صفحة جزء
( فصل ) في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله بعض المأكولات

لو ( حلف لا يأكل ) رءوس الشوي اختص بالغنم كما قاله الأذرعي أو لا يأكل ( الرءوس ) أو لا يشتريها مثلا [ ص: 197 ] ( ولا نية له ) ( حنث برءوس ) إبل أو رأس لا ببعضه على الأصح إذ المراد بلفظ الجمع هنا الجنس ، بخلاف ما لو قال رءوسا فلا يحنث إلا بثلاثة ( تباع وحدها ) أي من شأنها ذلك سواء أعلم عرف بلد الحالف أم لا وهي رءوس البقر والإبل والغنم إذ هو المتعارف ( لا طير ) وخيل ( وحوت وصيد ) بري أو بحري كالظباء لأنها لا تفرد بالبيع فلا تفهم من اللفظ عند الإطلاق ( إلا ) إن كان الحالف ( ببلد ) أي من أهل بلد علم أنها ( تباع فيه مفردة ) عن أبدانها لأنها كرءوس الأنعام في حق غيرهم ، وظاهر كلامه عدم حنثه بأكلها في غير ذلك البلد وصححه في تصحيح التنبيه ، لكن أقوى الوجهين في الشرحين والروضة الحنث وقالا إنه الأقرب إلى ظاهر النص وهو المعتمد واحترز بقوله ولا نية له عما إذا نوى مسمى الرأس فلا يختص بما تباع وحدها أو نوعا منها لم يحنث بغيره ( والبيض ) إذا حلف لا يأكله ولا نية له ( يحمل على مزايل بائضة في الحياة ) أي من شأنه أن يفارقه فيها ويؤكل منفردا ( كدجاج ونعام وحمام ) وبط وإوز وعصافير لأنه المفهوم عند الإطلاق ، سواء في ذلك مأكول اللحم وغيره لحل أكله مطلقا كما مر ، فعلم أنه يحنث بمتصلب خرج بعد الموت كما لو أكله مع غيره وظهر فيه صورته ، بخلاف الناطف ، ولو حلف ليأكلن مما في كمه وقد حلف لا يأكل البيض وكان ما في كمه بيض جعل في ناطف وأكل منه ولا حنث عليه ( لا ) بيض ( سمك ) لأنه إنما يزايله بعد الموت بشق الجوف وإن بيع ببلد يؤكل فيه منفردا لأنه قد تجدد له اسم آخر وهو البطارخ ( وجراد ) لأنه لا يؤكل منفردا فإن نوى شيئا عمل به .

( واللحم ) إذا حلف لا يأكله يحمل عند الإطلاق نظير ما مر ( على ) مذكى ( نعم ) وهي الإبل والبقر والغنم ( وخيل ووحش وطير ) لوقوع اسم اللحم عليها حقيقة ، [ ص: 198 ] نعم يتجه اعتبار اعتقاد الحالف في حرمة بعضها فلا يحنث به ( لا سمك ) وجراد لأنه لا يسمى في العرف لحما وإن كان يسماه في اللغة كما في القرآن كما لا يحنث بجلوسه في الشمس من حلف لا يجلس في سراج وإن سماها الله سراجا ، ومن حلف لا يجلس على بساط بجلوسه على الأرض وإن سماها الله بساطا ، وعلم مما تقرر عدم حنثه بميتة وخنزير وذئب ، هذا كله عند الإطلاق ، فإن نوى شيئا حمل عليه ، ولا فرق في اللحم بين المشوي والمطبوخ والنيء والقديد ( و ) لا ( شحم بطن ) وعين لمخالفتهما اللحم اسما وصفة ( وكذا كرش وكبد وطحال وقلب ) ومخ وأمعاء ورئة ( في الأصح ) لأنه يصح إطلاق عدم صدق اسم اللحم عليها .

والثاني الحنث لأنها في حكم اللحم ولا يحنث بقانصة الدجاجة قطعا ولا بجلد نعم إن رق بحيث يؤكل اتجه الحنث به ( والأصح تناوله ) أي اللحم ( لحم رأس ولسان ) أي ولحم لسان والإضافة بيانية : أي ولحما هو لسان وخد وأكارع لصدق اسم اللحم على ذلك كله والثاني المنع لأن مطلق اللحم لا يقع إلا على لحم البدن ، وأما في غيره فبالإضافة كلحم رأس ونحوه ( وشحم ظهر وجنب ) وهو الأبيض الذي لا يخالطه أحمر لأنه لحم سمين ولهذا يحمر عند الهزال والثاني لا ، لأنه شحم .

قال تعالى { حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } فسماه شحما ( و ) الأصح ( أن شحم الظهر لا يتناوله الشحم ) لما تقرر أنه لحم بخلاف شحم العين والبطن يتناوله الشحم ( وأن الألية والسنام ) بفتح أولهما ( ليسا شحما ولا لحما ) لاختلاف الاسم والصفة .

والثاني هما لحمان لقربهما من اللحم السمين ( والألية ) مبتدأ إذ لا اختلاف في هذا ( لا تتناول سناما ولا يتناولها ) لاختلافهما كذلك ( والدسم ) وهو الودك إذا حلف لا يأكله وأطلق ( يتناولهما و ) يتناول ( شحم ظهر ) وجنب ( وبطن ) وعين ( وكل دهن ) حيواني : أي مأكول كما هو ظاهر أخذا مما مر أنه لا يحنث في اللحم بغير مذكى لصدق الاسم بكل ذلك .

ولا يشكل ذكر شحم الظهر هنا بما مر أنه لحم واللحم لا يدخل في الدسم لمنع هذه الكلية بل اللحم الذي فيه دسم يدخل فيه .

أما دهن نحو سمسم ولوز فلا يتناولهما على ما قاله البغوي لكن الأقرب خلافه كما هو ظاهر كلام غيره أنه يتناول كل دهن مأكول [ ص: 199 ] لا دهن خروع كما صرح به البلقيني ، والمتجه عدم تناوله اللبن لأنه لا يسمى دسما في العرف ( ولحم البقر يتناول ) البقر العراب والبقر الوحشي ، ( جاموسا ) لصدق اسم البقر على كل ذلك ، ويفرق بين تناول الإنسي للوحشي هنا دون الربا بأن المدار هنا على مطلق التناول من غير نظر اختلاف أصل أو اسم بخلافه ثم كما يعلم من كلامهم في البابين ، وبهذا يظهر عدم تناول الضأن للمعز وعكسه هنا وإن اتحدا جنسا ، ثم لأن اسم أحدهما لا يطلق على الآخر لغة ولا عرفا وإن شملهما اسم الغنم المقتضي لاتحاد جنسيهما ، وأما الزفر في عرف العوام فيشمل كل لحم ودهن حيواني وبيض ولو من سمك فيتجه حمله على ذلك ، ولا يتناول ميتة سمكا ولا جرادا ولا دم كبدا ولا طحالا


حاشية الشبراملسي

( فصل ) في الحلف على أكل وشرب

( قوله : مع بيان ما يتناوله ) أي وفيما يتبع ذلك كما لو حلف لا يكلم ذا الصبي إلخ ( قوله اختص بالغنم ) أي ضأنا ومعزا ، وهل يشترط في الحنث بها كونها مشوية أو لا ، ويكون المعنى رءوس ما تشوى رءوسه أو الرءوس [ ص: 197 ] التي من شأنها أن تشوى ؟ فيه نظر ، والظاهر الثاني ( قوله لا ببعضه على الأصح ) خلافا لحج ( قوله : فلا يحنث إلا بثلاثة ) أي كاملة ، وفي أثناء عبارة شيخنا الزيادي : فإن حلف بالله فرق بين الجمع والجنس ، وإن حلف بالطلاق فلا فرق بينهما فلا يحنث إلا بثلاث فيهما ( قوله : من أهل بلد علم أنها تباع فيه مفردة ) عبارة سم على منهج : قال م ر : إذا اعتيد في بلد ما بيعها مفردة حنث الحالف بأكلها سواء كان في تلك البلد أم لا منها أو من غيرها كخبز الأرز انتهى وقضية الشارح أي من أهل إلخ خلافه ( قوله : أو نوعا منها لم يحنث بغيره ) وظاهره أنه يقبل منه ذلك ظاهرا ، وخرج بقصد نوع منها ما لو قصد غيرها وحده فلا يقبل على ما اقتضاه قوله قبل في أول الفصل السابق أنه يقبل إرادة المجاز إذا كان متعارفا وأراد دخوله مع الحقيقة ( قوله : يحمل على مزايل ) أي مفارق ، وقوله بائضه : أي ولو من غير مأكول اللحم كبيض الحدأة ونحوها ( قوله مطلقا ) أي من مأكول اللحم وغيره ( قوله : خرج بعد الموت ) أفاد كلامه أن الموت لا ينجس به البيض المتصلب وهو ظاهر ( قوله : بخلاف الناطف ) هو نوع من الحلاوة يعقد ببياض البيض انتهى حج وهو المسمى الآن بالمنفوش ( قوله : ولا حنث عليه ) ولو قال ليأكلن هذا البيض لم يبر جعله في ناطف انتهى حج .

والظاهر أن مثل هذا البيض ما لو قال ليأكلن بيضا لعدم وجود الاسم كما يأتي فيما لو قال لا آكل حنطة حيث لا يحنث بدقيقها ونحوه ( قوله : فإن نوى شيئا عمل به ) وظاهره أنه يقبل منه ذلك ظاهرا ( قوله : لوقوع اسم اللحم عليها حقيقة ) أي فيحنث بالأكل منها ، وهل يحنث بذلك وإن اضطر [ ص: 198 ] إلى ذلك بأن لم يجد غيره أم لا لأنه مكره شرعا على تناول ما ينقذه من الهلاك ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ( قوله : نعم يتجه اعتبار اعتقاد الحالف ) بأن كان مخالفا لمذهبنا ( قوله عدم حنثه بميتة ) أي وإن اضطر ( قوله : لأنها في حكم اللحم ) أي من جهة أنها تقصد بالطبخ وحدها فتقوم مقام اللحم وليست القانصة كذلك ( قوله : نعم إن رق ) أي كان رقيقا في الأصل كجلد الفراخ ( قوله : فسماه شحما ) أي حيث استثناه منه ( قوله : وهو الودك ) أي الدهن وتفسير الدسم بالودك لا يناسب ما جرى عليه في قوله الآتي أما دهن نحو سمسم إلخ من شمول الدسم لدهن السمسم واللوز فإن كلا منهما لا يسمى ودكا إذ هو كما في المختار دسم اللحم فلعل تفسيره بذلك بالنظر لأصل اللغة ( قوله : وكل دهن حيواني ) بقي ما لو حلف لا يأكل دهنا فهل هو كالدسم أو كالشحم فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن أهل العرف لا يطلقون الدهن بلا قيد إلا على الشحم

[ فرع ] لو أكل مرقة مشتملة على دهن فقياس ما سيأتي فيما لو حلف أنه لا يأكل سمنا فأكله في عصيدة أنه إن كان الدهن متميزا في المرق حنث به من حلف لا يأكل دسما وإلا فلا ( قوله : على ما قاله البغوي ) اعتمده شيخنا الزيادي وعميرة ( قوله : لكن الأقرب خلافه ) معتمد ، وقوله والمتجه عدم تناوله : أي الدسم اللبن في ع خلافه [ ص: 199 ] وعبارته : وكذا يتناول : أي الدسم اللبن بلا ريب ( قوله : وجاموسا ) أي لا عكسه ( قوله : لصدق اسم البقر على كل ذلك ) يؤخذ من ذلك الحنث فيمن حلف لا يأكل إوزا وأكل من الإوز العراقي المعروف فليراجع ( قوله : ويفرق بين تناول الإنسي للوحشي ) الإنسي لا يتناول الوحشي لا هنا ولا في غيره كما هو ظاهر ، وحق التعبير أن يقول بين تناول اسم البقر مثلا للإنسي والوحشي جميعا فتأمله انتهى سم على حج ووجه ذلك أن الإنسي مسمى بالعراب أو الجواميس بخلاف البقر فإنه شامل للإنسي والوحشي .

[ فائدة ] وقع السؤال عن رجل حلف بالطلاق أنه لا يأكل من هذه الزرعة مشيرا إلى غيط من القمح معلوم وامتنع من الأكل منها ثم إنه نقى أرضه في عام آخر من قمح تلك الزرعة المذكورة وأكل منه فهل يحنث أو لا ؟ والجواب عنه أن الظاهر عدم الحنث لزوال الاسم والصورة ويؤيد ذلك قول الشارح السابق ، ولو حلف ليأكلن مما في كمه وقد حلف لا يأكل البيض .

[ فائدة أخرى ] لو حلف لا يأكل طبيخا فلا يحنث إلا بما فيه ودك أو زيت أو سمن انتهى متن الروض ( قوله : وإن اتحدا جنسا ثم ) أي فيشملهما الغنم ، وينبغي أن الغنم لا تشمل الظباء لأنها إنما يطلق عليها شاة البر ( قوله : وأما الزفر في عرف العوام ) أي : ولو كان الحالف غير عامي إذ ليس له عرف خاص

حاشية المغربي

( فصل ) في الحلف على أكل وشرب

( قوله : أو لا يشتريها مثلا ) أي بخلاف نحو لا يحملها أو لا يمسها أخذا مما مر آنفا فليراجع [ ص: 197 ] قوله : أي من أهل بلد إلخ ) هذا واجب الإصلاح كما نبه عليه والد الشارح فيما كتبه على شرح المنهج ، ونقله عنه ابن قاسم لأنه مبني على الضعيف وهو أن الرءوس إذا بيعت في بلد حنث بأكلها الحالف من أهل تلك البلد خاصة والصحيح عدم الاختصاص لأن العرف إذا ثبت في موضع عم وهذا محصل ما كتبه ابن قاسم على التحفة الموافقة لما هنا ( قوله : بخلاف الناطف ) هو حلاوة تعقد ببياض البيض ، ( قوله ولا حنث عليه ) أي ويبر [ ص: 198 ] قوله : وخنزير وذئب ) هما داخلان في الميتة ( قوله : لأنه يصح إطلاق عدم صدق اسم اللحم إلخ ) في العبارة قلاقة لا تخفى [ ص: 199 ] قوله : ويفرق بين تناول الإنسي للوحشي هنا ) حق التعبير كما قاله الشهاب ابن قاسم ، ويفرق بين تناول اسم البقر أيضا مثلا للإنسي والوحشي جميعا ( قوله : أخذا مما مر ) أي في الطلاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية