صفحة جزء
قوله ( السادس : قتل الصيد ، واصطياده ، وهو ما كان وحشيا مأكولا ) ، وهذا في قتله الجزاء إجماعا ، مع تحريمه . إلا أن في بقر الوحش رواية : لا جزاء فيها ، على ما يأتي . ويأتي إذا قتل الصيد مكرها أو ناسيا في باب الفدية . قوله ( أو متولدا منه ومن غيره ) شمل قسمين : قسم متولد بين وحشي وأهلي ، وقسم متولد بين وحشي وغير مأكول . وكلاهما يحرم قتله . قولا واحدا ، وعليه الجزاء على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب . وقال في الرعاية الكبرى : ما أكل أبواه ، فدي ، وحرم قتله ، وكذا ما أكل أحد أبويه دونه ، وقيل : لا يفدى ، كمحرم الأبوين . انتهى . وفي الفروع هنا سهو في النقل من الرعاية .

تنبيه : يأتي حكم غير الوحشي ، وما هو مختلف فيه ، عند قوله " ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان " . انتهى .

فائدة : قوله ( ويضمن ما دل عليه أو أشار إليه ) . هذا المذهب مطلقا . نقله ابن منصور ، وابن إبراهيم ، وأبو الحارث في الدال ، ونقله عبد الله في المشير ، ونقله أبو طالب في المشير وفي الذي يغير ، وعليه أكثر [ ص: 475 ] الأصحاب ، وقال في المبهج : إن كانت الدلالة له ملجئة : لزمه الجزاء للمحرم . كقوله " دخل الصيد في هذه المفازة " وإن كانت غير ملجئة : لم يلزمه . كقوله " ذهب إلى تلك البرية " لأنه لا يضمن بالسبب مع المباشرة إذا لم يكن ملجئا . لوجوب الضمان على القاتل والدافع ، دون الممسك والحافر ، وقال في الفائق ، والمختار : تحريم الدلالة والإشارة ، دون لزوم الضمان بهما ، وقال أبو حكيم في شرحه : إذا أمسك المحرم صيدا حتى قتله الحلال : لزمه الجزاء ، ويرجع به على الحلال ، قال في المستوعب : هذا محمول على أنه لم يمسكه ليقتله ، بل أمسكه للتملك ، فقتله الحلال بغير إذنه ، فيرجع عليه بالجزاء ; لأنه ألجأه على الضمان بقتله .

فوائد . إحداها : لا ضمان على دال ومشير إذا كان قد رآه من يريد صيده قبل ذلك وكذا لو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك أو استشراف ففطن له غيره فصاده ، أو أعاره آلة لغير الصيد ، فاستعملها فيه ، قال في الفروع : وظاهر ما سبق : لو دله فكذبه : لم يضمن .

الثانية : لا يحرم دلالة على طيب ولباس . ذكره القاضي ، وابن شهاب وغيرهما واقتصر عليه في الفروع ; لأنه لا يضمن بالسبب ; ولأنه لا يتعلق بهما حكم مختص . والدلالة على الصيد يتعلق بها حكم مخصوص وهو مختص ، وهو تحريم الأكل والإثم . الثالثة : لو نصب شبكة ، ثم أحرم ، أو أحرم ثم حفر بئرا بحق ، كداره ، أو للمسلمين بطريق واسع : لم يضمن ما تلف بذلك ، وإلا ضمن ، كالآدمي إذا تلف في هذه المسألة ، وأطلق في الانتصار ضمانه ، وأنه لا تجب به كفارة قتل ، قال في الفروع : ومراد من أطلق من أصحابنا والله أعلم إذا لم يتحيل فالمذهب رواية واحدة . وإذا يتحيل : فالخلاف . قال : وعدمه أشهر وأظهر . [ ص: 476 ] وقال في الفصول في أواخر الحج : في دبق قبل إحرامه لا يضمن به . بل بعده . كنصب أحبولة ، وحفر بئر ، ورمي ، اعتبارا بحالة النصب والرمي ، ويحتمل الضمان ، اعتبارا بحال الإصابة ، وقال أيضا : يتصدق من آذاه أو أفزعه بحسب أذيته استحسانا . قال : وتقريبه كلبا من مكان الصيد جناية ، كتقريبه الصيد من مهلكة .

قوله ( إلا أن يكون القاتل محرما ، فيكون جزاؤه بينهما ) . يعني إذا كان القاتل محرما والمتسبب في قتله محرما ، فجزم المصنف هنا : أن الجزاء بينهما . وهو المذهب ، وإحدى الروايات ، اختارها ابن حامد ، والمصنف ، والشارح . وجزم به في الإرشاد ، والهداية ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة والوجيز ، وابن منجى في شرحه . وقدمه في الكافي ، وصححه ، وهو من المفردات ، والرواية الثانية : على كل واحد جزاء ، اختارها أبو بكر ، وحكاهما في المذهب وجهين . وأطلقهما ، والرواية الثالثة : عليهما جزاء واحد ، إلا أن يكون صوما ، فعلى كل واحد صوم تام . [ ولو أهدى واحد ، وصام الآخر ، فعلى المهدي بحصته ، وعلى الصائم صوم تام ] . نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد : الجماعة ، ونصرها القاضي وأصحابه . وقال الحلواني : عليها الأكثر ، وقدمها في المبهج ، وقال : هي أظهر ، وقيل : لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل ، قال في الفروع : فيؤخذ من هذا : لا يلزم متسببا مع مباشر . قال : ولعله أظهر . لا سيما إذا أمسكه ليملكه ، فقتل محل . انتهى . وقيل : القرار على القاتل ; لأنه هو جعل فعل الممسك [ علة . قال في الفروع : [ ص: 477 ] وهذا متوجه ، وجزم ابن شهاب : أن الجزاء على الممسك ] لتأكده ، وأن عليه المال . قال في الفروع : كذا قال . ويأتي ذلك أيضا في كلام المصنف في آخر باب جزاء الصيد عند قوله " وإن اشترك جماعة في قتل صيد " .

فوائد . الأولى : وكذا الحكم والخلاف لو كان الشريك سبعا ، فإن سبق حلال أو سبع ، فجرحه أحدهما ثم قتله المحرم . فعليه جزاؤها مجروحا ، وإن سبق هو فجرحه ، وقتله أحدهما ، فعلى المحرم أرش جرحه ، فلو كانا محرمين : ضمن الجارح نقصه ، وضمن القاتل قيمة الجزاء . ولو جرح المحل والمحرم معا . قيل : على المحرم بقسطه ، اختاره أبو الخطاب في خلافه ، وقدمه ابن رزين في شرحه ، وقيل : عليه جزاء كامل ، جزم به القاضي أبو الحسين ، والشارح . وأطلقهما الزركشي ، والمصنف في المغني .

الثانية : لو كان الدال والشريك لا ضمان عليه ، كالمحل مع المحرم : فالجزاء جميعه على المحرم على الصحيح من المذهب . قال في الفروع : في الأشهر ، وجزم به في المغني ، والشرح ، ونصراه ، وقالا : هذا ظاهر قول أحمد ، وجزم به في المبهج قال ابن البنا : نص عليه ، قال في الفروع : والمنقول عن أحمد : إطلاق القول . لم يبين ، قال القاضي : فيحتمل أن يريد به جميعه ، ويحتمل بحصته ، وذكر بعضهم وجهين ; لأنه اجتمع موجب ومسقط . فغلب الإيجاب ، قال في القاعدة الثامنة والعشرين : قال القاضي في المجرد : مقتضى الفقه عندي : أنه يلزمه نصف الجزاء .

الثالثة : لو دل حلال حلالا على صيد في الحرم ، فهي كما لو دل محرم محرما على صيد . قاله ناظم المفردات ، وهو المذهب ، نص عليه ، وعليه أكثر الأصحاب [ ص: 478 ] وقدمه في الفروع ، وقال جماعة : لا ضمان على دال في حل . بل على المدلول وحده كحلال دل محرما . ويأتي ذلك في أول باب صيد الحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية