صفحة جزء
[ ص: 187 ] كتاب النفقات وما يذكر معها

وأخرت إلى هنا لوجوبها في النكاح وبعده وجمعت لتعدد أسبابها الآتية النكاح والقرابة والملك ، وأورد عليها أسباب أخر ، ولا ترد لأن بعضها خاص وبعضها ضعيف من الإنفاق وهو الإخراج ، ولا يستعمل إلا في الخير كما مر .

والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع ، وبدأ بنفقة الزوجة لأنها أقوى لكونها في مقابلة التمكين من التمتع ولا تسقط بمضي الزمان فقال ( على موسر ) حر كله ( لزوجته ) ولو أمة كافرة ومريضة ( كل يوم ) بليلته المتأخرة عنه كما صرح به الرافعي في الفسخ بالإعسار ، والمراد بذلك من طلوع فجره ، ولا ينافيه ما يأتي عن الإسنوي فيما لو حصل التمكين عند الغروب لأن المراد منه كما هو ظاهر أنه يجب لها قسط ما بقي من غروب تلك الليلة إلى الفجر دون ما مضى من الفجر إلى الغروب ثم تستقر بعد ذلك من الفجر دائما ، وما يأتي عن البلقيني أنه لا يجب القسط مطلقا مردود وإن كان في كلام الزركشي ما قد يوافقه ( مدا طعام و ) على ( معسر ) ومنه كسوب وإن قدر زمن كسبه على مال واسع ومكاتب وإن أيسر لضعف ملكه ومبعض لنقصه ، وإنما جعلوه موسرا في الكفارة بالنسبة لوجوب الإطعام لأن مبناها على التغليظ : أي ولأن النظر للإعسار فيها يسقطها من أصلها ولا [ ص: 188 ] كذلك هنا ، وفي نفقة القريب احتياطا له لشدة لصوقه به وصلة لرحمه ، على أنه لو قيل اليسار والإعسار يتفاوت في أبواب الفقه لاختلاف مداركها لم يبعد ( مد ومتوسط مد ونصف ) ولو لرفيعة .

أما أصل التفاوت فلقوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته } وأما ذلك التقدير فبالقياس على الكفارة بجامع أن كلا مال .

وجب بالشرع ويستقر في الذمة ، وأكثر ما وجب فيها لكل مسكين مدان كفارة نحو الحلق في النسك ، وأقل ما وجب له مد في كفارة نحو اليمين والظهار وهو يكتفى به الزهيد وينتفع بالرغيب فلزم الموسر الأكثر والمعسر الأقل والمتوسط ما بينهما وإنما لم يعتبر شرف المرأة وضده لأنها لا تعير بذلك ولا الكفاية كنفقة القريب لأنها تجب للمريضة والشبعانة وما اقتضاه ظاهر خبر هند { خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } من تقديرها بالكفاية الذي ذهب إلى اختياره جمع من حيث الدليل وأطالوا القول فيه .

يجاب عنه بأنه لم يقدرها فيه بالكفاية فقط بل بها بحسب المعروف ، وحينئذ فما ذكروه هو المعروف المستقر في العقول كما هو واضح ، ولو فتح للنساء باب الكفاية من غير تقدير لوقع التنازع لا إلى غاية فتعين ذلك التقدير اللائق بالعرف فاتضح كلامهم ، واندفع قول الأذرعي لا أعرف لإمامنا رضي الله عنه سلفا في التقدير بالأمداد ، ولولا الأدب لقلت الصواب أنها بالمعروف تأسيا واتباعا ، ومما يرد عليه أيضا أنها في مقابله وهي تقتضي التقدير فتعين .

وأما تعين الحب فلأنها أخذت شبها من الكفارة من حيث كون كل منهما في مقابل وإن تفاوتوا في القدر ، لأنا وجدنا ذوي النسك متفاوتين فيه ، فألحقنا ما هنا بذلك في أصل التقدير ، وإذا ثبت أصله تعين استنباط معنى يوجب التفاوت وهو ما تقرر ( والمد ) الأصل في اعتباره الكيل وإنما ذكروا الوزن استظهارا أو إذا وافق الكيل كما مر ثم الوزن اختلفوا فيه ( مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم ) بناء على ما مر عن الرافعي في رطل بغداد ( قلت : الأصح مائة وأحد وسبعون ) درهما ( وثلاثة أسباع درهم ، والله أعلم ) بناء على الأصح السابق فيه ( ومسكين الزكاة ) المار ضابطه في باب قسم الصدقات هو ( معسر ) وفقيرها بالأولى ، ودعوى أن عبارته مقلوبة وصوابها والمعسر هو مسكين الزكاة مردودة .

ومما [ ص: 189 ] يبطل حصره ما مر أن ذا الكسب الواسع معسر هنا وليس مسكين زكاة فتعين ما عبر به لئلا يرد عليه ذلك ( ومن فوقه ) في التوسع بأن كان له ما يكفيه من المال لا الكسب ( إن كان لو كلف مدين ) كل يوم لزوجته ( رجع مسكينا فمتوسط وإلا ) بأن لم يرجع مسكينا لو كلف ذلك ( فموسر ) ويختلف ذلك بالرخص والغلاء ، زاد في المطلب : وقلة العيال وكثرتها ، حتى إن الشخص الواحد قد يلزمه لزوجته نفقة موسر ولا يلزمه لو تعددت إلا نفقة متوسط أو معسر ، ولو ادعت يسار زوجها وأنكر صدق بيمينه إن لم يعهد له مال وإلا فلا ، فإن ادعى تلفه ففيه تفصيل الوديعة ( والواجب غالب قوت البلد ) أي محل الزوجة من بر أو غيره كأقط كالفطرة وإن لم يلق بها ولا ألفته إذ لها إبداله .

( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( فإن اختلف ) غالب قوت محلها أو أصل قوته بأن لم يكن فيه غالب ( وجب لائق به ) أي بيساره أو ضده ، ولا عبرة بما يتناوله توسعا أو بخلا مثلا ( ويعتبر اليسار وغيره ) من التوسط والإعسار ( طلوع الفجر ) إن كانت ممكنة حينئذ ( والله أعلم ) لاحتياجها لطحنه وعجنه وخبزه ، ويلزمه الأداء عقب طلوعه إن قدر بلا مشقة لكنه لا يخاصم ، فإن شق عليه فله التأخير على العادة ، أما الممكنة بعده فيعتبر حاله عقب التمكين ( وعليه ) أي الزوج ( تمليكها ) يعني أن يدفع إليها إن كانت كاملة وإلا فلوليها وسيد غير المكاتبة ولو مع سكوت الدافع والأخذ بل الوضع بين يديها كاف ( حبا ) سليما إن كان واجبه كالكفارة ولأنه أكمل في النفع فتتصرف فيه كيف شاءت ( وكذا ) عليه بنفسه أو نائبه وإن اعتادت فعل ذلك بنفسها ( طحنه ) وعجنه ( وخبزه في الأصح ) للحاجة إليها .

والثاني لا يلزمه ذلك كالكفارات ، وفرق الأول بأنها في حبسه حتى لو باعته أو أكلته حبا استحقت مؤن ذلك في أوجه احتمالين ، ويوجه بأنه بطلوع [ ص: 190 ] الفجر تلزمه تلك المؤن فلم تسقط بما فعلته ، وكذا عليه مؤنة اللحم وما يطبخ به أي وإن أكلته نيئا أخذا مما ذكر ( ولو طلب أحدهما بدل الحب ) مثلا من نحو دقيق أو قيمة بأن طلبته هي أو بذله هو فذكر الطلب فيه للتغليب أو لكون بذله متضمنا لطلبه منها قبول ما بذله ( لم يجبر الممتنع ) لأنه اعتياض وشرطه التراضي ( فإن اعتاضت ) عن واجبها في اليوم نقدا أو عرضا من الزوج لا غيره كما قاله ابن المقري وإن اعترضه الشارح بالجواز من غيره أيضا بناء على الأصح أنه يجوز بيع الدين لغير من عليه ( جاز في الأصح ) كالقرض بجامع استقرار كل في الذمة لمعين ، فخرج بالاستقرار المسلم فيه والنفقة المستقبلة كما جزما به ، ونقله غيرهما عن الأصحاب لأنها معرضة للسقوط ( إلا خبزا ودقيقا ) ونحوهما فلا يجوز أن يتعوضه عن الحب الموافق له جنسا ( على المذهب ) لأنه ربا ، ونقل الأذرعي مقابله عن كثيرين ، ثم حمل الأول على ما إذا وقع اعتياض بعقد .

والثاني على ما إذا كان مجرد استيفاء .

قال : وهو المختار وعليه العمل قديما وحديثا والمعتمد الإطلاق وإن زعم أنه يؤيده قولهم ( ولو أكلت ) مختارة عنده ( معه على العادة ) أو وحدها أو أضافها شخص إكراما له ( سقطت نفقتها ) إن أكلت قدر الكفاية وإلا رجعت بالتفاوت كما رجحه الزركشي وقطع به ابن العماد ، قال : وتصدق هي في قدر ما أكلته لأن الأصل عدم قبضها ما نفته ( في الأصح ) لإطباق الناس عليه في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده ولم ينقل خلافه ولم يبين أن لهن الرجوع ولم يقض ذلك من تركة من مات .

والثاني لا تسقط لأنه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره [ ص: 191 ] ( قلت إلا أن تكون ) قنة أو ( غير رشيدة ) لصغر أو جنون أو سفه وقد حجر عليها بأن استمر سفهها المقارن للبلوغ أو طرأ وحجر عليها وإلا لم يحتج لإذن الولي ( ولم يأذن ) سيدها المطلق التصرف وإلا فوليه أو ( وليها ) في أكلها معه فلا تسقط قطعا لتبرعه فلا رجوع له عليها بشيء من ذلك إن كان غير محجور عليه ، وإن قصد به جعله عوضا عن نفقتها وإلا فلوليه ذلك كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ومثل نفقتها فيما ذكر كسوتها ( والله أعلم ) واستشكال ذلك بإطباق السلف السابق إذ لا استفصال فيه مردود بأن غايته أنه كالوقائع الفعلية وهي تسقط بالاحتمالات ، فاندفع أخذ البلقيني من قضيته سقوطها بأكله معه مطلقا ، واكتفى بإذن الولي مع أن قبض غير المكلفة لغو لأن الزوج بإذنه يصير كالوكيل في إنفاقه عليها ، وظاهر أن محله حيث كان لها حظ فيه وإلا لم يعتد بإذنه فيرجع عليه بما هو مقدر لها .

ولو اختلف الزوجان فقالت قد قصدت التبرع فقال بل قصدت كونه عن النفقة صدق بيمينه كما لو دفع لها شيئا ثم ادعى كونه عن المهر وادعت هي الهدية ( ويجب ) لها ( أدم غالب البلد ) أي محل الزوجة نظير ما مر في القوت ، ومن ثم يأتي هنا ما مر في اختلاف الغالب ولم يعتبر ما يتناوله الزوج ( كزيت ) بدأ به لخبر أحمد والترمذي وغيرهما { كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة } وفي رواية للحاكم { فإنه طيب مبارك } ( وسمن وجبن وتمر ) لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها لأن الطعام لا ينساغ غالبا إلا به ، وبحث الأذرعي أنه إذا كان القوت نحو لحم أو لبن اكتفى به في حق من يعتاد اقتياته وحده ، ويجب لها أيضا ماء تشربه كما أفهمه قوله آلات أكل وشرب ، لأنه إذا وجب الظرف وجب المظروف ، وأما قدره فقال الزركشي والدميري : الظاهر أنه الكفاية ، قالا : ويكون إمتاعا لا تمليكا حتى لو مضت عليه مدة ولم تشربه لم تملكه ، وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحا وخواصها عذبا وجب ما يليق بالزوج ا هـ لكن مقتضى كلام الشيخين وغيرهما أنه تمليك وهو المعتمد ( ويختلف ) الأدم ( بالفصول ) الأربعة فيجب في كل فصل ما يعتاد الناس فيه حتى الفواكه فتكفي عن الأدم كما اقتضاه كلامهما .

نعم يتجه كما بحثه الأذرعي الرجوع فيه للعرف وأنه يجب من [ ص: 192 ] الأدم ما يليق بالقوت ، بخلاف نحو خل لمن قوتها التمر وجبن لمن قوتها الأقط ( ويقدره ) كاللحم الآتي ( قاض باجتهاده ) عند تنازعهما إذ لا توقيت فيه ( ويفاوت ) فيه قدرا وجنسا ( بين موسر وغيره ) فيفرض ما يليق بحاله وبالمد أو المدين أو المد والنصف وتقدير الشافعي بمكيلة سمن أو زيت حملوه على التقريب وهي أوقية ، وقدرها بعضهم بأربعين درهما لا بوزن بغداد لأنها لا تغني عنها شيئا ، وإنما نص على الدهن لأنه أكمل الأدم وأخفه مؤنة ، ولو تبرمت بجنس من الأدم الواجب لها لم يبدل لرشيدة إذ لها إبداله بغيره وصرفه للقوت وعكسه ، وقيل له منعها من إبدال الأشرف بالأخس ويتعين اعتماده إن أفضى إلى نقص تمتع بها كما يؤخذ مما يأتي آخر الفصل ، ويعلم مما ذكر أن له منعها من ترك التأدم بالأولى ، أما غير رشيدة ليس لها من يقوم بإبداله فيبدله الزوج لها كما بحثه الأذرعي والأوجه كما بحثه أيضا وجوب سراج لها أول الليل في محل جرت العادة باستعماله فيه ولها إبداله بغيره ( و ) يجب لها ( لحم ) يقدره الحاكم عند تنازعهما باجتهاده معتبرا في قدره وجنسه وزمنه ( ما يليق بيساره وإعساره ) وتوسطه ( كعادة البلد ) أي محل الزوجة في أكله ونوعه وقدره وزمنه كما هو ظاهر من غير تقدير بشيء إذ لا توقيف فيه .

وما نقل عن النص من تقديره برطل : أي بغدادي على معسر في كل أسبوع : أي ويوم الجمعة أولى لأنه أحق بالتوسيع جرى على عادة أهل مصر قديما لعزة اللحم عندهم يومئذ ومن ثم تعتبر عادة أهل القرى من عدم [ ص: 193 ] تناولهم له إلا نادرا وعادة أهل المدن رخصا وغلاء ، وقربه البغوي بقوله على موسر كل يوم رطل ومتوسط كل يومين أو ثلاثة ومعسر كل أسبوع ، وقول طائفة لا يزاد على ما مر عن النص لأن فيه كفاية لمن قنع مردود ، وبحث الشيخان عدم وجوب أدم يوم اللحم ولهما احتمال بوجوبه على الموسر إذا أوجبنا عليه اللحم ليكون أحدهما غداء والآخر عشاء ، واعتمد الأذرعي وغيره الأول ، والأقرب حمله على ما إذا كان كافيا للغداء والعشاء والثاني على خلافه ( ولو كانت تأكل الخبز وحده وجب الأدم ) ولم ينظر لعادتها لما مر أنه من المعاشرة بالمعروف


حاشية الشبراملسي

[ ص: 187 ] كتاب النفقات

( قوله : وما يذكر معها ) كالفسخ بالإعسار الآتي ( قوله : وبعده ) كأن طلقت وهي حامل أو كان الطلاق رجعيا ( قوله : كما مر ) أي في باب الحجر ( قوله حر كله ) مبتدأ وخبر ويجوز جر حر نعتا لموسر ( قوله : ومنه ) أي المعسر ( قوله : على مال واسع ) أي وهو معسر في الوقت الذي لا مال بيده فيه وإن كان لو اكتسب حصل مالا كثيرا وموسر حيث اكتسب وصار بيده مال وقت طلوع الفجر ، وفي سم ما نصه : قوله ومنه كسوب : أي قادر على المال بالكسب ، فإن حصل مالا منه نظر فيه باعتبار ما يأتي في قوله ومسكين الزكاة معسر إلخ بأنه قد يكون معسرا وقد يكون غيره ( قوله وإنما جعلوه ) أي المبعض ( قوله : لأن مبناها ) أي الكفارة ( قوله : يسقطها ) [ ص: 188 ] أي قد يسقطها وإلا فالإعسار في كفارة اليمين ينتقل معه للصوم ( قوله : على أنه لو قيل إلخ ) هذا الاستدراك مستفاد من الفرق الذي ذكره ( قوله : يتفاوت ) أي كل منهما .

( قوله : لم يبعد ) أي ومع ذلك لا يستغنى عما ذكره من التوجيه لأنه أشار به إلى الحكمة في التفرقة بين أحوال المبعض يسارا وإعسارا باختلاف هذه الأبواب ( قوله : ولو لرفيعة ) أي رفيعة النسب ( قوله : وهو يكتفي به الزهيد ) أي قليل الأكل ( قوله : لا أعرف لإمامنا رضي الله عنه سلفا ) لم يظهر مما ذكره رد لما قال الأذرعي فإنه إنما قال لا أعرف لإمامنا سلفا ولم يقل لا أعرف له وجها فلا يتم الرد عليه إلا إذا نقل عمن تقدم على إمامنا ما يوافق ما قاله وهو لم يذكر ذلك ( قوله أنها في مقابله ) أي الشيء وهو التمتع ( قوله المار ضابطه ) أي بأنه الذي له مال أو كسب يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه [ ص: 189 ] قوله معسر هنا ) أي عند عدم اكتسابه كما قدمناه ( قوله : كل يوم لزوجته ) قد يتوهم منه أنه لو كان معه مال يقسط على بقية غالب العمر فإن كان لو كلف في كل يوم منه مدين رجع معسرا كان متوسطا وإلا فلا وليس مرادا بل الظاهر ما قاله سم على حج من قوله قال في شرح البهجة : تنبيه : قال الزركشي : يبقى الكلام في الإنفاق الذي لو كلف به لوصل إلى حد المسكين وقضية كلام النووي وصرح به غيره أنه الإنفاق في الوقت الحاضر معتبرا يوما بيوم إلى آخر ما أطال به فليراجع ، وقضيته أن الشخص قد يكون في يوم موسرا وفي آخر غيره ( قوله : وقلة العيال ) والظاهر أن المراد بهم من تلزمه نفقتهم من زوجة وخادمها وأم ولد وما كان ضروريا له كخادمه الذي يحتاج إليه أخذا مما يأتي من أن نفقة القريب يشترط فيها الفضل عمن ذكر .

( قوله : غالب قوت البلد ) أي وقت الوجوب إن قدر بلا مشقة وحينئذ يأثم بعدم الأداء مع المطالبة مر ا هـ سم على حج ( قوله : لكنه لا يخاصم ) أي فليس لها الدعوى عليه وإن جاز للقاضي أمره بالدفع إذا طلبت من باب الأمر بالمعروف ا هـ سم على حج ( قوله : يعني أن يدفع إلخ ) قال في شرح الروض : بأن يسلمه لها بقصد أداء ما لزمه كسائر الديون من غير افتقار إلى لفظ ا هـ .

وقضية قوله كسائر الديون اعتبار القصد فيها وتقدم بسطه في باب الضمان ا هـ سم على حج .

وكتب أيضا لطف الله به قوله يعني أن يدفع إلخ كأنه يشير به إلى عدم اعتبار الإيجاب والقبول في براءة ذمته من النفقة ( قوله : طحنه ) أي إن أرادته منه وإلا فالواجب لها أجرة ذلك بدليل قوله بعد حتى لو باعته أو أكلته حيا استحقت إلخ [ ص: 190 ] قوله : مؤنة اللحم ) وقياس وجوب أجرة الخبز وجوب أجرة الطبخ وقد تصدق المؤنة به وسيأتي ذلك عن سم على حج ( قوله : وما يطبخ به ) أي من قلقاس ونحوه من الحطب الذي يوقد به والتوابل التي يصلح بها على العادة ( قوله من نحو دقيق ) ينبغي حمله على ما إذا كان من غير جنس الحب الواجب لما يأتي من عدم جواز اعتياض الدقيق عن الحب حيث كان من جنسه سواء كان بعقد أو لا ( قوله : فإن اعتاضت عن واجبها ) أي يوم الاعتياض ، أما الاعتياض عن النفقة الماضية فيجوز من الزوج وغيره بناء على جواز بيع الدين لغير من هو عليه وهو المعتمد ا هـ سم على حج ( قوله : وإن اعترضه الشارح ) أي لكلام ابن المقري ( قوله : ونقل الأذرعي مقابله ) أي وهو الجواز الذي قطع به بعضهم كما صرح به المحلي ( قوله : قال وهو المختار ) أي الفرق بين كونه بعقد أو لا ( قوله : ولو أكلت ) خرج به ما لو أطلقته قبل قبضها له فلا يسقط وتضمن ما أتلفته ولو سفيهة ، أما لو أتلفته بعد قبضه ولو من غير الجنس فلا رجوع لها بشيء وتسقط نفقتها ( قوله إكراما له ) أي وحده ، فإن كان لهما فينبغي سقوط النصف أو لها لم يسقط شيء ( قوله : وإلا رجعت بالتفاوت ) أي ويعرف ذلك بعادتها في الأكل بقية الأيام .

[ فرع ] وقع السؤال في الدرس هل يجب على الرجل إعلام زوجته بأنها لا تجب عليها خدمته مما جرت به العادة من الطبخ والكنس ونحوهما مما جرت به عادتهن أم لا ؟ وأجبنا عنه بأن الظاهر الأول لأنها إذا لم تعلم بعدم وجوب ذلك ظنت أنه واجب وأنها لا تستحق نفقة ولا كسوة إن لم تفعله فصارت كأنها مكرهة على الفعل ومع ذلك لو فعلته ولم يعلمها فيحتمل أنه لا يجب لها أجرة على الفعل لتقصيرها بعدم البحث والسؤال عن ذلك ( قوله : ولم يبين ) [ ص: 191 ] بيان لعدم نقل خلافه ( قوله : وإلا فلوليه ) أي بأن كان محجورا عليه ( قوله : مطلقا ) أي رشيدة أو سفيهة ( قوله : فيرجع عليه ) قال سم على حج : ويكون ذلك كما لو لم يأذن ، وقياس ذلك أنه لا رجوع عليها إن كان غير محجور عليه ، والظاهر عدم رجوعه على الولي أيضا إذ غاية ما يتخيل منه مجرد التغرير وهو لا يوجب شيئا ا هـ .

وقوله لا رجوع عليها قد يقال القياس الرجوع لأنه لم يدفع مجانا وإنما دفع ليسقط عنه ما وجب عليه فهو معاوضة فاسدة ، والمقبوض بها مضمون على من وقع العوض في يده ، اللهم إلا أن يفرض كلامه فيما لو كان الزوج عالما بفساد إذن الولي ، أو يقال لما لم يكن منها معاقدة والشرط إنما هو بينه وبين الولي ألغي فعلها وعد دفعه لها تبرعا لتقصيره ( قوله : نحو لحم ) وينبغي أن يجب لها مؤنة نحو طبخ اللحم ا هـ سم على حج ( قوله : أو لبن ) أي وينبغي أن تعطى قدرا يتحصل منه مدان مثلا من الأقط كما قيل بمثله في زكاة الفطر إذا كانوا يقتاتون اللبن أن الواجب من اللبن ما يتحصل منه صاع من الأقط ( قوله ويكون ) أي الماء ( قوله : لا تمليكا ) ولعل الفرق بينه وبين المأكول تفاهته ( قوله : أنه تمليك ) أي الماء ( قوله : وهو المعتمد ) وعليه فينبغي أن يملكها ما يكفيها غالبا ( قوله : فتكفي عن الأدم ) أي إن اعتيد الاكتفاء بها عن الأدم ( قوله : نعم يتجه كما بحثه الأذرعي الرجوع فيه للعرف ) . [ ص: 192 ]

[ تنبيه ] ينبغي أن يجب نحو القهوة إذا اعتيدت ونحو ما تطلبه المرأة عند ما يسمى بالوحم من نحو ما يسمى بالملوحة إذا اعتيد ذلك ، وأنه حيث وجبت الفاكهة والقهوة ونحو ما يطلب عند الوحم يكون على وجه التمليك ، فلو فوته استقر لها ولها المطالبة به ، ولو اعتادت نحو اللبن والبرش بحيث يخشى بتركه محذور من تلف نفس ونحوه لم يلزم الزوج لأن هذا من باب التداوي فليتأمل مر .

[ تنبيه ] يؤخذ من قاعدة الباب وإناطته بالعادة وجوب ما يعتاد من الكعك في عيد الفطر واللحم في الأضحى ، لكن لا يجب عمل الكعك عندها بأن يحضر إليها مؤنة من الدقيق وغيره ليعمل عندها إلا إن اعتيد ذلك لمثله فيجب ، فإن لم يعتد ذلك لمثله بل اعتيد لمثله تحصيله لها بأي وجه كان فيكفي تحصيله لها بشراء أو غيره ، ولا يجب الذبح عندها حيث لم يعتد ذلك لمثله ، بل يكفي أن يأتي لها بلحم بشراء أو غيره على العادة ، حتى لو كان له زوجتان فعمل الكعك عند إحداهما لها وذبح عندها واشترى للأخرى كعكا أو لحما كان جائزا بحسب العادة مر ا هـ سم على حج وقياس ما ذكره في الكعك ولحم الأضحية وجوب ما جرت به العادة في مصرنا من عمل الكشك في اليوم المسمى بأربعاء أيوب وعمل البيض في الخميس الذي يليه والطحينة بالسكر في السبت الذي يليه والبندق الذي يؤخذ في رأس السنة لما ذكر من العادة ( قوله : وهي أوقية ) أي بالحجاز كما يعلم من قوله وقدرها بعضهم ( قوله : لأنها لا تغني ) أي لا تنفع ، وقوله عنها : أي المرأة ، وقوله شيئا : أي حاجة ( قوله وإنما نص على الدهن ) أي في قوله كزيت إلخ لأنها من الأدهان ( قوله : ولو تبرمت ) أي تضجرت ( قوله : جرت العادة باستعماله ) أي بخلاف ما إذا جرت العادة بعدم استعماله أصلا كمن تنام صيفا بنحو سطح ، وقضية التقييد بأول الليل أنه لو جرت عادة بالسراج جميع الليل لا يجب .

ويمكن توجيه عدم وجوبه بأنه خلاف السنة إذ هي إطفاؤه قبل النوم للأمر به ، وقد يقال الأقرب وجوبه عملا بالعادة وإن كان مكروها كوجوب الحمام لمن اعتادته مع كراهة دخوله للنساء ( قوله : ولها إبداله ) أي السراج ، وقوله بغيره : أي بأن تصرفه لغير السراج ا هـ حج .

وظاهره وإن أضر به ترك السراج ، [ ص: 193 ] ويوجه بأنها المقصودة بالسراج وقد رضيت به فإن أراده لنفسه هيأه ( قوله : واعتمد الأذرعي وغيره الأول ) هو قوله وبحث الشيخان إلخ ( قوله : وجب الأدم ) ومثله كما هو ظاهر عكسه بأن كانت تأكل الأدم وحده فيجب الخبز : أي بأن يدفع لها الحب ، ولا ينافي ذلك ما لو كان قوتهم الغالب اللحم والأقط مثلا فإنه لا يجب غيره كما هو ظاهر لأن ما هنا قوته الحب وهو يحتاج للأدم فوجبا ، وكذا يقال في عكسه الذي ذكر بأن يقال هو فيمن قوته الأدم وهو يحتاج للخبز ا هـ سم على حج

حاشية المغربي

[ ص: 187 ] كتاب النفقات ( قوله : أسباب أخر ) كالهدي والأضحية المنذورين والعبد الموقوف ( قوله : ; لأن بعضها خاص ) انظر ما معنى الخصوص ( قوله : وبعضها ضعيف ) أي كالعبد الموقوف ( قوله : يسقطها من أصلها ) أي من حيث المال ويرجع إلى الصوم فهو في كفارة اليمين ، وما في حاشية الشيخ من أنه في كفارة نحو الظهار يقال عليه إن الإعسار فيها لا يسقط الإطعام الذي هو آخر المراتب بل يستقر في ذمته كما مر . واعلم أن ظاهر سياق الشارح أن قوله ولأن النظر للإعسار إلخ . تعليل ثان ، وقد يقال عليه أي محذور يترتب على إسقاطها من أصلها بالمعنى المار ، وكان الظاهر أن يكون النظر المذكور من تتمة التعليل الذي قبله إذ سقوطها من أصلها ينافي التغليظ كما هو ظاهر ، فإن كان [ ص: 188 ] هذا هو المراد فكان ينبغي إسقاط لفظ لأن بأن يقول والنظر إلخ . ( قوله : وفي نفقة القريب ) أي ، وإنما جعلوه موسرا في نفقة القريب إلخ . ( قوله : ويستقر في الذمة ) أي في الجملة إذ هذا ليس إلا في نفقة الزوجة .

( قوله : واندفع قول الأذرعي لا أعرف لإمامنا إلخ . ) أي اندفع بالنظر إلى آخر الكلام الذي هو قوله : ولولا الأدب لقلت إلخ . وأما أول الكلام الذي هو قوله : لا أعرف لإمامنا رضي الله عنه سلفا بالتقدير بالأمداد فالشارح مسلمه له كما لا يخفى فاندفع ما في حاشية الشيخ ( قوله : وتفاوتوا في القدر إلخ . ) انظر هل يغني عنه قوله : فيما مر : أما أصل التفاوت إلخ . وقوله : وأما ذلك التقدير إلخ . ( قوله : ; لأنا وجدنا ذوي النسك متفاوتين ) لا يخفى أن دون النسك لا يتفاوتون في القدر لأن الواجب على المعسر هو الواجب على الموسر ، وإنما التفاوت باعتبار الموجب بالنظر لكل شخص على حدته ، بخلاف ما هنا فإنا راعينا حال الشخص ، فأوجبنا على الموسر ما لم نوجبه على المعسر مع اتحاد الموجب فلا جامع بين ما هنا وما تقرر في ذوي النسك .

( قوله : ودعوى أن عبارته مقلوبة إلخ . ) قد يقال : إن هذه الدعوة هي التي تنبغي [ ص: 189 ] حتى لا يلزم خلو المتن عن بيان المعسر وعدم تمام الضابط الذي هو مراد المصنف بلا شك ، وأما الكسوب الذي أورده فهو وارد على المصنف بكل تقدير ولهذا احتاج هو إلى استثنائه من قول المصنف ومن فوقه ما قرره ( قوله : ; لاحتياجها لطحنه إلخ . ) هذا إنما يظهر علة للزوم الأداء عقب الفجر الذي ذكر هو بعد لا لاعتبار اليسار [ ص: 190 ] وغيره طلوع الفجر كما لا يخفى ، وعلل الجلال بقوله لأنه الوقت الذي يجب فيه التسليم ( قوله : وكذا عليه مؤنة اللحم ) أي من الأفعال كالإيقاد تحت القدر ووضع القدر وغسل اللحم ونحو ذلك كما هو قضية التشبيه ، وقوله : أي وما يطبخ به ، أي من الأعيان كالأرز والتوابل والأدهان والوقود ( قوله : يؤيده ) أي كلام الأذرعي ( قوله : عنده ) يعني : من طعامه كما يقال فلان يأكل من عند فلان ، وإلا لم يكن في بيته ( قوله : أو أضافها شخص ) معطوف على عنده [ ص: 191 ] قوله : ولو اختلف الزوجان ) أي الرشيدان كما هو ظاهر ( قوله : بل قصدت كونه عن النفقة ) انظر هل قصد كونه عن النفقة معتبر في سقوطها عنه ، وظاهر ما مر أنه غير معتبر ، فإن كان كذلك فكان ينبغي أن يقول هنا فقال لم أقصد التبرع ليشمل حالة الإطلاق فليراجع . [ ص: 192 ]

( قوله : بأربعين درهما ) أي وهي وزن الحجاز ( قوله : لا بوزن بغداد ) وهو اثنا عشر درهما تقريبا ( قوله : في أكله ) [ ص: 193 ] لعل المراد في كيفيته من كونه مطبوخا أو مشويا أو نحو ذلك فليراجع ( قوله : وقربه البغوي إلخ . ) اعلم أن كلام البغوي المذكور إنما هو تقريب لحالة الرخص خاصا كما أفصح به الجلال المحلي . ثم قال : وفي وقت الغلاء في أيام مرة على ما يراه الحاكم . ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية