صفحة جزء
( و ) رابعها ( طهارة الحدث ) الأصغر وغيره عند قدرته فإن عجز فقد مر في التيمم فلو لم يكن متطهرا عند إحرامه مع قدرته على الطهارة لم تنعقد صلاته ، وإن أحرم متطهرا ثم أحدث نظر ( فإن سبقه ) حدثه غير الدائم ( بطلت ) صلاته كما لو تعمد الحدث لبطلانها بالإجماع ، وشمل ذلك فاقد الطهورين إذا سبقه الحدث فتبطل صلاته كما هو ظاهر كلام الأصحاب خلافا للإسنوي ( وفي القديم ) ونسب للجديد لا تبطل صلاته بل يتطهر و ( يبني ) على صلاته لعذره ، وإن كان حدثه أكبر لحديث فيه ضعف باتفاق المحدثين ، ومعنى البناء أن يعود إلى الركن الذي سبقه الحدث فيه ، ويجب تقليل الزمان والأفعال قدر الإمكان ، ولا يجب عليه البدار الخارج عن العادة ، فلو كان للمسجد بابان فسلك الأبعد بطلت صلاته ، وليس له بعد طهارته عود إلى موضعه الذي كان يصلي فيه ما لم يكن إماما لم يستخلف أو مأموما يبغي فضيلة الجماعة ، كذا نقله الرافعي عن التتمة وأقره وجزم به في الروضة ، لكن في التحقيق أن الجماعة عذر مطلقا ، فيدخل فيه المنفرد والإمام المستخلف .

أما حدثه الدائم كسلس بول فغير ضار على ما مر في الحيض ، وإن أحدث مختارا بطلت صلاته قطعا علم كونه في الصلاة أم كان ناسيا . ولو نسي الحدث فصلى أثيب على قصده دون فعله إلا القراءة ونحوها مما لا يتوقف على الوضوء فيثاب على فعله أيضا . قال ابن عبد السلام : وفي إثابته على القراءة إذا كان جنبا نظر ، والأقرب كما يؤخذ مما مر عدم إثابته ( ويجريان ) أي القولان ( في كل مناقض ) أي مناف للصلاة ( عرض ) فيها ( بلا تقصير ) من [ ص: 15 ] المصلي ( وتعذر دفعه في الحال ) كما لو تنجس بدنه أو ثوبه واحتاج إلى الغسل أو طيرت الريح ثوبه إلى مكان بعيد ( فإن أمكن ) دفعه في الحال ( بأن كشفته ريح فستر في الحال لم تبطل ) صلاته لانتفاء المحذور ، وكذا لو سقط على ثوبه نجاسة رطبة فألقى الثوب حالا أو يابسة فسقطت في الحال ، ولا يجوز له أن ينحيها بيده أو كمه أو بعود على أصح الوجهين ، فإن فعل بطلت صلاته

( وإن قصر ) في دفعه ( بأن فرغت مدة خف فيها ) أي الصلاة ( بطلت ) قطعا لتقصيره مع احتياجه إلى غسل رجليه أو الوضوء باتفاق القولين ، حتى لو غسل في الخف رجليه قبل فراغ المدة لم يؤثر ، إذ مسح الخف يرفع الحدث فلا تأثير للغسل قبل فراغ المدة ، ومثله غسلهما بعدها لمضي مدة ، وهو [ ص: 16 ] محدث على أنه لو وضع في الماء رجليه قبل فراغها واستمر إلى انقضائها لم تصح صلاته ; لأنه لا بد من حدث ثم يرتفع ، وأيضا لا بد من تجديد نية ; لأنه حدث لم تشمله نية وضوئه الأول ، وهذا ظاهر حيث دخل فيها ظانا البقاء ، فإن قطع بانقضاء المدة فيها اتجه كما قاله السبكي عدم انعقادها ، وفارق ما تقدم فيما لو كانت عورته تنكشف في ركوعه حيث حكم بانعقادها على الصحيح بعدم قطعه ثم بالبطلان ، بل صحتها ممكنة بأن يسترها بشيء عند ركوعه ، بخلافه هنا إذ كيف يقال بانعقادها مع القطع بعدم استمرار صحتها وكيف يتحقق نيتها . نعم إن كان في نفل مطلق يدرك منه ركعة فأكثر انعقدت ، ولو افتصد مثلا فخرج دمه ، ولم يلوث بشرته أو لوثها قليلا لم تبطل .


حاشية الشبراملسي

( قوله : مع قدرته ) خرج به فاقد الطهورين فإن صلاته تنعقد ( قوله : فإن سبقه ) أي المصلي لا بقيد كونه متطهرا ، ومثله : أي مثل رجوع الضمير للمقيد بدون قيده بقرينة كثير في كلامهم إذا قامت على ذلك قرينة ، والقرينة هنا بطلان صلاته كما هو ظاهر كلام الأصحاب ، فصح قول الشارح وشمل ذلك إلخ ( قوله : وشمل ذلك ) في دعوى الشمول بعد تقييده الإحرام بكونه متطهرا نظر ، وعليه فكان الأولى ترك التقييد أو يقيد ثم يقول ولو كان فاقدا إلخ ( قوله : أن يعود إلى الركن الذي سبقه الحدث فيه ) قضيته أنه لو أحدث في التشهد الأول أو جلوس الاستراحة لم يجب عليه العود له ، وينبغي خلافه وأنه يجب العود إليه ليقوم منه ; لأن قيامه مع الحدث لا يعتد به ، وظاهر قول المحلي عقب قول المصنف يبني بعد الطهارة على ما فعله منها يشعر به ; لأنه لم يقيد بركن ولا بغيره .

( قوله : فلو كان للمسجد ) لو عبر بالواو كان أولى ; لأنه لا يتفرع عما قبله ( قوله : والأقرب ) من كلام الشارح ( قوله : عدم إثابته ) قال سم على حج : قوله : إلا من نحو جنب إلخ يفيد أنه لا يثاب عليها بل على قصدها فقط . ونقل عن شيخنا [ ص: 15 ] الشهاب الرملي أن قراءة الجنب لا بقصد القرآن يثاب عليها ثواب الذكر ، وهو لا ينافي ذلك ; لأنه هنا لم يصرفها عن القرآنية لنسيانه الجنابة ولم يوجد شرط ثوابها من الطهارة ، وهناك انصرفت عن القرآنية لعدم قصدها فصارت ذكرا فأثيب على الذكر . وقد يقال : نسيانه الجنابة لا يقتضي قصد القرآنية فينبغي حينئذ أن يثاب عليها ثواب الذكر لانصرافها عن القرآنية بسبب الجنابة ، بل ينبغي أن يثاب كذلك ، وإن قصدها إلغاء لقصدها لعدم مناسبته . ا هـ ( قوله : بأن كشفته ريح ) قال سم على حج : ولو تكرر كشف الريح وتوالى بحيث احتاج في الستر إلى حركات كثيرة متوالية فالمتجه البطلان بفعل ذلك ; لأن ذلك نادر ، ويؤيده ما قالوه فيما لو صلت أمة مكشوفة الرأس فعتقت في الصلاة ووجدت خمارا تحتاج في مضيها إليه إلى أفعال كثيرة أو طالت مدة التكشف من أن صلاتها تبطل . ا هـ .

ورأيت بهامش عن سم ما نصه : وينبغي أن مثل الريح الآدمي غير المميز والبهيمة ولو معلمة . ا هـ . وقوله غير المميز مفهومه أن المميز يضر ، ويوجه ذلك بأن له قصدا فبعد إلحاقه بالريح ، بخلاف غير المميز فإنه لما لم يكن له قصد أمكن إلحاقه به هذا . ونقل عن شيخنا الزيادي الضرر في غير المميز وعلله بندرته في الصلاة فليراجع . أقول : وهو قياس ما قالوه في الانحراف عن القبلة مكرها فإنه يضر ، وإن عاد حالا ، وعللوه بندرة الإكراه في الصلاة فاعتمده .

( قوله : نجاسة رطبة ) قال سم على حج : تنبيه : لو دار الأمر بين إلقاء النجاسة حالا لتصح صلاته لكن يلزمه إلقاؤها في المسجد لكونه فيه وبين عدم إلقائها صونا للمسجد عن التنجيس لكن تبطل صلاته ، فالمتجه عندي مراعاة صحة الصلاة ، وإلقاء النجاسة حالا في المسجد ثم إزالتها فورا بعد الصلاة ; لأن في ذلك الجمع بين صحة الصلاة وتطهير المسجد ، لكن يغتفر إلقاؤها فيه وتأخير التطهير إلى فراغ الصلاة للضرورة فليتأمل . وقولنا فالمتجه إلخ وافق عليه م ر في الجافة ومنعه في الرطبة ، وهو متجه إن اتسع الوقت . ا هـ . وفيه أيضا قوله : أو نقضها حالا ينبغي أو غسلها حالا كأن وقع عليه نقطة بول فصب عليها حالا الماء بحيث طهر محلها بمجرد صبه حالا ، والمتجه أن البدن كالثوب في ذلك بجامع اشتراط طهارة كل منهما ، فإذا وقع عليه نقطة بول مثلا فصب فورا الماء عليها إلخ بحيث طهر المحل بمجرد الصب حالا لم تبطل صلاته ، كما لو وقع عليه نجس جاف فألقاه عنه حالا بنحو إمالته فورا حتى سقط عنه النجس ، إذ لا فرق في المعنى بين إلقاء النجس الجاف فورا وصب الماء على النجس الرطب فورا في كل منهما فليتأمل . ثم رأيت عن الفتى فيما لو أصابه في الصلاة نجاسة حكمية فغسلها فورا أن أول كلام الروضة يفهم صحة صلاته ، وآخره يفهم خلافه . ا هـ .

وقوله : يفهم خلافه ظاهر ; لأنه يصدق عليه أنه حامل للنجاسة إلى وقت الغسل ، فأشبه ما لو حمل الثوب الذي وقعت عليه نجاسة . وفي كلام شيخنا العلامة الشوبري : وأما إلقاؤها على نحو مصحف أو في نحو جوف الكعبة فالوجه مراعاتهما ولو جافة لعظم حرمتهما فليحرر ( قوله : فسقطت ) أي وأسقطها على وجه لم يعد حاملا لها ( قوله : مع احتياجه ) أي فإن لم يحتج لذلك كأن غسل رجليه داخل الخف ، وهو محدث ثم انقضت مدة الخف بعد ذلك ، وهو يصلي لم تبطل صلاته لبقاء طهارته ( قوله : قبل فراغ المدة ) أي ، وهو بطهارة المسح ; لأن هذا [ ص: 16 ] الغسل لم يرفع الحدث ( قوله : عدم انعقادها ) معتمد خلافا لحج حيث قال بعد كلام ذكره : يقتضي عدم الانعقاد والذي يتجه انعقادها حتى تصح القدوة به ، وفي الروض وشرحه ما يوافقه ( قوله : انعقدت ) أي ويقتصر على ما أمكنه فعله منه ( قوله : أو لوثها قليلا ) أفهم أنه إن لوثها كثيرا بطلت صلاته ، ولعل وجهه أن الكثير إذا كان بفعله لا يعفى عنه واقتصاده من فعله ، وقياسه أنه لو كان فيه دمل ففتحه فخرج منه دم كثير لا يعفى عنه ، وينبغي أن محل عدم العفو عند فتحه إذا خرج الدم متصلا بالفتح ، فلو لم يخرج عقب الفتح لكنه تحلل وخرج بعده بمدة بحيث لا ينسب خروجه للفتح لم يضر .

حاشية المغربي

[ ص: 14 - 16 ] ( قوله : نعم إن كان في نفل مطلق ) أي ولم ينو عددا كما هو ظاهر

التالي السابق


الخدمات العلمية