صفحة جزء
من الولم وهو الاجتماع ، وهي أعني الوليمة اسم لكل دعوة أو طعام يتخذ لحادث سرور أو غيره ، لكن استعمالها مطلقة في العرس أشهر وفي غيره مقيدة فيقال وليمة ختان أو غيره قال الأذرعي رحمه الله : إن محل ندب وليمة الختان في حق الذكور دون الإناث لأنه يخفى ويستحيا من إظهاره ، لكن الأوجه استحبابه فيما بينهن خاصة ، وأطلقوا ندبها للقدوم من السفر ، وظاهر أن محله في السفر الطويل لقضاء العرف به ، أما من غاب يوما أو أياما يسيرة إلى بعض النواحي القريبة فكالحاضر ( وليمة العرس ) بضم العين مع ضم الراء وإسكانها ( سنة ) مؤكدة بل هي آكد الولائم لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ففي البخاري { أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بمدين من شعير ، } { وأنه صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بتمر وسمن وأقط } { وأنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه [ ص: 370 ] وقد تزوج أولم ولو بشاة }

وأقلها للمتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه . قال الثاني رحمه الله : والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه : وبأي شيء أولم من الطعام جاز ، وهو يشمل المأكول والمشروب الذي يعمل في حال العقد من سكر وغيره ولو موسرا ، وسكتوا عن استحباب الوليمة للتسري ، وقد صح { أنه صلى الله عليه وسلم لما أولم على صفية } قالوا : إن لم يحجبها فهي أم ولد ، وإن حجبها فهي امرأته . وفيه دليل عدم اختصاص الوليمة بالزوجة وندبها للتسري ، إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية ، وعليه فلا فرق فيها بين ذات الخطر وغيرها لأن القصد بها ما مر وهو لا يتقيد بذات الخطر . ولم يتعرضوا لوقت الوليمة ، واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد ولا آخر لوقتها فيدخل وقتها به ، والأفضل فعلها بعد الدخول : أي عقبه { لأنه صلى الله عليه وسلم لم يولم على نسائه إلا بعد الدخول } فتجب الإجابة إليها من حين العقد وإن خالف الأفضل خلافا لما بحثه ابن السبكي في التوشيح ، ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر كالعقيقة ( وفي قول أو وجه ) وصوب جمع أنه قول ، وعلى القياس لأن مثبته زيادة علم ( واجبة ) عينا للخبر المار { أولم ولو بشاة } وحملوه على الندب لخبر { هل علي غيرها : أي الزكاة ، قال : لا إلا أن تطوع } وخبر { ليس في المال حق سوى الزكاة } وهما صحيحان ، ولأنها لو وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به ، وصرح الجرجاني بندب عدم كسر عظمها كالعقيقة ، ووجه ما قالوه ثم أن فيه تفاؤلا بسلامة أخلاق الزوجة وأعضائها كالولد .

ويؤخذ منه أنه يسن هنا في المذبوح ما يسن في العقيقة ، وبحث الأذرعي رحمه الله أنها لو اتحدت وتعددت الزوجات وقصدها عنهن كفت ، فإن لم يقصد ذلك استحب التعدد كما ذكره بعض المتأخرين خلافا للزركشي رحمه الله ، ومنازعة بعضهم فيه بأن المتجه أنها كالعقيقة فتتعدد بتعددهن مطلقا مردودة لظهور الفرق بأنها جعلت فداء للنفس بخلاف ما هنا ، ونقل ابن الصلاح أن الأفضل فعلها ليلا لا نهارا لأنها في مقابلة نعمة ليلية ولقوله سبحانه وتعالى { فإذا طعمتم فانتشروا } وكان ذلك ليلا ا هـ . متجه إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها ليلا


حاشية الشبراملسي

( فصل ) في وليمة العرس ( قوله : وهو الاجتماع ) أي لغة ، وقوله وهي أي شرعا ( قوله : لحادث سرور ) .

[ تنبيه ] قال الراغب : الفرق بين الفرح والسرور أن السرور انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلا وآجلا ، والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة وذلك في اللذات البدنية الدنيوية ، وقد يسمى الفرح سرورا وعكسه لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق ويتصور أحدهما بصورة الآخر ا هـ مناوي عند قوله صلى الله عليه وسلم { إن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح } ( قوله : أو غيره ) يشمل المعمول للحزن ، وبه صرح ابن المقري في قوله وليمة موت إلخ ( قوله : بمدين من شعير ) ظاهره أنه لا يضم إليهما شيئا آخر ولم يعلم كيفية فعله فيهما . [ ص: 370 ] قوله : من سكر وغيره ) أي فيكفي في أداء السنة ، والمفهوم من مثل هذا التعبير أنه ليس بمكروه ولا حرام خلافا لمن توهمه من ضعفة الطلبة ، ثم رأيت في السيرة الشامية ما نصه : روى التوقاني بسند واه عن موسى بن محمد بن جعفر عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل بطيخا بسكر } ( قوله : إن لم يحجبها ) أي عن الخروج ( قوله : فلا فرق فيها ) أي السرية ( قوله : ذات الخطر ) أي الشرف ( قوله لأن القصد بها ما مر ) أي في قوله وطعام يتخذ إلخ ( قوله : إن وقتها موسع ) أي في حق الحرة . أما الأمة فوقتها إرادته إعدادها للوطء ، ونقل بالدرس عن سم ببعض الهوامش مثله ( قوله : فيدخل وقتها به ) أي العقد ( قوله : من حين العقد ) قضيته أن ما يقع من الدعوة قبل العقد لفعل الوليمة بعده لا تجب فيه الإجابة لكون الدعوة قبل دخول وقتها ، والظاهر الوجوب لأن الدعوة وإن تقدمت فهي لفعل ما تحصل به السنة ، وعليه فالمراد بقوله فتجب الإجابة إلخ أن الإجابة تجب لها حيث كانت تفعل بعد العقد ( قوله : ولا بطول الزمن ) هذا علم من قوله أولا ولا آخر لوقتها ( قوله : إنها لو اتحدت إلخ ) خرج به ما لو تعددت أسبابها فلا بد من التعدد ( قوله : فإن لم يقصد ) أي بأن أطلق ( قوله : ومنازعة بعضهم ) مراده حج ( قوله وكان ذلك ) أي الطعام الذي قيل في شأنه ذلك ( قوله : فعلها ليلا ) أي ولم يثبت ذلك فلا يتم الاستدلال على سنها ليلا بأنه عليه الصلاة والسلام [ ص: 371 ] فعلها كذلك

حاشية المغربي

( فصل ) في وليمة العرس [ ص: 370 ] قوله : ; لأن القصد بها ما مر ) انظر ما مراده بما مر وهو تابع فيه لحج لكن ذاك قال قبل ذلك في ضمن سؤال وجواب ما نصه : والظاهر أن سرها صلاح الزوجة وبركتها ( قوله : لوجبت الشاة ) هذا إنما يتأتى مع قطع [ ص: 371 ] النظر عما فسر به الحديث فيما مر أن المراد به أقل الكمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية