صفحة جزء
قوله ( ومن أمكنه السعي إليه لزمه ذلك ، إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا لا خفارة فيه ، يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد ) يشترط في الطريق : أن يكون آمنا ، ولو كان غير الطريق المعتاد ، إذا أمكن سلوكه ، برا كان أو بحرا . لكن البحر تارة يكون فيه السلامة ، وتارة يكون فيه الهلاك ، وتارة يستوي فيه الأمران ، فإن كان الغالب فيه السلامة : لزمه سلوكه ، وإن كان الغالب فيه الهلاك : لم يلزمه سلوكه إجماعا ، وإن سلم فيه قوم وهلك فيه [ ص: 407 ] آخرون ، فذكر ابن عقيل عن القاضي : يلزمه . ولم يخالفه ، وجزم به في التلخيص ، والنظم ، والصحيح من المذهب : أنه لا يلزمه ، جزم به المصنف وغيره ، وهو ظاهر كلام المجد في شرحه .

وقال ابن الجوزي : العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيه احتمال السلامة والهلاك : وجب الكف عن سلوكها ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وقال : أعان على نفسه ، فلا يكون شهيدا ، وظاهر الفروع : إطلاق الخلاف ، ويشترط على الصحيح من المذهب : أن لا يكون في الطريق خفارة . فإن كان فيه خفارة : لم يلزمه . وعليه أكثر الأصحاب . وقال ابن حامد : إن كانت الخفارة لا تجحف بماله : لزمه بذلها ، وجزم به في الإفادات ، وتجريد العناية ، وهو ظاهر الوجيز ، وتذكرة ابن عبدوس . وقيده المجد في شرحه ، والمصنف في الكافي : باليسيرة . زاد المجد : إذا أمن الغدر من المبذول له . انتهى . قلت : ولعله مراد من أطلق ، بل يتعين ، وقال الشيخ تقي الدين : الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ، ولا تجوز مع عدمها كما يأخذه السلطان من الرعايا .

تنبيه : ظاهر قوله " يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد " لا يلزمه حمل ذلك لكل سفره ، وهو صحيح . وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، لمشقته ، عادة ، وقال ابن عقيل : يلزمه حمل علف البهائم إن أمكنه كالزاد . قال في الفروع : وأظن أنه ذكر في الماء أيضا .

قوله " ومن أمكنه السعي إليه : لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ، ووجد طريقا آمنا " . قدم المصنف أن إمكان المسير ، وتخلية الطريق : من شرائط لزوم الأداء ، وهو إحدى الروايتين ، وعليه أكثر الأصحاب ، وجزم به في الوجيز ، وهو ظاهر [ ص: 408 ] كلام الخرقي . قال المجد في شرحه ، وتبعه في الفروع : اختاره أكثر أصحابنا . وصححه في النظم ، وقدمه ابن منجى في شرحه ، والتلخيص ، وعنه أن إمكان المسير وتخلية الطريق : من شرائط الوجوب ، وهو الصحيح من المذهب على ما يأتي في المحرم . قال الزركشي : هذا ظاهر كلام ابن أبي موسى ، والقاضي في الجامع ، واختاره أبو الخطاب وغيره ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة ، والهادي . وأطلقهما في المبهج ، والإيضاح ، والشرح ، والفروع ، والمستوعب ، والكافي ، والمغني ، وشرح المجد ، فعلى المذهب : هل يأثم إن لم يعزم على الفعل إذا قدر ؟ قال ابن عقيل : يأثم إن لم يعزم . كما نقول في طريان الحيض ، وتلف الزكاة قبل إمكان الأداء . والعزم في العبادات مع العجز يقوم مقام الأداء في عدم الإثم . قال في الفروع : ويتوجه الذي في الصلاة ، وعلى الرواية الثانية : لو حج وقت وجوبه ، فمات في الطريق : تبينا عدم الوجوب ، وعلى الأول : لو كملت الشروط الخمسة ، ثم مات قبل وجود هذين الشرطين : حج عنه بعد موته . وإن أعسر قبل وجودهما : بقي في ذمته ، وعلى الرواية الثانية : لم يجب عليه الحج قبل وجودهما .

فائدة : يلزم الأعمى أن يحج بنفسه بالشروط المذكورة ، ويعتبر له قائد . كبصير يجهل الطريق ، والقائد للأعمى كالمحرم للمرأة . ذكرها ابن عقيل ، وابن الجوزي ، وأطلقوا القائد ، وقال في الواضح : يشترط للأداء قائد يلائمه . أي يوافقه ، ويلزمه أجرة القائد بأجرة مثله . على الصحيح من المذهب . وقيل : وزيادة يسيرة ، وقيل : وغير مجحفة ، ولو تبرع القائد لم يلزمه للمنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية