صفحة جزء
( و ) ثالثها ( ستر العورة ) عن العيون من إنس وجن وملك مع القدرة عليه ولو خاليا أو في ظلمة لإجماعهم على الأمر به فيها ، والأمر بالشيء نهي عن ضده ، وهو هنا يقتضي الفساد ولقوله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال ابن عباس المراد به الثياب في الصلاة ، وفي الأول إطلاق اسم الحال على المحل ، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال لوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل ، وهذا ; لأن أخذ الزينة وهي عرض محال فأريد محلها وهو الثوب مجازا ، ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { لا يقبل الله صلاة حائض } أي بالغة " إلا بخمار " إذ الحائض زمن حيضها لا تصح صلاتها بخمار ولا غيره ، وظاهر أن غير البالغة كالبالغة لكنه قيد بها جريا على الغالب ، فإن عجز عن ذلك صلى عاريا وأتم ركوعه وسجوده ولا إعادة عليه . وحكمة وجوب الستر فيها ما جرت به عادة مريد التمثل بين يدي كبير من التجمل بالستر والتطهير ، والمصلي يريد التمثل بين يدي [ ص: 6 ] ملك الملوك والتجمل له بذلك أولى .

ويجب سترها في غير الصلاة أيضا ، لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { لا تمشوا عراة } وقوله { الله أحق أن يستحيا منه } قال الزركشي : والعورة التي يجب سترها في الخلوة السوأتان فقط من الرجل وما بين السرة والركبة من المرأة نبه عليه الإمام ، وإطلاقهم محمول عليه . ا هـ . وظاهر أن الخنثى كالمرأة وفائدة الستر في الخلوة مع أن الله تعالى لا يحجبه شيء فيرى المستور كما يرى المكشوف أنه يرى الأول متأدبا والثاني تاركا للأدب ، فإن دعت حاجة إلى كشفها لاغتسال أو نحوه جاز بل صرح صاحب الذخائر بجواز كشفها في الخلوة لأدنى غرض ولا يشترط حصول الحاجة ، وعد من الأغراض كشفها لتبريد ، وصيانة الثوب عن الأدناس والغبار عند كنس البيت ونحوه . نعم لا يجب سترها عن نفسه في غير الصلاة ، وإنما يكره نظره إليها من غير حاجة ، أما فيها فواجب .

فلو رأى عورة نفسه في صلاته بطلت كما في فتاوى المصنف الغريبة . وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى . والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح ، وسمي المقدار الآتي بيانه بها لقبح ظهوره ، [ ص: 7 ] وتطلق أيضا على ما يجب ستره في الصلاة ، وهو المراد هنا ، وعلى ما يحرم النظر إليه وسيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى .


حاشية الشبراملسي

( قوله : من إنس وجن وملك ) يفيد أن الثوب يمنع من رؤية الجن والملك فليراجع ، وقد يؤيد عدم رؤية الملك مع الثوب قصة خديجة رضي الله عنها عنها حين ألقت الخمار عن رأسها لتختبر حال جبريل لما كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم أول المبعث هل هو ملك أو لا ، فإن الملك لا يرى للمرأة الأجنبية مع عدم الستر ، وقد أشار إلى ذلك صاحب الهمزية بقوله :

فأماطت عنها الخمار لتدري أهو الوحي أم هو الإغماء     فاختفى عند كشفها الرأس جبري
ل فما عاد أو أعيد الغطاء

( قوله : وفي الأول ) أي إطلاق الزينة على الثياب : وقوله الثاني أي إطلاق المسجد على الصلاة ( قوله : وهذا ) أي الحمل ( قوله : وهو الثوب مجازا ) عبارة القاموس الزينة بالكسر ما يتزين به . ا هـ .

وعليه فلا مجاز . اللهم إلا أن يقال : إن ما في القاموس مجاز ، وهو كثيرا ما يرتكبه في كلامه ( قوله : جريا على الغالب ) أي من أن الصلاة من النساء لا تكون غالبا إلا من البالغات ( قوله : فإن عجز عن ذلك ) أي بأن لم يجد ما يستتر به ، ولم ينسب إلى تقصير لما يأتي له بعد قول المصنف ولو اشتبه من قوله ولو اجتهد في الثوبين ونحوهما فلم يظهر له شيء إلخ ، وقوله عن ذلك : أي الستر ( قوله : صلى عاريا ) أي الفرائض والسنن على ما مر له في التيمم من اعتماده ، ولا يحرم عليه رؤية عورته في هذه [ ص: 6 ] الحالة فلا يكلف غض البصر ( قوله : قال الزركشي إلخ ) بين به أن العورة التي يجب سترها في غير الصلاة ليست عورة الصلاة ( قوله : والركبة من المرأة ) شمل الأمة لكن جعلها حج كالرجل ، وكتب عليه سم المتجه الأمة كالحرة ، وهو المعتمد مر ( قوله : يرى الأول ) أي يعلمه .

( قوله : بل صرح صاحب الذخائر ) معتمد ( قوله : بجواز كشفها في الخلوة لأدنى غرض ) أي بلا كراهة أيضا ، وليس من الغرض حاجة الجماع ; لأن السنة فيه أن يكونا مستترين ، وقوله بلا كراهة بجر كراهة منونة ; لأن لا زائدة . فإن قلت : لا زيادة إذ الزائد دخوله في الكلام كخروجه ، وليست هذه منه إذ هي تفيد النفي . قلنا : هذه زائدة لفظا فتخطاها العامل . ا هـ . ( قوله : وصيانة الثوب ) قيده حج بثوب التجمل . أقول : وله وجه ظاهر ( قوله : فلو رأى عورة نفسه إلخ ) ظاهره ولو كان طوقه ضيقا جدا ، وهو ظاهر ، لكن عبارته فيما يأتي تفيد التقييد بالواسع ، إلا أن يقال : إن ذاك مجرد تصوير .

وما ذكر في الضيق ظاهر في غير الأعمى ، أما هو فينبغي أن لا تبطل صلاته أخذا مما يأتي فيما لو تبين أن ببدن إمامه أو ثيابه نجاسة من فرض البعيد قريبا والأعمى بصيرا إلخ وإنما قلنا بعدم بطلان صلاته ; لأن سترته شرعية والنظر منه مستحيل ولا قوة فيه ولا فعل ( قوله : كما في فتاوى المصنف ) أي فعلى هذا يكون النظر حراما . ا هـ رملي على شرح الروض . وهو ظاهر إن كانت الصلاة فرضا ، وكذا النفل إن لم يقصد قطعه بالنظر ، وإلا فلا حرمة لجواز الخروج منه ( قوله : والشيء المستقبح ) [ ص: 7 ] عطف مغاير ( قوله : وتطلق ) أي شرعا ولو عبر به كان أولى .

حاشية المغربي

[ ص: 5 ] قوله : عن العيون ) أي بفرض وجودها ( قوله : والأمر بالشيء نهي عن ضده إلخ ) لا حاجة إليه هنا وهو تابع فيهللشهاب حج في الإمداد ، لكن ذاك إنما يحتاج إليه لأن الإرشاد إنما تكلم على الستر من حيث إن عدمه مبطل حيث قال وبعدم ستر عطفا على قوله بحدث من قوله تبطل الصلاة بحدث ، فاحتاج في الشرح إلى ما ذكر ليتم الدليل على [ ص: 6 ] المدعى من بطلان الصلاة بخلاف ما هنا .

( قوله : لأدنى غرض ) ومنه كما هو ظاهر غرض الجماع وسن الستر عنده لا يقتضي حرمة الكشف كما لا يخفى خلافا لما في حاشية الشيخ ، وإلا لكان الستر عنده واجبا لا مسنونا ، ويلزمه أن يقول بمثله في الكشف للبول أو الغائط ; لأن الستر عندهما مسنون ولا قائل به كما هو ظاهر ( قوله : أما فيها فواجب ) أي لصحة الصلاة كما بينه بعد بقوله فلو رأى عورة نفسه إلخ فلا يقتضي ما ذكر حرمة رؤية الإنسان عورة نفسه في الصلاة ووجهه في النفل ظاهر ; لأن له قطعه متى شاء ، وكذا في الفرض ; لأن الحرمة إنما هي من جهة قطعه لا من جهة خصوص النظر ، فما في حاشية الشيخ عن حواشي شرح الروض من أخذ حرمة النظر إلى العورة في الصلاة مما ذكر محل وقفة ، على أنه ليس المراد بالرؤية التي تبطل بها الصلاة الرؤية بالفعل حتى يترتب عليه الحرمة أو عدمها ، بل المراد الرؤية بالقوة نظير ما يأتي .

وفي عبارة الشهاب سم في حواشي التحفة إشارة إليه ، وعبارته بعد كلام ساقه عن الروضة نصها : وظاهره أنه لا يجب سترها عن نفسه في الصلاة ، لكن المعتمد كما قاله شيخنا م ر وجوب سترها عن نفسه في الصلاة ، حتى لو لبس غرارة وصار بحيث يمكنه رؤية عورته لم تصح صلاته [ ص: 7 ] قوله : وتطلق أيضا ) أي شرعا وإن أفهم كلامه خلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية