صفحة جزء
[ ص: 221 ] قوله ( ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته ، فليس بغني وإن كثرت قيمته ) ، وهذا بلا نزاع أعلمه . قال الإمام أحمد : إذا كان له عقار أو ضيعة يستغلها عشرة آلاف أو أكثر لا تقيمه يعني لا تكفيه يأخذ من الزكاة ، وقيل له : يكون له الزرع القائم ، وليس عنده ما يحصده ، أيأخذ من الزكاة ؟ قال : نعم ، يأخذ ، قال الشيخ تقي الدين : وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنته .

تنبيه : تقدم في أول زكاة الفطر عند قوله " إذا فضل عن قوته وقوت عياله " لو كان كتب ونحوها يحتاجها . هل يجوز له أخذ الزكاة أم لا ؟ قوله ( وإن كان من الأثمان فكذلك في إحدى الروايتين ) نقلها مهنا ، واختارها ابن شهاب العكبري ، وأبو الخطاب ، والمجد ، وصاحب الحاوي ، وغيرهم ، قال ابن منجى في شرحه : هي الصحيحة من الروايتين عند المصنف ، وأبي الخطاب ولم أجد ذلك صريحا في كتب المصنف ، وقدمه في الفروع ، والمحرر ، والفائق ، وإدراك الغاية ، وصححه في مسبوك الذهب ، وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة ، و ( الرواية الأخرى إذا ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني ) فلا يجوز الأخذ لمن ملكها ، وإن كان محتاجا ، ويأخذها من لم يملكها وإن لم يكن محتاجا ، وهذه الرواية عليها جماهير الأصحاب ، وهي المذهب عندهم ، قال الزركشي : هذا المذهب عند الأصحاب ، حتى أن عامة متقدميهم لم يحكوا خلافا . قال ابن منجى في شرحه : هذا المذهب .

قال ابن شهاب : اختارها أصحابنا ولا وجه له في المغني ، وإنما ذهب إليه أحمد لخبر ابن مسعود ، ولعله لما بان له [ ص: 222 ] ضعفه رجع عنه . أو قال ذلك لقوم بأعيانهم كانوا يتجرون بالخمسين ، فتقوم بكفايتهم ، وأجاب غيره بضعف الخبر ، وحمله المصنف وغيره على المسألة ، فتحرم المسألة ، ولا يحرم الأخذ ، وحمله المجد على أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين ، وممن اختار هذه الرواية : الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي ، وابن عقيل ، فقطعوا بذلك ، ونصره في المغني ، وقال : هذا الظاهر من مذهبه . قال في الهادي : هذا المشهور من الروايتين ، وهي من المفردات ، وقدمه في الخلاصة ، والرعايتين ، والحاويين ، وابن رزين ، وغيرهم ، ونقلها الجماعة عن أحمد ، قلت : نقلها الأثرم ، وابن منصور ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأحمد بن هاشم الأنطاكي ، وأحمد بن الحسن ، وبشر بن موسى ، وبكر بن محمد ، وأبو جعفر بن الحكم ، وجعفر بن محمد ، وحنبل ، وحرب ، والحسن بن محمد ، وأبو حامد بن أبي حسان ، وحمدان بن الوراق ، وأبو طالب ، وابناه : صالح وعبد الله ، والمروذي ، والميموني ، ومحمد بن داود ، ومحمد بن موسى ، ومحمد بن يحيى ، وأبو محمد مسعود ، ويوسف بن موسى ، والفضل بن زياد ، وأطلقهما في المذهب ، والمستوعب والكافي ، والشرح ، وعنه الخمسون : تمنع المسألة لا الأخذ ، ذكرها أبو الخطاب ، وتقدم أن المصنف حمل الخبر على ذلك ، وأطلقهما في التلخيص ، ونص الإمام أحمد فيمن معه خمسمائة وعليه ألف لا يأخذ من الزكاة ، وحمل على أنه مؤجل ، أو على ما نقله الجماعة .

تنبيه : قوله في الرواية الثانية " أو قيمتها من الذهب " هل يعتبر الذهب بقيمة الوقت ; لأن الشرع لم يحده ، أو يقدر بخمسة دنانير ، لتعلقها بالزكاة ؟ فيه وجهان ، وأطلقهما في الفروع ، والمجد في شرحه ، وقال : ذكرهما القاضي فيما وجدته بخطه على تعليقه واختار في الأحكام السلطانية الوجه الثاني . [ ص: 223 ]

قلت : ظاهر كلام المصنف وغيره : الأول . وهو الصواب ، ويأتي في الباب قدر ما يأخذ الفقير والمسكين وغيرهما ، ويأتي بعده إذا كان له عيال .

فائدة : من أبيح له أخذ شيء ، أبيح له سؤاله . على الصحيح من المذهب ، نص عليه ، وعليه الأصحاب . وعنه يحرم السؤال ، لا الأخذ ، على من له قوت يوم غداء وعشاء . قال ابن عقيل : اختاره جماعة ، وعنه يحرم ذلك على من له قوت يوم غداء وعشاء . ذكر هذه الرواية الخلال ، وذكر ابن الجوزي في المنهاج : إن علم أنه يجد من يسأله كل يوم : لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يوم وليلة ، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه ، أو خاف أن يعجز عن السؤال : أبيح له السؤال أكثر من ذلك ، وأما سؤال الشيء اليسير : كشسع النعل ، أو الحذاء ، فهل هو كغيره في المنع ، أو يرخص فيه ؟ فيه روايتان ، وأطلقهما في الفروع ، قلت : الأولى الرخصة في ذلك ; لأن العادة جارية به .

التالي السابق


الخدمات العلمية