صفحة جزء
( ويختص ) وجوب الاستقبال ( بالتحرم ) فلا يجب فيما سواه لوقوع أول الصلاة بالشرط ثم يجعل ما بعده تابعا له { لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيثما وجهه ركابه } رواه أبو داود بإسناد حسن وليدخل فيها على أتم الأحوال .

واعلم أن النافلة المطلقة إذا تحرم فيها بعدد ثم نوى الزيادة عليه فهل يجب عليه الاستقبال عند النية نظرا إلى أنها إنشاء ، ولهذا إذا رأى الماء في أثناء النافلة ليس له أن يزيد في النية أم لا يجب نظرا للدوام ولأنهم لم يعطوها حكم الابتداء من كل الوجوه فإنه لا يشرع دعاء الاستفتاح بعد النية هذا مما تردد فيه النظر ، والأوجه عدم الوجوب ( وقيل يشترط في السلام أيضا ) ليحصل الاستقبال في طرفي الصلاة وهو ضعيف ، أما في غيرهما فالمذهب الجزم بأنه لا يجب فيه الاستقبال .

وفرق بين التحرم وغيره بأن الاحتياط حالة انعقادها أولى ، ومقتضى كلامهما فيما إذا كانت أنه لا يلزمه الاستقبال في غير التحرم وإن كانت واقفة أيضا .

قال في المهمات : وهو [ ص: 431 ] بعيد والقياس كما قاله ابن الصباغ أنه ما دام واقفا لا يصلي إلا إلى القبلة وهو متعين .

وفي الكفاية عن الأصحاب أنه لو وقف لاستراحة أو انتظار رفقة لزمه الاستقبال ما دام واقفا فإن صار أتم صلاته إلى جهة سفره إن كان سيره لأجل سير الرفقة ، وإن كان مختارا له بلا ضرورة لم يجز أن يسير حتى تنتهي صلاته ، لأنه بالوقوف لزمه فرض التوجه وفي شرح المهذب عن الحاوي نحوه انتهى .

وصورة المسألة كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى إذا استمر على الصلاة ، وإلا فالخروج من النافلة لا يحرم ، وله كما في الشرح المذكور أيضا أن يتمها بالإيماء ( ويحرم انحرافه عن ) صوب ( طريقه ) لصيرورته بدلا عن القبلة ( إلا إلى القبلة ) لو بركوبه مقلوبا فلا يضر لأنها الأصل ، وسواء أكانت عن يمينه أم يساره أم خلفه ، خلافا للأذرعي لكونه وصلة للأصل ، إذ لا يتأتى الرجوع إليه إلا به فيكون مغتفرا ، كما لو تغيرت نيته عن مقصده الذي صلى إليه وعزم أن يسافر إلى غيره أو الرجوع إلى وطنه فإنه يصرف وجهه إلى الجهة الثانية ويمضي في صلاته كما صرحوا به وتكون هي قبلته ، وإنما تكون الأولى قبلته ما لم تتغير العزيمة ، فإن انحرف إلى غيرها عامدا عالما ولو قهرا بطلت صلاته ، وإن عزم على العود إلى مقصده أو ناسيا أو لإضلاله الطريق أو جماح الدابة بطلت بانحرافه إن طال الزمن كالكلام الكثير ، وإلا فلا تبطل كاليسير سهوا ، ولكنه يسجد للسهو لأن عمد ذلك مبطل ، وفعل الدابة منسوب إليه كما جزم به ابن الصباغ وصححاه في الجماح والرافعي في الشرح الصغير في النسيان ونقله الخوارزمي فيه عن الشافعي .

وقال الإسنوي : تتعين الفتوى به لأنه القياس ، وجزم به ابن المقري في روضه وهو المعتمد وإن نقلا عن الشافعي عدم السجود وصححه المصنف في المجموع وغيره ، ولو انحرفت بنفسها بغير جماح وهو غافل عنها ذاكر للصلاة ففي الوسيط إن قصر الزمان لم تبطل ، وإلا فوجهان وأوجههما كما قاله الشيخ البطلان ، ولو خرج الراكب في معاطف الطريق أو عدل لزحمة أو غبار ونحوهما لم يضر ، [ ص: 432 ] وإن نوى الرجوع من سفره فلينحرف إليها فورا أخذا مما مر ، ولو كان لمقصده طريقان يمكنه الاستقبال في أحدهما فقط فسلك الآخر لا لغرض فهل له التنفل إلى غير القبلة ؟ يحتمل تخريجه على نظيره من القصر ويحتمل تجويزه له قطعا توسعة في النوافل وتكثيرا لها ، ولهذا جازت كذلك في السفر القصير وهذا أصح .

قال الأذرعي : ولم أر في ذلك شيئا وفارق منع القصر في نظيره بمزيد التوسعة في النوافل لكثرتها .


حاشية الشبراملسي

( قوله : يختص وجوب الاستقبال بالتحرم ) أي إن سهل ( قوله : وهو ضعيف ) لم يظهر للتنصيص على ضعفه حكمة فإن هذا معلوم من قاعدة المصنف فيما عبر عنه بقيل ، ويمكن رجوعه للتعليل ، وعبارة حج بعد قول المصنف أيضا كالتحرم لأنه طرفها الثاني .

ويرد بأنه يحتاط للخروج للانعقاد ما لا يحتاط للخروج ومن ثم وجب اقتران النية بالأول دون الثاني ا هـ وهي ظاهرة في رجوعه للتعليل ( قوله فالمذهب الجزم ) هذا قد يقتضي أن فيما بينهما خلافا أيضا وأن عدم الاشتراط طريقة قاطعة لكن عبارة المحلي ولا يشترط فيما بينهما جزما ا هـ .

وهي صريحة في نفي الخلاف ، فلعل مراد [ ص: 431 ] الشارح بالمذهب المنقول في كلامهم فليتأمل ( قوله : أنه ما دام واقفا ) أي طويلا على ما عبر به شارح ، وعليه يظهر أن المراد به ما يقطع تواصل السير عرفا ا هـ حج ( قوله : لا يصلي إلا إلى القبلة ) لكن لا يلزمه إتمام الأركان ا هـ حج : أي فيصلي بالإيماء ( قوله : وهو متعين ) معتمد ( قوله : أنه لو وقف لاستراحة ) سيأتي ما يوافقه عن المجموع وينبغي تقييده بما لو وقف طويلا أخذا من كلامه المذكور ( قوله : وصورة المسألة ) أي وجوب الإتمام للقبلة ( قوله أن يتمها بالإيماء ) أي وإن كانت واقفة كما تقدم عن حج ، وظاهره أنه لا فرق في الاكتفاء بالإيماء بين كونه عازما على السفر بسير الرفقة إن ساروا وبين عدمه ، وقد يتوقف في جواز الإيماء حيث أراد ترك السير قبل فراغ الصلاة إلا أن يقال اغتفر ذلك لما في الإتمام على الدابة أو النزول من المشقة ( قوله : خلافا للأذرعي ) أي في قوله : أو خلفه ، وما قاله الأذرعي هو الموافق لما قدمه في شدة الخوف من أنه إذا أمن واستدبر في نزوله بطلت صلاته ، وقد يفرق بأن ذاك حالة ضرورة وقد زالت وما هنا في النفل في السفر وقد توسعوا فيه ما لم يتوسعوا في غيره .

على أنه قد يقال الذي يستدبره هنا فيما لو كانت القبلة خلفه والتفت إليها هو مقصده وليس هو قبلة بل بدلها ، والذي استدبره في النزول في شدة الخوف هو القبلة وفرق ما بينهما ( قوله : لكونه وصلة ) أي طريقا ( قوله ولو قهرا ) أي بأن أكره ( قوله : وإن عزم على العود ) أي بعد الانحراف فلا يخالف ما مر ( قوله لم يضر ) أي ولا سجود عليه وإن [ ص: 432 ] خرج عن جهة مقصده ( قوله : فلينحرف إليها ) أي إلى الجهة التي قصد الرجوع إليها ( قوله : يحتمل تخريجه إلخ ) أي فيمتنع عليه ذلك

حاشية المغربي

( قوله : وهو ضعيف ) أي لا باطل كما قيل به وهذا وجه تنصيصه على أنه ضعيف مع فهمه من تعبير المصنف عنه بقيل ، ويجوز رجوعه للتعليل وفي التحفة ما يؤيده ( قوله : فالمذهب إلخ ) هذا مما لا خلاف فيه وإن أوهمه كلام الشارح [ ص: 431 ] قوله : أو الرجوع إلى وطنه ) انظر هو معطوف على ماذا ، ولعل لفظ على ساقط من النسخ عقب قوله عزم ( قوله : ولو قهرا ) في أخذه غاية للعمد وقفة

التالي السابق


الخدمات العلمية