صفحة جزء
كتاب البيع قوله ( وهو مبادلة المال بالمال لغرض التملك ) اعلم أن للبيع معنيين : معنى في اللغة . ومعنى في الاصطلاح . فمعناه في اللغة : دفع عوض وأخذ معوض عنه . وقال ابن منجا في شرحه : أراد المصنف هنا بحده : بيان معنى البيع في اللغة . وقال في المستوعب : البيع في اللغة عبارة عن الإيجاب والقبول ، إذا تناول عينين ، أو عينا بثمن . وأما معناه في الاصطلاح : فقال القاضي ، وابن الزاغوني ، وغيرهما : هو عبارة عن الإيجاب والقبول ، إذا تضمن عينين للتمليك . وقال في المستوعب : هو عبارة عن الإيجاب والقبول إذا تضمن مالين للتمليك . فأبدل " العينين " بمالين ، ليحترز عما ليس بمال . ولا يطرد الحدان . أي كل واحد منهما غير مانع ، لدخول الربا . ويدخل القرض على الثاني . ولا ينعكسان . أي كل واحد منهما غير جامع ، لخروج المعاطاة ، وخروج المنافع ، وممر الدار ، ونحو ذلك . قال المصنف : ويدخل فيه عقود سوى البيع . وقال في الرعاية الكبرى : هو بيع عين ومنفعة ، وما تعلق بذلك . وقال الزركشي : حد المصنف هنا حد شرعي ، لا لغوي . انتهى . قلت : وهو مراده . لأنه بصدد ذلك ، لا بصدد حده في اللغة . [ ص: 260 ] فدخل في حده بيع المعاطاة . لكن يرد عليه القرض والربا ، فليس بمانع . وتابعه على هذا الحد صاحب الحاوي الكبير ، والفائق . وقال في النظم : هو مبادلة المال بالمال ، بقصد التملك بغير ربا . وقال المصنف والشارح : هو مبادلة المال بالمال ، تمليكا وتملكا . وقال في الوجيز : هو عبارة عن تمليك عين مالية ، أو منفعة مباحة ، على التأبيد ، بعوض مالي . ويرد عليه أيضا : الربا والقرض . وبالجملة : قل أن يسلم حد . قلت : لو قيل : هو مبادلة عين أو منفعة مباحة مطلقا بأحدهما كذلك على التأييد فيهما ، بغير ربا ولا قرض لسلم .

فائدة :

اشتقاقه عند الأكثر من " الباع " لأن كل واحد منهما يمد باعه للأخذ منه . قال الزركشي : ورد من جهة الصناعة . قال المصنف وغيره : ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه ، أي يصافحه عند البيع . ولذلك يسمى البيع " صفقة " وقال ابن رزين في شرحه : البيع مشتق من البائع . وكان أحدهم يمد يده إلى صاحبه ، ويضرب عليها . ومنه قول عمر " البيع صفقة أو خيار " انتهى . وقيل : هو مشتق من البيعة . قال الزركشي : وفيه نظر . إذ المصدر لا يشتق من المصدر ، ثم معنى " البيع " غير معنى " المبايعة " . وقال في الفائق : هو مشتق من المبايعة ، بمعنى المطاوعة ، لا من الباع .

انتهى قوله ( وله صورتان إحداهما : الإيجاب والقبول . فيقول البائع : بعتك ، أو ملكتك . ونحوهما ) .

[ ص: 261 ] مثل : وليتك ، أو شركتك فيه . ( ويقول المشتري : ابتعت ، أو قبلت ، وما في معناهما ) . مثل تملكت ، وما يأتي من الألفاظ التي يصح بها البيع . وهذا المذهب . وعليه الأصحاب . وعنه لا ينعقد بدون " بعت " و " اشتريت " لا غيرهما . ذكرها في التلخيص وغيره .

فوائد

إحداهما : لو قال : بعتك بكذا . فقال : أنا آخذه بذلك : لم يصح . وإن قال أخذته منك ، أو بذلك : صح . نقله مهنا .

الثانية : لا ينعقد البيع بلفظ " السلف " و " السلم " قاله في التلخيص في باب السلم وظاهر كلام الإمام أحمد في رواية المروذي : لا يصح البيع بلفظ " السلم " ذكره في القاعدة الثامنة والثلاثين . وقيل : يصح بلفظ " السلم " قاله القاضي .

الثالثة : قال في التلخيص ، في باب الصلح : في انعقاد البيع بلفظ " الصلح " تردد . فيحتمل الصحة وعدمها . وقال في الفروع : ويصح بلفظ " الصلح " على ظاهر كلامه في المحرر والفصول . وقاله في الترغيب . قوله ( فإن تقدم القبول الإيجاب : جاز ، في إحدى الروايتين ) وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والهادي والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، وشرح ابن منجا .

إحداهما : يجوز ، أي يصح . وهو المذهب . سواء تقدم بلفظ الماضي أو بلفظ الطلب ، كقوله : بعني ثوبك ، أو ملكنيه . فيقول : بعتك . جزم به في الوجيز . [ ص: 262 ] وغيره . وصححه في التصحيح ، والنظم وغيرهما . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وغيره . وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، وغيرهما .

والرواية الثانية : لا يجوز . أي لا يصح . اختارها أكثر الأصحاب . قاله في الفروع كالنكاح . قال في النكت : نصره القاضي وأصحابه . قال القاضي : هذه الرواية هي المشهورة . واختاره أبو بكر وغيره . قال ابن هبيرة : هذه أشهرهما عن أحمد . انتهى . وجزم به المبهج وغيره . وصححه في الخلاصة وغيرها . وهو من مفردات المذهب . وعنه إن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي : صح . وإن تقدم بلفظ الطلب : لم يصح . قال في المغني ، والحاويين : فإن تقدم بلفظ الماضي : صح . وإن تقدم بلفظ الطلب . فروايتان . وقال في الشرح ، والفائق : إن تقدم بلفظ الماضي : صح في أصح الروايتين وإن تقدم بلفظ الطلب : فروايتان . وقطع في الكافي بالصحة ، إن تقدم بلفظ الماضي . وعدم الصحة إن تقدم بلفظ الطلب .

تنبيه :

محل الخلاف وهو مراد المصنف إذا كان بلفظ الماضي المجرد عن الاستفهام ، أو بلفظ الطلب لا غير ، كما تقدم . أما لو كان بلفظ المضارع ، أو كان بلفظ الماضي المستفهم به ، مثل قوله : ابتعني هذا بكذا ؟ أو أتبيعني هذا بكذا ؟ فيقول : بعتك : لم يصح . نص عليه . حتى يقول بعد ذلك : ابتعت ، أو قبلت أو اشتريت ، أو تملكت ونحوها . [ ص: 263 ] فوائد

الأولى : لو قال البائع للمشتري : اشتره بكذا ، أو ابتعه بكذا . فقال : اشتريته ، أو ابتعته : لم يصح ، حتى يقول البائع بعده : بعتك ، أو ملكتك . قاله في الرعاية . قال في النكت : وفيه نظر ظاهر .

والأولى : أن يكون كتقدم الطلب من المشتري ، وأنه دال على الإيجاب والبذل . انتهى .

الثانية : لو قال : بعتك ، أو قبلت ، إن شاء الله : صح بلا نزاع أعلمه . وجزم به في المغني وغيره في آخر باب الإقرار . ويأتي نظيره في النكاح . ويأتي ذلك في باب ما يحصل به الإقرار .

الثالثة قوله ( وإن تراخى القبول عن الإيجاب : صح ، ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه ) . قيد الأصحاب قولهم " ولم يتشاغلا بما يقطعه " بالعرف

التالي السابق


الخدمات العلمية