صفحة جزء
( ويحرم نظر فحل ) ومجبوب وخصي وخنثى إذ هو مع النساء كرجل وعكسه فيحرم نظره لهما ونظرهما له احتياطا ، وإنما غسلاه بعد موته لانقطاع الشهوة بالموت فلم يبق للاحتياط حينئذ معنى لا ممسوح كما يأتي ( بالغ ) ولو شيخا هرما ومخنثا وهو المتشبه بالنساء عاقل مختار ( إلى عورة حرة ) خرج مثالها فلا يحرم نظره في نحو مرآة كما أفتى به جمع ; لأنه لم يرها وليس الصوت منها فلا يحرم سماعه ما لم يخف منه فتنة ، وكذا لو التذ به على ما بحثه الزركشي ، ومثلها في ذلك الأمرد ( كبيرة ) بأن بلغت حدا تشتهى فيه لذوي الطباع السليمة ( أجنبية ) وهي ما عدا وجهها وكفيها بلا خلاف لقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } ; ولأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة مثلها فأولى الرجل ( وكذا وجهها ) أو بعضه ولو بعض عينها ( وكفها ) أي كل كف منها ، وهو من رأس الأصابع إلى المعصم ( عند خوف فتنة ) إجماعا من داعية نحو مس لها أو خلوة بها وكذا عند النظر بشهوة بأن يلتذ به وإن أمن الفتنة قطعا ( وكذا عند الأمن ) من الفتنة فيما يظنه من نفسه من غير شهوة ( على الصحيح ) ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة ، فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية ، وبه اندفع القول بأنه غير عورة فكيف حرم نظره ; لأنه مع كونه غير عورة نظره مظنة للفتنة أو الشهوة ففطم الناس عنه احتياطا ، على أن السبكي قال : الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر

والثاني لا يحرم ونسبه الإمام للجمهور والشيخان للأكثرين ، وقال في المهمات : إنه الصواب ، وقال البلقيني : الترجيح بقوة المدرك ، والفتوى على ما في المنهاج ، وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء : [ ص: 188 ] أي منع الولاة لهن معارض لما حكاه القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها ، وإنما ذلك سنة ، وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية ، وحكاه المصنف عنه في شرح مسلم وأقره عليه ، ودعوى بعضهم عدم التعارض في ذلك إذ منعهن من ذلك ليس لكون الستر واجبا عليهن في ذاته بل ; لأن فيه مصلحة عامة وفي تركه إخلال بالمروءة مردودة ، إذ ظاهر كلامهما أن الستر واجب لذاته فلا يتأتى هذا الجمع ، وكلام القاضي ضعيف ، وحيث قيل بالجواز كره ، وقيل خلاف الأولى ، وحيث قيل بالتحريم ، وهو الراجح حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها كما بحثه الأذرعي ولا سيما إذا كانت جميلة فكم في المحاجر من خناجر ، وأفهم تخصيص الكلام بالوجه والكفين حرمة كشف ما سوى ذلك من البدن ، وما اختاره الأذرعي تبعا لجمع من حل نظر وجه وكف عجوز تؤمن الفتنة من نظرها لآية { والقواعد من النساء } ضعيف مردود بما مر من سد الباب وأن لكل ساقطة لاقطة ، ولا دليل في الآية كما هو جلي بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة ، واجتماع أبي بكر وأنس بأم أيمن وسفيان وأضرابه برابعة رضي الله عنهم لا يستلزم النظر ، على أن مثل هؤلاء لا يقاس بهم غيرهم ، ومن ثم جوزوا لمثلهم الخلوة كما يأتي قبيل الاستبراء إن شاء الله تعالى .


حاشية الشبراملسي

( قوله : وإنما غسلاه ) أي بشرط عدم وجود محرم له ( قوله : لانقطاع الشهوة ) أي مع احتمال كونه كالمغسل ذكورة أو أنوثة .

فلا يرد أنه يحرم على الرجل تغسيل المرأة الأجنبية وبالعكس مع انقطاع الشهوة بالموت ( قوله : لا ممسوح ) أشار به إلى أن المراد بالفحل هنا ما يشمل الخصي والمجبوب ، ويدل له مقابلته بالممسوح الآتية في كلام المصنف ( قوله : عاقل مختار ) أما المجنون فليس مخاطبا ومع ذلك يجب عليها الاحتجاب منه كما يأتي ويجب على وليه منعه ( قوله : في نحو مرآة ) ومنه الماء ( قوله : وليس الصوت ) ومنه الزغاريت ( قوله : منها ) أي العورة ( قوله : وكذا لو التذ به ) أي فيجوز ; لأن اللذة ليست باختيار منه ( قوله : ومثلها في ذلك ) أي في قوله ما لم يخف منه فتنة ( قوله : وهي ) أي العورة ( قوله : إلى المعصم ) في نسخة إلى الكوع ، وعبارة المصباح : المعصم وزان مقود موضع السوار من الساعد ا هـ .

ولعل التعبير به أولى ; لأن المعصم شامل لرأس الساعد من جهة الإبهام والخنصر وما بينهما ، بخلاف الكوع فإنه خاص بالطرف الذي يلي الإبهام ( قوله : من داعية نحو مس ) يؤخذ منه أن ضابط خوف الفتنة أن يخاف أن تدعوه نفسه إلى مس لها أو خلوة بها ( قوله : ومحرك ) عطف مغاير ( قوله : وبه ) أي بما وجه به الإمام ، وقوله : اندفع القول بأنه : أي الوجه ( قوله : والفتوى على ما في المنهاج ) معتمد [ ص: 188 ] قوله : فكم في المحاجر ) جمع محجر كمجلس وهو ما يبدو من النقاب ا . هـ . مختار .

وفي القاموس : المحجر كمجلس ومنبر الحديقة ومن العين ما دار بها وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها ( قوله : وما اختاره الأذرعي ) أي من حيث الدليل ( قوله : وأن لكل ساقطة إلخ ) أي ومن أن لكل إلخ ، فالعجوز التي لا تشتهي قد يوجد لها من يريدها ويشتهيها ( قوله : بل فيها إشارة ) يتأمل وجه الإشارة فإن ظاهرها جواز النظر إن لم تتبرج بالزينة ومفهومها الحرمة إذا تزينت وهو عين ما ذكره الأذرعي

حاشية المغربي

[ ص: 187 ] قوله : عاقل ) أي أما المجنون فلا يحرم عليه لسقوط تكليفه ، وسيأتي وجوب الاحتجاب عليها منه ومنع الولي له من النظر ( قوله : و ; لأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة مثلها فأولى الرجل ) قال الشهاب سم : لكن المراد بعورة مثلها غير المراد بعورتها فيما نحن فيه ( قوله : من داعية إلخ ) بيان للفتنة ( قوله : وكذا عند النظر بشهوة ) معطوف على قول المصنف عند خوف الفتنة ( قوله : وقال البلقيني الترجيح بقوة المدرك ) قال الشارح فيما كتبه على شرح الروض مراده بذلك أن المدرك مع ما في المنهاج كما أن الفتوى عليه . ا هـ .

وأقول : الظاهر أن قوله على ما في المنهاج خبر الترجيح ، والمعنى والترجيح على طبق ما في المنهاج من جهة قوة المدرك ومن جهة المذهب فهو راجح دليلا ومذهبا فتأمل [ ص: 188 ] قوله : ودعوى بعضهم ) هو حج ( قوله : مردودة إذ الظاهر كلامهما إلخ ) هذا لا يلاقي ما ادعاه هذا البعض ، ; لأن حاصل دعواه أن ما حكاه الإمام من الاتفاق على منع النساء لا يلزم منه أن ذلك لوجوب سترها وجهها في طريقها وإن فهمه منه الإمام حتى وجهه به ، بل يجوز أن يكون للمصلحة التي ذكرها وهذا لا محيد عنه ، ولا يصح رده بأن ظاهر كلامهما ما ذكر ; لأن المعارضة التي دفعها ليست بين الجواز الذي ذكره القاضي عياض والحرمة وإنما هي بينه وبين الاتفاق على منع النساء كما سبق ( قوله : وأفهم تخصيص الكلام بالوجه والكفين ) عبارة التحفة وأفهم تخصيص حل الكشف بالوجه حرمة كشف ما عداه من البدن حتى اليد ، وهو ظاهر في غير اليد ; لأنه عورة ، ومحتمل فيها ; لأنه لا حاجة لكشفها بخلاف الوجه انتهت .

وقوله تخصيص حل الكشف بالوجه : أي فيما ذكره القاضي عياض ومال في التحفة إلى ترجيحه ، فكأن الشارح فهم أن مرادهم ما في المتن فعبر عنه بما ذكره لكن قد يقال عليه إن ما في المتن ليس فيه ذكر حل ولا كشف

التالي السابق


الخدمات العلمية