صفحة جزء
ثم شرع يتكلم على النفاس ، فقال ( وأقل النفاس لحظة ) يقال في فعله نفست المرأة بضم النون وفتحها وبكسر الفاء فيهما والضم أفصح ، وعبر بدل اللحظة في التحقيق كالتنبيه بالمجة : أي الدفعة .

وفي الروضة لا حد لأقله : أي لا يتقدر بل ما وجد منه وإن قل يكون نفاسا ، ولا يوجد أقل من مجة ويعبر عن زمنها باللحظة ، فالمراد من العبارات واحد .

وهو لغة : الولادة ، وشرعا ما مر أول الباب .

وسمي بذلك لأنه يخرج عقب النفس أو من قولهم تنفس الصبح إذا ظهر .

وأول وقته بعد خروج الولد ، وقيل أقل الطهر ، وإن كان علقة أو مضغة قال القوابل إنه مبدأ خلق آدمي ، فإن تأخر خروجه عن الولادة فأوله من خروجه لا منها كما صححه في التحقيق وموضع من المجموع وهو المعتمد وإن صحح في الروضة ، وموضع آخر من المجموع عكس ذلك ، إذ يلزم عليه جعل النقاء الذي لم يسبقه دم نفاسا فتجب عليها الصلاة في النقاء المذكور ، وقد صحح في المجموع أنه [ ص: 357 ] يصح غسلها عقب ولادتها .

ولا يشكل على ما رجحناه قول المصنف ببطلان صوم من ولدت ولدا جافا ، لأنه لما كانت الولادة مظنة خروج الدم أنيط البطلان بوجودها وإن لم يتحقق كما جعل النوم ناقضا وإن تحقق عدم خروج شيء منه ، وكلام ابن المقري في روضه محتمل لكل منهما لكنه إلى الثاني أقرب ، وقضية الأخذ بالأول أن زمن النقاء لا يحسب من الستين ، لكن صرح البلقيني بخلافه فقال : ابتداء الستين من الولادة وزمن النقاء لا نفاس فيه وإن كان محسوبا من الستين ولم أر من حقق هذا ا هـ . ولو لم تر نفاسا أصلا فهل يباح وطؤها قبل الغسل أو التيمم بشرطه أو لا ؟ أفتى الوالد رحمه الله تعالى بجوازه كما لو كان عليها جنابة ، بل عللوا إيجاب خروج ولد الجاف الغسل بأنه متى انعقد ولو لم تر دما إلا بعد مضي خمسة عشر يوما فأكثر فلا نفاس لها أصلا على الأصح ( وأكثره ستون ) يوما ( وغالبه أربعون ) يوما اعتبارا بالوجود في كل ذلك ، وأما خبر أبي داود عن أم سلمة رضي الله عنها { كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما } فليس فيه ما يدل على نفي الزيادة ، أو يكون محمولا على الغالب أو على نسوة محصورات وأبدى أبو سهل الصعلوكي في كون أكثره ما ذكر معنى لطيفا ، وهو أن المني يمكث في الرحم أربعين يوما لا يتغير ، ثم يمكث مثلها علقة ثم مثلها مضغة ثم تنفخ فيه الروح ، والولد يتغذى بدم الحيض من حينئذ فلا يجتمع من حين النفخ لكونه غذاء له وإنما يجتمع في المدة التي قبلها وهي أربعة أشهر وأكثر الحيض خمسة عشر يوما فيكون أكثر النفاس ستين .


حاشية الشبراملسي

( قوله : يقال في فعله ) أي في الفعل الدال على الدم الخارج بعد فراغ الرحم . أما نفست بمعنى حاضت فيقال فيه بفتح النون وكسر الفاء كما قاله بعضهم ، وقد مر ما فيه ( قوله : الدفعة ) أي بضم الدال عميرة ( قوله : من العبارات ) هي مجة ولحظة ودفعة ( قوله : قال القوابل ) ظاهره أنه لا بد من أربع منهن ، وينبغي الاكتفاء بواحدة لأن المدار على ما يفيد الظن والواحدة تحصله .

وعبارة حج علقة أو مضغة فيها صور خفية أخذا مما مر في الغسل ، إذ لا تسمى ولادة إلا حينئذ كما صرحوا به ، فلا تخالف بين ما ذكروه هنا وفي العدد خلافا لمن ظنه ( قوله : فأوله من خروجه ) أي من حيث الأحكام وقوله : لا منها أي الولادة ( قوله : في النقاء المذكور ) أي الذي بين الولادة ورؤية الدم [ ص: 357 ] قوله محتمل لكل منهما ) أي من قوله فأوله من خروجه ، وقوله لا منها ( قوله : وإن كان محسوبا ) معتمد ( قوله : أفتى الوالد إلخ ) قد يشكل هذا ببطلان صومها بولادتها ولدا جافا حيث علل البطلان بأن الولادة مظنة لخروج الدم فأقاموها مقام اليقين فإنه يقتضي حرمة الوطء ، ولعل الفرق بين بطلان الصوم وجواز الوطء الاحتياط للعبادة ( قوله : وأكثره ستون ) عباب خالف في ذلك أبو حنيفة وأحمد فقالا : الأكثر أربعون ، وذهب المزني إلى أن أقله أربعة أيام لأن أكثره قدر الحيض أربع مرات فليكن أقله كذلك ا هـ .

قلت : مقتضى هذا التخريج أن يقول غالبه ستة وعشرون أو ثمانية وعشرون ا هـ سم على منهج ( قوله : تجلس ) أي يدوم نفاسها ( قوله : وأبدى أبو سهل ) تبعه الإسنوي وغيره ، واعترضه ابن العماد بما فيه نظر .

نعم أنكر القاضي أبو الطيب كونه غذاء للولد لد لأنه يولد وفمه مسدود ولا طريق لجريان الدم وعلى وجهه المشيمة ولهذا أجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها ا هـ .

وما استدل به لا حجة فيه فإنه لا يلزم من كونه غذاء وصوله للمعدة من الفم لاحتمال وصوله إليها من السرة المتصلة بالمشيمة ا هـ حج في شرح العباب .

أقول : وأجنة البهائم يجوز أن تتغذى بغير دم الحيض لانتفائه في حقهن

حاشية المغربي

[ ص: 356 - 357 ] قوله : فيكون أكثر النفاس ستين ) قال الشهاب البرلسي : قضية هذا أن يكون غالب النفاس أربعة وعشرين ولم [ ص: 358 ] يقولوا به

التالي السابق


الخدمات العلمية