صفحة جزء
فصل في بيان الأذان والإقامة

( الأذان ) والأذين والتأذين بالمعجمة لغة : الإعلام ، قال الله تعالى { وأذان من الله ورسوله } وشرعا : [ ص: 399 ] قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة المفروضة .

والأصل فيهما قبل الإجماع قوله تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } وقوله { وإذا ناديتم إلى الصلاة } وما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقيمت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم } وفي أبي داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال { لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال : وما تصنع به فقلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أولا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ [ ص: 400 ] فقلت بلى ، قال تقول : الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان ، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : وتقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة ، فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : إنها رؤيا حق إن شاء الله ، قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى منك صوتا ، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به ، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى ، فقال صلى الله عليه وسلم : فلله الحمد } .

ولا يرد على ذلك أن الأحكام لا تثبت بالرؤيا . لأنا نقول : ليس مستند الأذان الرؤيا وإنما وافقها نزول الوحي فالحكم ثبت به لا بها ، فقد روى البزار { أن النبي صلى الله عليه وسلم أري الأذان ليلة الإسراء وأسمعه مشاهدة فوق سبع سموات ، ثم قدمه [ ص: 401 ] جبريل فأم أهل السماء وفيهم آدم ونوح عليهم أفضل الصلاة والتسليم ، فأكمل له الشرف على أهل السموات والأرض } وخرج بقولنا يعلم به وقت الصلاة ما يسن لغيرها ، وله أنواع يأتي بعضها في العقيقة .

ومنها أنه يسن للمهموم أن يأمر من يؤذن في أذنه فإنه يزيل الهم كما رواه الديلمي عن علي يرفعه .

وروى أيضا { من ساء خلقه من إنسان أو بهيمة فإنه يؤذن في أذنه } ويسن أيضا إذا تغولت الغيلان : أي تمردت الجان ، لأن الأذان يدفع شرهم فإن الشيطان إذا سمعه أدبر .

ولا ترد هذه الصور على المصنف لأن كلامه في أذان معه إقامة وهذه لا إقامة فيها سوى أذان المولود . وأما هو فأفرده بالذكر في باب العقيقة . ( والإقامة ) في الأصل مصدر أقام وسمي به الذكر المخصوص لأنه يقيم إلى الصلاة . ومشروعية الأذان والإقامة ثابتة بالإجماع ، وإنما الخلاف في كيفية مشروعيتهما والأصح أن كلا منهما ( سنة ) على الكفاية ولو لجمعة فيحصل بفعل البعض كابتداء السلام ، ولو أذن في جانب من بلد كبير حصلت السنة لأهل ذلك الجانب فقط .

أما في حق المنفرد فهما سنة عين .

والضابط أن يكون بحيث يسمعه جميع [ ص: 402 ] أهلها لو أصغوا إليه ، لكن لا بد في حصول السنة بالنسبة لكل أهل البلد من ظهور الشعار كما ذكر ، فعلم أنه لا ينافيه ما يأتي أن أذان الجماعة يكفي سماع واحد له ، لأنه بالنظر لأداء أصل سنة الأذان وهذا بالنظر لأدائه عن جميع أهل البلد .

قالوا : وإنما لم يجبا لأنهما إعلام بالصلاة ودعاء إليها كقوله الصلاة جامعة ، وضعفه في المجموع بأنه ليس في ذلك شعار ظاهر بخلاف الأذان . وفي المهمات بأن ذاك دعاء إلى مستحب وهذا دعاء إلى واجب .

ويدل على عدم وجوب الأذان أيضا أنه صلى الله عليه وسلم تركه في ثانية الجمع ، ولو كان واجبا لما تركه للجمع الذي ليس بواجب ، ولذكره صلى الله عليه وسلم في جبر المسيء صلاته كما ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة ( وقيل ) كل ( فرض كفاية ) لأنهما من الشعائر الظاهرة وفي تركهما تهاون ، فعليه لو تركهما أهل بلدة قوتلوا بخلاف ذلك على الأول ( وإنما يشرعان للمكتوبة ) من الخمس خرج المنذورة وصلاة الجنازة وسائر النوافل [ ص: 403 ] فلا يؤذن لها ولا يقيم لعدم ورودهما فيها بل يكرهان لغير المكتوبة كما صرح به في الأنوار ، وعبر ب يشرعان دون يسنان إشارة إلى أن ذلك جار على القولين ( ويقال في العيد ونحوه ) من كسوف واستسقاء وتراويح وكل نفل شرعت له الجماعة ، وكذا وتر سن جماعة وتراخى فعله عن التراويح كما هو ظاهر ، بخلاف ما إذا فعل عقبها فإن النداء لها نداء له كذا قيل ، والأقرب أنه يقوله في كل ركعتين من التراويح وللوتر مطلقا لأنها بدل عن الإقامة لو كانت مطلوبة هنا ( الصلاة جامعة ) بنصب الأول بالإغراء والثاني بالحالية ورفعهما على الابتداء والخبر ورفع أحدهما على أنه مبتدأ حذف خبره أو عكسه ، ونصب الآخر على الإغراء في الأول والحالية في الثاني لورود ذلك في الصحيحين في كسوف الشمس ، وقيس به الباقي وكالصلاة جامعة هلموا إلى الصلاة أو الصلاة رحمكم الله [ ص: 404 ] أو حي على الصلاة كما في العباب خلافا لبعضهم ، وخرج بقوله في العيد ونحوه النافلة التي لا تسن الجماعة فيها والتي تسن فيها إذا صليت فرادى والمنذورة وصلاة الجنازة لأن المشيعين لها حاضرون فلا حاجة لإعلامهم


حاشية الشبراملسي

فصل في بيان الأذان والإقامة

( قوله : في بيان الأذان ) قال الخطيب وشرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة ا هـ . أقول : هل يكفر جاحده لأنه معلوم من الدين بالضرورة أم لا ؟ فيه نظر .

والأقرب الأول للعلة المذكورة ( قوله الأذان والإقامة ) أي وما يتبعهما كإجابة المؤذن والمقيم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان ( قوله : الأذان والأذين ) اسما مصدر وقوله والتأذين مصدر ( قوله : وأذان ) أي إعلام ( قوله : وشرعا إلخ ) اعلم أن الغالب في كل حقيقة عرفية أن تكون أخص من اللغوية خصوصا مطلقا بأن يكون العرفي فردا من أفراد اللغوي وما هنا من غير الغالب ، لأن القول : أي اللفظ المخصوص ليس فردا من أفراد المعنى اللغوي وهو الإعلام بالمعنى المصدري ، بل هو من استعمال الشيء في سببه فيكون المعنى العرفي بالنسبة للغوي مجازا مرسلا ، وبعضهم عرف المعنى الاصطلاحي بقوله الإعلام بدخول وقت الصلاة فيكون من الغالب فتأمل .

وعبارة حج : وشرعا ذكر مخصوص شرع أصالة للإعلام بالصلاة المكتوبة ا هـ .

وأشار بقوله أصالة إلى إخراج ما شرع فيه الأذان لغير الصلاة كالأذان للمهموم إلخ ، كذا نقله سم عن شرح الإرشاد لحج وعقبه بقوله وبينت بهامشه أنه لا حاجة لهذا الاحتراز لأن الأذان لغير الصلاة أذان حقيقة وإن هذا القيد لا يخرجه لصدق التعريف عليه ا هـ .

ولعل هذا حكمة إسقاط الشارع لهذا القيد [ ص: 399 ] قوله : قول مخصوص ) أي الإتيان بقول إلخ ا هـ سم على حج ( قوله : وقت الصلاة ) أي وقت دخولها ( قوله : إذا أقيمت الصلاة ) أي دخل وقتها ( قوله : قال : { لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس } إلخ ) عبارة حج : ليلة تشاوروا ، وهي تفيد عدم أمره عليه الصلاة والسلام ، ويوافقه ما في سيرة الشامي حيث قال : { اهتم صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة ، فاستشار الناس فقيل : انصب راية ولم يعجبه ذلك ، فذكر له القنع وهو البوق فقال : هو من أمر اليهود ، فذكر له الناقوس فقال : هو من أمر النصارى ، فقالوا : لو رفعنا نارا فقال : ذاك للمجوس ، فقال عمر : أوتبعثون رجلا ينادي بالصلاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : يا بلال قم فناد بالصلاة } .

قال النووي هذا النداء دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان شرع قبل الأذان .

قال الحافظ ابن حجر : وكان الذي ينادي به بلال الصلاة جامعة ا هـ .

وهو كما ترى مشتمل على النهي عن الناقوس والأمر بالذكر .

ثم رأيت في سيرة شيخنا الحلبي بعد نحو ما ذكر ما نصه : وقيل { اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالناقوس : أي اتفقوا عليه فنحت ليضرب به المسلمون } ا هـ .

وهذا الكلام منهم يفهم أنه من خصوصيات هذه الأمة فليراجع ، ثم رأيت بهامش نسخة صحيحة : والأذان والإقامة من خصائص هذه الأمة كما قاله السيوطي في الخصائص ا هـ ، ثم رأيت شيخنا الحلبي صرح بذلك في سيرته هذا .

وقال ابن حجر في شرح العباب ما نصه : وإنما ثبت حكم الأذان برؤيا عبد الله مع أن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي لاحتمال مقارنة الوحي لذلك .

ويؤيده رواية عبد الرزاق وأبي داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين { أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك ، فما راعه إلا أذان بلال ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : سبقك بذلك الوحي } وهذا أصح مما حكى الداودي { أن جبريل أتى به قبل هذه الرؤيا بثمانية أيام } ا هـ : وأخذ ذلك من كلام الحافظ في فتح الباري حيث قال : وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي .

وأجيب باحتمال مقارنة الوحي بذلك ، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أي من الله أو لا ، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه ، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول .

ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين { أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك ، فما راعه إلا أذان بلال وقال له [ ص: 400 ] النبي صلى الله عليه وسلم : سبقك بذلك الوحي } وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق { أن جبريل أتى النبي بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام } ا هـ .

وفيه أيضا أنه وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة منها للطبراني { أنه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا } وللدارقطني في الأفراد من حديث أنس { أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة } وإسناده ضعيف أيضا ، وللبزار وغيره من حديث علي قال { لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق ، فركبها فقال : الله أكبر الله أكبر ; وفي آخره : ثم أخذ الملك بيده فأقام أهل السماء } وفي إسناده متروك أيضا .

ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة . والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث ا هـ باختصار .

وذكر الشامي مثله مع زيادة فليراجع كل منهما .

أقول : وبتقدير صحة مجيء الوحي قبله بثمانية أيام يمكن حمله على أنه أوحى إليه أن يعلم الناس بوقت الصلاة من غير بيان لما يعلم به ، ثم بسبب هذا الإجمال وقعت المشاورة فيما يعلم به ، ثم بعد المشاورة جاء الوحي بخصوص كلمات الأذان ليلة الرؤية ، فلما أخبر بالرؤية قال : سبقك الوحي بهذه الكلمات ، والمراد سبقك في هذه الليلة بهذه الكلمات وعلى تقدير صحة حديث أن جبريل حين أراد أن يعلمه الأذان أتاه بالبراق إلخ فيمكن أنه علمه ليأتي به في ذلك الموطن ولا يلزم منه مشروعيته لأهل الأرض ( قوله : فلما أصبحت ) في رواية أنه جاءه ليلا ، ويمكن الجمع بينهما بأنه أطلق على الوقت الذي جاء فيه ليلا صباحا لقربه منه ( قوله : فيؤذن به ) ذكر بعضهم في مناسبة اختصاصه بالأذان دون غيره كونه لما عذب ليرجع عن الإسلام فلم يرجع وجعل يقول أحد أحد جوزي بولاية الأذان المشتمل على التوحيد في ابتدائه وانتهائه ا هـ حواشي المواهب لشيخنا الشوبري .

( قوله : لقد رأيت مثل ما رأى ) أي بعد ما أخبر بذلك : أي بالرؤيا المتقدمة إلخ فلا يقال من أين عرف ذلك ( قوله : { فقال صلى الله عليه وسلم : فلله الحمد } ) في رواية { سبقك به الوحي } وبه يندفع السؤال المشار إليه بقوله ولا يرد إلخ ( قوله : إن النبي أري الأذان إلخ ) ليس هذا بيانا للوحي بل إشارة إلى أنه علم به ليلة الإسراء وعليه فلعله إنما لم يأمر به عقب الإسراء لأن [ ص: 401 ] الوحي به لم يكن حصل إذ ذاك وإنما حصل وقت الرؤيا ( قوله : وخرج بقولنا يعلم به إلخ ) قال سم على حج : لا حاجة لهذا الاحتراز لأن الأذان لغير الصلاة أذان حقيقة ، وأن هذا القيد لا يخرجه لصدق التعريف معه عليه ا هـ .

والتعريف هو قوله قول مخصوص ( قوله : في أذنه ) انظر أي أذن منهما ( قوله : فإنه يزيل الهم ) أي فلو لم يزل بمرة طلب تكريره وكذا يقال فيما بعدة ( قوله : إذا تغولت الغيلان ) زاد ابن حجر : والمصروع والغضبان وعند مزدحم الجيش وعند الحريق ، قيل وعند إنزال الميت القبر قياسا على أول خروجه للدنيا لكن رددته في شرح العباب ا هـ .

وقوله سوى أذان المولود قال شيخنا الشوبري : هل ولو ولد كافر أم لا ؟ فيه نظر .

ولا بعد في الأول أخذا بإطلاقهم أن كل مولود يولد على الفطرة ا هـ .

أقول : وقد يقال هذه الألفاظ وإن أطلقت محمولة على أولاد المسلمين ، ومعنى ولادتهم على الفطرة أن فيهم قابلية الخطاب لو وجه إليهم ومن ثم لم يعطوا في الدنيا شيئا من أحكامنا حتى إذا ماتوا لا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين ( قوله : فإن الشيطان إذا سمعه أدبر ) .

[ فائدة ] قال المناوي في شرحه الصغير على الجامع الصغير عند قوله صلى الله عليه وسلم { إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته } إلخ ما نصه : قال المحقق أبو زرعة : إنما يكون ، أي إدباره من أذان شرعي مجتمع الشروط واقع بمحله أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته ا هـ .

أقول : ويمكن حمل ما قاله أبو زرعة على ما فهم من الحديث من أنه يدير وله ضراط حتى لا يسمع صوته ، وهو لا ينافي أنه إذا سمع الأذان على غير تلك الهيئة يدبر فيكفي شره وإن لم يكن إدباره بتلك الصفة ( قوله : ولا ترد هذه الصورة ) أي المعبر عنها بالأنواع في قوله وله أنواع يأتي بعضها فلا يرد أنه لم يذكر أذان المولود حتى يستثنيه ( قوله : سوى أذان المولود ) أي وسوى الأذان خلف المسافر فإنه يسن هو والإقامة ا هـ حج .

أقول : وينبغي أن محل ذلك ما لم يكن سفر معصية فإن كان كذلك لم يسن ( قوله أما في حق المنفرد ) محترز ما أشعر به قوله على الكفاية من أنه مشروع للجماعة سنة ، وقيل فرض كفاية ( قوله : والضابط أن يكون إلخ ) أي في كفايته لمن شرع لهم أن يكون إلخ [ ص: 402 ] قوله : كما ذكر ) أي في قوله ولو أذن في جانب إلخ ، غير أن في إفادة هذا اعتبار ظهور الشعار زيادة على سماعهم بالقوة نظرا ( قوله : يكفي سماع واحد له ) ظاهره بالفعل لا بالقوة .

ويوجه بأن الغرض منه حضور الصلاة وهو لا يحصل إلا بذلك ، وعليه فيشترط في الذي يسمع أن يكون ممن يطلب منه الحضور ( قوله : وإنما لم يجبا إلخ ) أي عملا بقوله عليه الصلاة والسلام { إذا أقيمت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم } ( قوله : وضعفه في المجموع ) أي القياس على الصلاة جامعة ( قوله : وفي المهمات بأن ذاك ) أي الصلاة جامعة ( قوله : في خبر المسيء صلاته ) قد تمنع هذه الملازمة بأنه إنما ذكر في خبر المسيء صلاته ما يتوقف عليه الصحة وليس الأذان والإقامة منه وإن قيل بالوجوب ا هـ .

وقال سم على بهجة ما حاصله أنه يجوز إن تركه في ثانية الجمع لكونه من رخص السفر كالجمع ، وإن تركه للمسيء صلاته كترك ذكر بعض الواجبات له لعلمه بها ا هـ .

وأشار في شرح البهجة للتوقف في كل من الثلاثة بقوله قالوا حيث جعله مسلطا عليها ، وهو خلاف ما سلكه الشارح هنا حيث غير الأسلوب ، فعبر عن الأول بقالوا وعن الأخيرين بقوله : ويدل على عدم الوجوب إلخ ، هذا وقد يمنع أن في ترك الأذان لثانية الجمع دلالة على عدم الوجوب بما يأتي من أنه إذا والى بين الصلوات يكتفي بأذان واحد ( قوله فعليه ) أي على هذا القول ( قوله : قوتلوا ) أي قتال البغاة لا قتال المرتدين ، بخلاف ذلك : أي الترك على الأول : أي فلا يقاتلون ، وظاهره أنه لا خلاف فيه ، وقد يشكل بجريان الخلاف في المقاتلة على ترك الجماعة بناء على أنها سنة ، ثم رأيت في كلام بعضهم أن كل ما قيل فيه بالسنية ، وفيه شعار ظاهر إذا تركه أهل بلد قوتلوا عليه ، لكن الخلاف في غير الجماعة لعله شديد الضعف فلم يذكروه ( قوله : وسائر النوافل ) شمل المعادة فلا يؤذن لها وإن لم يؤذن للأولى لأنها نفل ، ويحتمل وهو الظاهر أن يقال حيث لم يؤذن للأولى سن الأذان لها لما قيل إن فرضه الثانية ، وفي كلام سم على حج التردد في ذلك فليراجع .

وقياس ما تقدم من أنه لو انتقل إلى محل بعد أن صلى المغرب فوجد الوقت لم يدخل من وجوب الإعادة [ ص: 403 ] للفرض فيه إعادة الأذان فيما لو انتقل إلى المحل المذكور ووجد الوقت لم يدخل ( قوله : بل يكرهان لغير المكتوبة ) هذا يشكل على ما يأتي للشارح من حرمة الأذان قبل الوقت بنيته معللا له بأنه متعاط عبادة فاسدة ، إلا أن يقال : ما هنا محمول على ما إذا لم ينو أو يفرق بينه وبين ما يأتي بأن هذا أذان للصلاة في وقتها وهو مشروع في الجملة بخلاف ذاك ، ولعل هذا الفرق أقرب لما ذكره حج جوابا عن إيراد ما ذكر على أذان المرأة للنساء حيث لم ترفع به صوتها وقصدت به الأذان من أن الأذان قبل الوقت فيه منابذة صريحة للشرع بخلاف هذا ، إذ الذي اقتضاه الدليل فيه عدم ندبه لا غير ( قوله : جار على القولين ) وهما السنية والفرضية ، فمراده بالقولين الخلاف المذكور لكنه على ما يفيده اصطلاح المصنف وجهان لا قولان ( قوله : ويقال في العيد ) وينبغي ندبه عند دخول الوقت وعند الصلاة ليكون نائبا عن الأذان والإقامة ا هـ حج .

والمعتمد أنه لا يقال إلا مرة واحدة بدلا عن الإقامة كما يدل عليه كلام الأذكار للنووي رملي ا هـ زيادي .

هذا وقد يقال في جعلهم إياه بدلا عن الإقامة نظر ، فإنه لو كان بدلا عنها لشرع للمنفرد ، بل الظاهر أنه ذكر شرع لهذه الصلاة استنهاضا للحاضرين وليس بدلا عن شيء ( قوله ونحوه ) هل يسن إجابة ذلك لا يبعد سنها بلا حول ولا قوة إلا بالله وينبغي كراهة ذلك لنحو الجنب ا هـ سم على حج ، وقوله كراهة ذلك : أي قوله الصلاة جامعة لا كراهة قوله لا حول ولا قوة إلا بالله لما يأتي من عدم كراهة إجابة نحو الحائض بذلك ونحوه .

وينبغي أن يوجه استحباب إجابة ذلك بلا حول ولا قوة إلا بالله بالقياس على إجابة المقيم بذلك عند قوله : حي على الصلاة حي على الفلاح بجامع أن كلا يستنهض الحاضرين للقيام إليها .

وأما أخذه من إجابة المؤذن بذلك إذا قال : { ألا صلوا في رحالكم } ، ففيه أن ذلك إنما قيل لفوات حضور الجماعة عليهم ( قوله وكل نفل شرعت له الجماعة ) أي وإن نذر فعله ، وعليه فالمراد بالمنذورة التي لا تسن فيها الجماعة صلاة لم تطلب منه فيها الجماعة بدون النذر ونذر فعلها كسنة الظهر ( قوله بخلاف ما إذا فعلها عقبها ) قال سم على حج : وقد يقال هذا ظاهر إن كان قوله الصلاة جامعة بمنزلة الأذان ، فإن كان بمنزلة الإقامة فقد يتجه أنه لا فرق بين تراخي فعله وعدمه ، وقياس كونه بمنزلة الإقامة الإتيان به لكل ركعتين من التراويح : أي كما تقدم ا هـ .

وهو مضمون قوله والأقرب أنه يقوله في كل ركعتين من التراويح إلخ ( قوله : على أنه مبتدأ حذف خبره ) فيه عسر ويمكن تقديره لنا : أي لنا جامعة : أي كائن لنا عبادة جامعة : أي وهي الصلاة بدليل السياق أو منها جامعة ، وفيه شيء ا هـ سم على حج ( قوله : وكالصلاة جامعة هلموا ) أي في أداء أصل السنة وإلا فالأول أفضل لوروده عن الشارع ( قوله : أو الصلاة رحمكم الله ) أي أو الصلاة فقط على ما يفيده كلام المنهج ، أو الصلاة الصلاة على ما في حج ، قال : [ ص: 404 ] والأول أفضل ( قوله : التي لا تسن الجماعة فيها ) أي وإن صليت جماعة ( قوله : فلا حاجة لإعلامهم ) يؤخذ منه أن المشيعين لو كثروا ولم يعلموا وقت تقدم الإمام للصلاة سن ذلك لهم ولا بعد فيه

حاشية المغربي

فصل [ ص: 399 ] قوله : يعلم به وقت الصلاة ) قال حج أصالة انتهى .

وظاهر أن مراده بذلك إدخال أذان المهموم ونحوه . مما يأتي : أي ، فهو أذان حقيقة ، وليس القصد بتقييد يعلم به وقت الصلاة إخراجه ، وإنما قيد به ; لأنه الأصل ، والشهاب سم فهم أن مراده به إخراج ما ذكر فكتب عليه ما نصه : قوله : أصالة احترازا عن الأذان الذي يسن لغير الصلاة واستدل عن ذلك بكلامه في شرح الإرشاد بلفظ الاحتراز فتأمل . [ ص: 400 ] قوله : فسمع ذلك عمر بن الخطاب إلخ ) المتبادر من الرواية أولا أن الإشارة راجعة إلى الأذان خلاف المتبادر منها آخرا في قوله فخرج يجر رداءه إلخ ، فإن الظاهر منه أن الإشارة راجعة لأمر الرؤيا ، ويؤيد هذا ما في رواية " فلما سمع بذلك " بزيادة الباء في اسم الإشارة ، ويؤيد الأول ترتيب ما ذكر على مجرد الأذان وقوله ، وهو في بيته فليحرر ( قوله : وإنما وافقها نزول الوحي ) فالحكم ثبت به لا بها ، لكن لك أن تقول : لو كان الحكم ثبت بما ذكر لصلى به صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء ، فلعل المراد أن جبريل أخبره عند الرؤيا المذكورة أن ما سمعه في ليلة الإسراء [ ص: 401 ] شروع للصلاة ، وعليه فالوحي في الحقيقة إنما هو إخبار جبريل المذكور فليراجع ( قوله : وخرج بقولنا يعلم به وقت الصلاة ما يسن لغيرها ) قضيته أنه لا يسمى أذانا لكن الذي يأتي عقبه يخالفه ( قوله : ولا ترد هذه الصور ) أي على قول المصنف الآتي وإنما يشرعان للمكتوبة ( قوله : وأما هو فأفرده إلخ ) هذا لا يجري مع الحصر ( قوله : فيحصل بفعل البعض ) محل حصوله بذلك بالنسبة لظهور الشعار بقرينة ما يأتي من أنه يطلب من المنفرد وإن سمع أذان غيره ( قوله : والضابط إلخ ) هذا لا ينسجم مع الذي قبله ، والشهاب حج إنما رتبه على القول بأنه فرض كفاية ، وعبارته [ ص: 402 ] بعد قول المتن سنة وقيل فرض كفاية وبعد ذكره دليل القول الثاني نصها ، وهو قوي ومن ثم اختاره جمع فيقاتل أهل بلد تركوهما أو أحدهما بحيث لم يظهر الشعار ، ففي بلد صغيرة يكتفي بمحل أو كبيرة لا بد من محال نظير ما يأتي في الجماعة .

والضابط أن يكون بحيث يسمعه كل أهلها لو أصغوا إليه وعلى الأول لا قتال لكن لا بد في حصول السنة بالنسبة لكل أهل البلد من ظهور الشعار كما ذكره ، فعلم أنه لا ينافيه ما يأتي أن أذان الجماعة إلى آخر ما ذكره الشارح وبه يعلم ما في كلامه ( قوله يكفي سماع واحد له ) أي بالقوة كما يصرح به كلامه الآتي ولتأتي المنافاة [ ص: 403 ] قوله : مبتدأ حذف خبره ) لا يتأتى في جامعة

التالي السابق


الخدمات العلمية