صفحة جزء
[ ص: 363 ] باب الخيار في البيع

تنبيهات الأول : يستثنى من عموم قوله ( أحدهما : خيار المجلس . ويثبت في البيع والكتابة ) فإنها بيع ، ولا يثبت فيها خيار المجلس . على الصحيح من المذهب . وقطع به الأكثر . وقد ذكره المصنف وغيره من الأصحاب في باب الكتابة . وفيه خلاف يأتي في ذلك الباب . فالأولى أن يقال : عموم كلام المصنف هنا مخصوص بكلامه في الكتابة . الثاني : يستثنى أيضا : لو تولى طرفي العقد . فإنه لا يثبت فيه خيار المجلس على الصحيح المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وقدمه في المغني ، والشرح ، الرعاية الكبرى ، وغيرهم . صححه في الفروع . وجزم به في الرعاية الصغرى ، والحاويين ، وغيرهم . وقيل : يثبت . وهو ظاهر كلام المصنف هنا . وقدمه ابن رزين في شرحه . قال الأزجي في النهاية : وهو الصحيح . وأطلقهما الزركشي . فعلى هذا الوجه : يلزم العقد بمفارقة الموضع الذي وقع العقد فيه . على الصحيح جزم به في المغني ، والشرح ، والرعاية ، وشرح ابن رزين ، الفائق ، وغيرهم . وقيل : لا يحصل اللزوم إلا بقوله " اخترت لزوم العقد " ونحوه . وأطلقهما الزركشي .

الثالث : كذلك حكم الهبة إذا تولى طرفيها واحد . قاله في الفائق وغيره .

الرابع : ظاهر كلام المصنف وغيره : أنه لو اشترى من يعتق عليه : ثبوت خيار المجلس له ، وهو أحد الوجهين . [ ص: 364 ]

والوجه الثاني : لا خيار له .

قال الأزجي في نهايته : الظاهر من المذهب عدم ثبوت الخيار في شراء من يعتق عليه . وجزم ابن عبدوس في تذكرته ، والزركشي . وأطلقهما في التلخيص والبلغة ، والرعايتين . والحاويين ، والفروع ، والفائق . وتجريد العناية .

الخامس : وكذا الخلاف في حق البائع في هذه المسألة . وقيل : يثبت له الخيار ، وإن منعناه من المشتري . قاله في الرعاية . وقال الزركشي : وفي سقوط حق صاحبه وجهان . قوله ( ويثبت في البيع ) . هذا المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه . وقطع به أكثرهم . وفي طريقة بعض الأصحاب : رواية لا يثبت خيار المجلس في بيع وعقد معاوضة تنبيه : ظاهر قوله " ويثبت في البيع " أنه سواء كان فيه خيار شرط أو لا . وهو أحد الوجهين . وهو ظاهر كلامه في الفروع ، والوجيز وغيرهما . وقيل : لا يثبت فيه خيار المجلس . [ ويأتي في خيار الشرط إن ابتدأه من حين العقد على الصحيح من المذهب ] وأطلقهما في التلخيص ، والبلغة ، والرعايتين ، والحاويين . والفائق . وفائدة الوجهين : هل ابتداء مدة خيار الشرط من حين العقد ، أو من حين التفرق ؟ فعلى الأول : يكون من حين التفرق . وعلى الثاني : من حين العقد . قاله في التلخيص . وغيره . قوله ( والإجارة ) . ثبت خيار المجلس في الإجارة مطلقا . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وهو ظاهر ما جزم به في الهداية ، والمذهب والمستوعب ، [ ص: 365 ] والخلاصة ، والتلخيص ، والبلغة ، والشرح ، والمحرر ، والوجيز ، والفائق ، وغيرهم وقدمه في الكافي ، والفروع ، والزركشي وغيرهم . وقيل : لا يثبت في إجارة تلي العقد ، وهو وجه في الكافي . وأطلقهما في الحاوي الكبير . وأطلق في الرعاية الكبرى الوجهين في الإجارة في الذمة . وجزم في الحاوي الكبير بثبوت الخيار فيها . قوله ( ويثبت في الصرف والسلم ) .

وهو المذهب . قال في الفروع : يثبت على الأصح . قال الناظم : هذا الأولى . وصححه المصنف ، والشارح . وجزم به في الوجيز ، وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في الكافي ، والزركشي ، وغيرهما .

وعنه لا يثبت فيهما . وجزم به ناظم نهاية ابن رزين . وأطلقهما في الهداية ، والفصول ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، وتجريد العناية ، وغيرهم . وخص القاضي الخلاف في كتاب الروايتين في الصرف ، وتردد في السلم : هل يلحق الصرف أو ببقية البياعات ؟ على احتمالين .

فائدة :

قال المصنف ، والشارح ، وغيرهما : ويثبت في الصرف والسلم ، وما يشترط فيه القبض في المجلس . كبيع مال الربا بجنسه . على الصحيح . وقال في الفروع : وعلى الأصح ، وما يشترط فيه قبض . كصرف ، وسلم . وقال في الرعاية الكبرى : وفي الصرف ، والسلم وقيل : وبقية الربوي بجنسه روايتان . قوله ( ولا يثبت في سائر العقود إلا في المساقاة ) . وكذا المزارعة ، والحوالة ، والسبق في أحد الوجهين . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، النظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق . [ ص: 366 ] وأطلقهما في الحوالة في الحاوي الكبير . أحدهما : لا يثبت فيهن . وهو المذهب . جزم به في الوجيز . وصححه في التصحيح . وقدمه في الفروع ، والشرح . وقدمه الزركشي في غير الحوالة . وقدمه في الحاوي الكبير في المساقاة والمزارعة .

والوجه الثاني : يثبت فيهن الخيار . قال الزركشي : يثبت في الحوالة ، إن قيل : هي بيع . لا إن قيل : هي إسقاط أو عقد مستقل . انتهى . وعلى هذا الوجه : لا يثبت الخيار إلا للمحيل لا غير .

تنبيهات الأول : الخلاف هنا في المساقاة والمزارعة مبني على الخلاف في كونهما لازمين أو جائزين . على الصحيح من المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، ابن حمدان وغيره . فإن قلنا : هما جائزان وهو المذهب على ما يأتي فلا خيار فيهما . وإن قلنا : هما لازمان دخلهما الخيار .

وقيل : الخلاف هنا على القول بلزومهما . وجزم به في الحاوي الكبير . وكذا حكم السبق والرمي . وجزم به في الحاوي الكبير . فعلى القول بأنهما جعالة وهو المذهب فلا خيار فيهما . وعلى القول بلزومهما دخلهما الخيار . وقيل : الخلاف على القول بلزومهما . وجزم به في الحاوي الكبير .

الثاني : شمل قوله " ولا يثبت في سائر العقود " غير ما استثناه : مسائل . منها : الهبة . وهي تارة تكون بعوض ، وتارة تكون بغير عوض . فإن كانت بعوض : ففي ثبوت الخيار فيهما روايتان مبنيتان على أنها : هل تصير بيعا ، [ ص: 367 ] أو يغلب فيها حكم الهبة ، على ما يأتي في أول باب الهبة ، قاله المصنف ، والشارح وغيرهما . وجزم في التلخيص ، والخلاصة ، والبلغة : بأن الخيار يثبت فيهما . قال في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب وغيرهم : فإن شرط فيها عوضا فهي كالبيع .

فقد يقال : ظاهر كلام المصنف هنا : أن الخيار لا يثبت فيها . ويحتمل أن يقال : لم تدخل هذه المسألة في كلام المصنف . لأنها نوع من البيع ، على الصحيح . وهو أولى . وقال القاضي : الموهوب له يثبت له الخيار على التأبيد ، بخلاف الواهب . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وفيه نظر .

وقال ابن عقيل : الواهب بالخيار ، إن شاء أقبض وإن شاء منع . فإذا أقبض فلا خيار له . وكذا قال غيره . وإن كانت بغير عوض : فهي كالوصية ، لا يثبت فيها خيار . استغناء بجوازها . جزم به المصنف ، والشارح ، وابن حمدان ، وصاحب الحاوي وغيرهم .

ومنها : القسمة . وظاهر كلامه هنا : أنه لا يثبت فيها ، وهو أحد الوجهين . قال الأزجي في نهايته : القسمة إفراز حق . على الصحيح . فلا يدخلها خيار المجلس . وإن كان فيها رد : احتمل أن يدخلها خيار المجلس . انتهى .

والوجه الثاني : يدخلها خيار المجلس . وهو الصحيح من المذهب . قال في الفروع : وفي الأصح وفي قسمة .

وقطع القاضي في التعليق ، وابن الزاغوني بثبوت الخيار فيها مطلقا . وقطع به في الرعاية إن قلنا : هي بيع . وكذا الزركشي .

قال القاضي في المجرد : ولا يدخلها خيار ، حيث قلنا : هي إفراز . قال في الحاوي الكبير : إن كان فيها رد فهي كالبيع . يدخلها الخياران معا وإن لم يكن فيها رد ، وعدلت السهام ، ووقعت القرعة : نظرت . فإن كان القاسم [ ص: 368 ] الحاكم فلا خيار . لأنه حكم . وإن كان أحد الشريكين : لم يدخلها خيار . لأنها إفراز حق ، وليست بيع . انتهى . وقاله ابن عقيل أيضا .

ومنها : الإقالة . فلا يثبت فيها خيار المجلس . على الصحيح من المذهب . لأنها فسخ ، وإن قلنا هي بيع : ثبت . وقال في التلخيص : ويحتمل عندي أن لا يثبت ، ويأتي ذلك في الإقالة . ومنها : الأخذ بالشفعة . فلا خيار فيها . على الصحيح من المذهب . كما هو ظاهر كلام المصنف هنا . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . واختاره المصنف ، والقاضي ، ابن عقيل ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم . ذكره الحارثي في الشفعة .

وقيل : فيها الخيار . وهو احتمال في المغني ، والشرح ، وغيرهما . وأطلقهما في الرعايتين ، والحاويين ، والقواعد .

ومنها : سائر العقود اللازمة غير ما تقدم كالنكاح ، والوقف ، والخلع ، والإبراء ، العتق على مال ، الرهن ، والضمان ، والإقالة لراهن وضامن وكفيل . قاله في الرعاية . فلا يثبت في شيء من ذلك خيار المجلس . وذكر في الحاوي الكبير فيما إذا قالت : طلقني بألف . فقال : طلقتك بها طلقة احتمالين . أحدهما : عدم الخيار مطلقا . والثاني : يثبت له الخيار في الامتناع من قبض الألف ليكون الطلاق . رجعيا .

ومنها : جميع العقود الجائزة ، كالجعالة ، والشركة ، والوكالة ، والمضاربة ، والعارية ، الوديعة ، والوصية قبل الموت . ونحو ذلك . فلا يثبت فيها خيار المجلس .

التنبيه الثالث :

مراده بقوله ( ما لم يتفرقا بأبدانهما ) التفرق العرفي . قاله الأصحاب . وقد ضبط ذلك بعرف مكان بحسبه . فلو كان في فضاء واسع أو مسجد كبير أو سوق . فقيل : يحصل التفرق بأن [ ص: 369 ] يمشي أحدهما مستدبرا صاحبه خطوات . جزم به ابن عقيل . وقدمه المصنف ، والشارح . وجزم به في المستوعب ، وشرح ابن رزين ، والحاويين .

وقيل : بل يبعد عنه بحيث لا يسمع كلامه عادة . جزم به في الكافي ، والنظم .

وإن كانا في سفينة كبيرة : صعد أحدهما على أعلاها . ونزل الآخر إلى أسفلها . وإن كانت صغيرة : خرج أحدهما منها ومشى . وإن كانا في دار كبيرة : فتحصل المفارقة بخروجه من بيت إلى بيت ، أو إلى مجلس أو صفة ونحو ذلك ، بحيث يعد مفارقا . وإن كانت صغيرة ، فإن صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه .

ولو أقاما في مجلس وبنى بينهما حاجزا من حائط أو غيره : لم يعد تفرقا . جزم به في المستوعب ، والمغني ، والشرح ، وصاحب الحاوي وغيرهم . التنبيه الرابع :

ظاهر كلام المصنف : أن الفرقة تحصل بالإكراه . وفيه طريقان .

أحدهما : طريقة الأكثر منهم المصنف في الكافي قال الزركشي : وهو أجود ، وهي أن الخلاف جار في جميع مسائل الإكراه . فقيل : يحصل بالعرف مطلقا . وهو ظاهر كلام المصنف ، وجماعة . وقدمه الزركشي . وقيل : لا يحصل به مطلقا . اختاره القاضي . وجزم به في الفصول ، والمستوعب والحاويين . وصححه في الرعاية الكبرى . وقدمه في التلخيص . فعليه يبقى الخيار في مجلس زال عنهما الإكراه فيه حتى يفارقاه . وأطلقهما في الفائق . والوجه الثالث : إن أمكنه ولم يتكلم بطل خياره ، وإلا فلا . وهو احتمال في التلخيص . [ ص: 370 ] الطريق الثاني : إن حصل الإكراه لهما جميعا : انقطع خيارهما قولا واحدا ، وإن حصل لأحدهما : فالخلاف فيه . وهي طريقة المصنف في المغني ، والشارح ، وابن رزين في شرحه . وذكر في الأولى احتمالا .

وقال في الفروع : ولكل من البائعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفا ، ولو كرها . وفي بقاء خيار المكره وجهان . انتهى .

فائدة :

ذكر ابن عقيل من صور الإكراه : لو رأيا سبعا أو ظالما خافاه فهربا منه ، أو حملهما سيل أو ريح وفرقت بينهما . وقدم في الرعاية الكبرى : أن الخيار لا يبطل في هذه الصور . وجزم . بما قال ابن عقيل ، وابن رزين في شرحه . ونص عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية