صفحة جزء
( ومن غص ) بفتح أوله المعجم كما بخطه ويجوز ضمه ( بلقمة ) وخشى هلاكه منها إن لم تنزل جوفه ، ولم يتمكن من إخراجها ( أساغها ) حتما ( بخمر ) ( إن لم يجد غيرها ) إنقاذا لنفسه من الهلاك ، وظاهر أن خصوص الهلاك شرط الوجوب لا لمجرد الإباحة [ ص: 14 ] أخذا من حصول الإكراه المبيح لها بنحو ضرب شديد ( والأصح تحريمها ) صرفا ( لدواء ) لخبر { إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها } وما دل عليه القرآن من إثبات منافع لها فهو قبل تحريمها أما مستهلكة مع دواء آخر فيجوز التداوي بها كصرف بقية النجاسات إن عرف ، أو أخبره طبيب عدل بنفعها وتعيينها بأن لا يغني عنها طاهر ، ولو احتيج لقطع نحو سلعة ويد متأكلة إلى زوال عقل صاحبها بنحو بنج جاز لا بمسكر مائع ( و ) جوع و ( عطش ) ; لأنها لا تزيله بل تزيده حرارة لحرارتها ويبسها ، ولو أشرف على الهلاك من عطش جاز له شربها كما نقله الإمام عن إجماع الأصحاب ، ومع تحريمها لدواء أو عطش لا حد بها وإن وجد غيرها للشبهة


حاشية الشبراملسي

( قوله : ويجوز ضمه ) أي وهذا وإن كان أصله لازما لكنه لما عدى بحرف الجر جاز بناؤه للمفعول ،

وفي المصباح غصصت بالطعام غصصا من باب تعب فأنا غاص وغصان ومن باب قتل لغة ، والغصة بالضم : ما غص به الإنسان من طعام أو غيظ على التشبيه ، والجمع غصص مثل غرفة وغرف ، وهو صريح في أن الماضي غص بالفتح لا غير ، وأن في المضارع لغتين هما يغص بفتح الغين وضمها ( قوله وخشى هلاكه ) مفهومه أن خشية المرض مثلا لا تجوز له ذلك ( قوله : أساغها حتما بخمر ) وإذا سكر مما شربه لتداو أو عطش أو إساغة لقمة قضى ما فاته من الصلوات كما صرح به الإرشاد ، ولأنه تعمد الشرب لمصلحة نفسه بخلاف الجاهل كما قال في الروض ، والمعذور من جهل التحريم لقرب عهده ونحوه ، أو جهل كونه خمرا لا يحد ولا يلزمه قضاء الصلوات مدة السكر بخلاف العالم ا هـ سم على منهج في أثناء كلام ، وفيه أيضا فائدة بحث الزركشي جواز أكل النبات المحرم عند الجوع إذا لم يجد غيره ومثل بالحشيشة قال : لأنها لا تزيل الجوع ، وفيه نظر يعرف بالنظر في حال أهلها عند أكلها بر ا هـ .

وفي تعليل الجواز بقوله لأنها لا تزيل الجوع إلخ نظر ; لأن عدم إزالة الجوع إنما يقتضي عدم الجواز ، ولعله سقط من قلم الناسخ لفظ عدم قبل جواز ، وفيه أيضا فرع : شم صغير رائحته الخمر ، وخيف عليه إذا لم يسق منها هل يجوز سقيه منها ما يدفع عنه الضرر ؟ قال م ر : إن خيف عليه الهلاك أو مرض يفضي إلى الهلاك جاز ، وإلا لم يجز وإن خيف مرض لا يفضي إلى الهلاك ا هـ .

أقول : لو قيل يكفي مجرد مرض تحصل معه مشقة ، ولا سيما إن غلب امتداده بالطفل لم يكن بعيدا ( قوله : إنقاذا لنفسه من الهلاك ) أي وعلى هذا لو مات بشربه مات شهيدا لجواز تناوله له بل [ ص: 14 ] وجوبه ، بخلاف ما لو شربه تعديا ، وغص منه ومات فإنه يكون عاصيا لتعديه بشربه ( قوله : إن عرف ) أي بالطب ، ولو كان فاسقا ( قوله : بأن لا يغني عنها طاهر ) أي فلا يجوز استعمالها مع وجود الطاهر ، وإن كانت أسرع للشفاء منه ، ويوافقه ما مر للشارح في امتناع الوصل بعظم نجس هو أسرع انجبارا من الطاهر ، لكن في الروض وشرحه : ويجوز التداوي بنجس غير مسكر كلحم حية وبول ومعجون خمر كما مر في الأطعمة ، ولو كان التداوي به لتعجيل شفاء كما يكون لرجائه ، وأنه يجوز بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك أو معرفة المتداوي به إن عرف ، ويشترط عدم ما يقوم مقامه مما يحصل به التداوي من الطاهرات ا هـ .

ولا ينافي ما ذكره الشارح هنا قول الروض ولو لتعجيل شفاء ، فإن ما في الروض محمول على ما إذا حصل الشفاء بالخمر المعجون في أسبوع مثلا ، وإذا لم يتداو أصلا لم يحصل الشفاء إلا في عشرة ، وهو مفروض فيما إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامه ( قوله : ولو احتيج لقطع نحو سلعة ) وهل من ذلك ما يقطع لمن أخذ بكرا ، وتعذر عليه افتضاضها إلا بإطعامها ما يغيب عقلها من نحو بنج أو حشيش فيه نظر ، ولا يبعد أنه مثله لأنه وسيلة إلى تمكن الزوج من الوصول إلى حقه ، ومعلوم أن محل جواز وطئها ما لم يحصل به لها أذى لا يحتمل مثله في إزالة البكارة ( قوله : لا بمسكر مائع ) انظر لو لم يجد إلا المسكر المائع ا هـ سم على حج .

أقول : ويحتمل جوازه في هذه الحالة للاضطرار لتناوله كما لو غص بلقمة ، ويحتمل عدم الجواز ، وهو الظاهر قياسا على ما لو تعينت الخمرة الصرفة للتداوي بها ( قوله : وعطش ) .

[ تنبيه ] جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائم ، وللزركشي احتمال أنها كالآدمي مع امتناع إسقائها إياها للعطش ، قال : لأنها مثيرة فتهلكها فهو من قبيل إتلاف المال ا هـ .

والأولى تعليله بأن فيه إضرارا لها ، وإضرار الحيوان حرام وإن لم يتلف ، قال : والمتجه منع إسقائها لها لا لعطش ; لأنه من قبيل التمثيل بالحيوان وهو ممتنع ا هـ حج

حاشية المغربي

[ ص: 14 ] ( قوله : صرفا ) أي أما غير الصرف ففيه تفصيل ستأتي الإشارة إليه ( قوله فهو قبل تحريمها ) قد يقال هذا قد ينافيه ظاهر الآية حيث قرنت المنافع فيها بالإثم الذي هو ثمرة التحريم

التالي السابق


الخدمات العلمية