما علم مما مر ( قوله : والأوجه الثاني ) هو قوله : واغتفر آخرون الفصل اليسير إلخ ( قوله : قال الأذرعي ) هو صحيح ولكنه لا يأتي مع جعلهم الأذان من أمثلة تأخيرها لمصلحة الصلاة إذ هو صريح في المرأة وقد يجاب بأن التعبير بالمرأة لمجرد التمثيل ، وكأنه قيل : فإن أخرت المرأة أو غيرها ممن دام حدثه . وأجاب بعضهم بأن الأئمة لم يصرحوا بالمرأة وإنما علامة التأنيث وهي التاء تصرح بذلك لكن الفاعل يمكن أن يكون غيرها ، وتقدير الكلام فلو أخرت الذات المبتلاة بشيء مما تقدم وكل مثال يرجع لما يناسبه ا هـ .

وهو واضح في غير عبارة المصنف ، أما فيها فلا يتأتى ما ذكر لتعبيره بالاستحاضة إلا بملاحظة ما تقدم من أن ما ذكر للتمثيل ( قوله : وقال الغزي ) هو مساو في المعنى لما قاله الأذرعي ( قوله : ويبطل إلخ ) قضيته أنها حيث أخرت لا لمصلحة [ ص: 337 ] الصلاة امتنعت الصلاة في حقها فرضا أو نفلا ، وهو ربما ينافي قوله الآتي وخرج بالفرض النفل إلخ ، إلا أن يقال ما يأتي من جواز النفل في الوقت وبعده محمول على ما إذا لم تؤخر لا لمصلحة الصلاة بقرينة ما هنا ، أو يقال : المراد ببطلان الطهر ضعفه عن أداء الفرض به ( قوله ويجب إعادته ) أي الطهر من وضوء وتيمم ( قوله وإعادة الاحتياط ) أي وهو الغسل والحشو والعصب ( قوله : لم يضر ) أي في الصلاة أو قبلها ( قوله : وإن اتصل إلخ ) إنما أخذه غاية لئلا يتوهم أنه حيث اتصل بآخر الطهر لا يبطل لعدم تخلل حدث بين الشفا والطهر ، ولكنه نظر في إبطاله إلى ما تقدم من الحدث قبل فراغ الطهر .

حاشية المغربي

( قوله : ويخرج عليه ما تراه نحو الآيسة ) قضيته أن الآيسة إذا رأت دما وجاوز أكثر الحيض لا يحكم على ما استوفى شروط الحيض منه أنه حيض ، وهو الذي يأتي للشارح في الرد على الفتى ومعاصريه ، والذي في شرح الروض أن الخلاف إنما هو فيما تراه الصبية التي لم تبلغ تسع سنين ( قوله : ليس ذلك بتفسير للاستحاضة إلخ ) اعلم أن حاصل ما قرره ابن حجر في هذا المقام أن قوله حدث دائم تفسير للاستحاضة ، وقوله كسلس تشبيه بالاستحاضة في أنه حدث دائم أشار به مع التفريع بعده إلى بيان حكم الاستحاضة الإجمالي ، ثم أشار إلى حكمها التفصيلي بقوله فتغسل المستحاضة فرجها إلخ ، وأما ما قرره الشارح ففيه أمور : منها أن قوله وإلا لزم إلخ ظاهر البطلان ، ومنها أن جعله كسلس تشبيها بعد ما قرره في معنى قول المصنف حدث دائم ينحل المعنى عليه إلى قولنا السلس مشبه بالاستحاضة في أن حكمه حكم الحدث الدائم ، وسيذكر أن المراد بالسلس هنا سلس البول ، والمذي ، والغائط والريح ، وحينئذ فيقال : كل من الاستحاضة والسلس الشامل لما ذكر يعطى حكم الحدث الدائم وليس [ ص: 335 ] حدثا دائما ، فماذا يكون الحدث الدائم الذي أعطيا حكمه ; ومنها قوله : بعد التفريع المذكور وهذا بيان لحكمها التفصيلي يقال : عليه حيث بين حكمها إجمالا بقوله كحدث وتفصيلا بهذا التفريع ، فما يكون موقع قوله فتغسل المستحاضة فرجها إلخ . فتأمل [ ص: 336 ] قوله : أي في الوقت ) كما يأتي في المتن فتنبه ( قوله : وحيث وجبت المبادرة إلخ ) كان الأولى تقديمه على قوله فلو أخرت إلخ كما صنع الشهاب ابن حجر ، أو تأخيره عن قوله وإلا فيضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية