صفحة جزء
( وشرط المؤذن ) والمقيم ( الإسلام ) فلا يصحان من كافر لأن في إتيانه بهما نوع استهزاء إذ لا يعتقد حقيقة ذلك فلو فعل الكافر ذلك حكم بإسلامه لنطقه بالشهادتين ، [ ص: 413 ] ما لم يكن عيسويا لاعتقاده أن محمدا رسول الله إلى العرب خاصة ، ولا يعتد بأذان غير العيسوي الأول فإن أعاده اعتد بالثاني ، بخلاف ما إذا لم يعده وبخلاف العيسوي وإن أعاده . ولو ارتد المؤذن ثم أسلم قريبا بنى لأن الردة لا تبطل ما مضى إلا إن اتصلت بالموت ، وإن ارتد بعده ثم أسلم ولو بعد طول الفصل جازت إقامته . نعم يسن أن يعيد ذلك غيره لأن ردته تورث شبهة في حاله ( و ) شرط من ذكر ( التمييز ) ولو صبيا فيتأدى بأذانه وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت ، وما في المجموع من قبول خبره فيما طريقه المشاهدة كرؤية النجاسة ضعيف كما ذكره في محل آخر . نعم قد يقبل خبره فيما احتفت به قرينة كإذن في دخول دار وإيصال هدية وإخباره بطلب ذي وليمة له فتجب الإجابة إن وقع في القلب صدقه . [ ص: 414 ] أما غير المميز كالمجنون والمغمى عليه فلا يصح أذانه لعدم أهليته للعبادة . نعم يصح أذان سكران في أوائل نشأته لانتظام قصده وفعله حينئذ ( و ) شرطه أيضا ( الذكورة ) ولو عبدا ، فلا يصح أذان غير الذكر كما تقدم إيضاحه . نعم لو أذن الخنثى فبانت ذكورته عقب أذانه فالوجه إجزاؤه كما قاله الأذرعي في غنيته . ويشترط في جواز نصب مؤذن راتب من قبل الإمام أو نائبه أو من له ولاية النصب شرعا كونه عارفا بالمواقيت بأمارة أو بخبر ثقة عن علم ، وأن يكون بالغا أمينا ، فغير العارف لا يجوز نصبه وإن صح أذانه ، وبخلاف من يؤذن لنفسه أو لجماعة من غير نصب فلا تشترط معرفته بها ، بل متى علم دخول الوقت صح أذانه كأذان الأعمى ، هذا حاصل ما دل عليه كلام المجموع خلافا لمن فهم من كلامه ما يخالف ذلك ، واعترض عليه كصاحب الإسعاد ، ولو أذن قبل علمه بالوقت فصادفه اعتد بأذانه بناء على عدم اشتراط النية فيه وبه فارق التيمم والصلاة


حاشية الشبراملسي

( قوله لنطقه بالشهادتين ) هذا يدل على أنه لا يشترط في صحة الإسلام عطف إحدى الشهادتين على الأخرى لأن الشهادتين في الأذان لا عطف بينهما وقد حكم بالإسلام بالنطق بهما ، ويوافق ذلك ما نقله الشارح في باب الردة أن الشافعي قال : إذا ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم لم أكشف عن الحال وقلت له : قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنك بريء من كل دين يخالف دين الإسلام ا هـ . ولا ينافي ذلك قول الروضة كأصلها في باب الكفار أنه ذكر الشافعي أن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلخ ، لظهور أن الواو في هذه العبارة من كلام الشافعي لحكاية صيغة الإسلام لا من نفس صيغة الإسلام المحكية فتدبر ا هـ سم على حج . وما ذكر في صدر القولة من قوله لا يشترط إلخ هو ما ذكر شيخنا الزيادي أن الشيخ : يعني الرملي رجع إليه آخرا بعد أن قرر أن صورة المسألة أنه أتى بالواو العاطفة وأنه لو تركها لم يحكم بإسلامه ، ثم قال : أما مع ترك أشهد فلا بد من [ ص: 413 ] الواو ، وعبارة العلقمي عند قوله عليه الصلاة والسلام { أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه } نصها : ومنه يؤخذ أنه لا يشترط في التلفظ عند الإسلام بكلمة الشهادة أن يقول أشهد وهو الراجح المعتمد بل هو الصواب ، ولا يغتر بما ذكره بعض أهل العصر وأفتى به من أنه لا بد من لفظ أشهد تبعا لظاهر كلامهم في مواضع ، ومواضع أخر لم يصرحوا فيها بذلك بل اكتفوا بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله من غير ذكر أشهد . قال الأذرعي : ذكر ابن الرفعة تفريعا على أنه لا بد من الشهادتين ، وقول الإمام : إن قائله يراه بابا من التعبد أنه لا بد من الإتيان بلفظ الشهادة ، حتى لو قال أعلم وأتحقق أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يكون بذلك مسلما : أي خلافا لابن حجر على الأربعين من أن كل ما يدل على العلم والإقرار يسلم به ، كما أن المذهب أن الشاهد لو قال أعلم وأتحقق لا يقوم مقام أشهد لأجل التعبد بلفظ الشهادة ، ثم قال : إن نصه في المختصر والأم هنا : يعني في كتاب اللعان ظاهره اعتبار لفظ الشهادة ، ونصه في باب المرتد ظاهره يقتضي أن الإقرار بالشهادتين يكفي في حصول الإسلام ، فإن أجرى كل نص على ظاهره حصل في المسألة قولان . قال الأذرعي : قلت : والوجه عدم اشتراط لفظ الشهادة كما تضمن كلام الحليمي نقل الاتفاق عليه واقتضاه كلام القفال وغيره ، وهو قضية الأحاديث وكلام الشافعي في مواضع وكلام أصحابه والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة . انظر إلى { قوله لعمه أبي طالب يا عم قل : لا إله إلا الله } ولم يقل لفظ أشهد بل من جهة الاعتراف بالوحدانية والنبوة المستلزمة لصدق الرسول فيما جاء به كما بينه الإمام هنا ، ومنهم من قال : لا يحصل الإسلام إلا بالشهادتين ورأى ذلك بابا من التعبد ; حتى إذا قال المعطل لا إله إلا الله لم يحكم بإسلامه ما لم يقل محمد رسول الله ا هـ . وهذا استدراك على أنه لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حكم بإسلامه ، وأن المراد بالشهادتين ذلك لا أن يقول لفظ الشهادة فاعلمه ، ولا نزاع فيه ولا مرية ، ونص في المختصر في المشهود عليه بالردة قيل له قل لا إله إلا الله محمد رسول الله وجرى عليه الأصحاب ، وما روي في الأحاديث من لفظ الشهادة فليس المراد منه الإتيان بلفظ أشهد ، ومن وقف على طرق الأحاديث علم ذلك ا هـ كلام الأذرعي بحروفه . قلت : وفي الحديث الصحيح { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } . قال بعض شيوخنا : فإن قيل فكيف لم يذكر الرسالة ؟ فالجواب أن المراد المجموع وصار الجزء الأول علما عليه كما تقول قرأت { قل هو الله أحد } أي السورة كلها ا هـ . قلت : فظهر بذلك أن المراد من قولهم الشهادتان أو كلمة الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله لا أنه لا بد من لفظ أشهد كما تقدم ا هـ بحروفه ( قوله : ما لم يكن عيسويا ) قال ابن شهبة في شرحه : طائفة من اليهود منسوبون إلى أبي عيسى وإسحاق بن يعقوب الأصفهاني اليهودي كان في خلافة المنصور ، وكان يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى العرب خاصة ، وله كتاب وضع فيه الذبائح وخالف اليهود في أحكام كثيرة ( قوله : لا أن الردة لا تبطل ما مضى ) أي من الأعمال . أما الثواب فيبطل بالردة مطلقا عاد إلى الإسلام أو لا ( قوله : ذلك ) أي الأذان ( قوله : نعم قد يقبل خبره ) أي فإن قويت القرينة [ ص: 414 ] هنا على صدقه قبل خبره وقياس ما يأتي له في الصوم أن الكافر إن أخبر بدخول الوقت ووقع في القلب صدقه قبل وإلا فلا وأن الفاسق كذلك ( قوله : وشرطه أيضا الذكورة ) ظاهر إطلاقه اشتراط ذلك في أذان الصلاة وأذان غيرها من الأذان في أذن المولود وغيره مما مر ، ولو قيل بعدم اشتراطه في أذان غير الصلاة لم يكن بعيدا وقد تقدم ما فيه أيضا ( قوله : عقب أذانه ) لعله إنما قيد به للتنبيه على أنه إذا لم تبن حالا طلب الأذان من غيره لعدم الاعتداد بإذنه ظاهرا ، وليس المراد أنه إذا تبينت ذكورته بعد مدة لم يعتد بأذانه ( قوله : من قبل الإمام ) عبارة حج : ويشترط لصحة نصب نحو الإمام انتهى وهي صريحة في عدم الاعتداد بتوليته ، بخلاف قول الشارح ، ويشترط لجواز إلخ فإنه لا يقتضي ذلك ، إذ لا يلزم من عدم الجواز البطلان لكنه المتبادر منه لا سيما وقد صرحوا بأن الإمام إنما يفعل ما فيه مصلحة للمسلمين ومتى فعل خلاف ذلك لا يعتد بفعله ، وعلى ما أفهمه إطلاق الشارح من الاعتداد بتوليته فما الفرق بين ذلك وبين عدم صحة تولية الإمام إذا لم يكن أهلا لذلك ؟ ولعله أن الخلل في صلاة الإمام الذي يخشى من غير الأهل يبعد علم المأمومين به ، ولا كذلك المؤذن فإن أذانه قبل الوقت لو فرض يسهل علم الناس به فلا يقلدونه في أذانه ، ونقل عن م ر ما يوافق إطلاق شرحه من صحة توليته ( قوله : أو من له ولاية النصب شرعا ) كالناظر المفوض له ذلك من قبل الواقف ( قوله : وبه فارق التيمم والصلاة ) وقضية هذا الفرق أنه لو خطب للجمعة جاهلا بدخول الوقت فتبين أنه في الوقت أجزأه لعدم اشتراط نية الخطبة ، ويحتمل عدم الإجزاء لأن الخطبة أشبهت الصلاة . وقيل إنها بدل عن ركعتين انتهى حج رحمه الله . وقوله فتبين أن في الوقت أجزأه هو المعتمد

حاشية المغربي

[ ص: 413 - 414 ] قوله : وشرطه ) أي المؤذن المذكور في المتن بقطع النظر عما قدمه الشارح ( قوله : فلا يصح أذان غير الذكر ) أي للرجال ، والخناثى بخلافه للنساء بلا رفع صوت على ما مر فيجوز ولا يستحب ، ويكون ذكر الله تعالى كما ذكره حج ، [ ص: 415 ] وعليه فعدم الصحة في كلام الشارح على إطلاقه

التالي السابق


الخدمات العلمية