صفحة جزء
[ ص: 309 ] ( فصل ) في موجب العمد وفي العفو ( موجب ) بفتح الجيم ( العمد ) المضمون في نفس أو غيرها ( القود ) بعينه ، وهو بفتح الواو القصاص سمي به ; لأنهم يقودون الجاني بحبل أو نحوه ( والدية ) في النفس ، وأرش غيرها ( بدل ) عنه وما اعترض به من أن قضية كلام الإمام الشافعي والأصحاب وصرح به الماوردي في قود النفس أنها بدل ما جني عليه وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة وليس كذلك رد بأن الخلاف في ذلك لفظي لاتفاقهم على أن الواجب هو دية المقتول فلم يبق لذلك الخلاف كبير فائدة ويمكن توجيه الأول بأن القود لما وجب عينا كان كحياة نفس القتيل فكان أخذ الدية في الحقيقة بدلا عنه لا عنها ولا يلزم عليه ما ذكر لما تقرر أنه كحياة القتيل ( عند سقوطه ) بنحو موت أو عفو عنه عليها ( وفي قول ) موجبه ( أحدهما مبهما ) هو مراده بقول أصله لا بعينه الظاهر في أن الواجب هو القدر المشترك في ضمن : أي معين منهما ، ويدل له خبر الصحيحين { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إما أن يودى وإما أن يقاد } وقد يتعين القود ولا دية كما مر في قتل مرتد مرتدا آخر ، وفيما لو استوفى ما يقابل الدية ، ولم يبق إلا حز الرقبة ، وقد تتعين الدية كما لو قتل الوالد ولده أو المسلم ذميا وقد لا يجب إلا التعزير والكفارة كما في قتل السيد قنه ( وعلى القولين للولي ) يعني المستحق ( عفو ) عن القود في نفس أو طرف ( على الدية ) أو نصفها مثلا ( بغير رضا الجاني ) لأنه مستوفى منه كالمحال عليه والمضمون عنه .

ولأحد المستحقين العفو بغير رضا الباقين [ ص: 310 ] لعدم تجزي القود ، ولذا لو عفا عن بعض أعضاء الجاني سقط عن كله ، كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ، ومنه يؤخذ أن كل ما وقع الطلاق بربطه به من غير الأعضاء يقع العفو بربطه به وما لا فلا ، وقياس قولهم : لو قال له الجاني خذ الدية عوضا عن اليمين فأخذها ولو ساكتا سقط القود وجعل الأخذ عفوا كما مر يأتي نظيره هنا ( وعلى الأول ) الأظهر ( لو أطلق العفو ) عن القود ، ولم يتعرض للدية ، ولا اختارها بعده فورا ( فالمذهب لا دية ) ; لأن القتل لم يوجبها ، والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم ، وأما قوله تعالى { فاتباع } أي للمال فمحمول على العفو عليها ، فإن اختارها بعده على الفور وجبت تنزيلا لاختيارها عقبه منزلته عليها بقرينة المبادرة إليها ، والأوجه ضبط الفورية هنا بما مر في البيع ، ولو عفا بعض المستحقين وأطلق سقطت حصته ووجب حصة الباقين من الدية وإن لم يختاروها ; لأن السقوط حصل قهرا كقتل الأصل فرعه ، ولو تعذر ثبوت المال كقتل أحد قنيه الآخر فعفا عن القود أو عن حقه أو موجب جنايته ، ولو بعد العتق لم يثبت له عليه مال جزما ، وفي قول أو وجه من طريق تجب لأنها بدله .

والأول يمنع البدلية في هذه الصورة ( و ) على الأول أيضا ( لو عفا عن الدية لغا ) ; لأنه عفو عما ليس مستحقا فهو فيها لغو كالمعدوم ( وله العفو ) عن القود ( بعده ) وإن تراخى ( عليها ) ; لأن حقه لم يتغير بالعفو ; إذ اللاغي عدم ، ولو اختار القود ثم الدية وجبت مطلقا ( ولو عفا على غير جنس الدية ثبت ) ذلك الغير على القولين ، ولو أكثر من الدية ( إن قبل الجاني ) ذلك وسقط القود ( وإلا فلا ) يثبت ; لأنه اعتياض واعتبر رضاهما ( ولا يسقط القود في الأصح ) لما تقرر وليس كالصلح على عوض فاسد ; لأن الجاني فيه قبل والتزم . والثاني يسقط لرضاه بالصلح عنه


حاشية الشبراملسي

[ ص: 309 ] فصل ) في موجب العمد

( قوله : وفي العفو ) وفيما يتبع ذلك ككون القطع هدرا فيما لو قال رشيد اقطعني

( قوله : العمد المضمون ) أخرج الصائل والمراد بالمضمون المستوفي للشروط ( قوله : وأرش غيرها ) قضيته أن واجب ما دون النفس لا يسمى دية ، ويوافقه قول القاموس الدية بالكسر حق القتيل ، وسيأتي في أول الكتاب الآتي ما نصه وهي أي الدية المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها ا هـ .

وقد يقال هذا إطلاق لغوي وما سيأتي إطلاق شرعي

( قوله : أنها ) أي الدية ، وقوله بدل ما جني عليه وهو القتيل رجلا كان أو امرأة : أي لا بدل القود

( قوله : على أن الواجب ) قد يتوقف في الرد لأن مجرد اتفاقهم على ذلك لا يدفع الاعتراض ; لأن غرض المعترض أن التعبير بالقود يقتضي ما ذكره المعترض بالنظر للتعبير مع كونه قائلا بأن الواجب دية الرجل

( قوله : ويمكن توجيه الأول ) أي وهو أن موجب العمد القود : يعني يمكن توجيهه بحيث يندفع ما ألزم به من أنه لو كان كذلك لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة ، وحاصل الدفع أن القود كحياة نفس القتيل للزومه عينا فالدية بدل عن نفس القتيل فلم يلزم ما ذكر

( قوله : بدلا عنه ) أي الرجل لا عنها : أي المرأة ( قوله : بنحو موت ) أي أو وجود مانع من القتل كقتل الأصل فرعه

( قوله : هو مراده ) أي بهذا القول

( قوله : إما أن يودى ) أي له بأن تدفع له الدية أو يقاد : أي له

[ ص: 310 ] قوله : لعدم تجزي القود ) متعلق بمحذوف : أي ويسقط بالعفو القصاص لعدم إلخ

( قوله : من غير الأعضاء ) أي قياسا على الأعضاء كالقلب ( قوله : وجعل الأخذ عفوا ) عبارة ابن حجر بعد قوله عفوا ما نصه : أنه يأتي نظير ذلك هنا ا هـ ، ولم يذكر قوله كما مر ( قوله : يأتي نظيره هنا ) أي فلو قال الجاني للمستحق : خذ الدية بدل القود فأخذها ولو ساكتا سقط حقه منه لرضاه ببدله ( قوله : والعفو إسقاط ثابت ) أي وإن لم يرضوا بعفوه

( قوله : بما مر في البيع ) أي وهو أن لا يتخلل كلام أجنبي ولا سكوت طويل ا هـ حج

( قوله : ولو عفا بعض المستحقين وأطلق ) أي بأن لم يذكر مالا ولا اختاره عقبه بقرينة ما يأتي

( قوله : ولو بعد العتق ) أي للجاني ، وظاهره أن العفو بعد العتق

( قوله : وله العفو عن القود بعده ) أي بعد العفو عن الدية

( قوله : إذ اللاغي عدم ) أي الشيء اللاغي عدم : أي كالعدم فكأنه لم يوجد منه ابتداء سوى العفو عن القصاص

( قوله : وجبت مطلقا ) أي عقب اختياره أو بعد مدة ( قوله : لأن الجاني فيه ) أي في الصلح على عوض فاسد

حاشية المغربي

[ ص: 309 ] فصل ) في موجب القود وفي العفو ( قوله : بدلا عنه ) أي عن القود الذي قاله المصنف ، وقوله : لا عنها : أي نفس القتيل الذي اقتضاه كلام الشافعي والأصحاب ، وهذا أولى بما في حاشية الشيخ ( قوله : هو مراده بقول أصله ) صوابه ما في التحفة مراده به قول أصله ( قوله : الظاهر في أنه القدر المشترك ) أي بخلاف المبهم فإنه صادق بكونه معينا في الواقع لكن لم يتبين في الظاهر ، قاله ابن قاسم ( قوله : والكفارة ) قد يوهم أن ما مر لا كفارة فيه وليس مرادا ( قوله : بغير رضا الباقين ) [ ص: 310 ] أي ويسقط القود ، وقول الشارح لعدم إلخ . إنما هو علة لهذا ( قوله : من غير الأعضاء ) أي كالأعضاء المذكورة فيما قبله ( قوله : كما مر ) انظر أين مر وانظر أيضا ما مراده بقوله هنا ( قوله : يأتي نظيره هنا ) في جعل هذا خبرا عن قياس مسامحة لا تخفى ( قوله : والأوجه ضبط الفورية هنا بما مر في البيع ) أي مما لا يقطع القبول عن الإيجاب لا ما لا يمنع الزيادة والنقص فيما يستقر عليه الثمن ، وإن كان نظير ما هنا ( قوله : ولو بعد العتق ) أي والصورة أنه عفا مطلقا ، بخلاف ما إذا عفا عنه بعد العتق على مال فإنه يثبت كما نقله الدميري عن الشيخين ( قوله : القود بعده ) أي بعد العفو عن الدية ( قوله : ولو أكثر من الدية ) أي ويجب عليه قبول ذلك إنقاذا لروحه كما نقله بعض مشايخنا عن المتولي

التالي السابق


الخدمات العلمية