صفحة جزء
كتاب أمهات الأولاد

ختم المصنف كتابه بأبواب العتق رجاء أن يعتقه الله من النار ، وأخر عنها هذا الكتاب لأن العتق فيه يستعقب الموت الذي هو خاتمة أمر العبد في الدنيا ويترتب العتق فيه على عمل عمله العبد في حياته ، والعتق فيه قهري مشوب بقضاء أوطار [ ص: 427 ] وهو قربة في حق من قصد به حصول ولد وما يترتب عليه من عتق وغيره ، وقد قام الإجماع على أن العتق من القربات سواء المنجز والمعلق . وأما تعليقه فإن قصد به حث أو منع أو تحقيق خبر فليس بقربة وإلا فهو قربة ، والأصح أن العتق باللفظ أقوى من الاستيلاد لترتب مسببه عليه في الحال وتأخره في الاستيلاد ولحصول السبب بالقول قطعا بخلاف الاستيلاد لجواز موت المستولدة أولا ولأن العتق بالقول مجمع عليه ، بخلاف الاستيلاد . وأمهات : بضم الهمزة وكسرها مع فتح الميم وكسرها جمع أمهة أصل أم أو جمع أم ، وأصلها أمهة بدليل جمعها على ذلك قاله الجوهري . قال : وقال بعضهم الأمهات للناس والأمات للبهائم ، وقال غيره : يقال فيهما أمهات وأمات ، لكن الأول أكثر في الناس والثاني أكثر في غيرهم وأنشد الزمخشري للمأمون بن الرشيد :

وإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء

والأصل في الباب مجموع أحاديث عضد بعضها بعضا ، كخبر { أنه صلى الله عليه وسلم قال في مارية أم إبراهيم لما ولدت أعتقها ولدها } أي أثبت لها حق الحرية رواه الحاكم ، وقال : إنه صحيح الإسناد ، وصححه ابن حزم أيضا ، ورواه ابن ماجه بسند ضعيف . قال الزركشي : وذكر ابن القطان له إسنادا آخر وقال إنه جيد ا هـ .

وقول عائشة رضي الله عنها { ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة } رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي . وكانت مارية من جملة المخلف عنه ، ولم يثبت أنه أعتقها في حياته ولا علق عتقها بوفاته ، وخبر الصحيحين عن أبي سعيد { قلنا : يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل ؟ [ ص: 428 ] فقال : ما عليكم أن لا تفعلوا ، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة } وفي رواية للنسائي { فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا ومنا من يريد البيع فتراجعنا في العزل } الحديث ، وفي رواية لمسلم { فطالت علينا الغربة ورغبنا في الفداء وأردنا أن نستمتع ونعزل } قال البيهقي : لولا أن الاستيلاد يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم لأجل محبة الأثمان فائدة . وخبر ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم { قال أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه } رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والحاكم ، وصحح إسناده ، وقال ابن حجر : له طرق . وفي رواية للدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس أيضا { أم الولد حرة وإن كان سقطا } وخبر { أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع منها سيدها ما دام حيا ، فإذا مات فهي حرة } رواه الدارقطني والبيهقي وصححا وقفه عن عمر رضي الله عنه ، وخالف ابن القطان فصحح رفعه وحسنه وقال رواته كلهم ثقات .

، وخبر الصحيحين { إن من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها } وفي رواية " ربها " أي سيدها ، فأقام الولد مقام أبيه وأبوه حر فكذا هو ، وقد استنبط عمر رضي الله عنه امتناع بيع أم الولد من قوله تعالى { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } فقال : وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم . وكتب إلى الآفاق : لا تباع أم امرئ منكم فإنه قطيعة وإنه لا يحل . رواه البيهقي مطولا ، وإنما قدمت ذكر الأدلة لأن رتبة الدليل العام التقديم ، وقد قال الفخر الرازي : إن المحققين جرت عادتهم بأنهم يذكرون أول الباب ما هو الأصل والقاعدة ثم يخرجون عليه المسائل .

( إذا أحبل أمته فولدت حيا أو ميتا أو ما يجب فيه غرة ) كمضغة فيها صورة آدمي ظاهرة أو خفية أخبر بها القوابل ويعتبر أربع منهن أو رجلان خبيران أو رجل وامرأتان ( عتقت بموت السيد ) لما مر ، ولأن ولدها كالجزء منها وقد انعقد حرا فاستتبع الباقي كالعتق ، لكن العتق فيه قوة من حيث صراحة اللفظ فأثر في الحال وهذا فيه ضعف فأثر بعد الموت ، ولما روى البيهقي عن ابن عمر أنه قال " أم الولد أعتقها ولدها [ ص: 429 ] وإن كان سقطا " وصرح ابن عباس بروايته عن عمر ، نعم لو مات بعد انفصال بعضه ثم انفصل باقيه لم تعتق إلا بتمام انفصاله ، وشمل قوله أحبل إحباله بوطء حلال أو حرام بسبب حيض أو نفاس أو إحرام أو فرض صوم أو اعتكاف ، أو لكونه قبل استبرائها ، أو لكونه ظاهر منها ثم ملكها قبل التكفير ، أو لكونها محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، أو لكونها مزوجة أو معتدة أو مجوسية أو وثنية أو مرتدة أو مكاتبة ، أو لكونها مسلمة وهو كافر ، وتعبيره بالإحبال جرى على الغالب ، فلو استدخلت ذكره أو ماءه المحترم وعلقت منه ثبت إيلادها وعتقت بموته ، وعلم من تعبيره بالإحبال أنه لا بد أن يكون بحيث يولد لمثله ، وأنه لا فرق بين كونه عاقلا ومجنونا ومختارا ومكرها ومحجورا عليه بسفه ، وشمل كلامه ما لو اشترى زوجته ثم وطئها وأتت بولد يمكن كونه من وطئه في النكاح ومن وطئه في ملك اليمين ، ومحل ما ذكره إذا لم يتعلق بالأمة حق الغير وإلا لم ينفذ الإيلاد كما لو أولد راهن معسر مرهونة بغير إذن المرتهن إلا إن كان المرتهن فرعه كما بحثه بعضهم ، فإن انفك الرهن نفذ في الأصح ، وكما لو أولد مالك معسر أمته الجانية المتعلق برقبتها مال ، وإلا إن كان المجني عليه فرع مالكها ، وكما لو أولد محجور فلس أمته كما رجحه السبكي والأذرعي الدميري وهو المعتمد .

وإن ذهب الغزالي إلى النفوذ ورجحه في المطلب وقال البلقيني وابن النقيب : إنه الذي يظهر القطع به لأن حجر الفلس دائر بين حجر السفه والمرض وكلاهما ينفذ معه الإيلاد ، فقد رد بأنه امتاز عن حجر المرض بعموم الحجر عليه فيما معه وعن حجر السفه بكونه لحق [ ص: 430 ] الغير ، وكما لو أولد وارث معسر جارية تركة مورثه المديون وكما لو أقر محجور سفه بإيلاد أمته ولم يثبت كونها فراشا له فإنه لا يقبل وتباع إن اختاره الولي ، فإن ثبت كونها فراشا له وولدته لمدة الإمكان ثبت الإيلاد كما مر ، ولو أقر بنسبه ثبت نسب الولد وحريته وأنفق على المستلحق من بيت المال وكما لو أولد معسر جارية تجارة عبده المأذون المديون بغير إذن العبد والغرماء ، وكما لو أولد أمة نذر التصدق بثمنها أو بها بخلاف ما لو نذر إعتاقها ، ويجاب بمنع استثنائها لزوال ملكه عنها بمجرد نذره التصدق بها أو بثمنها ، وكما لو أولد وارث أمة نذر مورثه إعتاقها وكما لو أولد وارث أمة اشتراها مورثه بشرط إعتاقها لأن نفوذه مانع من الوفاء بالعتق عن جهة مورثه ، وقال الزركشي لو اشترى الابن أمة بشرط العتق فأحبلها أبوه فالظاهر نفوذ إيلاده وتؤخذ منه القيمة وتكون كقيمة العبد المشترى بشرط العتق إذا قتل .

والأصح أنها للمشتري فكذا هنا تكون للولد ، رد بأنها لما منع الشارع من بيعها وسد باب نقلها على المشتري أشبهت مستولدة الابن فلا تصير مستولدة للأب ، فلا يقال إن إيلاد المشتري إياها نافذ فكذا إيلاد أبيه لأن الوفاء بالشرط مع إيلاد المشتري ممكن ولا كذلك إيلاد أبيه ، وكما لو أولد وارث أمة أو أوصى مورثه بإعتاقها ، وهي تخرج من الثلث فلا ينفذ لإفضائه إلى إبطال الوصية ، وكما لو أولد مكاتب أمته فلا ينفذ ، ويحرم عليه وطؤها وإن أذن له سيده لضعف ملكه ، ولو أولد المبعض أمة ملكها ببعضه الحر نفذ إيلاده كما اقتضاه إطلاق المصنف وصححه البلقيني وغيره ، وجزم به الماوردي ، ولا يشكل عليه كونه غير أهل للولاء لأنه إنما يثبت له بموته ، فإن عتق قبله فذاك وإلا فقد زال ما فيه من الرق بموته ، ولو وطئ صبي لم يستكمل تسع سنين أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر لحقه ولم يحكم ببلوغه ولم يثبت إيلاده لأن النسب يكفي فيه الإمكان والأصل بقاء صغره وعدم صحة تصرفه والأصل عدم المانع من إزالة ملكه عن الأمة .

وخرج بقول المصنف أمته ، إيلاد المرتد فإنه موقوف كملكه وإيلاد الواقف أو الموقوف عليه الأمة الموقوفة فإنه لا ينفذ ، وما لو استدخلت مني سيدها [ ص: 431 ] المحترم بعد موته فإنها لا تصير أم ولد لانتفاء ملكه لها حال علوقها وإن ثبت نسب الولد وما بعده وورث منه لكون المني محترما ، ولا يعتبر كونه محترما حال استدخالها خلافا لبعضهم ، فقد صرح بعضهم بأنه لو أنزل في زوجته فساحقت بنته فحبلت منه لحقه الولد ، وكذا لو مسح ذكره بحجر بعد إنزاله في زوجته فاستجمرت به أجنبية فحبلت منه ، واستثنى من مفهوم كلامه مسائل يثبت فيها الإيلاد : الأولى إذا أحبل أمة مكاتبه . الثانية إذا أحبل أصل حر أمة فرعه التي لم يولدها وإن كان معسرا ، وتجب عليه قيمتها ، وكذا مهرها إن تأخر الإنزال عن مغيب الحشفة .

الثالثة لو وطئ أمة اشتراها بشرط الخيار للبائع بإذنه لحصول الإجازة حينئذ . الرابعة جارية المغنم إذا وطئها بعض الغانمين وأحبلها قبل القسمة واختيار التملك فقد أحبلها قبل ملكه لشيء منها ، والولد حر نسيب إن كان الواطئ موسرا ، وكذا معسرا كما نقلاه عن تصحيح القاضي أبي الطيب والروياني وغيرهما ، وينفذ الإيلاد في قدر حصته إن كان معسرا ويسري إلى باقيها إن كان موسرا لأن حق الغانم أقوى من حق الأب في مال ابنه ، كذا في الحاوي الصغير تبعا لقول العزيز الظاهر المنصوص نفوذه ، ورجحه الإمام وجزم به البغوي ، لكنه نقل عدم نفوذه عن العراقيين وكثير من غيرهم وجعله في أصل الروضة المذهب ، ثم فرع عليه أنه لو ملكها بعد بشبهة أو بسبب آخر هل ينفذ الإيلاد ؟ فيه قولان كنظائره في مرهونة وجانية ونحوهما أظهرهما النفوذ ، ويحتمل أن يريد بنظائره إيلاد أمة الغير بشبهة أو نكاح ، ولا ينافيه ترجيح النفوذ هنا إذ لا يلزم من جريان الخلاف الاتحاد في الترجيح ويفرق بقوة حق الغانم .

الخامسة التي يملك بعضها إذا أحبلها سرى الإيلاد إلى نصيب شريكه إن كان موسرا كالعتق ، فإن كان معسرا فلا إلا إذا كان شريك المولد فرعا له كما لو أولد الأمة التي كلها لفرعه ، وحيث سرى الإيلاد فالولد حر كله وإلا فالمحكي عن العراقيين أنه حر كله ولا يتبعض . وحكى الرافعي في السير في أمة المغنم تصحيحه عن القاضي أبي الطيب والماوردي وغيرهما ، وصححه في الشرح الصغير وأصل الروضة ، وحكى الرافعي في آخر الكتابة القول بالتبعيض عن أبي إسحاق وأن البغوي قال إنه الأصح ، وجعله في أصل الروضة [ ص: 432 ] الأصح ، وقال الرافعي : في الكلام على وطء أحد الشريكين هل يكون الولد حرا كله أو نصفه ؟ قولان أظهرهما الثاني . وقال في باب ما يحرم من النكاح : ولو قدر على نكاح من بعضها حر فهل له نكاح الأمة المحضة ، تردد فيه الإمام لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله ا هـ .

قال بعضهم : فالتبعيض هو المعتمد إلا في ولد أمة المغنم إذا أحبلها بعض الغانمين وإن كان معسرا ، لقوة الشبهة فيها كما يؤخذ مما مر ، وكذا ولد المشتركة بين المبعض وسيده لأن المانع من نفوذ استيلاده في الحال إنما هو كونه ليس من أهل الولاء لما فيه من الرق ، فإذا زال بعتقه عمل المقتضى عمله حيث كان موسرا عند الإحبال فيثبت الإيلاد . السادسة الأمة التي يملك فرعه بعضها إذا أولدها الأب الموسر سرى الإيلاد إلى نصيب الشريك الأجنبي أيضا . فإن كان معسرا لم يسر . ويجاب عن هذه المسائل بأن الأصح فيها تقدير انتقال الملك قبيل العلوق فلم يقع الإيلاد إلا في ملكه ، وخرج بقوله أو ما تجب فيه غرة ما لو قلن إنه أصل آدمي ولو بقي لتصور فإنه لا يثبت الإيلاد كما لا تجب به الغرة وإن انقضت به العدة ، وأفاد كلامه أن أم ولد الكافر المسلمة لا يجبر على إعتاقها بل يحال بينهما ، ولو سبيت مستولدة كافر زال ملكه عنها ولم تعتق بموته وكذا مستولدة الحربي إذا أرق ، ولو قهرت مستولدة الحربي سيدها عتقت في الحال ، وشمل قوله عتقت بموته ما لو قتلته فإنها تعتق بموته وإن استعجلت الشيء قبل أوانه لأن الإحبال كالإعتاق ، ولهذا يسري إلى نصيب الشريك فلا يقدح القتل فيه كما لو قتل من أعتقه وتجب ديته في ذمتها .

وما لو مات سيدها قبل وضعها ثم وضعته لمدة يحكم فيها بثبوت نسبه منه فإنه يتبين عتقها بموته ولها أكسابها بعده ، وإسناد أحبل إلى الضمير مجاز عقلي ، ويسمى مجازا حكميا ومجازا في الإثبات وإسنادا مجازيا نحو أنبت الربيع البقل ، وأنث المصنف ولدت وعتقت لأنه يجب تأنيث الفعل بتاء ساكنة في آخر الماضي وبتاء المضارعة في أول المضارع إذا كان فاعله مؤنثا في مسألتين : إحداهما أن يكون ضميرا متصلا . وثانيهما أن يكون متصلا حقيقي التأنيث ، وإنما قال قال عتقت بموت السيد ولم [ ص: 433 ] يقل بموته مع أنه أخصر ليفيد أن كل من أحبل أمته ولم ينفذ إيلاده لمانع لا تعتق بموته والحياة ضد الموت وهو عدم الحياة ويعبر عنه بمفارقة الروح الجسد ، وقيل عدم الحياة عما من شأنه الحياة وقيل عرض يضادها لقوله تعالى { خلق الموت والحياة } ورد بأن المعنى قدر والعدم مقدر


حاشية الشبراملسي

كتاب أمهات الأولاد

( قوله : لأن العتق فيه يستعقب ) الأولى يعقب إلخ ( قوله : والعتق فيه ) أي في هذا الباب ( قوله : أوطار ) أي [ ص: 427 ] أغراض ( قوله : في حق من قصد به ) أي بالوطء المؤدي للإحبال ( قوله والأصح أن العتق باللفظ أقوى ) أي من حيث الثواب ، وقد يؤخذ من هذا أنه لا يترتب على عتق المستولدة ما يترتب على الإعتاق المنجز باللفظ ، ومنه أن الله تعالى يعتق بكل عضو من العتيق عضوا من المعتق ( قوله أو جمع أم ) أي أو هو جمع أم بدليل جمعها على ذلك ( قوله : لكن الأول ) وهو أمهات على هذا القول ( قوله : وأنشد ) هذا يجري على القولين ( قوله : للمأمون ) أي من كلام المأمون لا أنه خاطبه به ( قوله : وكانت مارية من جملة المخلف عنه ) أي فدل ذلك على عتقها بوفاته صلى الله عليه وسلم [ ص: 428 ] قوله : فقال صلى الله عليه وسلم ما عليكم ) أي ما عليكم ضرر في عدم العزل ( قوله : صلى الله عليه وسلم { ما من نسمة كائنة } ) أي في علم الله ، وقوله إلا وهي كائنة : أي مخلوقة مصورة { قوله صلى الله عليه وسلم أيما أمة } مبتدأ وما زائدة .

( قوله : صلى الله عليه وسلم فهي حرة عن دبر ) أي بعد آخر جزء من حياته . قال في المصباح : الدبر بضمتين وسكون الباء خلاف القبل من كل شيء ، ومنه يقال لآخر الأمر دبر ، وأصله ما أدبر عنه الإنسان ا هـ ( قوله : صلى الله عليه وسلم أم الولد حرة ) أي آيلة للحرية ( قوله : صلى الله عليه وسلم يستمتع منها ) أي من أم الولد ( قوله : صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة ) إنما كان ذلك من أشراط الساعة لأنه إنما يكون عند كثرة الفتوحات وكثرة الجواري بأيدي المسلمين وذلك من علامات الساعة ، وقيل إنما كان ذلك من أشراطها لأن السيد قد يطأ أمته فتحبل منه أو تلد ثم يبيعها رغبة في ثمنها ، فإذا كبر ولدها اشتراها وهو لا يدري أنها أمه فيصدق أنها ولدت سيدها المالك لها صورة ( قوله : وقد استنبط عمر رضي الله عنه إلخ ) لا يقال : لا حاجة إليه مع ما تقدم من الأحاديث . لأنا نقول : المخالف في ذلك قد يؤول الأحاديث بأن مارية إنما حرم بيعها احتراما له صلى الله عليه وسلم كما حرمت زوجاته على غيره بعده .

( قوله : وكتب إلى الآفاق ) أي النواحي ( قوله والقاعدة ) عطف تفسير ( قوله : إذا أحبل أمته إلخ ) وفي خصائص الخيضري أن الحكم المترتب على الاستيلاد خاص بهذه الأمة ( قوله : لما مر ) أي من الأدلة [ ص: 429 ] قوله : وإن كان سقطا ) تقدم نظيره من حديث ابن عباس فيجوز أنه قاله ثم لعلمه به عن عمر رضي الله عنه أو أنه قاله اجتهادا منه أو لروايته عن غير عمر ( قوله : نعم لو مات ) أي السيد ( قوله : لم تعتق ) أي لم يتبين عتقها إلخ ( قوله : وعتقت بموته ) ومن استدخال المني ما لو ساحقت زوجته أمته أو إحدى أمتيه الأخرى فنزل ما بفرج المساحقة فحصل منه حمل فتعتق بموته كما سيأتي ( قوله : بحيث يولد لمثله ) ظاهره أنه إذا أتت به لتسع سنين ومدة إمكان الحمل حكم باستيلادها وإن لم يحكم ببلوغه ، وسيأتي التصريح بخلافه في قوله ولو وطئ صبي لم يستكمل تسع سنين إلخ ( قوله : وشمل كلامه ) لعل وجه الشمول أن المراد من قوله إذا أحبل الأعم من كونه أحبلها في الملك يقينا أو احتمالا ، وقد يتوقف في الحكم بالاستيلاد من أصله مع احتمال أن العلوق قبل الملك ، والأصل عدم الاستيلاد فحقه أن لا يثبت مع الشك إلا أن يقال إن الحادث يقدر بأقرب زمان فإضافته إلى ما بعد الملك أقرب لكن يشكل هذا على ما يأتي عن الصيدلاني الآتي بعد قول المصنف ولا تصير أم ولد إذا ملكها من قوله قال الصيدلاني ، وصورة ملكها حاملا أن تضعه قبل ستة أشهر إلخ .

( قوله : نفذ في الأصح ) ومثله ما لو بيعت في الدين ثم ملكها ( قوله : فرع مالكها ) وينبغي أن مثل ذلك ما لو ورث الجانية فرع مالكها فينفذ إيلاد المالك كما لو أحبل ملك فرعه فليراجع أو يفرق بينهما بأنها في هذه الصورة حيث خرجت عن ملك الأصل ولم يحكم باستيلادها عدت بالنسبة للفرع كما لو ملكها من أجنبي ، وقد يؤيد الفرق قوله الآتي قبيل وعتق المستولدة من رأس المال ، والفرق بينهما ثبوت الاستيلاد في الأولى بالنسبة للسيد لملكه إياها حالة علوقها في الأولى بخلاف الثانية ( قوله : فقد رد ) أي ما ذهب إليه الغزالي [ ص: 430 ] قوله : وتباع إن اختاره ) أي البيع الولي بأن رآه مصلحة ( قوله : فإن ثبت كونها فراشا له ) أي بأن شهدت بينة بوطئها لإقراره به ( قوله : ولو أقر ) أي السفيه ، وهذه مسألة استطرادية ، وقوله بنسبه : أي بنسب مجهول .

( قوله : ويجاب بمنع استثنائها ) أي من كلام المصنف وإلا فهي على التقديرين لا تصير مستولدة ( قوله : بشرط العتق ) أي أو نذر إعتاقها ( قوله : لم يستكمل تسع سنين ) صوابه استكمل تسع سنين ، ويدل عليه قوله لأن النسب يكفي فيه الإمكان ، فإن ما دون التسع لا يمكن فيه الإحبال ، وعبارة حج : وكأن وطئ صبي له تسع سنين أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر فيلحقه وإن لم يحكم ببلوغه ا هـ . اللهم إلا أن يقال : لم يستكمل تسع سنين على التحديد وقد قاربها بحيث يكون وطؤه قبل كمال التسع بما لا يسع حيضا وطهرا بناء على أن التسع تقريبية في المني كالحيض ، وقد مر أن المعتمد في المني أنها فيه تحديدية ، ويؤيد ما قاله حج قوله السابق أنه لا بد أن يكون بحيث يولد لمثله ( قوله : فإنه لا ينفذ ) وانظر هل الولد حر للشبهة أو رقيق لامتناع الوطء عليهم ، فيه نظر ، والأقرب أنه رقيق في المسائل [ ص: 431 ] الثلاث لأن الموطوءة ليست أمته وهذه الشبهة ضعيفة .

( قوله : وورث منه ) لعل حكمة الإرث مع كونه لم يكن حملا حين الموت أنهم اكتفوا بوجوده منيا بعد موته فحيث انعقد الولد منه بعد نزل منزلة وجوده وقت الموت ( قوله وكذا لو مسح ذكره ) أفهم أنه لو ألقت امرأة مضغة أو علقة فاستدخلتها امرأة أخرى حرة أو أمة فحلتها الحياة واستمرت حتى وضعتها المرأة ولدا لا يكون ابنا للثانية ، ولا تصير مستولدة للواطئ لو كانت أمة لأن الولد لم ينعقد من مني الواطئ ومنيها بل من مني الواطئ والموطوءة فهو ولد لهما . وينبغي أن لا تصير الأولى مستولدة به أيضا حيث لم يخرج منها مصورا ( قوله : الثالثة لو وطئ ) قد يمنع استثناء هذه لأنه بالوطء مع الإجازة دخلت في ملكه فلم تحبل إلا أمته ( قوله : بإذنه ) متعلق بقوله لو وطئ أمة ( قوله : وكذا معسرا ) معتمد ، وقوله كذا في الحاوي معتمد : أي أنه ينفذ الإيلاد في قدر حصته إلخ .

( قوله : قال إنه الأصح ) أي التبعيض [ ص: 432 ] قوله : قال بعضهم إلخ ) معتمد ( قوله : إلا في ولد أمة ) أي فإن الولد كله حر ولم ينفذ الاستيلاد إلا في النصف إن كان معسرا على ما مر عن الحاوي ( قوله لأن المانع من نفوذ استيلاده ) الأولى إعتاقه لما مر في كلامه من أن إيلاده نافذ في الحال بخلاف الإعتاق ( قوله : وأفاد كلامه ) عبر به دون أفهم ، بخلاف سابقه لأن إفادة المتن له بدلالة المنطوق دون المفهوم ( قوله ولو قهرت ) أي بحيث تتمكن من التصرف وإن تخلص بعد ذلك ( قوله : عتقت في الحال ) أي لأنه يدخل في ملكها بذلك وبدخوله في ملكها خرجت عن ملكه فتعتق لأنها لم تخرج لمالك فتصير حرة ( قوله : وتجب ديته في ذمتها ) أي حيث لم يوجب القتل قصاصا وإلا اقتص منها .

( قوله : وإسناد أحبل إلى الضمير مجاز عقلي ) لعل وجهه أن علوق الأمة إنما هو بخلق الله سبحانه وتعالى وإن نسب الوطء للسيد ونزول المني فالوطء سبب والعلوق من الله والإحبال هو العلوق ، وقد يمنع لكونه عقليا بهذا الطريق لأن الفاعل الحقيقي اصطلاحا هو من قام به الفعل ، ومنه مات عمرو مع أن الفعل القائم به بمحض خلق الله تعالى لا دخل له فيه . إلا أن يقال المنسوب للواطئ والقائم به الوطء . وأما تخلق الولد في الرحم فبمحض خلق الله تعالى لا دخل للواطئ فيه ولا قام به التخلق . وكثيرا [ ص: 433 ] ما يوجد الوطء ولا يحصل منه حبل فكان الإسناد مجازا عقليا ( قوله ليفيد أن كل من أحبل إلخ ) لعل وجه الإفادة أنه حيث قام به مانع لم يكن له عليها سيادة حال الموت .

حاشية المغربي

كتاب أمهات الأولاد ( قوله : وأخر عنها ) الأنسب وأخر منها ( قوله : ويترتب العتق فيه على عمل إلخ ) انظر وجه دخول هذا في مناسبة الختم ( قوله والعتق فيه قهري ) هذا هو الذي جعله في التحفة مناسبة الختم ، أي لأنه بسبب قهريته أقوى من [ ص: 427 ] غيره ، ولا دخل لقوله مشوب إلخ في ذلك ، وإنما هو مجرد فائدة كما يعلم من التحفة ، لكن سيأتي في الشرح أن الأصح أن العتق باللفظ أقوى ( قوله : وهو قربة ) لعل الضمير لقضاء أوطار ( قوله : وما يترتب عليه من عتق وغيره ) الواو بمعنى أو كما لا يخفى ، وانظر ما المراد بالغير ( قوله : سواء المنجز والمعلق ) انظر الإيلاد من أيهما ( قوله والمعلق ) شمل ما إذا كان التعليق لحث أو منع أو تحقيق خبر ، وفيه وقفة لا تخفى ( قوله والأصح أن العتق باللفظ أقوى ) أي العتق المنجز بدليل تعليله ( قوله : والأصح أن العتق ) أي المنجز كما هو ظاهر ( قوله : جمع أمهة إلخ ) عبارة الجوهري : الأمهة أصل قولهم أم ، والجمع أمهات وأمات انتهت . والشارح أوهم بقوله قاله الجوهري أن ذلك كله مقول الجوهري وليس كذلك كما علمت .

( قوله : بدليل جمعها ) أي والجمع يرد الأشياء إلى أصولها ( قوله : وأنشد الزمخشري للمأمون ) أي أنشد من شعر المأمون ، وإلا فالمأمون مات قبله بأزمنة كثيرة فقد مات الشافعي في زمنه ( قوله : عضد بعضها بعضا ) أي إن الدليل لا يتقوم إلا بالنظر لمجموعها لأن الصحيح منها ليس صريحا في المراد ، والصريح فيه ليس بصحيح ( قوله : في الحديث { فما ترى في العزل } ) ظاهر هذا اللفظ أنه يستشيره في أمر العزل وعدمه لا أنه يسأله عن الحكم من الحل والحرمة ويدل له الجواب ، وقوله صلى الله عليه وسلم { ما عليكم أن لا تفعلوا } معناه : أن لا تفعلوا ما سألتم عليه من العزل بأن تنزلوا فيهن إذ لا يلزم من الإنزال الإحبال كما أشار إليه [ ص: 428 ] في الجواب فتأمل ( قوله : إن من أشراط الساعة ) ليس هذا من الحديث وإنما بين به الشارح المراد ، ويحتمل أنه رواية أخرى فليراجع ( قوله : وأبوه حر فكذا هو ) انظر ما وجه دلالته على حريتهما ( قوله : أو رجلان ) معطوف على القوابل ( قوله : ولأن ولدها ) أي ممن له الإعتاق فلا يرد نحو الموطوءة بظن الحرية تأمل ( قوله : من حيث صراحة اللفظ ) [ ص: 429 ] أي في الجملة ، أو المراد بالصراحة اللفظ المؤدي للعتق ولو بواسطة النية وإلا وردت الكناية ( قوله : لم تعتق إلا بتمام انفصاله ) سيأتي أنها إذا لم تضع إلا بعد الموت أنه يتبين عتقها بالموت ، ولعل المراد مثله هنا وإلا فما الفرق فليراجع .

( قوله : ثم ملكها قبل التكفير ) أي ثم وطئها حينئذ ( قوله : أنه لا بد أن يكون يولد لمثله ) انظر ما المراد بكونه يولد لمثله ، فإن كان المراد بأن بلغ مظنة البلوغ الذي هو تسع سنين ناقض ما سيأتي قريبا أنه لو وطئ صبي استكمل تسع سنين أمته إلخ ، فلعل المراد هنا بيولد لمثله بأن ثبت بلوغه فليراجع ( قوله وشمل كلامه إلخ ) فيه وقفة ، إلا أن يكون المراد بقوله أحبل ولو احتمالا ( قوله بعدم الحجر عليه ) يعني المريض ، وكان الأصوب حذف لفظ عدم [ ص: 430 ] وإدخال الباء على الحجر فيكون الضمير للمفلس ، وفي نسخة بعموم الحجر عليه وهي الأصوب ، ولعل عدم محرف عن عموم ( قوله : لو أقر محجور سفه إلخ ) قد يقال : لا ترد عليه لأن الإيلاد لم يثبت ، ألا ترى أنه ينفذ منه إذا ثبت ( قوله كما مر ) لعله في بابه ( قوله : ولو أقر بنسبه ) انظر الضمير لمن يرجع ( قوله لزوال ملكه عنها ) أي وإنما صح بيعه لها إذا كان نذر لثمنها لأن الشارع أثبت له ولاية ذلك ( قوله : لأن الوفاء بالشرط مع إيلاد المشتري ممكن ولا كذلك إيلاد أبيه ) أي لأنا لو قلنا به ثبت الملك له فيتعذر على الابن العتق ( قوله : ويحرم عليه وطؤها إلخ ) لا حاجة إليه هنا وقد مر ( قوله : لم يستكمل تسع سنين ) صوابه استكمل إلخ ( قوله : والأصل عدم المانع ) المناسب ، [ ص: 431 ] والأصل بقاء المانع من إزالة إلخ فتأمل .

( قوله : حال استدخالها ) أي بخلافه عند الإنزال فلا بد من كونه على وجه محترم كما مر ( قوله : ثبت فيها الإيلاد ) أي مع انتفاء كونها أمته ( قوله : ويجب عليه قيمتها إلخ ) لا حاجة إليه هنا وقد مر ( قوله : وينفذ الإيلاد في قدر حصته ) انظر ما المراد بقدر حصته ( قوله : لأن حق الغانم إلخ ) هذا التعليل إنما كان مقتضاه نفوذ الإيلاد في جميعها مطلقا فتأمل ( قوله : كذا في الحاوي الصغير ) يعني أصل الحكم لا ما ذكر معه ( قوله : تبعا لقول العزيز إلخ ) فيه أن الذي نقله عن العزيز إطلاق النفوذ لا التفصيل ( قوله لكنه ) لعله العزيز ( قوله : فالولد حر كله ) أي مطلقا ( قوله : وإلا ) أي بأن لم يسر [ ص: 432 ] قوله : كما يؤخذ مما مر ) يتأمل ( قوله وكذا ولد المشتركة بين المبعض وسيده فإنه حر كله ) وإنما منع نفوذ الإيلاد ما ذكره بعد ولا يلزم من عدم نفوذ الإيلاد عدم حرية الولد ( قوله : وأفاد كلامه ) انظر ما وجه الإفادة ( قوله : مجاز عقلي ) أي من حيث إن الإحبال إنما هو فعل الله تعالى بالحقيقة وقد أسنده إلى السيد ، فقوله إلى المضمر : أي لا من حيث كونه مضمرا وإن أوهمه كلامه ، وتحقيق المجاز العقلي هنا ظاهر كما ذكرناه خلافا لما في حاشية الشيخ ( قوله : إحداهما أن يكون ) يعني مرفوعه .

( قوله : وثانيهما أن يكون متصلا ) يعني اسما ظاهرا ليس بينه وبينه فاصل : [ ص: 433 ] أي بخلاف ما إذا كان المرفوع منفصلا عنه بنحو المفعول : نحو أتى القاضي بنت الواقف ( قوله : ليفيد أن كل من أحبل أمته ) انظر ما وجه الإفادة من هذا دون ذاك ، وإنما يظهر إذا كان المانع خصوص انتقالها عن ملكه ، وعبارة التحفة تنبيه القياس بموته ، لكن لما أوهم العتق وإن انتقلت عنه بمسوغ شرعي أظهر الضمير ليبين أنها إنما تعتق إن كان سيدها وقت الموت انتهت ( قوله : ضد الحياة ) المناسب لتفسيره المذكور أن يقول نقيض الحياة ( قوله : ويعبر عنه بمفارقة الروح الجسد ) فيه نظر لأن المفارقة فرع الوجود فهو من تقابل العدم والملكة لا من تقابل النقيضين فلا يظهر إلا أن يكون عبارة عن القيل المذكور بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية