صفحة جزء
[ ص: 171 ] فصل ) في صدقة التطوع وهي المرادة عند الإطلاق غالبا ( صدقة التطوع سنة ) مؤكدة للآيات والأحاديث الكثيرة الشهيرة فيها منها الخبر الصحيح { كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس } وقد تحرم إن علم : أي ولو بغلبة ظنه أنه يصرفها في معصية .

لا يقال : تجب للمضطر لتصريحهم بعدم وجوب البدل إلا بعوض ولو في الذمة لمن لم يكن معه شيء .

نعم من لم يتأهل للالتزام ، وليس له ثم ولي يمكن جريان ذلك فيه ، وسيأتي في السير أنه يلزم الموسرين على الكفاية نحو إطعام المحتاجين ( وتحل لغني ) ولو من ذوي القربى لخبر { تصدق الليلة على غني ، فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله } ويكره له التعرض لأخذها وإن لم يكفه ماله أو كسبه إلا يوما وليلة ، والأوجه أخذا مما مر آنفا عدم الاعتبار بكسب حرام أو غير لائق به .

قال الإسنوي : ويكره له أخذها وإن لم يتعرض لها ، ويحرم عليه ذلك إن أظهر الفاقة ، [ ص: 172 ] واستثنى في الإحياء من تحريم سؤال القادر على الكسب ما لو كان يستغرق الوقت في طلب العلم ، وفيه أيضا سؤال الغني حرام إن وجد ما يكفيه هو وممونه يومهم وليلتهم وسترتهم وآنية يحتاجون إليها ، والأوجه جواز سؤال ما يحتاج إليه بعد يوم وليلة إن كان السؤال عند نفاذ ذلك غير متيسر وإلا امتنع ، وقيد بعضهم غاية ذلك بسنة ، ونازع الأذرعي في التحديد بها وبحث جواز طلب ما يحتاج إليه إلى وقت يعلم عادة تيسر السؤال والإعطاء فيه ، ولا يحرم على من علم غنى سائل أو مظهر للفاقة الدفع إليه خلافا للأذرعي ، كما صرح بعدمها في شرح مسلم ; لأن الحرمة إنما هي لتغريره بإظهار الفاقة من لا يعطيه لو علم غناه ، فمن علم وأعطاه لم يحصل له تغرير ، ومعلوم أن سؤال ما اعتيد سؤاله من الأصدقاء ونحوهم مما لا يشك في رضا باذله وإن علم غنى آخذه لا حرمة فيه ولو على الغني لاعتياد المسامحة به ، ومن أعطى لوصف يظن به كفقر أو صلاح أو نسب أو علم وهو في الباطن بخلافه أو كان به وصف باطنا بحيث لو علم لم يعطه حرم عليه الأخذ مطلقا ، ويجري ذلك في الهدية أيضا فيما يظهر ، بل الأوجه إلحاق سائر عقود التبرع بها كوصية وهبة ونذر ووقف ، وبحث الأذرعي ندب التنزه عن قبول صدقة التطوع إلا إن حصل للمعطى نحو تأذ أو قطع رحم ، وهو محمول على ما إذا كان في الأخذ نحو شك في الحل أو هتك للمروءة أو دناءة في التناول لئلا يعارضه خبر { ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه } ، وفي شرح مسلم وغيره : متى أذل نفسه أو ألح في السؤال أو آذى المسئول حرم اتفاقا وإن كان محتاجا كما أفتى به ابن الصلاح ، وفي الإحياء : متى أخذ من جوزنا له المسألة عالما بأن باعث [ ص: 173 ] المعطي الحياء منه أو من الحاضرين ولولاه لما أعطاه فهو حرام إجماعا ويلزمه رده . ا . هـ .

وحيث أعطاه على ظن صفة وهو في الباطن بخلافها ، ولو علم ما به لم يعطه لم يملك الآخذ ما أخذه كهبة الماء في الوقت كما قاله بعض المتأخرين وهو ظاهر ، وما ذهب إليه الجيلي من حرمة السؤال بالله تعالى إن أدى إلى تضجر ولم يأمن أن يرده ، وإلى أن رد السائل صغيرة ما لم ينهره وإلا فكبيرة يتعين حمل أوله على ما إذا آذى بذلك وثانيه على نحو مضطر مع العلم بحاله ، وإلا فعموم ما قاله غريب ( وكافر ) لخبر { في كل كبد رطبة أجر } وشمل كلامه الحربي ، وبه صرح في البيان عن الصيمري ، لكن الأوجه كما قاله الأذرعي أن ذلك فيمن له عهد أو ذمة أو قرابة أو يرجى إسلامه أو كان بأيدينا بأسر ونحوه ، فإن لم يكن فيه شيء من ذلك فلا ويأتي منع إعطائه من أضحية التطوع ( ودفعها سرا ) أفضل منه جهرا لآية { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } ; ولأن مخفيها بحيث لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه كناية عن المبالغة في إخفائها من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، نعم إن كان ممن يقتدى به وأظهرها للتأسي به من غير رياء ولا سمعة فهو أفضل ، أما الزكاة فإظهارها أفضل إجماعا كما في المجموع ، وقول الماوردي إلا المال الباطن محمول على ما لو خاف محذورا وإلا فهو ضعيف .


حاشية الشبراملسي

[ ص: 171 ] فصل ) في صدقة التطوع ( قوله : عند الإطلاق غالبا ) أي وإلا فقد تطلق على الواجب كالزكاة ، وهل تطلق على النذر والكفارة ودماء الحج أم لا ؟ فيه نظر ، وفي كلام البهجة وشرحها للشيخ ما يفيد الثاني ( قوله : حتى يفصل بين الناس ) أي في يوم القيامة ( قوله : أنه يصرفها في معصية ) وهل يملكها حينئذ أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، ولا يلزم من الحرمة عدم الملك كما في بيع العنب لعاصر الخمر ( قوله : يمكن جريان ذلك ) أي الوجوب المفهوم من يجب للمضطر ( قوله : أنه يلزم الموسرين ) راجع الفرق بين هذا وما ذكره في المضطر ، وقد يصور ما ذكر في المضطر المحتاج بما إذا كان الباذل من غير المياسير ، أو كان المضطر غنيا لكن فقد ما يتناوله ووجده مع غيره فلا يلزمه دفعه له مجانا فلا إشكال ا هـ سم على حج ( قوله : وإن لم يكفه ماله أو كسبه ) يؤخذ منه أن المراد بالغني هنا ما يشمل القادر على الكسب ( قوله : عدم الاعتبار ) أي فله أخذ الصدقة ( قوله : ويكره له ) أي للغني ( قوله : ويحرم عليه ) أي الغني ولو بالقدرة على الكسب ، وحينئذ فيتضح الاستثناء الآتي عن الغزالي ، وأفهم قوله : إن أظهر الفاقة أنه لا يحرم عليه السؤال لمن يعرف ( قوله : إن أظهر الفاقة ) أي أو سأل ا هـ حج : أي ومع حرمة القبول حينئذ يملك المدفوع إليه كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي ا هـ سم على حج .

وقول سم : يملك المدفوع إليه : أي فيما لو سأل ، أما لو أظهر الفاقة وظنه الدافع متصفا بها لم يملك ما أخذه ; لأنه قبضه من غير رضا من صاحبه إذ لم يسمح له إلا عن ظن [ ص: 172 ] الفاقة ( قوله : واستثنى ) أي الغزالي ( قوله : ما لو كان يستغرق الوقت ) أي بحيث كان اشتغاله بالعلم يمنعه من الاكتساب ومنه ما لو كان الزمن الذي يزيد على أوقات الاشتغال لا يتأتى له فيه الاكتساب عادة فهو كالعدم ( قوله : سؤال الغني حرام ) أي ومع ذلك يملك ما أخذه ، ومحل حرمة السؤال في غير ما اعتيد سؤاله على ما يأتي ( قوله : وآنية يحتاجون إليها ) قال في القوت عن الإحياء : ويكفي كونها خزفية ا هـ سم على حج .

وظاهره وإن لم تلق بهم وينبغي خلافه ( قوله : ونازع الأذرعي إلخ ) معتمد ، وقوله : ما اعتيد سؤاله ، أي كقلم وسواك ، وقوله : إنما هو لتغريره وقضية التعليل بما ذكر أنه لا يحرم عليه سؤال من عرف بحاله لعدم تغريره له ( قوله : حرم عليه الأخذ مطلقا ) هل يملك في هذه الحالة على قياس ما يأتي عن فتوى شيخنا الشهاب الرملي أو لا ، ويفرق بأنه إنما يعطى هنا لأجل ذلك الوصف فيه نظر .

والثاني أوجه ما لم يوجد نقل بخلافه ، وعليه فهل يبطل الوقف والنذر ؟ فيه نظر ، ثم رأيت قوله الآتي : وحيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه إلخ فتعين الفرق ، لكن في بطلان ذلك عدم انعقاد الوقف والنذر ا . هـ على حج .

وقد يقال : لا يلزم من عدم ملك الصدقة بطلان الوقف والنذر لجواز إلحاقهما بما فيه معاوضة ، والأقرب عدم صحته ( قوله : وهو محمول ) أي ندب التنزه ( قوله : وأنت غير مستشرف ) أي : متعرض للسؤال ( قوله : متى أذل نفسه ) ومنه بل أقبحه ما اعتيد من سؤال اليهود والنصارى ومع ذلك يملك ما أخذه حيث لم يعط على ظن صفة ليست فيه ( قوله : أو ألح في السؤال ) ظاهر ، وإن لم يؤذ المسئول . ا . هـ سم على حج ( قوله : أو آذى المسئول حرم اتفاقا ) أي ومع ذلك يملك ما أخذه ( قوله : وإن كان محتاجا ) أي إلا أن يضطر كما هو ظاهر ا هـ سم على [ ص: 173 ] حج ( قوله : وحيث أعطاه ) أي وحيث حرم السؤال ملك ما أخذه بخلاف هبة الماء في الوقت كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي ا هـ سم على حج .

وكتب أيضا قوله : حيث أعطاه إلخ ، وقضيته أنه لو أعطى غنيا يظنه فقيرا ولو علم غناه لم يعطه لم يملك ما أعطاه ، فما مر عن فتاوى شيخنا أنه حيث حرم السؤال ملك الآخذ ما أخذه ينبغي حمله على غير ذلك ، وأن مظهر الفاقة يملك إلا أن يكون المتصدق لو علم لم يعطه ، وهو يفيد كما صرح به الشارح أن كل من أخذ وظن الدافع فيه صفة لولاها لما دفع له ، ولم تكن فيه لم يملك ما أخذه وحرم عليه قبوله ، وأنه إذا أظهر صفة لم تكن فيه كالفقر أو سأل على وجه أذل به نفسه حرم عليه الأخذ ، ولكن يملك ما أخذه إذا كان بحيث لو علم الدافع بحاله لم يمتنع من الدفع إليه ( قوله : يتعين حمل أوله ) هو قوله : يتعين السؤال ، وقوله : وثانيه هو قوله : وإلى أن رد السائل ( قوله : على نحو مضطر ) لعل صورته أنه غلب على ظنه أن غيره يعطيه ما يزيل اضطراره وإلا فينبغي أن رده كبيرة ( قوله : أن ذلك ) أي أن محل استحبابه في حقه فيمن إلخ وهي ظاهرة ، ويعلم منها أن المراد من حلها على الغني والكافر الاستحباب ، وعبارة سم على منهج : قوله وكافر : أي ولو حربيا خلافا لبعضهم ا هـ حج ( قوله : فإن لم يكن فيه شيء من ذلك فلا ) أي فلا يستحب له ( قوله : ويأتي منع إعطائه ) أي الكافر

حاشية المغربي

[ ص: 171 ] ( فصل ) في صدقة التطوع ( قوله : وقد تحرم إن علم إلخ ) أي وكما يأتي في استدراك المصنف الآتي ( قوله : أي ولو بغلبة ظنه ) لا يخفى أن حقيقة العلم مباينة لحقيقة الظن فلا يصح أخذه غاية فيه ، وعبارة التحفة : وقد تحرم إن علم وكذا إن ظن فيما يظهر إلخ ( قوله : يمكن جريان ذلك فيه ) قال الشهاب حج : حيث لم ينو الرجوع ، وكتب عليه الشهاب سم ما نصه : فيه نظر دقيق فتأمله . ا هـ .

وكأن وجه النظر أنه صار بالقيد المذكور مخيرا بين الصدقة وبين دفعه بنية الرجوع فلم تجب الصدقة عينا فساوى المتأهل ومن له ولي حاضر ، إذ لا خفاء أنه مخير فيه أيضا بين الصدقة وبين البذل بعوض ، وكأن الشارح إنما حذف هذا القيد لهذا النظر ، لكنه إنما يتم له إن كان الحكم أنه لا رجوع له على غير المتأهل [ ص: 172 ] المذكور وإن قصد الرجوع فليراجع ( قوله : واستثنى في الإحياء ) يجب تأخيره عن قوله وفيه أيضا سؤال الغني حرام إلخ إذ هو إنما استثناه منه كما في التحفة وغيرها ( قوله : من لا يعطيه ) معمول لتغريره ( قوله : بل الأوجه إلحاق سائر عقود التبرع إلخ ) لعل المراد إلحاق الأخذ بعقد من عقود التبرع ليساوي الملحق ما ألحق به ( قوله : حرم اتفاقا ) [ ص: 173 ] أي السؤال على وجه من هذه الوجوه كما يصرح به كلام غيره ( قوله : وإلى أن رد السائل إلخ ) لم يتقدم ما يصح عطفه عليه ، وهو تابع فيه لحج لكن ذاك صدر عبارته ، وذهب الحليمي إلى حرمة السؤال بالله تعالى ، إلى أن قال : وإلى أن رد السائل فالعطف في كلامه صحيح ( قوله : كناية إلخ ) تفسير لقوله بحيث لا تعلم إلخ وقوله من السبعة خبر

التالي السابق


الخدمات العلمية