صفحة جزء
[ ص: 38 ] ( فصل ) في حكم إتلاف البهائم ( من كان مع دابة أو دواب ) في طريق مثلا ولو مقطورة سائقا أو قائدا أو راكبا سواء أكانت يده عليها بحق أم بغيره ، وإن لم يكن مكلفا أو قنا أذن سيده أم لا كما شمله كلامهم ، ويتعلق متلفها برقبته فقط ، ويفرق بين هذا ولقطة أقرها مالكه بيده فتلفت فإنها تتعلق برقبته وبقية أموال السيد بأنه مقصر ثم بتركها بيده المنزلة منزلة المالك بعد علمه بها ولا كذلك هنا ، ودعوى أن القن لا يد له ممنوعة بأنه ليس المراد باليد هنا المقتضية للملك بل المقتضية للضمان وهو بهذا المعنى له يد كما لا يخفى ( ضمن إتلافها ) بجزء من أجزائها ( نفسا ) على العاقلة ( ومالا ) في ماله ( ليلا ونهارا ) ; لأن فعلها منسوب له وعليه تعهدها وحفظها ، فإن كان معها سائق وقائد وراكب [ ص: 39 ] ضمن الراكب ، فإن لم يكن راكب فعليهما أو ركبها اثنان فعلى المقدم دون الرديف كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لأن فعلها منسوب إليه ، وإن كانا لو تنازعا فيها كانت لهما ، وخرج بقوله مع دابة ما لو انفلتت منه بعد إحكام نحو ربطها ، وأتلفت شيئا فإنه لا يضمن كما سيذكره ، ويستثنى من إطلاقه ما لو نخسها غير من معها فضمان إتلافها على الناخس ما لم يأذن له فيه وإلا فعليه ، ولو ردها راد تعلق ضمان ما أتلفته بعده الراد ، وما لو غلبته فاستقبلها آخر وردها فإن الراد يضمن ما أتلفته في انصرافها ، وما لو سقط هو أو مركوبه ميتا على شيء فأتلفه فلا ضمان كما لو انتفخ ميت فانكسر به قارورة

بخلاف طفل سقط عليها ; لأن له فعلا ، وإلحاق الزركشي بسقوطه بالموت سقوطه بنحو مرض أو ريح شديدة فيه نظر ، وإن زعم بعضهم أن فيه نظرا لوضوح الفرق ، ولو كان راكبها يقدر على ضبطها فاتفق أنها غلبته لنحو قطع عنان وثيق ، وأتلف شيئا لم يضمن على ما قاله بعضهم ، والمعتمد كما اقتضاه كلامهما واعتمده البلقيني وغيره وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى الضمان ، وما لو أركب أجنبي بغير إذن الولي [ ص: 40 ] صبيا أو مجنونا دابة لا يضبطها مثلهما فإنه يضمن متلفها ، وما لو كان مع دواب راع فتفرقت لنحو هيجان ريح أو ظلمة لا لنحو نوم وأفسدت زرعا فلا يضمنه كما لو ند بعيره أو انفلتت دابته من يده وأفسدت شيئا ، لكن هذا خارج بقوله مع دابة فإيراده غير صحيح ، وما لو ربطها بطريق متسع بإذن الإمام أو نائبه كما لو حفر فيه لمصلحة نفسه ، وخرج بقولنا في الطريق مثلا من دخل دارا بها كلب عقور فعقره أو دابة فرفسته فلا يضمنه صاحبهما إن علم بحالهما وإن أذن له في دخولها ، بخلاف ما إذا جهل فإن أذن له في الدخول ضمنه وإلا فلا ، وبخلاف الخارج منهما عن الدار ولو بجانب بابها ; لأنه ظاهر يمكن الاحتراز عنه ، وخرج به أيضا ربطها بموات أو ملكه فلا يضمن به متلفها بالاتفاق ، ولو أجره دارا إلا بيتا معينا فأدخل دابته فيه ، وتركه مفتوحا فخرجت وأتلفت مالا للمكتري لم يضمنه ، ولا يرد على قوله نفسا ومالا صيد الحرم وشجره وصيد الإحرام فإنه يضمنها ; لأنهما لا يخرجان عنهما ، ولو ربط فرسه في خان فقال لصغير خذ من هذا التبن واعلفها ففعل فرفسته فمات وهو حاضر [ ص: 41 ] ولم يحذره منها ، وكانت رموحا ضمنه على عاقلته ، ومحل ما تقرر في غير الطير ، أما هو فلا ضمان بإتلافه مطلقا ; لأنه لا يدخل تحت اليد ما لم يرسل المعلم على ما صار إتلافه له طبعا ، وأفتى البلقيني في نحل قتل جملا بأنه هدر لتقصير صاحبه دون صاحب النحل ، إذا لا يمكن ضبطه


حاشية الشبراملسي

[ ص: 38 ] فصل ) في حكم إتلاف البهائم ( قوله : في حكم إتلاف البهائم ) أي وما يتبعه كمن حمل حطبا على ظهره ودخل به سوقا ، وإن أريد بالدابة ما يشمل الآدمي دخلت هذه لكن على ضرب من المسامحة في قوله مع دابة ; لأنه من حمل هو الدابة لا أنه معها ( قوله : أو دواب في طريق ) .

[ فرع ] لو كان راكبا حمارة مثلا ووراءها جحش فأتلف شيئا ضمنه ، كذا في فتاوى القفال رحمه الله . قال الإصطخري في أدب القضاء : لولا حديث البراء { ما ضمنا راكبا ولا سائقا إلا أن يتعمد } ; لأن حديث { العجماء جبار } ظاهر لولا ما بين في حديث ناقة البراء .

وحديث ناقة البراء رضي الله تعالى عنه { كانت ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها ، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها ، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل } رواه الشافعي رضي الله تعالى عنه ا هـ سم على منهج .

( قوله : بحق أو بغيره ) شمل المكره بفتح الراء فيضمن ، ولا شيء على المكره بكسر الراء ; لأنه إنما أكرهه على ركوب الدابة لا على إتلاف المال ، وبهذا يفارق بين هذا وبين ما لو أكرهه على إتلاف المال حيث قيل فيه إن كلا طريق في الضمان ، والقرار على المكره بكسر الراء ، لكن نقل عن شيخنا الزيادي بالدرس أن قرار الضمان على المكره بكسر الراء ، وأن المكره طريق في الضمان ، وعليه فلا فرق بين الإكراه على الإتلاف وعلى الركوب ( قوله : ويتعلق متلفها برقبته ) أي وإن أذن له السيد ( قوله : ولا كذلك هنا ) قد يقال قد يوجه هنا إقرار السيد بعد علمه ا هـ سم على حج .

أقول : وقد يقال اللقطة أمانة في يد واجدها ، والعبد ليس من أهل الولاية عليها فترك السيد لها في يده تقصير منه ، ولا كذلك البهيمة فإن تركها في يد العبد لا يعد تقصيرا من السيد بل قد يكون له غرض في تركها في يد العبد فنسبت اليد فيها للعبد ما دامت معه ، وذلك يقتضي ضمانه دون السيد ( قوله : ومالا في ماله ) المراد منه أنه لا يتعلق بالعاقلة بل بذمته يؤديه من ماله فليس المراد بكونه في ماله أنه يتعلق به كتعلق الدين بالمرهون ( قوله : وراكب ) ظاهره ولو أعمى ، ونقله سم على منهج عن طب وفيه فرع : لو ركب اثنان في جنبيها كفي محارتين فالضمان عليهما ، فلو ركب ثالث بينهما في الظهر فقال م ر الضمان عليه وحده وفيه نظر ، ولا يبعد [ ص: 39 ] أن يكون الضمان أثلاثا وفاقا لطب فيما أظن ا هـ .

وظاهره لو كان الزمام بيد أحدهم ( قوله : ضمن الراكب ) يؤخذ من هذا تضمين الراكبة مع المكاري القائد دونه إلا على قول ابن يونس لعل تضمين الراكب إذا كان الزمام بيده فلا تضمن إلا إذا كان الزمام بيدها ا هـ سم على حج .

وعبارته على منهج قوله ضمن الراكب فقط بذلك يعلم أن الضمان على المرأة التي تركب الآن مع المكاري دون المكاري م ر ا هـ .

وهذا هو المعتمد .

وقياس ما نقله عن ابن يونس أن الضمان في مسألة الأعمى على قائد الدابة إذا كان زمامها بيده ( قوله : فعليهما ) أي السائق والقائد ( قوله لأن فعلها منسوب إليه ) يؤخذ من هذه العلة أن المقدم لو لم يكن له دخل في تسييرها كمريض وصغير اختص الضمان بالرديف ( قوله : ما لو انفلتت ) وينبغي عدم تصديقه في ذلك إلا ببينة ( قوله : فضمان إتلافها على الناخس ) أي ولو صغيرا مميزا كان أو غير مميز ; لأن ما كان من خطاب الوضع لا يختلف فيه الحال بين المميز وغيره .

[ فرع ] قال في العباب : وإن كانت رموحا طبعا ، واتصل إتلافها بالنخس فهل يضمن الآذن أو الناخس وجهان ا هـ .

والأقرب أنه الآذن كما لو أتلفت بغير الرمح سيما إن ظهر إحالة الرمح على النخس المأذون فيه ( قوله : ما لم يأذن ) أي الراكب ( قوله : تعلق ضمان ما أتلفته بعده ) أي الراد ، وقوله بالراد ما لم يأذن له أخذا مما قدمه في الناخس ( قوله : فاستقبلها آخر وردها ) ظاهره ولو بإشارة تؤدي إلى ردها ( قوله : فأتلفه ) أي الساقط ( قوله : سقط عليها ) أي القارورة فإنه يضمن ( قوله : الفرق ) وهو أن الميت خرج عن كونه أهلا للضمان ، بخلاف الحي ، وإن كان صغيرا وكان سقوطه بغير اختياره ( قوله ولو كان راكبها ) ولو كان الراكب ممن يضبطها ولكن غلبته بفزع من شيء مثلا أو أتلفت شيئا فالظاهر عدم الضمان ا هـ سم على منهج .

ويشكل عليه ما ذكرناه عنه توجيها لكلام الشارح ، فإن اليد موجودة مع الفزع ، كما هي موجودة مع قطع اللجام ونحوه ، إلا أن يقال : اليد وإن كانت موجودة في الفزع إلا أن فعلها لم ينسب فيه واضع اليد إلى تقصير ما فأشبه ما لو هاجت الرياح بعد إحكام ملاح السفينة آلاتها ، وقد قيل فيها بعدم الضمان لانتفاء تقصير الملاح ، بخلاف قطع اللجام ، فإن الراكب منسوب [ ص: 40 ] فيه لتقصير في الجملة ; لأن قطع الدابة له دليل على عدم إحكامه ( قوله : لا يضبطها ) ولك أن تقول : ينبغي الضمان ، وإن كان يضبطها مثلهما إذ لا ولاية ولا نظر له في مصلحتهما ومجرد كونهما يضبطان لا يقتضي سقوط الضمان عنه فليتأمل ا هـ سم على منهج ( قوله : فإنه ) أي الأجنبي ( قوله : أو ظلمة ) قد يفرق بين هذا وما تقدم من ضمان الساقط بنحو ريح بأن الوقوع عن الدابة منسوب له فضمن ، ولا كذلك هنا فإنها بتفرقها لهيجان الريح والظلمة خرجت عن يده بغير اختيار منه ( قوله : لا لنحو نوم ) أي فإنه يضمن ( قوله أو انفلتت دابته إلخ ) ومن ذلك ما لو كان راكبها ثم ألقته بجماح أو نحوه وفرت وأتلفت شيئا في انصرافها فلا يضمنه صاحبها ( قوله : فإيراده غير صحيح ) قد يقال : ليس في كلام المصنف اعتبار المعية حال الإتلاف ا هـ سم على حج : أي لكنه المتبادر منه وهو كاف في دفع الاعتراض ( قوله : وما لو ربطها ) أي فلا يضمن ، وظاهره لا نهارا ولا ليلا ا هـ سم على حج ( قوله : أو دابة فرفسته فلا يضمنه ) ظاهر ، وإن كان غير مميز ، لكن قد يتوقف فيما لو دخل غير المميز بإذن صاحب الدار فإنه عرضه لإتلاف الكلب ونحوه ، وقد يؤخذ ضمانه مما يأتي فيما لو قال لصغير خذ من هذا التبن إلخ ( قوله : يمكن الاحتراز عنه ) أي ولو لم يكن له طريق إلا عليه ، وكان أعمى ( قوله : فأدخل دابته ) أي المؤجر ( قوله وأتلفت مالا للمكتري لم يضمنه ) لعله لنسبة صاحب المتاع إلى التقصير ( قوله : لا يخرجان عنهما ) أي عن النفس والمال ( قوله : فقال الصغير ) هي للترتيب ( قوله : ولم يحذره ) مفهومه عدم الضمان إذا كان غائبا ولم يحذره وهي رموح فليتأمل ا هـ [ ص: 41 ] سم على حج .

أقول : وقد يتوقف فيه بأنه تسبب في إتلافه ( قوله : ضمنه على عاقلته ) أي الآمر ( قوله : فلا ضمان بإتلافه مطلقا ) أي ليلا أو نهارا ( قوله : على ما صار إتلافه له طبعا ) أي فيضمن ، ولعل الفرق بين هذا وبين ما مر من أنه لو علم قردا ، وأمره بالسرقة فسرق لم يقطع أن القطع يسقط بالشبهة بخلاف الضمان ( قوله : في نحل قتل جملا ) أي مثلا ، وقوله بأنه أي الجمل ، وقوله هدر لتقصيره : أي حيث لم يضعه في بيت مسقف أو لم يضع عليه ما يمنع وصول النحل إليه ، ولا فرق في ذلك بين كون الجمل في ملكه أو غيره

حاشية المغربي

[ ص: 37 - 38 ] ( فصل في حكم إتلاف البهائم ) ( قوله : بجزء من أجزائها ) أشار به إلى أنه لا منافاة بين ما هنا وما يأتي من عدم الضمان بنحو بولها على [ ص: 39 ] ما يأتي فيه ( قوله فعلى المقدم دون الرديف إلى قوله لأن فعلها إلخ ) قال ابن قاسم : قد يقتضي هذا أنه لو نسب سيرها للمؤخر فقط كما لو كان المقدم نحو مريض لا حركة له محضون للمؤخر اختص الضمان بالمؤخر ( قوله : تعلق ضمان ما أتلفته بعده بالراد ) انظر إلى متى يستمر ضمانه ، ولعله ما دام سيرها منسوبا لذلك الراد فليراجع [ ص: 40 ] قوله : لا يضبطها مثلهما ) قضيته أنهما لو كانا يضبطانها لا يضمن الأجنبي ، وأن الولي إذا أركبها ما لا يضبطانه أنه لا يضمن ، وهو خلاف قضية كلام الأذرعي .

وعبارته : لو أركب رجل صبيا دابة فأتلفت شيئا ، فإن أركبه أجنبي ضمنه لتعديه أو وليه لمصلحة الصبي ضمن الصبي ، وإن لم يكن له مصلحة فيه ضمن الولي والوصي قاله في البيان وغيره وفيه نظر ، إلا أن يكون طفلا غير مميز ، وفي الأم وغيرها إشارة إليه انتهت عبارة الأذرعي ، وكلامهم في مسألة الاصطدام يوافقها ( قوله وما لو ربطها بطريق متسع ) أي فلا ضمان كما صرح به ابن قاسم ( قوله : أو ملكه ) انظره مع قوله قبله من داخل دار بها كلب عقور أو دابة ، ولعل الدابة فيما مر شأنها الضراوة فليراجع ( قوله : فأدخل دابته ) أي المؤجر بقرينة ما بعده ( قوله : وهو حاضر ) انظر هل هو قيد وما وجه التقييد به [ ص: 41 ] قوله ولم يحذره ) لعل المراد التحذير حال الرمح بأن رآها ترمحه فلم يحذره فليراجع .

التالي السابق


الخدمات العلمية