صفحة جزء
قوله ( وإن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور ) . هذا المذهب بلا ريب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به أكثرهم . قال المجد : لا خلاف في ذلك . وعنه أنه طاهر . حكاها غير واحد . قال ابن البنا في خصاله ، وابن عبدوس في تذكرته : هو طاهر غير مطهر قال الزركشي : ولقد أبعد السامري ، حيث اقتضى كلامه الجزم بطهارته ، مع حكايته الخلاف في ذلك في طهارة الرجل به .

قلت : ليس كما قال الزركشي . وإنما قال أولا : هو طاهر ، ثم قال : وهل [ ص: 48 ] يرفع حدث الرجل ؟ على روايتين ، فحكم بأنه طاهر أولا . ثم هل يكون طهورا مع كونه طاهرا ؟ حكى الروايتين . وهذا يشبه كلام المصنف المتقدم في قوله " فهو طاهر في أصح الوجهين ، وهل يكون طهورا ؟ على وجهين " وهو كثير في كلام الأصحاب . ولا تناقض فيه ، لكونهم ذكروا أنه طاهر . ومع ذلك هل يكون طهورا ؟ حكوا الخلاف . فهو متصف بصفة الطاهرية بلا نزاع . وهل يضم إليه شيء آخر ، وهو الطهورية ؟ فيه الخلاف . قوله ( ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب ) . وكذا قال الشارح ، وابن منجا في شرحه ، وغيرهما ، وهو المذهب المعروف . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير ، منهم الخرقي ، وصاحب المذهب الأحمد . والمحرر ، والوجيز ، وابن تميم ، وابن أبي موسى ، وناظم المفردات ، والمنور ، والمنتخب ، وغيرهم ، وقدمه في الفصول ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . قال الزركشي : هي أشهرهما عن الإمام أحمد . وعند الخرقي وجمهور الأصحاب : لا يرفع حدث الرجل . قال في المغني ، وابن عبيدان : هي المشهورة ، قال ابن رزين : لم يجز لغيرها أن يتوضأ به ، هي أضعف الروايتين . وعنه يرفع الحدث مطلقا كاستعمالهما معا في أصح الوجهين فيه . قاله في الفروع ، اختارها ابن عقيل ، وأبو الخطاب والطوفي في شرح الخرقي ، وصاحب الفائق . وإليه ميل المجد في المنتقى ، وابن رزين في شرحه . قال في الشرح ومجمع البحرين : وهو أقيس ، وأطلقهما في المستوعب ، والخلاصة ، والرعاية الصغرى ، والحاويين . فعليها لا يكره استعماله على الصحيح . وعنه يكره . ومعناه اختيار الآجري ، وقدمه ابن تميم .

فائدة :

منع الرجل من استعمال فضل طهور المرأة تعبدي لا يعقل معناه ، نص عليه . ولذلك يباح لامرأة سواها ولها التطهر به في طهارة الحدث والخبث وغيرهما ; لأن النهي مخصوص بالرجل . وهو غير معقول . فيجب قصره على مورده . [ ص: 49 ] قوله ( وإن خلت بالطهارة ) . اعلم أن في معنى " الخلوة " روايتين ، إحداهما وهي المذهب أنها عدم المشاهدة عند استعمالها من حيث الجملة . قال الزركشي : هي المختارة ، قال في الفروع : ونزول الخلوة بالمشاهدة ، على الأصح ، وقدمه في المستوعب ، والمغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق . والرواية الثانية : معنى " الخلوة " انفرادها بالاستعمال ، سواء شوهدت أم لا ، اختارها ابن عقيل ، وقدمه ابن تميم ، ومجمع البحرين . قال في الحاوي الكبير : وهي أصح عندي ، وأطلقها في الفصول ، والحاوي الكبير ، والمذهب . وتزول الخلوة بمشاركته لها في الاستعمال بلا نزاع . قاله في الفروع . فعلى المذهب : يزول حكم الخلوة بمشاهدة مميز ، وبكافر وامرأة . فهي كخلوة النكاح على الصحيح من المذهب ، اختاره الشريف أبو جعفر ، والشيرازي ، وجزم به في المستوعب ، وقدمه في الكافي ، ونظمه ، والشرح ، والنظم . وألحق السامري المجنون بالصبي المميز ونحوه ، قال في الرعاية الكبرى : وهو خطأ ، على ما يأتي . وقيل : لا تزول الخلوة إلا بمشاهدة مكلف مسلم ، اختاره القاضي في المجرد . وقدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في المغني ، والحاوي الكبير ، وابن تميم ، وابن عبيدان ، والزركشي ، والفائق ، والفروع . وقيل : لا تزول الخلوة إلا بمشاهدة رجل مسلم حر ، قدمه في الرعاية الكبرى فقال : ولم يرها ذكر مسلم مكلف حر . وقيل : أو عبد . وقيل : أو مميز . وقيل : أو مجنون . وهو خطأ . وقيل : إن شاهد طهارتها منه أنثى أو كافر فوجهان . انتهى

تنبيهات

الأول : " قوله بالطهارة " يشمل طهارة الحدث والخبث . أما الحدث : فواضح وأما خلوتها به لإزالة نجاسة ، فالصحيح من المذهب : أنه ليس كالحدث . فلا تؤثر [ ص: 50 ] خلوتها فيه . قال ابن حامد : فيه وجهان ، أظهرهما ، جواز الوضوء به . واقتصر عليه في الشرح . وقدمه في الفروع ، وقطع به ابن عبدوس المتقدم . وقيل : حكمه حكم الحدث .

اختاره القاضي . قال المجد : وهو الصحيح ، قال في مجمع البحرين : ولا يختص المنع بطهارة الحدث في الأصح . ، وقدمه في الحاوي الكبير . وقال : إنه الأصح . وأطلقهما في المغني ، والنظم ، والرعايتين ، وابن تميم ، وابن عبيدان ، والفائق ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في الشرح في الاستنجاء . واقتصر على كلام ابن حامد في غيره .

الثاني : شمل قوله " بالطهارة " الطهارة الواجبة والمستحبة ، وهو ظاهر المحرر ، والوجيز ، والحاوي الكبير ، وغيرهم . وجزم به في الفصول ، وقدمه ابن رزين . وقيل : لا تأثير لخلوتها في طهارة مستحبة ، كالتجديد ونحوه ، وهو الصحيح ، قدمه في الفروع . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، وابن تميم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وابن عبيدان ، والزركشي ، والفائق ، وغيرهم .

الثالث : ظاهر قوله " بالطهارة " الطهارة الكاملة . فلا تؤثر خلوتها في بعض الطهارة ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وهو المذهب ، وقدمه في الفروع . وقيل : خلوتها في بعض الطهارة كخلوتها في جميعها . ، اختاره ابن رزين في شرحه ، وقدمه في الفصول . ويحتمله كلام المصنف هنا . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والرعاية الكبرى ، وابن تميم ، وابن عبيدان . الرابع : مفهوم قوله " بالطهارة " أنها لو خلت به للشرب : أنه لا يؤثر ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه الأصحاب : ولا يكره ، على الصحيح من المذهب اختاره المجد وغيره . ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وشرح ابن عبيدان ، وهو ظاهر ما قدمه في الفروع . وعنه يكره . وأطلقهما الزركشي . وعنه حكمه حكم الخالية به للطهارة . [ ص: 51 ]

الخامس : مراده بقوله " بالطهارة " الطهارة الشرعية ، فلا تؤثر خلوتها به في التنظيف . قاله ابن تميم . ولا غسلها ثوب الرجل ونحوه . قاله في الرعاية الكبرى . قال : ولم يكره .

السادس : مفهوم قوله " منه " يعني من الماء : أنها إذا خلت بالتراب للتيمم : أنها لا تؤثر ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام غيره . وفيه احتمال : أن حكمه حكم الماء . وأطلقهما في الرعاية الكبرى . السابع : مفهوم قوله " امرأة " أن الرجل إذا خلا به لا تؤثر خلوته منعا ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . ونقله الجماعة عن أحمد . وحكاه القاضي وغيره إجماعا . وذكر ابن الزاغوني عن الأصحاب وجها بمنع النساء من ذلك . قال في الرعاية : وهو بعيد . وأطلقهما ناظم المفردات . وقال في الفائق : ولا يمنع خلوة الرجل بالماء الرجل . وقيل : بلى . ذكره ابن الزاغوني . قلت : في صحة هذا الوجه الذي ذكره في الفائق عنه نظر .

وعلى تقدير صحة نقله : فهو ضعيف جدا ، لا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه . ولا على الذي قبله ، وهو مخالف للإجماع .

الثامن : ظاهر قوله " امرأة " أن خلوة المميزة : لا تأثير لها ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والوجيز ، وابن تميم ، وغيرهم ، وهو المذهب ، وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الكبرى . فإنه قال " مكلفة " وقدمه في الفروع . وقيل : خلوة المميزة كالمكلفة ، وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . فإنهما قالا : أو رفعت به مسلمة حدثا .

التاسع : شمل قوله " امرأة " المسلمة والكافرة .

وهو ظاهر كلامه في الفروع والمحرر ، والوجيز ، والحاوي الكبير ، وغيرهم . فإنهم قالوا " امرأة " وهو أحد [ ص: 52 ] الوجهين ، وقدمه ابن رزين في شرحه . وقيل : لا تأثير لخلوة غير المسلمة ، وهو ظاهر الرعايتين ، والحاوي الصغير . فإنهما قالا " مسلمة " ، قلت : وهو بعيد . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والزركشي . وأطلقهما ابن تميم في خلوة الذمية للحيض . وذكر في الفصول ومن بعده : احتمالا بالفرق بين الحيض والنفاس ، وبين الغسل . فتؤثر خلوة الذمية للحيض والنفاس ، دون الغسل ; لأن الغسل لم يفد إباحة شيء .

العاشر : مفهوم قوله " امرأة " أنه لا تأثير لخلوة الخنثى المشكل به ، وهو صحيح . وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به أكثرهم ، منهم ابن عقيل في الفصول ، والمجد في شرح الهداية ، وابن تميم ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وابن عبيدان ، والزركشي ، وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب . وقيل الخنثى في الخلوة كالمرأة ، اختاره ابن عقيل .

الحادي عشر : مفهوم قوله " ولا يجوز للرجل الطهارة به " أنه يجوز للصبي الطهارة به ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، وهو المذهب ، قدمه في الفروع . وقيل : حكمه حكم الرجل .

قال في الرعاية الكبرى : هل يلحق الصبي بالمرأة ، أو بالرجل ؟ يحتمل وجهين ، الثاني عشر : مفهوم قوله " ولا يجوز للرجل الطهارة به " أنه يجوز الطهارة به للخنثى المشكل ، وهو مفهوم كلام كثير من الأصحاب ، واختاره ابن عقيل ، وجزم به الزركشي ، والصحيح من المذهب : أن الخنثى المشكل كالرجل . ، جزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، والمنور ، وقدمه في الفروع . وقال في الرعاية الكبرى : هل يلحق الخنثى المشكل بالرجل ؟ يحتمل وجهين .

الثالث عشر : عموم قوله " الطهارة " يشمل الحدث والخبث . أما الحدث : [ ص: 53 ] فواضح وأما الخبث : فالصحيح من المذهب : أنه ليس كالحدث . فيجوز للرجل غسل النجاسة به وهو المذهب ، اختاره ابن أبي موسى ، والمصنف . قال ابن عبيدان : وهو الصحيح ، وقدمه في الفروع ، والمحرر ، والرعاية الكبرى ، والشرح ، وابن رزين في شرحه ، وابن خطيب السلامية في تعليقه . وقيل : يمنع منه كطهارة الحدث ، اختاره القاضي ، والمجد [ وابن عبد القوي في مجمع البحرين ] وحكاه الشيرازي عن الأصحاب ، غير ابن أبي موسى . قال ابن رزين : هذا القول أصح ، وقدمه في الحاوي الكبير . قال في الرعاية الكبرى : وهو بعيد .

أطلقهما في المستوعب ، وابن تميم ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وابن عبيدان .

الرابع عشر : مفهوم قوله " ولا يجوز للرجل الطهارة به " أنه يجوز لامرأة أخرى الطهارة به .

وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وجزم به في الفصول والزركشي . وصححه في الفروع ، وابن رزين ، وابن عبيدان ، وقدمه ابن منجا في شرحه . وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والوجيز . وقيل : هي كالرجل في ذلك ، وقدمه في الفائق . فقال " طهور . ولا يستعمل في الحدث " وأطلقهما في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، وابن تميم ، والمستوعب ، وناظم المفردات .

الخامس عشر : فعلى المذهب هنا وفي كل مسألة قلنا يجوز الطهارة به محله : على القول بأنه طهور أو طاهر . أما إن قلنا " إنه طاهر " فلا يجوز الطهارة به . وصرح به في الحاوي الصغير وغيره . وهذا الذي ينبغي أن يقطع به . وقال في الرعاية الصغرى : وإن توضأ الرجل فروايتان . وقيل مع طهوريته فظاهره : أن المقدم سواء قلنا : إنه طهور أو طاهر . وقال في الرعاية الكبرى : ولها التطهير به يعني الخالية به ثم قال : قلت : إن بقي طهورا . وإلا فلا .

وفي جواز تطهر امرأة أخرى به إذن : وجهان . وفي جواز تطهير الرجل به إذن : روايتان وقيل : بل مطلقا . وقيل إن قلنا : هو طهور جاز . وإلا فلا . انتهى . فحكي خلافا في جواز مع القول بأنه طاهر . [ ص: 54 ]

والذي يظهر : أن هذا ضعيف جدا ، السادس عشر : مفهوم كلامه : أنه يجوز للمرأة الخالية به الطهارة به ، وهو الصحيح من المذهب ، قطع به كثير من الأصحاب . وقال في الرعاية الكبرى : ولها التطهر به . ثم قال قلت : إن بقي طهورا كما تقدم . وقال في الحاوي الصغير : ولها التطهر به في ظاهر المذهب . فدل أن في باطنه قولا : لا يجوز لها ذلك ، قلت : هو قول ساقط . فإنه يفضي إلى أن المرأة لا تصح لها طهارة ألبتة في بعض الصور ، وهو مخالف لإجماع المسلمين .

السابع عشر : كلام المصنف مقيد بما إذا كان الماء الخالية به دون القلتين . وهو الواقع في الغالب : أما إن كان قلتين فأكثر ، فالصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب : أن الخلوة لا تؤثر فيه منعا ، وقطع به كثير منهم .

وقال ابن عقيل : الكثير كالقليل في ذلك . قال المجد في شرحه ، وتبعه في الحاوي الكبير : هذا بعيد جدا . قال في الرعاية : وهو بعيد . وأطلقهما ناظم المفردات .

التالي السابق


الخدمات العلمية