صفحة جزء
واعلم أنه قد تستحب قراءة الفاتحة في الركعة الواحدة مرتين أو ثلاثا أو أربعا ، لا لخلل في الصحة وإنما هي لحيازة فضيلة ، كأن صلى المريض قاعدا ثم وجد خفة بعد قراءة الفاتحة فإنه يجب عليه أن يقوم ليركع ، وإذا قام استحب له إعادة الفاتحة لتقع في حال الكمال : كذا قاله الرافعي ، قال : وهكذا كل موضع انتقل إلى ما هو أعلى منه كما لو صلى مضطجعا ثم قدر على القعود ، وحينئذ إذا قرأها ثانيا قاعدا ثم قدر على القيام لوجود من يمسكه أو غير ذلك فيجب أن يقوم وتستحب له إعادتها ، وإن ضممت إلى ذلك قدرته على القيام إلى حد الراكعين قبل قدرته على القيام فيزيد أيضا استحبابها وينتظم منه ما قدمناه ، وأبلغ مما سبق وجوب تكرير الفاتحة في الركعة الواحدة أربع مرات فأكثر ، كأن ندر أن يقرأ الفاتحة كلما عطس فعطس في صلاته : فإن كان في غير القيام وجب عليه .

أن يقرأ إذا فرغ من الصلاة ، وإن كان في القيام وجب عليه أن يقرأ حالا لأن تكرير الفاتحة لا يضر ، كذا ذكره القاضي الحسين من فتاويه ( وتشديداتها ) منها بمعنى أنه يجب عليه رعايتها فلا يخل بشيء منها حيث كان قدرا لأنها هيئات لحروفها ، والحرف المشدد بحرفين ، وهي أربع عشرة شدة منها ثلاث في البسملة ، فلو خفف منها تشديدة لم تصح قراءة تلك الكلمة لتغييره نظمها ، بل تركه التشديد من إياك نعبد متعمدا عارفا معناه يكفر به كما قاله [ ص: 481 ] في الحاوي والبحر ، لأن الإيا ضوء الشمس فكأنه قال : نعبد ضوأها ، فإن كان ناسيا أو جاهلا سجد للسهو ، ولو شدد مخففا أساء وأجزأه كما ذكره الماوردي والروياني ( ولو أبدل ضادا ) منها أي أتى بدلها ( بظاء لم تصح ) قراءته لتلك الكلمة ( في الأصح ) لتغييره النظم مع اختلاف المعنى ، إذ الضاد من الضلال والظاء من ظل يفعل كذا ظلولا إذا فعله نهارا وقياسا على باقي الحروف ، والثاني يصح لقرب المخرج وعسر التمييز بينهما ، والخلاف خاص بقادر لم يتعمد أو عاجز أمكنه التعلم فلم يفعل ، أما العاجز عن التعلم فيجزيه قطعا وهو أمي ، والقادر على التعلم لا يجزيه قطعا ، ولو أبدل الضاد بغير الظاء لم تصح قراءة قطعا أو ذالا معجمة بمهملة في الذين لم تصح أيضا كما اقتضى إطلاق الرافعي وغيره الجزم به خلافا للزركشي ومن تبعه ، ولو نطق بالقاف مترددة بينهما وبين الكاف كما ينطق بها بعض العرب صح مع الكراهة كما جزم به الشيخ نصر المقدسي والروياني وابن الرفعة في الكفاية وإن نظر فيه في المجموع ، وإدخال المصنف الباء على المأتي به صحيح كما تقدم الكلام عليه في خطبة الكتاب


حاشية الشبراملسي

( قوله : فعطس في صلاته ) أورد عليه م ر أن شرط نذر التبزر أن يكون المعلق عليه مرغوبا فيه والعطاس ليس مرغوبا فيه ، فقال بل مرغوب فيه لأن فيه راحة للبدن ا هـ سم على منهج عن م ر ( قوله أن يقرأ إذا فرغ ) ينبغي أن المعنى أنه يعذر في التأخير إلى فراغ الصلاة ولا يكلف القراءة في الركوع ونحوه ، فلو خالف وقرأ في الركوع أو غيره اعتد بقراءته ( قوله : وجب عليه أن يقرأ ) ينبغي أن محل ذلك في المأموم ما لم يعارضه ركوع الإمام ، فإن عارضه فينبغي أن يتابعه فيما هو فيه ويتدارك بعد ، ثم قوله حالا ظاهر إن عطس بعد فراغ القراءة الواجبة ، وإلا فينبغي أن يكمل الفاتحة عن القراءة الواجبة ثم يأتي بها عن النذر إن أمن ركوع الإمام كما تقدم وإلا أخرها إلى تمام الصلاة .

وبقي ما لو عرض له ذلك وهو جنب ، هل يقرأ وهو جنب أو يؤخر القراءة إلى أن يغتسل ويكون ذلك عذرا في التأخير أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن القراءة المنذورة ليس لها وقت محدود تفوت بسببه فهي من النذر المطلق ، ولا يجب فيه فور حتى لو نذر أن يقرأ عقب العطاس كان محمولا على عدم المانع وهذا عذر في التأخير ، وبقي أيضا ما لو عطس قبل الشروع في القراءة فهل يشترط لوقوع القراءة عن الواجب القصد لأن طلبها للعطاس صارف عن وقوعها عن الواجب أم لا ؟ فإذا قرأها مرتين وقعت إحداهما عن الركن والأخرى عن النذر ، وإن لم يعين ما لكل ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأنه حيث لم يقصد وقعت القراءة لغوا ، وأما لو اقتصر على مرة واحدة وركع من غير قصد فإنه تبطل صلاته ( قوله : والحرف المشدد بحرفين ) لأنه حرفان أولهما ساكن لا عكسه ا هـ حج ( قوله : لم تصح قراءة تلك الكلمة ) أي فيعيدها على الصواب ولا تبطل صلاته وإن كان عامدا عالما حيث لم يغير المعنى ومن تخفيف المشدد ما لو قرأ الرحمن بفك الإدغام ، ولا نظر لكون أل لما ظهرت خلفت الشدة فلم يحذف شيئا لأن ظهورها لحن ولم يمكن قيامه مقامه ا هـ حج ( قوله لتغييره نظمها ) خرج به ما لو لحن لحنا لا يغير المعنى كفتح النون من مالك يوم الدين فإذا كان عامدا عالما حرم ولم تبطل به صلاته وإلا فلا حرمة ولا بطلان ، ومثله فتح دال نعبد ، ولا تضر زيادة ياء بعد كاف مالك لأن كثيرا ما تتولد حروف الإشباع من [ ص: 481 ] الحركات ولا يتغير بها المعنى .

وفي حج : أن مما لا يغير المعنى قراءة العالمين بالواو : أي بدل الياء ا هـ .

أقول : وينبغي بطلان صلاته إذا كان عامدا عالما لأنه أبدل حرفا بغيره ( قوله : لأن الإيا ) أي بالقصر ( قوله : وإن كان ناسيا أو جاهلا سجد للسهو ) أي في تخفيف إياك ومثله كل ما يبطل عمده ، ومنه كسر كاف إياك نعبد لا ضمها لأن الكسر يغير المعنى ، ومتى بطل أصل المعنى أو استحال إلى معنى آخر كان مبطلا مع التعمد ، وهذا السجود للخلل الحاصل بما فعله وليس إرادته للسجود مغنية عن إعادته على الصواب ( قوله : أساء ) أي أتى بسيئة ( قوله ولو أبدل ضادا بظاء لم تصح قراءته ) .

[ فرع ] حيث بطلت القراءة دون الصلاة فمتى ركع عمدا قبل إعادة القراءة على الصواب بطلت صلاته كما كما هو ظاهر فليتأمل سم على منهج ( قوله : وقياسا على باقي الحروف ) ومنها كما قاله حج : إبدال حاء الحمد هاء فتبطل به ، خلافا للقاضي حسين في قوله لا تبطل به لأنه من اللحن الذي لا يغير المعنى ( قوله : والقادر على التعلم لا يجزيه قطعا ) بل تبطل صلاته إن تعمد وعلم ا هـ حج .

ونقل سم على منهج عن م ر عدم البطلان ، ومقتضى قوله : إذ الضاد من الضلال إلخ البطلان لما فيه من تغيير المعنى ( قوله : أو ذالا معجمة بمهملة ) أي أو بزاي ، وقوله لم تصح : أي قراءته : أي الغير العاجز عن التعلم ( قوله : كما ينطق بها بعض العرب صح ) أي خلافا لحج ، قال : والمراد بالعرب المنسوبة إليهم أخلاطهم الذين لا يعتد بهم ، ولذا نسبها بعض الأئمة لأهل الغرب وصعيد مصر ا هـ .

والمراد بالصحة في كلام الشارح الصحة مع الكراهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية