صفحة جزء
[ ص: 67 ] فائدتان . إحداها : قوله ( وإذا اختلط نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا ، لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه فحكمهما في الزكاة حكم الواحد ) وهذا بلا نزاع ، سواء أثرت الخلطة في إيجاب الزكاة أو إسقاطها ، أو أثرت في تغيير الفرض أو عدمه . فلو كان لأربعين من أهل الزكاة أربعون شاة مختلطة لزمهم شاة واحدة [ ومع انفرادهم لا يلزمهم شيء ولو كان لثلاثة أنفس مائة وعشرون شاة لزمهم واحدة ] ومع انفرادهم ثلاث شياه ، ويوزع الواجب على قدر المال مع الوقص ، فستة أبعرة مختلطة مع تسعة : يلزم رب الستة شاة وخمس شاة ، ويلزم رب التسعة شاة وأربعة أخماس شاة . الثانية : قوله ( سواء كانت خلطة أعيان بأن تكون مشاعا بينهما ) تتصور الإشاعة بالإرث والهبة والشراء أو غيره .

قوله ( أو خلطة أوصاف ، بأن يكون مال كل واحد متميزا ) فلو استأجره ليرعى غنمه بشاة منها ، فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان ، وإن أفردها فنقص النصاب ، فلا زكاة . قوله ( فخلطاه واشتركا في المراح والمسرح والمشرب والمحلب والراعي والفحل ) وهكذا جزم به في الهداية ، والكافي ، والنظم ، والتسهيل ، وإدراك الغاية ، واعلم أن للأصحاب في ضبط ما يشترط في صحة الخلط طرقا . أحدها هذا . الطريق الثاني : اشتراط المرعى ، والمسرح ، والمبيت ، وهو المراح والمحلب ، والفحل لا غير ، وهي المذهب ، قدمه في الفروع ، وجزم بها الخرقي ، والمجد في محرره . وابن عبدوس في تذكرته ، فزادوا على المصنف : المرعى ، وأسقطوا الراعي والمشرب .

[ ص: 68 ] الطريق الثالث : اشتراط المراح ، وهو المأوى والمرعى والراعي ، والمشرب وهو موضع الشرب وآنيته ، والمحلب : وهو موضع الحلب وآنيته ، والمسرح وهو مجتمعها لتذهب ، والفحل ، قدمه في الرعايتين ، والحاويين ، وابن تميم ، فزادوا على المصنف : المرعى ، وآنية الشرب ، وآنية الحلب . الطريق الرابع : اشتراط المسرح ، والمرعى ، والمشرب ، والمراح ، والمحلب ، والفحل ، وبه جزم في التلخيص ، والبلغة ، فأسقط الراعي . الطريق الخامس : اشتراط الراعي ، والمرعى ، وموضع شربها وحلبها وآنيتها ومحلها ومسرحها ، وبه جزم في الوجيز ، فأسقط المراح ، وزاد الآنية والمرعى . الطرق السادس : اشتراط الراعي ، والمسرح ، والمبيت ، والمحلب ، والفحل قدمها في الفائق ، فأسقط المشرب . الطريق السابع : اشتراط الراعي ، والفحل ، والمسرح ، والمراح ، وجزم بها في الفصول ، وقدمها في المستوعب فأسقط المحلب والمشرب . الطريق الثامن : اشتراط الفحل ، والراعي ، والمرعى ، والمأوى ، وهو المبيت والمحلب ، وبه جزم في المذهب ، ومسبوك الذهب ، فزاد : المرعى ، وأسقط : المشرب والمسرح .

الطريق التاسع : اشتراط المبيت ، والمسرح ، والمحلب ، وآنيته ، والمشرب ، والراعي ، والمرعى ، والفحل ، قدمها ابن أبي المجد في مصنفه ، فزاد المرعى وآنية الحلب . الطريق العاشر : اشتراط المراح ، والمسرح ، والمبيت ، والفحل ، وبه قطع في الإيضاح ، فجمع بين المراح والمبيت ، وأسقط الحلب والمشرب والراعي . الطريق الحادي عشر : اشتراط المراح ، والمسرح ، والفحل ، والمرعى ، وهي [ ص: 69 ] طريقة الآمدي ، فزاد : المرعى ، وأسقط : المشرب ، والمحلب والراعي .

الطريق الثاني عشر : اشتراط الفحل ، والراعي ، والمحلب فقط ، وهي طريقة ابن الزاغوني في الواضح ، فأسقط المشرب ، والمراح ، والمسرح . الطريق الثالث عشر : اشتراط المرعى ، والمسرح ، والشرب ، والراعي ، وبها قطع ابن عقيل في تذكرته . الطريق الرابع عشر : اشتراط المراح ، والمسرح ، والمحلب ، والمبيت ، والفحل ، وبها قطع في المبهج ، فجمع بين المراح والمبيت ، كما فعل في الإيضاح ، إلا أنه زاد عليه المحلب ، وأسقط المشرب والراعي . الطريق الخامس عشر : اشتراط الراعي فقط ، وهي طريقة بعض الأصحاب ذكره القاضي في شرح المذهب عنه ، وعن أحمد نحوه .

الطريق السادس عشر : اشتراط المراح ، والمسرح ، والفحل ، والمشرب . وبها قطع ابن البنا في الخصال ، والعقود . الطريق السابع عشر : اشتراط الراعي ، والمرعى ، والفحل ، والمشرب ، وبها قطع في الخلاصة ، فزاد المرعى ، وأسقط المسرح . الطريق الثامن عشر : اشتراط المسرح ، والمرعى ، والمحلب ، والمشرب ، والمقيل ، والفحل ، وبها قطع في الإفادات ، فزاد المقيل ، والمرعى ، وأسقط الراعي والمراح . الطريق التاسع عشر : اشتراط المرعى ، والفحل ، والمبيت ، والمحلب ، والمشرب ، وبها قطع في العمدة .

الطريق العشرون : اشتراط المرعى ، والمسرح ، والمشرب ، والمبيت ، والمحلب ، والفحل ، وبها جزم في المنور ، فزاد المرعى ، وأسقط الراعي .

الطريق الحادي والعشرون : اشتراط المراح ، والمسرح ، والمشرب ، والراعي والفحل ، وبها قطع في المنتخب ، فأسقط المحلب [ ص: 70 ] الطريق الثاني والعشرون : اشتراط الراعي ، والمبيت فقط ، وهو رواية عند الإمام أحمد ، ذكرها القاضي في شرحه . الطريق الثالث والعشرون : اشتراط الحوض ، والراعي ، والمراح فقط ، وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد ، فهذه ثلاثة وعشرون طريقة ، لكن قد ترجع إلى أقل منها باعتبار ما تفسر به الألفاظ على ما يأتي بيانه .

فائدة : المراح بضم الميم مكان مبيتها ، وهو المأوى ، فالمبيت هو المراح ، فسروا واحدا منهما بالآخر ، وهذا الصحيح ، وعليه أكثر الأصحاب ، وقيل : المراح رواحها منه جملة إلى المبيت ، ذكره في الرعاية الكبرى ، وجمع في المبهج والإيضاح بين المراح والمبيت كما تقدم ، فعنده أنهما متغايران ، وأما المسرح : فهو المكان الذي ترعى فيه الماشية ، اختاره المصنف ، والمجد وابن حامد ، وقال : إنما ذكر الإمام أحمد " المسرح " ليكون فيه راع واحد . قدمه في المطلع ، فعليه يلزم من اتحاده اتحاد المرعى ، ولذلك قال المصنف ، والمجد ، وابن حامد : المسرح والمرعى شيء واحد ، وقيل : المسرح مكان اجتماعها لتذهب إلى المراعي ، جزم به في الفصول ، والتلخيص ، والرعاية الصغرى ، والحاويين ، وقدمه في الفروع ، وابن تميم ، والرعاية الكبرى ، قال الزركشي : وهو أولى دفعا للتكرار ، وهو الصحيح ، وفسره في المستوعب بموضع رعيها وشربها ، وفسره المجد في شرحه بموضع المرعى ، مع أنه جمع بينهما في المحرر ، متابعة للخرقي ، وقال : يحتمل أن الخرقي أراد بالمرعى الرعي ، الذي هو المصدر لا المكان ويحتمل أنه أراد بالمسرح المصدر الذي هو المسروح لا المكان ، لأنا قد بينا أنهما واحد ، بمعنى المكان ، فإذا حملنا أحدهما على المصدر زال التكرار ، وحصل به اتحاد الراعي والمشرب . انتهى .

[ ص: 71 ] وقال المصنف في المغني : يحتمل أن الخرقي أراد بالمرعى : الراعي ; ليكون موافقا لقول أحمد ، ولكون المرعى هو المسرح . انتهى . وأما المشرب : فهو مكان الشرب فقط ، وهو الصحيح ، وعليه أكثر الأصحاب ، وقيل : موضع الشرب ، وما يحتاج إليه من حوض ونحوه ، وبه قطع ابن تميم ، والرعايتين ، والحاويين ، وأما المحلب : فهو موضع الحلب ، على الصحيح ، وعليه الأكثر ، وقيل : موضع الحلب وآنيته ، وبه جزم ابن تميم ، وصاحب الرعايتين والحاويين ، وغيرهم .

تنبيه : لا يشترط خلط اللبن على الصحيح من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، وقطع به كثير منهم ، بل منعوا من خلطه وحرموه ، وقالوا : هو ربا وقيل : يشترط خلطه ، وقاله القاضي في شرحه الصغير ، وأما الراعي : فمعروف ، ومعنى الاشتراك فيه : أن لا يرعى أحد المالين دون الآخر ، كذا لو كان راعيان فأكثر ، قال في الرعاية : ولا يرعى غير مال الشركة وأما الفحل : فمعروف ، ومعنى الاشتراك فيه : أن لا تكون فحولة أحد المالين تطرق المال الآخر ، قال في الرعاية : ولا ينزو على غير مال الشركة ، وأما المرعى : فهو موضع الرعي ووقته ، قاله في الرعاية ، وتقدم كلام المصنف والمجد وغيرهما : أن المرعى هو المسرح .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أنه لا يشترط نية الخلطة ، فإن كانت خلطة أعيان لم تشترط لها النية إجماعا ، وإن كانت خلطة أوصاف ففيها وجهان ، وأطلقهما في المذهب ، ومسبوك الذهب ، والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، وابن تميم ، والرعايتين ، والفائق ، والزركشي [ ص: 72 ] أحدهما : لا تشترط ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وهو الصحيح من المذهب ، وصححه في الكافي ، والخلاصة ، والنظم ، وشرح المجد ، وقدمه في الهداية والمستوعب ، والمغني ، والشرح ، ونصراه ، والحاويين ، وإدراك الغاية ، وشرح ابن رزين ، وقال عن القول الثاني : ليس بشيء ، والوجه الثاني : تشترط النية .

اختاره القاضي في المجرد ، والمجد ، وجزم به في المبهج ، والإيضاح ، والحلواني وغيرهما ، وتظهر فائدة الخلاف : لو وقعت الخلطة اتفاقا ، أو فعله الراعي ، وتأخرت النية عن الملك ، وقيل : لا يضر تأخيرها عنه بزمن يسير ، كتقدمها على الملك ، بل من يسير . قوله ( فإن اختل شرط منها ، أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول : زكيا زكاة المنفردين فيه ) فيضم من كان من أهل الزكاة ماله بعضه إلى بعض ويزكيه إن بلغ نصابا وإلا فلا ، وقال أبو الخطاب في الانتصار : إن تصور بضم وحول إلى آخر يقع كمسألتنا يعني مسألة الخلطة قال في الفروع : كذا قال .

فائدة : قوله ( أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه ) مثال ذلك : لو خلطا في أثناء الحول نصابين ثمانين شاة ، زكى كل واحد إذا تم حوله الأول : زكاة انفراد ، وفيما بعد الحول الأول : زكاة خلطة ، فإن اتفق حولاهما : أخرجا شاة عند تمام الحول على كل واحد نصفها ، وإن اختلف ، فعلى الأول : نصف شاة عند تمام حوله ، فإن أخرجها من غير المال ، فعلى الثاني : نصف شاة أيضا ، إذا تم حوله ، وإن أخرجها من المال ، فقد تم حول الثاني على تسعة وسبعين شاة ونصف شاة له منها أربعون شاة ، فيلزمه [ ص: 73 ] أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا ونصف جزء من شاة ، فنضعفها فتكون ثمانين جزءا من مائة جزء وتسعة وخمسين جزءا من شاة ثم كلما تم حول أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ما له فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية