صفحة جزء
( والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في التشهد الآخر ) وهو الذي يعقبه سلام وإن لم يكن لصلاته سوى واحد كالصبح والجمعة فالتعبير بالآخر جرى على الغالب .

والأصل في ذلك قوله تعالى { صلوا عليه } وقد أجمع العلماء على عدم وجوبها في غير الصلاة فتعين [ ص: 524 ] وجوبها فيها والقائل بوجوبها مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله ، والقائل بذلك لم ينظر لقول الحليمي وجمع به ، ومع تسليم صحته فلا مانع من وجوبها فيها لدليلين ، وصح { أمرنا الله أن نصلي عليك ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ؟ فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم } إلى آخره ، خرج الزائد على الصلاة عليه هنا وفيما يأتي بالإجماع فبقي وجوبها ، وصح { إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع بما شاء من الدعاء } وصح عن ابن مسعود مرفوعا { يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد } ففيه دلالة على وجوبها ومحلها .

وروى أبو عوانة عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعلها في تشهده الأخير ولم يثبت أنه تركها فيه ، فمن ادعى أن الشافعي شذ حيث أوجبها ولا سلف له في سنة في ذلك يتبعها فقد غلط ، إذا إيجابها لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة ، بل وافقه على قوله عدة من أكابر الصحابة فمن بعدهم كعمر وابنه عبد الله وابن مسعود وأبي مسعود البدري وجابر بن عبد الله من الصحابة ، وكمحمد بن كعب القرظي والشعبي ومقاتل من التابعين وهو قول أحمد الأخير وإسحاق وقول لمالك ، واعتمده ابن المواز من أصحابه ، وصححه ابن الحاجب في مختصره وابن العربي في سراج المريدين ، فهؤلاء كلهم يوجبونها في التشهد حتى قال بعض المحققين : [ ص: 525 ] لو سلم تفرده بذلك لكان حبذا التفرد ( والأظهر سنها في الأول ) بأن يأتي بها فيه بعده تبعا له لكونه ذكرا يجب في الآخر فاستحب في الأول كالتشهد والثاني لا تسن فيه لبنائه على التخفيف ( ولا تسن ) الصلاة ( على الآل في ) التشهد ( الأول على الصحيح ) لأنه مبني على التخفيف .

والثاني تسن فيه كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه إذ لا تطويل في ذلك .

وسيأتي تعريف الآل في كتاب قسم الصدقات إن شاء الله تعالى .


حاشية الشبراملسي

( قوله : والقائل بذلك ) أي بأنه محجوج ( قوله وجمع به ) أي أنه تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ( قوله : فلا مانع من وجوبها ) وهل القائل بوجوب الصلاة عليه في العمر مرة أو كلما ذكر يجريه في السلام أيضا بدليل كراهة إفراده فيها أولا ؟ فيه نظر ، والظاهر الثاني لقيام الدليل عنده في وجوبها دون السلام ( قوله : لدليلين ) هما قوله صلوا عليه على ما بين به واستدل به الحليمي كغيره على وجوبها مطلقا ، أو قوله وصح أمرنا الله إلخ ولعله الأقرب ( قوله : فليبدأ بحمد ربه ) أي وهو حاصل بالقراءة ، أو أن المراد بالحمد الثناء الذي هو معناه لغة ، فقوله بعده والثناء عطف تفسير ، وكتب عليه العلقمي قوله { إذا صلى أحدكم فليبدأ } : أي في تشهده إذا جلس ، ويدل على هذا ما في الترمذي عن ابن مسعود قال { كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه ، فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سل تعطه } ا هـ .

ويؤيد ما قاله العلقمي قوله وصح عن ابن مسعود إلخ ( قوله : يوجبونها في التشهد ) قال الزيادي : بل لم يحفظ عن أحد من الصحابة والتابعين غير النخعي تصريح بعدم وجوبها [ ص: 525 ] قوله تفرده ) أي الشافعي رضي الله عنه ( قوله : لكان حبذا التفرد ) أي لكان هذا التفرد محمودا ( قوله : لأنه مبني على التخفيف ) في أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين كأنه يجلس على الرضف حتى يقوم } والرضف : الحجارة المحماة عميرة ، وعبارة المصباح في فصل الراء مع الضاد المعجمة : الرضف الحجارة المحماة الواحدة رضفة مثل تمر وتمرة وبابه ضرب .

حاشية المغربي

( قوله : جرى على الغالب ) يقال : عليه إذا كان المراد بالآخر ما ذكره لا يكون التعبير به جريا على الغالب ، فكان الأولى إبدال الفاء [ ص: 524 ] بأو ليكون جوابا ثانيا ( قوله : والقائل بذلك ) يعني : بأنه محجوج بالإجماع ، والضمير في لوجوبها مرة : أي ، والقائل بأن القائل بوجوبها مرة محجوج بالإجماع لا ينظر إلى قول الحليمي ، والجمع المذكور به ; لأن الجميع محجوجون بالإجماع ومراده بذلك الرد على الشهاب حج في الإمداد حيث نظر في كون القائل بذلك محجوجا بالإجماع بأنه قال به الحليمي وجمع من أئمة المذاهب الثلاثة وعبارته ، والقائل بوجوبها مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله ، وفيه نظر فقد قال به الحليمي وجمع من أئمة المذاهب الثلاثة ، ثم قال عقبه : وعلى تسليم صحته ، فلا مانع من وجوبها خارجها وفيها لدليلين انتهى .

وظاهر أن إيراده هذا عقب النظر إنما يفهم منه أنه تقوية له كما هو حق السياق فكأنه قال : وفيه نظر ، وعلى تسليم صحته وأنه لا نظر فيه ، فلا مانع إلخ ، فهو بخلاف ما يفهمه سياق الشارح ، فلينظر ما مرادهما بهذا وما مرادهما بالدليلين . وفي حاشية الشيخ هنا ما لا يشفى ، إذ حاصله محاولة تحصيل دليلين ينزل عليهما كلامهما مع قطع النظر عن ارتباط الكلام ببعضه فليراجع ( قوله : وصح : إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه إلخ ) أعقب هذا في الإمداد الذي ذكره الشارح في هذه السوادة عبارته بما لا يتم الدليل إلا به ، وكان على الشارح ذكره ، وهو قوله : والمراد بالصلاة ذات الأركان بدليل رواية البغوي في المصابيح { إذا صليت فقعدت فاحمد الله [ ص: 525 ] بما هو أهله ، وصل علي ثم ادعه } وتقدير ففرغت قبل فقعدت لا دليل عليه انتهى .

واعلم أن هذه الرواية تدل على أن المراد بالحمد في الأحاديث الثناء ، إذ لا حمد حقيقي في القعود للصلاة ، فتعين أن المراد به مطلق الثناء ، وهو لفظ التحيات إلخ

التالي السابق


الخدمات العلمية